7.04.2016

الجدل

16 مارس 2015

الجدل


منذ تعرفت على الديلكتيك (الجدل) حتى سعيت الى دراسته وفهمه وإخضاعه للنقد، ولا زلت أدرسه في إطار دراسة الفلسفة، ولكن بدأ ضجيج الأفكار النقدية يفعل فعله فلم أرغب بإبقاءه حبيسا دون مشاركة للإخوة.
الديلكتيك أصله الجدل هذا معناه اللغوي وهو مشتق من اليونانية، لكن له معنى (اصطلاحي) تبلور مع هيجل، ويعني منهجا مخالفا للمنهج القديم الذي يسمى ميتافيزيقي.
أكثر الذين قرأت لهم ممن ينقدون المادية الجدلية يتعرضون لنقد الجدل المادي عند ماركس وإنجلز دون نقد له عند هيجل وهو هو مع فارق الأساس بينهما، ولذا يقول ماركس في مقدمة كتابه (رأس المال) ما مضمونه: إن الديلكتيك كان واقفا على رأسه عند هيجل وقمت بقلبه ليقوم على قدميه!
ولذا تجد البوطي في (أوهام المادية الجدلية) يعرض ديلكتيك هيجل دون أي نقد له بل يكتفي منه بأنه يعترف بالمطلق – الروح – الإلهي!
وكأنه أخذ الأمر على ظاهره فاكتفى بإيمان هيجل (بإله)! وقال بأنه لن يتعرض لنقد هيجل علما ان نقد ماركس لا يتم دون نقد ذلك المنهج الذي قبله بعد أن قلبه!
يتكون المنهج القديم (الميتافيزيائي) من موروثات أرسطو وأرسطو بقي عنده شيء من موروثات معلمه أفلاطون.
واهتم منطقه بـ 1 – الهوية 2 – عدم التناقض 3 – الثالث المرفوع.
الهوية وهي تحديد هوية الشيء ومنع دخول شيء عليه وهنا مبحث الحد كقولك (الإنسان حيوان ناطق)، وعدم التناقض باختصار كقولك هو حي ميت هذه متناقضة فهو حي أو ميت، والثالث المرفوع كقولك اما ان يكون موجودا أو معدوما لا خيار ثالث (الثالث مرفوع = غير وارد).
والمنهج الجدلي انتقد على الميتافيزياء عدة انتقادات جوهرية منها انه (جامد) يتعامل مع الاشياء دون حركتها الواقعية دون تطورها فقولك الانسان حيوان ناطق مثلا يبقى كما هو، قولك التفاحة يتعامل وكأن التفاحة وجدت أزلا دون مراعاة لتغيرها من بذرة إلى زهرة إلى ثمرة ثم ذبولها وتعود إلى بذرة وهكذا.
وأنه يفصل بين الأشياء بحواجز ذهنية كقولك اما ان تكون التفاحة بذرة أو فاكهة ذات جرم فأنت بين خيارين الأول ينفي الثاني على أنه لا فصل في الواقع بين البذرة والتفاحة اذ البذرة تصير تفاحة (تتطور) والتفاحة تصير بذرة وهكذا.
هنا حركة، الميتافيزياء تجريدية غير متحركة.
وانتقادات المنهج الديلكتيكي مسبوقة في كثير منها عند ابن تيمية في نقده مباحث الحد عند المنطقيين، يبقى عندنا موضوع مهم وأساسي وهو (وحدة الأضداد) عند المنهج الميتافيزيقي لا وحدة البتة! بين شيء موجود ومعدوم بين الشيء وغيره.
لكن في الديلكتيك يصح قولك عندهم الشيء هو وغيره كالبذرة هي تفاحة باعتبار الحركة أو الصيرورة، أو الشيء حي ميت.
لكن يظهر الأمر في مثال يطرحه إنجلز ولينين وبليخانوف وغيرهم في (الحركة: وجود الشيء في المكان 1 والمكان 2 في نفس الوقت)! هنا يبدأ الرد عليهم طويلا عند البوطي والصدر في كتابه (فلسفتنا)، لكن عمليا دون أي نقد لهيجل بل للمادية الجدلية فحسب.
فما أصول هذا القول وما الرد عليه؟ وهل وجدت صور قديمة رد عليها ابن تيمية تحديدا مماثلة لهذه الإشكالية (الشي هو وغيره في نفس الوقت)
أما اصوله فما وجدت أحدا عرف الأصل الذي سأذكره حتى الساعة، وهو ما ذكره هيجل في كتابه (محاضرات في تاريخ الفلسفة) يذكر الفلسفة المسيحية ويعتبرها تدور في فلك أرسطو وأفلاطون إنها ليس (أصيلة) بعبارته، هذا التوجع ينبه على انه يريد انشاء فلسفة مسيحية أصيلة أي نابعة من تصور المسيحية فما هو ذلك التصور؟
إنه الثالوث!؟
نعم، في الثالوث يوجد الآب والروح القدس والإبن ثلاثة اقانيم في واحد!
من هنا يبدأ هيجل! ويحاول تبرير ارسال المسيح ثم قيامته، الآب ينفي نفسه للإبن! ليعود! هذه عملية الديلكتيك دعوة ونقيضها ثم تطور ثالث! الاب والروح القدس = الابن كشيء متمظهر متجسد بالمسيح!
وهو ينص في أول أمثلته في الكتاب المذكور على هذه الأمثلة!
إذن وحدة وصراع الأضداد عمليا هي وحدة الثالوث وانفصال كل واحد منه في تلك الوحدة.
نحن هنا في قانون ديني طوره هيجل فلسفيا ثم تم قبوله في فلسفة لا دينية (ماركس)! إنها تحمل روحا نصرانية دون أن تعلم هي أصل هذا!
لكنه ضرب امثلة البذرة والزهرة والثمرة فالبذرة ليست عنده غيره الزهرة لكن في وضع اول ونقيضه الزهرة.
عند الماركسيين يضرب (جورج بوليتزر) في (مبادئ اولية في الفلسفة) مثالا بالبيضة والصوص، البيضة نقيض الصوص ولكنها معه في وحدة وهي تنزع إلى الخلف وهو الى الامام الى ان يفوز واحد منهما.
هذا الأمر الذي سيجعله ماركس في (البيان الشيوعي) = البرجوازية تحمل في أحشائها حفاري قبورها (البروليتاريا) فهناك وحدة بين البرجوازية = الملاك وبين البروليتاريا = العمال وبينهما صراع مع وحدتهما في المصانع والمتاجر.
وأنا أتفكر في كل هذا كان في رأسي إشكالية الكعبي تفسح مجالا!، وهي مماثلة لهذه الإشكالية، طرح موضوع (الأمر بالشيء نهي عن ضده) لاحظ هنا أمر واحد متوحد مع نهي!
وهذا أدى به إلى نفي (المباح) في الشرع، فالمباح غير موجود إذ الانشغال بالمباح عن الحرام واجب إذن هنا واجب، والانشغال به عن الواجب حرام اذن هنا حرام.
ورد عليه بعضهم: بأنه يلزمه أن يقول هذا في الحرام الذي يشغل عن الحرام بأنه واجب! فالزنا مثلا يشغل عن القتل وهو دونه اذن هو واجب!
وهنا يتدخل ابن تيمية ليحل المعضلة الأولى! ويحل بمضمون كلامه مشكلة هيجل!
اذ يرد على الملزمين له بأن هذه حجة (إلزامية) ليست (علمية) ولا يزال الإشكال قائما مهما وجد من تشنيع، وهنا يفرق ابن تيمية بين الأمر المستفاد من النص كمعنى وبين (لازم) ذلك، فالمباح هو معنى النص ويلزم منه في الواقع أن يختلف حكمه باختلاف الحال، وهنا نلاحظ التفريق بين (الشيء) وبين (لازمه) فلا يجتمع النقيضان فيه (الأمر، والنهي).
ومثله يقال في البيضة بأن لازمها صوص وليست هي عين الصوص فلا وحدة من هذه الجهة انما لازمها وجود الصوص.
هنا وجدت جوابا للصدر في (فلسفتنا) يقول بالتفريق بين القوة والفعل تبعا لأرسطو – دون أن يسميه – ولكن هذا غير مرض وذلك ان الوجود بالقوة لا يلزم منه خروج الصوص لكنه هنا يفعل ويتكون شيئا فشيئا! اما مجرد الامكان فلا يلزم منه إمكان واقعي فضلا عن وجود شيء.
ونلاحظ هنا أن المنهج الديلكتيكي وقع في عيب لطالما عابه على الميتافيزيقا حيث جرد البيضة الى قشرة وصوص هما هما في كل فترة ولذا قال لك البيضة هي الصوص مع الصراع بينهما! علما ان الصوص ليس هو نفسه بعد الخروج فكيف تسقط (هويته) على ما قبل خروجه وتجعل ماهيته المفترضة متناقضة مع القشرة.
هنا ابن تيمية ينقد المنهج الميتافيزيقي والديلكتيكي الذي بقي فيه بذور المنهج الأول!
ويقول البيضة تستلزم وجود الصوص بإمكان واقعي! وليست هي الصوص ولاحظ هنا خرج عن التجريد الميتافيزيقي الذي لا يراعي الحركة في الواقع، ونقد المنهج الديلكتيكي بما فيه من رواسب ميتافيزيقية لاهوتية!
أعلم أن الموضوع فيه تعقيد بعض الشيء، ولكنه تفكير بصوت عال.
وأعتذر إن أطلت.
دمتم موفقين.

هناك تعليق واحد:

  1. مهتم بالاطلاع على دراستك بشأن ابن تيمية لانني اعتقد انك تختزل الديالكتيك و تلوي عنقه ليتوافق مع هذة الرؤية التي تقدمها … مع الشكر

    ردحذف