7.04.2016

دائرة مغلقة!

24 دسمبر 2015

دائرة مغلقة!

1

إن فاتك حديث في علو أدركته في نزول، ولكن إن فاتك عقل هذا أي الشافعي لم تدركه، هذه كلمة عميقة لأحمد، تلفت انتباه أقوام إلى ضرورة الاهتمام بالعقل وتقدير أهله النابهين، فأي شيء هذا الذي حصله من حرص على مسند الشافعي، وفاته عقله الذي بث نتاجه في كتبه كالرسالة في الأصول، كذلك الأمر في ابن تيمية، فإن فاتتك مسألة فقهية في كتبه تظفر بها في غيرها، لكن ان فاتك عقله لا تدركه.
هذا العقل المتفتح الذي وجد ان الانحياز اما لمقالة السمنية أو جهم، بعبارة اليوم إما الى المادية أو المثالية، وانحاز للمادية بطريقة صريحة لا توسط فيها، بعيدا عن كتل الوعظ المكرور التي تمتلئ بها الكتابات المتنوعة، والتي غدت اليوم ماركة تجارية يتنافس أهلها ودور النشر على الربح بها.
نحن اليوم في الحالة التي تسمى بالإسلامية في حلقة مفرغة، نقاشاتها، مشاكلها، بحثها، يتكرر لدرجة قاتلة، وإن نبغ واحد فهو فقيه كغيره من الفقهاء يقول هذا حلال وهذا حرام، لكن هذا موقف سلبي تحصل الوقائع وهو يقيمها لا انه يصنع تلك الوقائع بطريقة مجدية.
أما عن الجانب السياسي فهو حالة مهترئة تصل الى ما يشبه الزوايا والذكر الجماعي حتى عند من يحرمه! وبعدها يريدون التشخيص والبحث عن حلول..
بكل صراحة هذه الدائرة لن تصل الى شيء خارج ما تم افرازه داخلها سابقا، لن تصل الى خرق لسطح السائد كما فعل الشافعي في ضبطه الاصول في رسالته وغيرها، ولن تصل الى فلسفة نقدية للسائد كما فعل ابن تيمية.
خروجا قليلا من هذه الأجواء، ما هي الاداة والالية التي سنشخص بها الواقع، كثيريون داخل الصف الإسلامي جوابهم اللازم: الإسلام! وهذا لا يفسر اي شيء، فنحن هنا نتحدث عن تشخيص لا نتكلم عن ما لا يعارض الإسلام بل ما هي الاداة التي تنطق بهذه التشخيص وتوصل اليه!؟ فالإسلام لا يشخص مريضا في عيادة، وانما يشخصه الطب، كذلك المجتمعات، والسياسة لها ادوات لتشخيصها..
هذه الاجوبة المائعة العامة كان يفترض ان يتم التخلي عنها من ايام الثورة الايرانية، التي صدمت إسلاميي المنطقة بكثير مما لم يحسبوا حسابه، على اي حال ولا يسجل كموقف ذلك المعارض اساسا لكل شيء! وصدفت معه أن كانت معارضته في وقت ما سليمة.
الفقه الموروث بحث مسائل الافراد بشكل كبير، لكن قلة من بحثوا العصبة والطوائف كما فعل ابن تيمية.
حتى هذا اضحى في شق منه تاريخي، فاليوم موضوع الطبقات والعولمة والراسمالية، مشكلة الساعة..
الخطاب العام، تحدث عن قطع يد السارق ولكن عفوا اي سارق هو الذي ستقطع يده؟ اذلك الفلاح المعدم؟ أم ذلك الرأسمالي الذي ترتمي في أحضانه، إن الأحزاب التي تحدثت طويلا عن الإسلام ارتمت وترتمي في حضن الراسمال كل ساعة وكل حين، بانتهازية تارة وبغباء مرة أخرى..
تأكد تماما ان العامل الذي تسحقه قيود العمل في ظل الراسمالية لا وقت عنده لكل ما تقوله وانت تحبطه أو تخدره بالامال الاعجازية، وهو يرى الظلم دوما يرزح على كاهليه..
إن الثورات التي تزعمتها التيارات الإسلامية التقليدية كانت تعمل تارة بالوكالة وتارة بصنع طبقة لا برنامج عندها غير المزايدة دون اي بديل مطروح لأنها لم تطرح خلافها مع الاخر الا على انه خلاف ديني شبه غيبي لا علاقة فعلية له بالواقع ولتضحي الانتقادات السابقة اكثر تعقيدا مع تغليفها بالقالب الديني.
والعداء لم يشرح ولم يبين لاي وجه تخالف الليبرالي والشيوعي؟ المجرد انه خالف الإسلام!؟ اذن الاثنان واحد وملة الكفر واحدة، هذا الطرح قتل اي رؤية للواقع تماما بل وعزل انصاره عن الاستفادة من تجارب الامم الأخرى وهي تحاول التخلص من هم مشترك في ظل الراسمال العالمي ومفرزاته!
ان البلاهة التي تصاحب أنصار هذا الطرح كرؤية للواقع تحتم ان لا يكونوا مقصودين في اي خطاب مستقبلي فهم في انتشاء لاهوتي يحجب عن ابصارهم اي رؤية حقيقية للواقع..
ومعاركهم مع أمثالهم، لا تطال أي رأس من المستفيدين الكبار من كل الخيرات للأكثريات الساحقة، معاركهم مع زملائهم سواء في الواقع وحتى في السجن! كلها لاهوتية لا برنامج واضح فيها ولا تشخيص فيها وقطعا لا اولويات الا ما تفرزه الساعة للحزب والجماعة بطريقة براغماتية تتشارك مع عقلية اولئك الكبار الذي سجنوهم يوما!

2

إنها تعيش على التعمية وزيادة البلاهة بين انصارها، ليضحوا متعاطين للشعارات واللاهوت غير الملموس ولا المحسوس، إن هذه الفئة فضلا عن كونها عالة على مجتمعها لا يتوقع ان تقدم اي مفيد له، الا انها ايضا خطيرة جدا كون البلاهة لا حد لها ويمكن ان تستثمر وتوجه أينما يريد انسان ذكي عنده قدرة على التوجيه والتفاهم مع قيادات المصحات النفسية تلك!
تلك القيادات التي دخلت بلهاء ثم فهمت اللعبة وتمارسها على انصارها، ولا تريد ان تستيقظ فئة الأتباع، وإلا فهذا يهدد مناصبها ومواقعها.
إن اي تشخيص لاي مرض يبحث في افتراض مهم، هل هذه الحالة يمكن اصلاحها ام يجب التخلص منها؟! هل هذه الاصبع التي تؤلم يجب قطعها ام يفترض علاجها، هل الكاثوليكية يمكن اصلاحها ام يجب التخلي عنها! اعتقد ان هذا مهم في التعامل مع الاحزاب الإسلامية!
فانت لا تواجه قناعات وافكار بل تواجه سلطة ومصلحية ومن يستفيد منها، فليس الأمر مجرد إقناع مع امكانية التأثير بالاقناع على الافراد لكن ليس الجماعات هنا تحديدا.
اجمالا هناك تذمر وليس هناك نقد رصين فيما ارى داخل التيارات والمشيخات، وهو ينفتح حاليا على خيارات الليبرالية كما في كتاب ما بعد السلفية، أو ينفتح تماما على المثالية الفلسفية وبالتالي تأييد الرأسمالية والملكية بطريقة غير مباشرة وان كانت لازمة أو الفوضوية الثورية ان كان في المعارضة.
هناك نفرة شديدة من البحث في الفلسفة الماركسية وما خلفته من تجربة ثرية، وإن كان فبطريقة اعتباطية لا منهجية، انها تفتقد المنهج تماما في الرؤية، ولذا تجد كثيرا من الإسلاميين يطربون على شعارات رددها إسلاميون مثل الثورة كالفتيل الذي يفجر غيره عبد الله عزام كان يرددها، أو ان الطريق كالولادة وكل ولادة لا بد لها من الام كما ردد سيد قطب، مع ان الاولى لماوتسي تونغ والثانية لماركس، على اي حال انهم يقرؤون في الادبيات الماركسية بطريقة مشوهة خصوصا في المبثوث في التراث الحركي الإسلامي.
اما الحتميات التي طرحتها التيارات الجهادية فهي تتماهى مع افكارهم لا مع الواقع كما هو، وتتحطم النماذج اول ما تبدا بالعمل، وتنشطر انشطارات كبيرة لفقدان اي نظرية موحدة.
هناك إسلاميون ينفتحون اليوم على الداروينية باسم العلم وهم بلا وعي منهم يرددون البناء الراسمالي الفوقي بجدارة، الاقتصاد الحر والصراع، انهم يبررون من حيث لا يعلمون لسياسات الدول القوية، في سيطرتها على خيرات غيرها.
باختصار هناك حلقة مفرغة تماما داخل التيارات الإسلامية في الشق الفلسفي والسياسي ولا يمكن المراهنة على اي طرح منها كتشخيص ولا كحل بضرورة الحال، بل هي عقبة اساسية للرؤية وللعمل.

3


اننا بحاجة ماسة اليوم ان نستفيد من كل ما تم طرحه اليوم في نقد الراسمالية العالمية، ليس فقط لنبني من حيث انتهى الاخرون ولنتجاوز اخطاءهم، بل ايضا لنفضح الأطروحات الكبيرة التي ترتمي بانتهازية فظيعة في حضن الرأسمال، عند كل قضية، إن الأمر اليوم لا يحتمل البلاهة التي تفترضها كثير من الاحزاب عندما تسمع كلمة فلان ملتزم أو طالب علم! أي إنه زبون مفترض لها!
وسيكلمونه عن الجماعة الحق، ومن مات وليس في عنقه بيعة، أو الطائفة المنصورة! ماذا لو صدمهم وقال لهم ما العمل في ظل الراسمال! ما العمل في ظل وجود كثرة متزايدة لا تملك أي شيء وتعمل كل شيء، وقلة لا تعمل أي شيء وتملك كل شيء، هذا الطرح هو الذي لا يزال قائما، ولا يمكن تغطيته بكل تعاليم التسامح المسيحية بين البشر!
وكما قلت لا شك ان الطرح الماركسي في شق منه وقع في أخطاء قاتلة، والتجارب تعلم، وكانت تجربة حري ان نستفيد منها، بدل البدء بهراء تسجيعي وخطب تتنافس في البلاغة لا في المضمون!
العجيب انك لا تجد إسلاميا اليوم، اذا سالته عن الراسمالية الا ويردد في احسن احواله النقد الماركسي عليها، دون اي بناء نظري عنده يلتزم بنتائج نقده ويؤطر لها داخل منظومة متسقة، بعضهم يتحدث عن الاغتراب واستغلال الشعوب، والطبقية في العالم بل والامبريالية دون ان يعرف اساسا اي منهج يعتمد في نقده ويلتزم به حتى النهاية، بل لا يعرف ان ما يقوله هو مجرد ترديد لكلام ماركس!
وينسى ان ماركس تحدث عن (أفيون الشعوب) ذلك الدين المثالي الذي يجد حساسية فادحة عندما تسأله عن الرزق! إنه من الله، أما رزقه هو فيعرف اين سيذهب لطالب به من وزارة الأوقاف لربما أو بجمع الزكاة فهو من العاملين عليها..
إو إن جن جنونه يفرز لنا منظومة مقاتلة تسبي الفقير لحساب القوي دون وعي ولا تمييز، إلى أي حال يصل الأمر! يصل إلى الزج بألوف في مغامرات يعرف نتيجتها كل ذي عقل قبل ان تبدأ! أو حالة استثمار باسم التزكية!
حالة بيع لكتب وتصدير لألقاب ومشيخة وفي الختام هو نصير للوضع القائم، أي منتفع من لعق أحذية الكبار بلغة أخرى.
أعرف أن ما أقوله هنا يصعب هضمه على عقيلة لا تعرف من تشخيص الواقع سوى القول بانه بدعة، أو تبريره بانه بدعة حسنة!
أما ان يدخل في قاموسه مفاهيم الاستغلال والسحق الطبقي فتلك قصص الملاحدة الذين انهاروا!
إنها حالة من الهراء السمج، بكل ما في الكلمة من معنى، يحاكم غيره للتطبيق وإن حاكموه لحظة لانهيار دولته قبل ان تقوم دولتهم! لعدها فظيعة من الفظائع، ما المعيار الذي تحاكمون إليه الأشياء والنجاح والفشل.
تأكد تماما أن الحالة التي تعاني منها المنطقة ساهمت فيها احزاب كثيرة بل ان حزب الدعوة في العراق الذي كان نموذجا طائفيا كان كثير من اعضائه يوما ما منفتحين على الإخوان وحزب التحرير وغيرها.
إن الشعارات العامة باتت تفرز نتائجها الجارحة والقاتلة.. إن الأفيون وإن كان يساعد في الشعور بالسعادة إلا أنه يدمر صاحبه فيما بعد!
لقد انهمكوا في تقرير الاحكام وكأنها معزولة عن مفرزاتها الواقعية، وفي القران كان يربط الشرك بالظلم! لأهمية معرفة الظلم، أما اليوم فهو شيء شبه ضبابي في الوعي الجمعي الحركي، بل يكفي أن يغيب عقله لكي يرتكب أشد الفظائع باسم الايمان، والايمان حسن دوما!
الأمر بحاجة جدية إلى بناء نظري محكم، نستطيع ان نجعله اساسا لمصادمة الأطروحات المستغلة للناس! لظلم الناس وقهرهم، ولفضح كل انتهازي قاد الدهماء يوما وحرص على عدم وعيهم لتوجيههم بوجهة اختارها لانها فحسب تصب في صالحه! وإن مات القطيع!!
مودتي لكم..
دمتم بخير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق