7.04.2016

نيتشه في دعوة لحوار أديان!

4 مارس 2015

نيتشه في دعوة لحوار أديان!


في قعقعة الفكر انبجس مؤتمر دعي فيه ممثلون عن فرق ومذاهب، واعتذر المنظمون عن عدم استيعاب الفرق والمذاهب والمدارس الفلسفية والفكرية واللاهوتية والكلامية، لضيق المقام، على أمل أن يتم دعوتهم في الأيام القادمة، وكان الحوار الأول لهذا لمؤتمر بين فريقين من أهم الفرق التي أثرت في الناس (الأشعري، والكاثوليكي) وقد دعي فريدريك نيتشه إلى هذا الحوار بصفته ضيف شرف على المؤتمر..
الكاثوليكي استهل مقدمة الحوار بالترحيب بالضيوف، وخص الأشعري منهم بالترحيب، وأثنى عليه بحربه للإلحاد، العدو المشترك بين الأديان مهما كانت، وهنا يقاطع نيتشه:
-
هذا التقديم والمجاملات لا تدخل في أي حوار حقيقي، إنه مسكنة الضعفاء المعروفة! ودموع المهزوم المستجدي بالتواضع الذي يخفي أماني النصر فحسب فهلا دخلتم في خلافكم مع بعض ومعي مباشرة دون ابتهالات كنسية! ولماذا لا نبدأ بحكايات الثالوث والموجود لا في العالم ولا خارجه!
الأشعري: أنا أتفق مع نيتشه ضد الكاثوليكي ونحن نختلف عن النصارى عموما في التثليث إذ هو شرك ونحن ندعو إلى التوحيد! ومشكلة نيتشه أنه لم يطلع على كلامنا وإلا وافق عليه انسجاما مع العقل السوي.
نيتشه: لا تضع على فمي كلاما لا أقوله! فهنا جئنا للحوار لا للتبشير واستجداء الأتباع!
الكاثوليكي: نحن لا ندعوا إلى الشرك يا مولانا الأشعري! بل نؤمن بإله واحد فقط!
الأشعري: بل تؤمنون بثلاثة آلهة ألا تقولون بأن المسيح ابن الله!؟
الكاثوليكي: انت تغالط هنا، فأنت تحمل كلامنا على ظاهره دون تأويله الذي نقول به، فنحن نؤمن بإله واحد بثلاثة أقانيم لا ثلاثة آلهة وأنتم تؤمنون بسبعة آلهة! ألا تقولون صفاته قديمة وتثبتونها زائدة عن الذات!
الأشعري: هذا افتراء اذ صفات الله لا تخرج عن مسمى الله، بل هي زائدة فقط على الذات وليست ذواتا كما هو شأن الأقانيم!
الكاثوليكي: ولكنكم توافقون أن الله لا هو في العالم ولا خارجه! فهذا مثل قولنا الله واحد في ثلاثة أقانيم، وإلا قستم الله على خلقه!
الأشعري: نحن لا نقيسه على خلقه، بل نحن من أعظم الناس تنزيها! ولا دخل لمسألة تنزيهه عن المكان في مسألة الواحد الثلاثة معا!
الكاثوليكي: بل هي من صميم موضوعنا: فالمجسمة الذين نحاربهم نحن وأنتم يقولون هو إما في العالم أو خارجه، فنقول لهم بل لا يحده مكان، وهذا التقسيم غير حاصر، وانتم تقولون الواحد غير الثلاثة ونحن أعظم تنزيها منكم فنقول لا هو واحد ولا ثلاثة! بل هو واحد في جوهره بثلاثة أقانيم.
الأشعري: بل العقل يعلم ضروريا أن الواحد غير الثلاثة وأنتم تقولون هو واحد وثلاثة سويا!
الكاثوليكي: وخصومكم يقولون هو إما في العالم وإما خارجه ضرورة في العقل، فرفضتم هذا منهم وقلتم بل هو موجود دون أن يكون لا في العالم ولا خارجه، فنحن نقول ليس ضروريا ان يكون واحدا غير ثلاثة بل هو واحد بثلاثة اقانيم ولا يقاس على خلقه في العدد، ثم كيف تعلمون ان هذا ضروري بالعقل وغيركم يزعم خلافه.
الأشعري: لو نظرنا إلى جمهور العقلاء لعلمنا أنهم يعلمون ضرورة قولنا!
الكاثوليكي: وهل جمهور العقلاء من أهل الأرض إلا على المسيحية ديانة! فأي جمهور تقولون؟ وقد جعلتم طائفتكم جمهور العقلاء وتنسون أننا أكثر منكم عددا ومنا تفتق العلم والأكتشاف!
نيتشه: لا منكم ولا منهم بل لم تنهض أوروبا إلا بعد إعلاني عن موت الإله الذي تتحدثون عنه! والتجريد الذي تتحدثون عنه هو العدم الذي هو الالحاد وقد قلت في كتابي (هكذا تكم زردشت) ان من جعل الاله روحا أي منزها عن المكانية فقد خطى خطوته الكبرى نحو الالحاد!
وما حكاية الجمهور هذه التي تتكلمون عنها! لم يبز الاكتشافات الا نخبة لا جمهورا! وجمهور عقلائكم! هم الذين يتحدثون عن كل شيء لا معنى له في هذا العالم، وان كنت قد اعلنت موت الاله المسيحية يا ايها الاشعري قديما فانت بحديثك عن الذي هو موجود لا داخل العالم ولا خارجه تعلن اعدامه قبل ان يموت! ولتعودوا الى الثالوث لو سمحتم فقد اسعدني حديثكم حتى الثمالة!
الاشعري: انت يا نيتشة تلاحظ التوحيد في كلامنا بخلاف الشرك عندهم!
نيتشه: بل ارى العدم فيه لا في العالم ولا خارجه!
الاشعري: ولكن هذا تابع لنفي المكانية عنه المشابهة للمخلوقين.
نيتشه: انتم تتقززون من المخلوقين، هذا شأنكم، فنحن نتحدث عن اله اعدمتموه بقطع النظر عن كونه واحد أو ثلاثة مشابه أو غير مشابه!
الاشعري: هذا غرور لا يفيد العقل السوي في البحث عن الحقيقة بل لا بد من تواضع عقلي!
نيتشه: انا من معشر الملحدين غير الأخلاقيين فلا تحدثني عن الخضوع لك بتعبيرات التواضع! والعقل الذي تتحدث عنه سبق ان قلت انه جنون بعينه!
الكاثوليكي: انت يا نيتشه تعلن موت الاله الذي حرمت منه.
نيتشه: ومن قدم اوراق اعتماده حتى توافق أو تحرم! عودوا الى الموضوع بحق الاله الذي تتحدثون عنه!
الاشعري: مغالطات الكاثوليكي مكشوفة فما دخل نفي المكانية عنه في موضوع التثليث!
الكاثوليكي: العامة تقول الشيء اما موجود في العالم أو خارجه بحكم الوهم.
وانتم من العامة في موضوع الاعداد فالشيء عندكم اما واحد أو ثلاثة، بحكم الوهم ايضا!
فهناك امكان ان يكون لا واحد ولا ثلاثة بل هو واحد ثلاثة بحكم العقل السوي.
الاشعري: بل هذه مغالطة اذ نحن نتحدث عن صفات لا ذوات والصفات يجوز ان تتعدد للواحد بخلاف الذوات.
الكاثوليكي: وما الذي جعلك تقول انه لا في العالم ولا خارجه هذا بحث بالذات أو بالصفات فانت المغالط فالعامة تقول لا في العالم نفي وجوده في العالم كذلك خارج العالم كأنك تقول هو غير وجود العالم ولا غير وجود غير العالم فالنتيجة انه غير موجود اصلا! فهذا نفي للذات لا للصفات بحكم الوهم.
الاشعري: حكاية الاقانيم انتم اخترعتموها والا فالانجيل من اوله لاخره لا يوجد فيه هذا بل المسيح ينص صراحة فيه على انه عبد وانه الله واحد.
الكاثوليكي: تعيرني بحكاية الاقانيم فحكاية الموجود لا في العالم ولا خارجه! هل هذه عندكم في القران ام بالسنة! ام في اقوال سلفكم! ثم قرانكم من اوله لاخره ينص على علو الاله لا النفي الذي اخترعتموه وهذه النصوص صراحة تخالفكم فلا تقل لي بعدها النص يخالفني.
ولما اتفقنا نحن واياكم على البحث العقلي فلابد من تاويل النص الظني ليوافق القطعيات العقلية ومنها حكاية الواحد فقط لا بثلاثة اقانيم. ولا مشاحة في الاصطلاح صديقي الاشعري.
نيتشه: أي عقليات التي تتحدثون عنها! فانا اعلنت وفاة الاله يوم صلبه، وانتم تتحدثون عن شيء معدوم وبعدها تعيروني بالعدمية! فنحن مشتركون بالعدمية والفرق بيننا انكم يا سادة لا تسمون الامور بمسمياتها لتضحكوا على الصعاليك!
الاشعري: الا تحسن الفاظك يا نيتشه! فنحن في حوار لا مشاجرة
نيتشه: الحوار هو حرب متسترة بألفاظ منمقة! فلنكن في صراحة لا مداورة! وتسمية السيف بالمعلقة! وطبيعي ان اكون متكبرا كوني لم اخضع للمعدوم والميت الذي تتجادلان حوله!
الكاثوليكي: بنهاية حوارنا ادعو الرب ان ينير بصيرتك كما انارها لبولس الذي لطالما حارب الايمان ثم قذف النور في قلبه!
نيتشه: امين!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق