7.04.2016

مقال نظرية المعرفية بين جبهتين

2 أكتوبر 2014

مقال نظرية المعرفية بين جبهتين

مقال قديم بعنوان: (نظرية المعرفة بين جبهتين)
في حاشية كتاب (نقد العقل المحض) يقول أمانويل كانط: فضيحة الفلسفة المثالية أنها لا تستطيع أن تثبت وجود العالم الموضوعي.
وهذا ما سيحتج به مارتن هايدجر في كتابه (الكينونة والزمان) ويدور في فلك (الدازن) الذي يحاول جعله لا ذاتيا ولا موضوعيا، ليواجه بالنقد القائل (كما تجده في محاورات صادق جلال العظم) إن الدازن هذا غير موجود في الخارج إنه مجرد عدم!
إنه صراع قديم بين (المادية والمثالية)، بين الكنيسة والعلم، بين اللاهوت والعقل!
الإله ذلك الكلي المطلق كما يصفه توما الأكويني في (الخلاصة اللاهوتية) ليعترف بعدها فيقول: (الكليات مجرد تجريد ذهني لا وجود لها في الخارج)! في (نفس الكتاب)!
الكليات، المجرد، المطلق، غير المتحيز تلك الصفات التي اصطلح على تسميتها بـ (الروح).
المحدد، الثابت خارج الذهن، تلك مصطلحات عرفت بـ (المادة).
بقطع النظر عن (الألفاظ)، فالكنيسة تسميها (إلها) تلك الأمور الكلية المطلقة الأزلية، وأفلاطون كما في (محاوراته) يسميها (الروح).
أيها أسبق؟! الخارجي أم الذهني؟
المثالية تنحاز (في منطقيتها القصوى) إلى الجواب الثاني، حرصا على مطلقاتها وكلياتها من أن تذهب سدى!
أما المادية فتنحاز إلى الخارجي، المحدد، الموجود.
إنها المسألة الأساسية في الفلسفة كما يسميها الماديون وفي فلكها دار كتاب لينين (المادية والمذهب النقدي التجريبي).
الطريف في الأمر أن الماديين يجعلون كل الإيمان في خانة المثالية، ولذا يرفضونه كونه يجيب بان المطلق موجود قبل المقيد المعين! الذهني قبل الواقعي!
وأما المثالية فلا تزال تتمسك بمواقفها حفاظا على مواقعها.
ولكن ماذا لو قيل: إن الإيمان الصحيح ليس مثاليا!! لا يعيش في فلك الذهنيات، المطلقات، والكليات!
ببساطة ماذا لو كان الإيمان خصما لأفلاطون واللاهوتيين!
في كتابه (هكذا تكلم زرداشت) يتفطن نيتشة بنباهة إلى ثغرة اللاهوتيين الكبرى فيقول: « من سَلّم أن الإله روحا (بمعنى أنه مطلق، كلي، ليس في العالم ولا خارجه) فقد خطى خطوته الكبرى نحو الإلحاد! «.
إنه قلب المفاهيم السائدة التي حرص على قلبها في كتابه أفول الأصنام) وضرب بمطرقته الفلسفية على كعب أخيل اللاهوتي!
إنه يكشف ثغرة التدليس التي يعشعش فيها الإلحاد باسم الإيمان في أحضان المثالية!
متى سلمت أنه مطلق فهي الخطوة الكبرى لنفي وجوده كون المطلق لا وجود له إلا في الأذهان.
كون المطلق تشكله كيف شئت بأي وصف ثم تقول هو خارج القدرة العقلية! كما حرص كانط على فعله (التفويض) لتسلم له خرافات اللاهوت!
ليصفه نيتشة بعدها: مسيحي متنكر!! (في كتابه: أفول الأصنام، وكتابه: ما بعد الخير والشر).
إنه التنفيذ والتسليم للتنظير العدمي الذي تمارسه المثالية في لاهوتها.
في كتابه (قصة الفلسفة) يصف ول ديورانت أرسطو بأنه حاكم العالم لألفي سنة!
بأفكاره وأرائه، بمنطقه وميتافيزيائه.
أرسطو عارض أفلاطون في الكليات الموضوعية المزعومة، لكنه وافقه فيها في مباحث عديدة من المنطق وما وراء الطبيعة والنفس!
بل أخذ الكثير عنه في كتابه (النفس) وأهم تلك القضايا بنظري (المحرك الذي لا يتحرك).
الإنسان يتحرك فمن الذي يحركه؟ العقل؟
ومن الذي يحرك العقل؟ هل تتسلسل الحكاية أم لها نقطة تتوقف عندها؟
بل تتوقف كما يجيب أرسطو، ويقسم العقل إلى عقول: عقل منفعل، وعقل عملي، وآخر فعال!
هناك عقل غير متحرك يحرك غيره وهو أزلي! ومن هنا سيقول بأنه لا يفنى، وكم كان ابن سينا مخلصا له حين نص في (الأضحوية) على بقاء النفوس لا الأبدان!
ما دخل كل هذا في الإله؟ يقتبس أرسطو في كتابه نصا مهما عن أفلاطون يقول فيه: (حركة السماء مثل حركة النفس) ليخرج أرسطو بنظرية تحرك الكون، وعدم تحرك الأول!
إنه نسخ ولصق لتفسيره لحركة الإنسان.
ثم تعربت كتب أرسطو، وبدأت المعتزلة بخلط فلسفته والتي ينصرف إليها الذهن وقتها عندما تقول الفلسفة)!

لتقول لخصوم المطلقات الأفلاطونية: أنتم مجسمة! أي (ماديون)!
كل من قال بأن الإله ليس ذهنيا صار عندهم مجسما! ولو التزمت المعتزلة مثاليتها ما تعاملت مع أي موجود خارج ذهنها فهي فضيحة الفلسفة المثالية (عدم إثبات شيء خارج الذهن) ولكنها تتناقض فحسب.
القرآن مخلوق قالت المعتزلة لماذا؟ لو حذفنا كل الألفاظ والتبريرات التي تنسي أصل القضية يبقى عندنا نص أرسطو الذي ترجمه إسحق بن حنين (ما بعد الطبيعي) ماثلا أمامنا بقوة الأول محرك غير متحرك).
طبقها على القرآن! القرآن نزل! محدث! لقد تحرك وأرسطو يقول الأول غير متحرك إذن؟ هو غير الأول! والأول غير مخلوق فالمتحرك مخلوق!
ماذا سيصنعون بكل صفة تطلق على من سماه أرسطو (أولا)!! (جاء، استوى، كلّم... إلخ) ظاهرها حركة!؟ إذن تؤول!
ثم لما كانت قصة المحرك الذي لا يتحرك مستمدة عن أفلاطون فكنتيجة منطقية لن يكون جسما!
إنه روح، إنه مطلق.(طبعا هذه ألفاظ للتقريب فحسب!) وإلا فالبيئة لا تسمح بهذا! يجب أن نسميه ذاتا، والذات هي الصفات، لكن هل الذات هذه موجودة خارج الذهن؟ إنهم سيجعلون الذات هذه: عليما دون علم وسميعا دون سمع سيجردونها لأقصى نتائج كلامهم منطقيا لتصبح عدما! ولكن دون تسميته باسمه، ولذا فهل يمكن أن نرى العدم؟!! لا طبعا! ولذا ستنفي المعتزلة الرؤية!
ولا غرابة أن يعارضهم الأشعري ليبدأ في هذه المسألة معهم من حيث انتهوا! ليقول: « إنه موجود، وكل موجود يمكن رؤيته»!
في هذه النقطة خالف مثاليتهم! خالف المطلق الذهني، كأنه يقول: ما تزعمونه عدم محض! فإنه إن كان موجودا أمكن رؤيته.
ستتهمه المعتزلة بالتجسيم! إنه مادي، إنه محدد بخلافهم أصحاب المطلق، الكلي!
لكن الأشعري كان قد نشأ بينهم، وهل تعلم الكلام إلا على أيديهم!
فيدفع الوصف (الشنيع) عن نفسه: إنه ليس جسما! ولكن يمكن رؤيته!
سيلعب خصومه هنا على تناقضه، وسيلعب أنصاره على التوفيق بين نفيه للجسمية وإثباته للوجود بل والرؤية! كلها في نفس الوقت!.
إلى هنا أتوقف، خوف السآمة على القارئ، مع تسليمي له بأنني قد أطلت.
دمتم بخير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق