7.04.2016

نقد لكتاب ما بعد السلفية (منهجي)

22 مارس 2015

نقد لكتاب ما بعد السلفية (منهجي)

1

الكتاب حاول ان يسلك منهجا في تأريخه للسلفية، هذا المنهج بتتبعه اجمالا نجد فيه مرتكزات أساسية: (بحث في التحققات التاريخية، التركيز على مفاصل فيها قطيعة للماضي (ما بعد الالباني) (ما بعد ابن تيمية)، التأويل في انظمة الخطاب عند كل مفصل تاريخي) هذا النمط قريب جدا مما سلكه (إدوارد سعيد) في كتابه (الاستشراق) (المعرفة - التاريخ- السلطة).
واعتبر أنه امتداد لمنهج (ميشيل فوكو) في حقل آخر.
كاتب آخر حاول هذا باستعمال ذات النهج لكن هذه المرة مع الوعي الديني الإسلامي (محمد ركون).
بالعودة إلى ميشيل فوكو الذي اصطلح على منهجه بـ (حفريات المعرفة) كان يرى اهمية: الغوص في التاريخ ومحاولة ادراك الطبقات فيه والرواسب عند كل نظام خطابي (ليس فحسب الكلام، ليشمل الايماء، الرمز... إلخ).
عملية التاويل في التاريخ والتحوير والتغيير بل والقطيعة مع الماضي عند كل مرحلة لتشكل نظاما خطابيا معينا.
هذا المنهج قام فوكو بتطبيقه على تاريخ السجون والمعاقبات (المراقبة والمعاقبة) والجنس (تاريخ الجنسانية = 3 مجلدات) و(تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي = مجلد ضخم).
ومحمد اركون لما طبق هذا المنهج على التاريخ الإسلامي، كان مثلا مما اطلقه (اسطورة القران) وهو يفرق بين اسطورة وبين (خرافة) المهم الثانية (لا اصل لها) الاولى لها اصل لكن تم تغليفه (عبر العصور) بمجموعة كبيرة من الخطابات تحجب عن معرفته كما كان اول مرة، فقد مضى في التاريخ عبر التحويرات والتاويلات التي (تخدم) سلطات، وتتصارع هذه السلطات في التاويل الى ان يستقر بعد قرون بشكل (هو قابل ايضا للتاويل واعادة التاويل) وهكذا.
على اي حال الذي يقرا هذه الكتابات يجد انها تهتم بدراسة التاريخ وتحويراته ولا تكاد تعطي (اي وجهة نظر تقييمية لما تتعامل معه).
لا يوجد هذا صحيح وذلك خطأ هنا.
فقط يريدون معرفة ما وراء حجب التاريخ والقرون والانظمة الكامنة خلف الكلمات وهكذا.
وقد تعرض هذا المنهج لنقد من عدة جهات وأسجل هنا أهم الانتقادات:
1-
هذا المنهج يعتبر التاريخ مجرد انتاج لخطابات واعادة تاويلها وهذا اختزال احادي الجانب لمجموع ما في التاريخ.
2-
هناك قالب منغلق في التعامل مع الوقائع التاريخية مثل (القطيعة) فلا يوجد قطيعة بل (تطور) في العلاقة بين الماضي والمستقبل.
3-
تعامل هذا المنهج مع التاريخ كأنه صناعة أفراد ومفكرين فحسب، كما تجد ادوارد سعيد في (الاستشراق) كأن الغرب فقط يسيء إلى الشرق بسبب قلة من المفكرين تحكموا بانطمته الخطابية وشوهوا الشرق! وبمجرد تغيير النظرة ستتغير المعاملة (وهذا ينسى العامل المادي في التاريخ كليا ومنه الاطماع الاقتصادية).
4-
افلاس هذا المنهج في حل اي اشكالية، ولذا كان اهتمامه بالمجانين والمجرمين والمعاتيه! (وهذا نقد متجن هنا) فنحن نرى منهج فوكو نقل الى غير هذه المواضع.
5-
ان هذا المنهج لا يصلح الا كأداة تعمل في يد فلسفة كبرى وبالتالي يخدمها، وهو عاجز عن ان يكون فلسفة مستقلة بذاته.

2

لقد اتسم ميشيل فوكو باطلاع كبير يظهر في قائمة المراجع المهولة، كذلك تجد الأمر عند إدوارد سعيد.
انه البحث في كل انواع الخطاب حتى المهملة منها لكشف تاريخ الشيء حتى في الجوانب غير المفكر فيها.
هذا المنهج قريب لما تم تطبيقه في كتاب (ما بعد السلفية) على انهما لم يلتزما به تماما:
*
مرة ليست مهمتنا التقييم ومرة يبدأ التقييم!
(في احد الأسئلة الافتراضية عن صحة فعل الوهابية) يجيبان هذه مهمة الباحث في الاسانيد والفقه وليست مهمة الباحث في تاريخ الأفكار.
اي ليست مهمتهما، وكما اسلفت فكتب فوكو وادوارد واركون لم يكن يعنيها التقييم.
لكن المؤلفين يقيمان! فلان اقوى من فلان في الحديث وذلك في الاصول وذلك اعلم بالعلل، واخر عنده ملكة فقهية واخر لا وذلك ضعيف في الاصول!! هل هذه مهمة مؤرخ الأفكار؟
ان كان نعم فكان لا بد من التقييم في السؤال الأول بدل القول هذه ليست مهمة المؤرخ للأفكار وكأن هناك اتساقا منهجيا في كل الكتاب!
وهنا نرى اضطرابا بين التأريخ والاكتفاء به وبين الافاضة بالتقييم.
*
اختراع ما يتناسب مع المنهج في الوقائع!
لقد افترضا بداية عملية (القطيعة) التي يحرصان عليها هناك قطيعة بين ما قبل ابن تيمية وما بعده قطيعة فترة الالباني اخرى فترة فلان.
وبما ان التاريخ عندهما تاويل واعادة تاويل جديد فكان لزاما عليهما ان يجدا هذا!!
ولذا ينسبان لابن تيمية (تاويل) كلام الشافعي في قوله لحفص الفرد (كفرت).
الشافعي لم يعن ما قاله ابن تيمية!
لكن ابن تيمية (أول: حوّر / غير) معنى كلام الشافعي ليقولا بعدها (ليتناسب مع طريقته)!
ليصير الشافعي مختلفا عنه قبل ابن تيمية بعد (عملية التاويل التي مارسها ابن تيمية)!
وهذا له اشكالياته كمنهج وهو الذي اخذه (محمد اركون) وطبقه عموما على القران: ليخرج بانه اسطورة تم تاويله واعادة تاويلها عبر العصور (انها عملية انتاج متكرر للمعاني) لا محافظة على ذات المعنى!
هذا الذي جعلهما يصوران ابن تيمية اول من صاغ الصراع مع الاشعرية عقديا!
علما ان الامر هنا ليس قطيعة بل تطور في (الصياغة الكلامية) ونعلم ان ابن تيمية يتفق تماما مع نظرية المعرفة التي طرحها (عثمان بن سعيد الدارمي).
والاجوبة تلتقي في الاصل مع تطور اكبر (لا نتحدث هنا عن قطيعة) بل امتداد مع تطور.

3

* السلفية كتحديد.
ما هو المفهوم العام الذي يشمل جماعات مقاتلة مع جماعة معارضة واخرى موالية للنظم؟ جماعات تكفر غيرها واخرى اهتمت بالبدع ووو، ما هو الرابط بين كل هذا؟
لا يضع الكتاب حدا فاصلا يميز به القارئ بين تلك السلفية وبين تلك غير السلفية! ويحرص على اعطاء تعميمات غير عامة، منها (عدم تأويل الصفات) (الاعتداد باجماع الصحابة) هل هي واحدة اصلا بين هذه الجماعات وهل هذه النتيجة لو تم تسليمها هي ناتجة عن مقدمات مشتركة؟! ثم من قال بان تصرفات تلك الجماعات وافكارها (نابعة) من ذلك المعتقد!، لماذا لا تكون (مثبتة للصفات، تحتج بالاجماع + شيء دخيل من خارج هذه المنظومة) فبعضها يثبت ما لا يثبته غيره والعكس صحيح، وموضوع اجماع الصحابة يدخل فيها كل الفرق المعتدة بهذا ومنهم الاشعرية، باختصار لا يوجد شيء محدد يتم تناوله هنا (الا ما يمكن قوله تلك الجماعات هي التي تعتبر نفسها سلفية، أو يقول الناس عنها هذا)! وهذا لاشكالية تالية:
هل الكلام عن منهج ام جماعة؟
اذا كان الحديث عن منهج فسنتجاوز التاريخ اصلا فنحن نتحدث وقتها عن المفترض أو ما يجب اما الجماعات فهي (ما هو موجود وكائن) وبذا سنرى عدة مشاكل منهجية وقع بها الباحثان:
*
ابن تيمية!
لكي نفهم الجماعات السلفية علينا ان نفهم ابن تيمية! هذه جملة من الجمل التي قالها المؤلفان في الكتاب وفيها افتراض مسبق بتحاكم هذه الجماعات لابن تيمية!
هذه مشكلة (من آثار المثالية) التي يسلكانها، ينبغي ان يقلب هذا اساسا!
لكي نفهم تصور الجماعات عن ابن تيمية وغيره يجب ان بدأ بدراسة الجماعات، من المعين الى الكلي (باعتبار المنهج) لا العكس! لا من منهج عام نرى توزعه هنا وهناك.
ببساطة لان هذا الجماعات لو درسناها لوجدنا تصوراتها عن ابن تيمية مختلفة اذ كتب ابن تيمية خرجت للنور موزعة على قرن من الزمن!
وهذا الجماعات يختلف تركيز (ابن تيمية كمنهج في مناهجها)، ثم هي قد تبرر بكلام لابن تيمية لا (تتحاكم).
وسأعطي مثالا بسيطا: لو درسنا فرقة (الاسماعيلية) مثلا من ايام النبي صلى الله عليه واله وسلم لها سنكون مثاليين! ينبغي الانطلاق منها الى ايام النبي لنكتشف مصادر كثيرة تاثرت بها الاسماعيلية وهكذا.
(
هنا الحديث عن دراسة جماعات).

4

* كلمات لو فعل معناها لكان الأمر فوضى:
يستعمل الكاتبان كلمات كـ(براغماتي، التسليم الجدلي بان البناء التحتي هو الوحي) فهذه الكلمات تحوي مضامين فلسفية وليست مجرد اوصاف لغوية فحسب! بل لها دلالاتها الفلسفية المتعارضة مع بعضها، وسبق التعليق على شيء منها مفردا.
*
سرد طويل دون كبير معنى:
في الكتاب نقل كثير كالفصول المتعلقة بالحالة المعاصرة للسلفية دون كبير (توظيف لها في منهج) بل كسرد الجرائد والمواقع الاخبارية.
*
مسلمات مسبقة: وهي معيارية كتعامله مع من يسميهم (مداخلة) كحالة سلبية دون اي تدليل فلسفي أو فقهي على ما يذهب اليه.
*
ينتقد ان السلفيين عندهم طوباوية (احلام مثالية لا يمكن تحققها) جيد ولكن انظر الى طرحه مثلا:
يعتبر ان السعودية اول دولة سلفية = ينتقد قرب السلفية من الحكام!
ما هو الحل؟ = الله هو غني.
يعني هل من الواقعي ان تقوم (لقوم) دولة (وكل هذا جريا مع ما في الكتاب) ثم ينفضوا عن حكامها؟ ثم ما الحل؟ الله غتي يرزق من يشاء.
تأكد ان احلام اليقظة التي تنتقدها انت لها عند اهلها جواب: الله قادر على كل شيء! ينصر من يشاء ايضا.
انها مثالية لا تزيد عن مثالية المؤلفين.
*
نتائج مثالية = لو استثنينا بعض الخواطر النقدية، والفائدة المرجوة من قراءة كم الاقتباسات الكبير، ينتهي الكتاب الى نتائج مثالية بمصطلحات غير محددة كأن المرشح للساحة اليوم = التنوير!
وهي كلمة تعادل قولك = الخير، العدالة، الصلاح! وكل الفلاسفة يتفقون على هذه الكلمات والخلاف انما هو في تحديدها فما هو الخير مثلا! وما هو الصلاح هذا هو المحك لا الاكتفاء بقوله.

5

*القفز دون تسلسل:
يستثني الكتاب في بحثه التاريخي أثر من هم خارج الإطار الإسلامي على الجماعات المنتسبة الى (السلفية) بشكل كبير لا يعدو الأمر مجرد إشارات فنحن نعلم أن التيارات الإسلامية نشأت في وسط مجتمعات متنوعة لها مشاكلها ومطامحها وخضعت لانظمة خطابية متنوعة (كالخطاب القومي) والذي فعّل العديد من المخيلات التالية كالمآمرة = البروتوكولات كان للقوميين دور اساسي في نشرها ثم احتواء الفكرة من جماعات خضعت للنظام الخطابي العام.
نحن نعلم أن فترة الصراع بين القومية (الناصرية) والسعودية على النفوذ في المنطقة اعقبها تصريحات نارية على (القومية – الاشتراكية) والتركيز على محنة (المسلمين) فترة القوميين من الطرف السعودي، بل ان الامر زاد الى استقبال الوفود الإخوانية من مصر، سوريا وغيرها الى السعودية وهؤلاء صاغوا مناهج تعليمية في المملكة، وتوزعوا على الجامعات والمساجد.
فجأة تجده يصل إلى قطب، المقدسي، الجماعات المتفرعة هنا! دون فهم للظروف التاريخية – الموضوعية التي أوصلت الأمر إلى هذا النحو.
ويتم نسيان ان (مصطفى السباعي) ألف قبل هذه الفترة كتابه (اشتراكية الإسلام)! والذي يشير إليه سيد قطب في المعالم دون أن يسمي صاحبه، ما الذي اظهر سيد على الساحة، وجعل كتاب السباعي هذا مغمورا ان لم يكن الصراع (السعودي /الناصري) وما وراءه من صراع أكبر فترة الحرب الباردة.
كان سيد قطب فترة السجن الأخيرة تذاع في الإذاعة السعودية فقرات كاملة من كتابه (في ظلال القران) وهذا له اثره على السلفيين السعوديين، ولذا كان للشيخ بكر أبو زيد (رأيه في الرجل).
واستقبال محمد قطب (وكان مشرفا على رسائل سفر الحوالي الجامعية)، عبد الفتاح ابو غدة (كان مدرس سلمان العودة) هذه المرحلة غير مغطية في الكتاب!
بل شهادة الحزيمي على فترة جهيمان (وعلاقة الامر بالإخوان) ومحاولة تقليدهم في (محنة السجون ونحو هذا) في المملكة غائبة.
على أي حال هنا فقر في المادة التي تعرض التغيرات عند من انتسبوا الى السلفية والتوسع في الاثار من تحت الى فوق من المعين الى الكلي = لا ننس ان الكاتبين افترضا ان بحثهما ينبغي ان ينطلق من ابن تيمية!.
*يبقى السؤال ما الهدف من الكتاب؟

بنظري الهدف هو الرد على صنفين رئيسيين في التيارات (السلفية):
1 –
منهج ربيع المدخلي = المعارض للأحزاب عموما، والنشاط الحركي، والخروج ولو بالمظاهرات على الحكومات.
2 –
المنهج القتالي = تجد الكتاب يحتد عندما يتكلم عما يوصف بـ(بالدولة).
اذن اذا تم رفض المنهج (المحافظ= بالمعنى السياسي) و(الريديكالي = المعنى سياسي) يبقى عندك منهج مختلف عن هذا لكن ما هو؟
الكتاب يريد ان ينفض يده من ان يكون تابعا للجماعات التقليدية المعتمدة على = التركة (السلفية) التقليدية دون ان يحاربها كما يفعل مع السابقين، انما يريد ان يؤسس لمن يرثها.
بمواصفات أهمها = 1 – امكانية المعارضة السياسية 2 – عدم الصدام العسكري 3 – تغطية ما سماه نقصا معرفيا ليدخل فيها (المعارف الانسانية) اضافة لما تم نقده من نقص شرعي.
طبعا يريد محاربة 1 – نظرية المامرة 2 – هجر المبتدع 3 – التكفير في المجتمعات 4 - التشدد في قضايا المرأة.
يبقى عندك منهج لن يهجر احدا وسيتعامل (بأخلاق حوارية)، ينفتح على الاخرين، ويعارض سياسيا لا يسلك العنف ولا يرفع التكفير ولا يتشدد في مواضيع الاختلاط في الجامعات والمدارس، هذا ما يمكن وصفه بـ (التنوير) بمصطلحهم (ثقافيا)، وسياسيا اسميه (ليبرالية).
لكن ما الداعي لكل هذا؟ بنظري الموقف السياسي الاخير بمصر، وموقف السعودية السياسي ضد الإخوان، وموقف السلفيين الموزع بين مقاتل ـ أو موال للنظام هناك.
باختصار يريدون (وجود فئة (سلفية) مع الإخوان في مصر كخط سياسي، ولا اتحدث عن تماهي في الجماعة أو انضمام).
مودتي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق