7.04.2016

الغناء (نظرة أخرى)

27 نومبر 2015

الغناء (نظرة أخرى)


لن ندخل في جدل فقهي عن حكم الغناء هنا، بل النظرة المقصودة هنا هي أثر الغناء أو الحداء أو النشيد سمه ما تشاء في صياغة الوعي الجمعي، والذي لا يقتصر على الشاب المتدين الذي يستمع لأناشيد أبي علي وأبي عبد الملك فترة من الزمن قبل انتقال الاخير للأغاني المعزوفة التي بطبيعة الحال لم ينافس بها غيره، ثم اعتزل.
مثلا اغنية (خل السلاح صاحي صاحي صاحي)، سنجدها تتحور في النمط الإسلامي الذي انتشر عند الإخوان لأبي راتب: (يا دعوتي سيري سيري سيري)، هذا قد يكشف عن تحرك داخل الطرح القومي، والوطني في الأناشيد، وأن نسق التفكير قد يكون واحدا باختلاف القوالب التي يفرغ فيها.
أغان وطنية مثل (شدو الهمة الهمة قوية) ستلحن بنفس اللحن (أن تدخلني ربي الجنة).
عند التيارات السلفية، كان أبو عبد الملك، وأبو علي رائدا النشيد قبل طفرة المنشدين فيما بعد، كذلك كان هناك سلسلة لأبناء طيبة (أنشد فيها أبو عبد الملك) أيام صراع أفغانستان تصوغ الأفكار الشبابية عند مستمعيها.
كانت الاناشيد تتطور في طرحها، فمثلا (قوافل الشهداء) سيكون لفترة طويلة حاضرا في الإصدارات المرئية، ستجد قوما ينشدون (عليك مني سلام يا أرض أفغان) والتي حواها قوافل الشهداء التي أصلها أغنية جزائرية (عليك مني سلام يا ارض أجدادي)..
وتتكرر فيها ابيات كاملة من الاغنية الجزائرية.
فمن يحرم المعازف علميا يستورد أغان ملحنة، ثم يضع فيها أبيات تحتفظ بنفس اللحن الصوتي.
هذا يحدث عند السامع وحدة في الموضوع، بمعنى الوطني الذي كان يستمع أغنية (فلسطينيين) سيحتفظ بتصوره عندما يستمع لأغنية أخرى بعدها (حمساويين) بنفس اللحن، إنه تحرك من داخل المنظومة لا كبديل وشيء خارجي، التبديل فحسب في بعض الأطروحات من زاوية نظر معينة.
طبعا الافكار الحركية الإسلامية تنعكس بطبيعة الحال على الغناء العادي، مثال مغني الراب التونسي بسيكو إم يطرح أفكار حزب التحرير حذو القذة بالقذة طبعا مع تسريع في أغانيه في الراب، سنجد مغنيا آخر يجمع بين القومي والإسلامي وهو محمد الغامدي المسمى بكلاش (إشارة إلى كلاشنكوف) يغني أغنية عن الأقصى (يجمع فيها بين بن لادن وصدام حسين) إنه يكشف عن حالة في المجتمع السعودي في الجمع بينهما، وهذا الشيء تجده منثورا في حديث كثير من الأقوام، طبعا ممكن أن يفلسفها فيما بعد وينحاز إلى واحد فقط لكن المنظومة اتسعت بداية للأمرين.
ستجد أغان للطفي دوبل كانون وهو جزائري يغني راب عن شتم الرسول صلى الله عليه واله وسلم يتحدث فيها عن ذبح الشاتمين طبعا هذا يصوغ وعيا جمعيا عاما في منطقة غير مفكر فيها خصوصا انها غير إسلامية.
نلاحظ مثلا عند الاناشيد الحديثة (قريبا قريبا) طرحا يحاول الخروج عن السابق لدرجة ما، ودخول ذم (الروافض) في النشيد، مع منشدين غير معروفين (لربما لما اعتبروه نكسة من ابي عبد الملك)، كذلك بألحان غير مستوردة (وهي هزيلة نوعا ما) وفيها لمحة مستوردة من قوافل الشهداء، والتعامل مع ايران على أنها (فارس) علما أن أناشيد قوافل الشهداء كانت تركز على (الروم)!
بل بعضهم يردد بيتا الأيام هذه: أيا عمر الفاروق هل لك عودة *** فإن جيوش (الفرس) تنهى وتأمر.
علما أنها كانت (الروم) في إصدار قوافل الشهداء.
بعض الأناشيد محل بحث خصوصا انها خرجت من بيئة سلفية، مثل خطاب الأموات (عذرا ابا العباس فقدك موجع.. حتى يقول في القصيدة: ويزيدني ألما عليك وحسرة *** أن ليس قبرك قربنا بمكان، فيجيء من أرواحه وعبيره *** ما قد يزيل صبابة الولهان.
بعض الإصدارات كان فيها: إخواننا عودوا ما زلت أنظركم *** إخواننا قتلوا في الحرب قد قتلوا!
النشيد يصوغ وعي المستمع تماما، مثلا صدرت انشودة من الجزيرة (اصلها كتبه احد المطاردين)، فيها موقف حاسم من سفر الحوالي (وليس يصدنا خذلان غر... ولا فكر الحوالي الغث كلا.) قد يكون المستمع لا يعرف الحوالي اي سفر البتة ولا الخلاف معه انما تعطيه النشيد حصانة امام اي شيء عنه مستقبلا.
هذه الزوايا تحتاج الى توسيع وطرق مفصل، واعتقد انها ستكون مفيدة لفهم الكثير من تاريخ الطبقات التي تشكل وعي اليوم عند كثيرين
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق