7.04.2016

الديمقراطية دين.. الدين ديمقراطية

27 نونبر 2015


الديمقراطية دين.. الدين ديمقراطية  

1

التعامل مع الأشياء على أنها ماهيات واحدة أزلا وأبدا خاضع لمبدأ مهم عند أرسطوطاليس، وهو مبدأ الهوية، مثلا ما هو الإنسان (حيوان ناطق) هذا الوصف يعني أن الإنسان أزلا وإلى أن تفنى البشرية سيظل (حيوانا ناطقا) لا يوجد أي تغيير في ماهيته.
مبدأ الماهية طبعا تعرض لنقد كبير عبر التاريخ، وأهم الانتقادات عليه أنه لا يعكس التغيرات الواقعية التي تحدث، وكمثال شهير في الفرق الإسلامية التعامل مع الإيمان بنفس المنطق (تصديق لا يزيد ولا ينقص) هو واحد متى وجد، وسيبقى هكذا.
لكن الواقع فيه تغيرات، ومن هنا كان مخالفوا الحد المنطقي هذا، يقولون مثلا الايمان يزيد وينقص، فليس من يشرب الخمر حاله إيمانيا كجبريل.
موضوع الديقراطية في الفكر السياسي الإسلامي لا يختلف عن الحد الأرسطوطاليسي هذا، لذا تجدهم يتعاملون مع الديمقراطية على أنها ماهية واحدة، فإما الديمقراطية دين = وهي بالتالي كفر. وإما الدين ديمقراطيا، الدين لا يتعارض معها ويخترعون ديمقراطية لا توجد في كل الأرض! ويصبح الأمر مجرد إقناع لعناصرهم.
أما من قال الديمقراطية كفر فهو يتحدث بمنطق القديم الجديد، دون تغيرات في الواقع، بمعنى نحن نعلم قطعا بأنه لا يجوز الاختيار على حكم، فإذا وقع تحريم الخمر مثلا لا يعرض الأمر على الشعب، بل يقال لهم امتثلوا ومتى قالوا سنختار ونقرر بالأغلبية أي أنهم جعلوا الأغلبية هي المرجع لا نفس الحكم فالأغلبية تقرر ما تشاء. ونعرف موضوع المرتدين، لم يطرح معهم أي خيار ديمقراطي سلمي ببساطة (لأن الحرب وقتها كانت على أساس ديني صرف)، الديمقراطية تجعل الدين ثانويا، أي يتبع اختيار الشعب، لا أوليا أي الاختيار الشعبي لا يهمنا بقدر الحكم.
أما الدين ديمقراطي فحاولوا دوما إيجاد حلول وابتكارات في الإسلام وفي الديمقراطية، فصار عندهم قتال المرتدين لأنهم خرجوا على الدولة، لمحاولة التشبيه للأمر بمفهوم المواطنة العصر الذي لا يوجد في ذلك العصر إلا في مخليلتهم.
دعنا من كل ما سبق من حذلقات، لم يكن يوجد مواطنة، لم يكن القتال على أسس وطنية، أو على أسس سياسية صرفة، بل كان في الأساس دينيا فيما يتعلق بمن يرتد عن الإسلام، ووجود الشوكة له خوف على الدين في الأساس ليس على نظام سياسي منعزل عن الدين.
الدين ديمقراطي = كانت عملية تلفيق كبرى، مثل التي حصلت عند الموجة الأرسطية، وصار علم الكلام يحاول تبرير كل نص يخالف محكمات الفلسفة في عصرهم.
الديمقراطية دين = هم وإن أصابوا في تصوير الديمقراطية في العصر الأول لكنهم يتجاوزون أمرا أساسيا (اختلاف المنجزات العصرية التي تحتم حلولا كارثية لربما بالنسبة لدولهم).
أعطي مثالا للتبسيط، اليوم العالم يعيش عولمة (طفرة اتصالات) سوق حرة، إمكانية نقل، هذه تختلف عن موقف هرقل وهو في الشام ويسأل قريشا عن النبي صلى الله عليه واله وسلم بعد أن قاتلهم وقاتلوه بسنوات! اليوم هذه سيكون من بدايته عبر السفارة، وككالات الاستخبارت، دع عنك الإعلام ونحو ذلك.
التطور العلمي، وتحديدا في السلاح، خضوع العالم للرأسمال المتحرك بين الدول.. إلخ.
بمعنى: أي حرب داخل الحدود السياسية، ستصنف على أنها حرب أهلية، وستتدخل دول كبرى في الصراع، وفي ظل السلاح الحديث يصعب حسم معركة داخلية، بوجود تدخل قوى خارجيا اقتصاديا، ولوجستيا، ولبنان مثال مهم في هذا.
فما هي فلسفة الديمقراطية؟ هي فلسفة بسيطة، تقول كالتالي بأن العالم موزع حاليا وفق حدود شئت أم أبيت، ومتى عملت هجرة، لن يسمح لك بالحال الأول الذي لم تكن فيه الحدود مرتسمة، بل الهجرة إلى دولة أخرى تكون إما للاستفادة من المهاجرين، أو توزيعهم بطريقة تمنع أي نشاط يضر بالدولة المضيفة على أراضيها، ولن يتعامل معك المضيف حتى العربي بمنطق المهاجرين والأنصار بل كما هو حال الفلسطينيين في لبنان وسوريا والعراق وغيرها!
إذن ما العمل؟ إما أن تدخل حربا أهلية، وإذا انتصرت (هنيئا لك البلد) فالمنتصر يحكم بما يريد.
أو ستضطر إلى اعتبار البلد شبه عدة بلدان، والديمقراطية ليست سوى اتفاق سياسي لتسير تلك البلدان بحث لا يطغى لون على آخر!
بمعنى، لن تقبل في لبنان دخول ممثل لتطبيق المارونية على البلد، ونفس الشيء الدرزية والشيعية والسنية وغيرها!
يتبع..

2


إن إعلان طرف مختلف أنه سيطبق رؤيته على الجميع هو عودة إلى إعلان الحرب، وسيسكت عليه طالما الأرقام التي تعكس التوزيع الواقعي تضمن أنه لن يطبق ما يقال، بمعنى آخر لو دخل واحد سني وقال سنطبق الإسلام مثلا، هو عمليا يقول سنذبح الدروز (في فهم ممثلي الدروز) بناء على حكم الردة إلخ، طبعا لن ينظروا لتبريراته حتى ولو قال بأن الإسلام لا ردة فيه، وأن الردة مرتبطة بالفتنة إلى باقي هذا الكلام، فهذا يقال لعناصره لا للدروز، سيسكتون طالما أنه فعليا لن يصل إلى أغلبية ساحقة تمكنه من تطبيق كلامه، وهذا ما يلفت إليه الانتباه موريس دوفرجييه في كتابه مدخل إلى علم السياسة:
فقدان شرعية الحزب الشيوعي مثلا ان حصل على اكثرية مطلقة تمكنه من ديكتاتورية البروليتاريا وقتها يمكن للقوى اليمينية ان تقلب نظام حكمه ولو بالحل العسكري فهو من أعلن الحرب عليهم!
ومن الغباء الفادح، أن كثيرا من العناصر الإسلامية يدعون لتطبيق الشريعة ويستغربون لماذا غيرهم لا يلتزم بالديمقراطية، لأن الديمقراطية ليست مجرد انتخابات! كما يفهمون.
بل هي التزام بالمبادئ التي تحول دون الانتقال إلى الحل العسكري! بما فيه الاستعانة الخارجية.
وهذا طبعا مرهون بدرجة التنوع في كل بلد، مثلا البلد الذي يوجد فيها أديان أخرى، وبنسب متقاربة، بمعنى بنسب لو انتقلت الى الحرب الأهلية لن تحسم المعركة لطرف على حساب طرف، وقتها ستكون المبادئ أكبر لضمان حرية جميع الأطراف.
الحرب الأهلية في المعايير الأولى تكلفتها لا تقارن بالتكلفة المعاصرة، فالبلدان اليوم تبني سنوات طويلة اقتصادها، وليس من السهل القرار بأنهم سيعودون إلى البداية!
فضلا عن كون التدخل الخارجي سيدخل دائما، وأبدا، مما يصعب الأمر في انفراد طرف!
الآن بعض الإسلاميين يقولون نريد ديمقراطية إسلامية مثلا هذه في ذهنهم فحسب، أو في بلد تشير الأرقام الواقعية على احتوائه لنسبة 99% مثلا من الموافقين للطرح السياسي! وهذا لا يحصل أبدا في الواقع!
فحتى لو أشارت الأرقام إلى أغلبية مسلمة، فهذا لا يدل على أنهم يتفقون على حكم إسلامي، فضلا عن الاتفاق على صورة معينة منه، ويكفيك أن تعرف أن سلفيا وأشعريا (وهما في الخارطة يعتبران قريبان) لا يقبلان بأحكام بعضهما على البعض فلك أن تتخيل الأمر أوسع، ولك أن تتخيل أن الناس لا تحكم قراراتها السياسية المخيلة الدينية فحسب، بل الاقتصاد اليوم هو العامل الأكبر في قرارات الناس.
وهذا ما يفسر إلى درجة كبيرة اختيار أردوغان على التوالي، إنه يحقق الرفاه لأكبر قدر، أي للجميع ويلتزم بالنظام العلمانية أي الحرية لجميع الطوائف (وإن كانت علمانيته مخففة سياسيا) أي لا يعادي الدين إنما يسمح للجميع، وهذا أمر مفهوم أنه سيسمح بالحجاب، وفي نفس الوقت سيسمح بغيره بقطع النظر عن تقييمه، لذا قال بأنه مع حق المثليين، كنتيجة طبيعية في ظل النظام الرأسمالي الحالي، وحرصه على التقرب من أوربا واتحادها.
على أي حال، الموضوع ليس مجرد فلسفة إنما هو عكس للقوى الموجودة على الأرض، فمتى رأت الدولة أنها ستبدأ بالتطبيق الأخلاقي لبعض المسائل لا عكس موازين القوى، يعني هذا صداما مع أطراف عدة، وهذا يعني توجس أطراف من أن يأتيها الدور، لذا شيء طبيعي أن لا يحاول السياسي كسب العداوة أبدا.
تبقى شعاراته ملك له ولحزبه ولأنصاره، طالما أنها لم تدخل حيز التفعيل في البرلمان والتشريع والانفراد بالسلطة لتطبيق معالم أخلاقية قد تؤدي في النهاية لحكم شمولي، وهذا يعني استباق الخصوم للإعداد للإطاحة به.
لذا كان أردوغان ملتزما بنتائج كلامه ورؤيته السياسة ونصح الإسلاميين في مصر بإلغاء موضوع التشريع من الإسلام في الدستور، حتى لا تتفاجأ بأي إطاحة بها، وهو ما حصل.
على أي حال الديمقراطية تسمح كما قلت بحرية أكبر كلما كانت القوى المتصارعة المختلفة أكبر، لضمان عدم الصدام بينها، وبالتالي لا مجال لضحك الإسلاميين الديمقراطيين، على أتباعهم بأنهم سيطبقون الشريعة عن طريق الديمقراطية، لن تسن قوانين العبودية في ظل دولة حديثة، باسم السبي وسوق النخاسة وملك اليمين ونحو هذا، هذا لا يمكن أن يتم.
لن يطبق حد الردة وفق نظام ديمقراطي، وهذا شيء مفروغ منه واقعيا وإلا بطبيعة الحال عليك الاستعداد لحرب اهلية، أو القضاء عليك سياسيا بسلمية!
أما الإسلاميون الذين يرون الديمقراطية كفر، فيوجد مثلا في اليهود من يرى هذا، ويعتزل العمل السياسي تماما، ويعيش منكرا للأمر.
لكن أن تعلن الحرب على دولة حديثة لمحض تطبيق الشريعة، هذا يمكن بثورة عارمة فقط، الثورة الايرانية 1979 يمكن أن تكون قريبة وليست تماما، إذ استغلت موضوع الشعارات الاشتراكية بشكل فعال لتمرر مشورعها، ليست بنمط مقاتلي العصابات، فكوبا مثلا سبب نجاح الثورة فيها فضلا عن اللعب على هامش الحرب الباردة كان أيضا لانطلاقها من مشروع يخص الجماهير الأكثرية، وهي الاشتراكية أي موضوع اقتصادي في الأساس يمس الجماهير، فالجماهير في الغالب في هذا العصر لا تتحرك للمبادئ بقدر مصالحها المباشرة.
مودتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق