9.24.2016

هل تصلح الدولة الاسلامية التي يقودها الشريف البغدادي نموذجا للحكم؟

حلقة جديدة من برنامج مراجعات بعنوان:

هل تصلح الدولة الاسلامية التي يقودها الشريف البغدادي نموذجا للحكم؟

ضيوف الحلقة: من القدس: الاستاذ والباحث في الفلسفة يوسف سمرين، والاستاذ والباحث السوداني ابا يحي السعدي باعتباره من أنصار الدولة التي يرأسها البغدادي.
رابط الحلقة على مجموعة "عقلانيون" في الفيس:
.......
أبو يحيى السعدي:
هل نموذج الدولة الاسلامية يصلح للحكم؟
للوهلة الاولى وفي هذا التوقيت والظرف اضافة لهذا التدفق الاعلامي غير المسبوق الذي هدفه الاساس أن تكون الاجابة على السؤال اعلاه هي اجابة محددة.
أقول نعم نعم هو النموذج الذي يحتاجه المسلمون كي يرجعوا لمكانتهم في التربع على كرسي صنع القرار السياسي في هذا العالم.
الحرب العالمية القائمة الآن ضد الدولة الاسلامية واعادة توزيع وانتشار قوات الدولة الاسلامية على الارض اغرى الآخرين بطرح سؤال موضوع حلقتنا أعلاه وﻷن ذهن اعتقاد المراهنين على فشل نموذج الدولة الاسلامية صور لهم ان الانسب طرح هذه المرئية في هذا التوقيت والحقيقة أنه اذا كان يرى المخالفون أن الدولة الاسلامية في أضعف لحظاتها فهذا ضدهم، فكيف إذن سيكون هذا المارد في منتصف عنفوانه؟
على أية حال سيكون هذا المارد إذن إن كان الآن ضعيفا بعد هذا الصمود الذي تواصل ﻷكثر من عشرة اعوام (تاريخ تأسيس دولة العراق الاسلامية) أمام أعتى حلف كوني بشري عبر التاريخ وهو لا يزال في عز جبروته وهيبته وما زال رعايا الدولة الاسلامية يتلقون الخدمات ويباشرون حياتهم واعمالهم ويحيون دينهم ولا يكدر صفوهم الا خيانة وخذلان الأمة لهم.
لم يصمد صدام الذي سموه صدام الصمود الا شهران وهو في عز قوته امام حلف أقل عددا من حلف الآن. يقولون ضعفت الدولة ومع ذلك مقارنة بصدام هي الاكثر ندية ﻷن من قتلتهم من الامريكان لم يستطع ربعه صدام إذن ضعف الدولة أقوى من قوة صدام.
وحتى لا يكون الكلام على عواهنه فيما يتعلق بتميز وصلاح نموذج الدولة الاسلامية علينا اولا النظر في نقاط اختلاف وتميز الدولة الاسلامية عن غيرها مما هو سائد الآن من شكل للدولة والحكم:
* الناظر للنظام الدولي الحالي الآن نجده تأسس على بذرة الدولة العلمانية القائمة على الرقعة الجغرافية المحدودة والنظام السياسي المقيد بمواثيق وقوانيين دولية تقوم فيه الحقوق والواجبات على المواطنة.
وهذا يناقض الاسلام في اساسيات وجزئيات كثيرة فالدولة في الاسلام لا تقدس الحدود وتعطل ﻷجلها جهاد الطلب ولا تقوم على فصل الدين عن الدولة بل تقوم فيها الحقوق والواجبات على اساس الاسلام لا على أساس المواطنة.
فدولة المواطنة لا تمثل المسلمين والأثر والضرر الذي ترتب عليها دفع المسلمون ثمنه دماء واشلاء وذل نتج عن فصل بعضهم البعض وتخندقهم حول دولة المواطنة واصبحت الكثرة الاسلامية المليارية الغثائية الوطنية
الغثائية الوطنية هذه عاجزة عن فعل شيء لستة مليون يهودي انتزعوا ارض ومقدسات المسلمين وقتلوا وهجروا اهلها والمسلمون يتفرجون بسبب تقيدهم بالدولة الوطنية وعجزت الجيوش الجرارة بسبب العقيدة الوطنية فهذه الجيوش ما أسست الا للدفاع عن هذه الحدود الوطنية وليس لنجدة المسلمين في الاقفاص الأخرى.
لذا نجد أن الدولة الاسلامية أعادت للمسلمين واجب الاصطفاف تحت راية واحدة وهدمت وكسرت صنم الحدود الوطني بين سوريا والعراق وهذا ما هدد النظام الدولي بالسقوط إن أستمر كسر وتهديم الصنم الوطني للدول الاسلامية بواسطة الدولة الاسلامية.
 * أن الاصل في المسلمين الاعتصام بإمام واحد وخليفة واحد فالمسلمون سلمهم واحد وهم يد على من سواهم نظام الحكم الحالي للدولة الاسلامية يدعو لهذا الاعتصام بأن يبايع المسلمون في العالم خليفة واحد مليار وثلاثمائة مليون تحت امام واحد فالدولة أعادت هذا الواجب المعطل.
بعكس أنظمة الحكم الحالية فهي تفرقهم وتجعل اعدادهم الغفيرة مجرد ارقام للمباهة ليس لها أي قوة فعلية مؤثرة ولا تستطيع نجدة أي مسلم في اي بلد تعرض لسوء ﻷن الحاكم ونظام الحكم الدولي يحرم عليه هذا الحق فتعدد الانظمة للمسلمين جعلهم في ذيلية الأمم بعكس أيام كانوا تحت خليفة واحد.
* اقامة التوحيد وهدم مظاهر الشرك والاوثان يقول الله تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [سورة البقرة 256]
ويقول الله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[سورة الذاريات 56]
بينما نرى مظاهر الشرك واقامة صروحه بائنة وواضحة للعيان في النماذج الحالية للحكم التي ينضوي تحتها المسلمون فالدولة الاسلامية بتحقيقها للتوحيد في اماكن حكمها عرت السلفية التي ما استطاعت ازالة مظهرا او ضريحا او وثنا يعبد من دون الله دون جهاد فهي هنا حققت في ايام ما عجزت عن فعله السلفية في عشرات السنين.
* إقامة الحدود الشرعية بعد ان عطلت لعشرات السنين وفي ذلك خير لعامة المسلمين - (حدٌّ يَعملُ بِه في الأرضِ، خيرٌ لأَهْلِ الأرضِ من أن يُمطَروا أربَعينَ صباحًا)
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 2073، خلاصة حكم المحدث: حسن
ولا يخفى على المسلمين ما وصل اليه حالهم من دركات وتعطيل للحدود.
* نموذج الدولة هو النموذج الوحيد الذي استطاع أن يقارع امريكا وروسيا وأكبر الدول التي يضطرب الطواغيت العرب أمام أصغر مسئول فيها واستطاع أن يمرغ أنوف استخبارتهم وكسر الهيبة المصطنعة لهم واعاد العزة لنا كمسلمين واختفت الادانات والشجب التي كنا نسمعها بعد كل اعلان عن رسوم مسيئة وهذه المقارعة تتم بأقل العدد والعتاد والمجاهدون أخذوا على عاتقهم اقامة دين الله على الارض وما يتبع ذلك من عزة للمسلمين والمسلمون في سبات وخذلان كبير لأخوانهم المجاهدين.
* ويسلى كلارك القائد الاعلى السابق لقوات حلف الناتو ورئيس هيئة الاركان المشتركة مدير الاستراتيجية والسياسة يصف فى كتابه الصادر عام 2003 الفوز في الحروب الحديثة.
وفي محادثته مع ضابط عسكرى فى البنتاجون بعد وقت قصير من هجمات 11 سبتمبر/ ايلول عن خطة للهجوم سبع دول شرق اوسطية: "عدت الى البنتاجون فى تشرين الثانى/نوفمبر 2001، وهو احد كبار ضباط الاركان العسكريين. نعم مازالت الخطة مستمرة. ولكن هناك المزيد، انطلاقا من العراق، ثم سوريا ولبنان وليبيا وايران والصومال والسودان"
^
Wesley Clark, Winning Modern Wars (New York: Public Affairs, 2003), 130
الدولة الاسلامية بثباتها وبتشتيت اوراق الامريكان في العراق ساهمت في انقاذ الدول الاسلامية مستثناة منها ايران من احتلال امريكي بعد ان افترضت انها ستكون في نزهة بعد انهيار صدام وقواته في أقل من شهرين.
* التأثير في السياسة الخارجية لدول العالم لا تزال الدولة وليدة وهي تؤثر تأثيرات جوهرية على بنية السياسة الخارجية للعالم فبحث صغير يبين لنا عن أن احد اقوى اسباب انفصال بريطانيا عن الاتحاد هو خوفهم من الارهاب وتعرضت اتفاقية ( الشنغن ) لهزة لم تتعرض لها منذ تأسيسها واغلب دول الاتحاد الاوربي دعت لمراجعتها وهي الاتفاقية التي تسمح بمرور مواطني الاتحاد الاوربي فيما بين دول الاتحاد.
ومن تأثير وصناعة الحدث السياسي كشف السعودية أمام العالم الاسلامي بعد تحالفها المعلن مع رافض العراق وانضمامها مع حلف صليبي واحد ضد سنة العراق.
* الدولة الاسلامية اقامت اساس متين يستند اليه المسلمون في اقامة امبراطوريتهم بعد تبيان افلاس الاخوان المسلمين والسلفيين في عدم وجود مشروع لهم يجمع الأمة الاسلامية ويعيد شتات ممزقها
يوسف سمرين:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييكم جميعا الاستاذ عبد الدايم، ومحاوري الكريم، وكل المتابعين والمشاركين.
هل (الدولة الاسلامية في العراق والشام) التي يترأسها البغدادي نموذج صالح للحكم أم لا..
لما نتكلم عن صلاحية جماعة معينة، يفترض أن يتم فحص هذه الجماعة، من حيث الصلاحية والأهلية للعمل السياسي، والاختباء خلف المقدسات وقتها سيكون جبنًا عن مواجهة الحقائق، وأعطي مثالًا سريعًا:
لو أننا فرضنا وجود رجل مسلم درس أحكام التجارة وأتقنها تماما، هذا كله لا يؤهله لوحده ليصبح تاجرًا، فإن خسر مرارًا في تجارته؛ لا يفترض بنا أن نسمع منه وعظًا عن صلاحية الإسلام للحكم! فالحديث ليس عن الإسلام بل الحديث عن هذا الرجل المعين، أو الجماعة المعينة، ومتى توحد بين الإسلام وفعله زعم العصمة لنفسه، فكيف ان لم يتم تسليم أصلا انه فهم الاحكام التجارية او انه اهل للتجارة اصلا.
(الدولة الاسلامية) التي تفرعت اصلا عن مجلس شورى المجاهدين عن القاعدة عن جماعة التوحيد والجهاد، تاريخ حافل بالفوضوية السياسية، والأخطاء الفادحة؛ فالزرقاوي الأمير الأول للجماعة كان قد فجر فنادق في الأردن راح ضحيتها فلسطينيون، وعرس، ومات فيها العقاد مخرج فلم الرسالة! ما هذه الأهداف التي فعلها الزرقاوي!؟
طبعا احبطت عدة عمليات هناك، اعتقل افراد، ولم يحاسب الزرقاوي احد من جماعته حتى مات.
كان مما اعلنه (الحرب على الشيعة اينما حلوا وأينما نزلوا) وكأن الشيعة كلهم على قلب رجل واحد، وكأنهم كلهم يتبعون مرجعية واحدة، وهذه الحرب الدينية التي أعلنها، ساهمت في تجييش الاحتقان الطائفي وجر الويلات على المناطق التي يسكنونها.
بطبيعة الحال هذه الجماعة لا يوجد فيها ولا في ثقافته شيء اسمه مساءلة أو نقد، او مراجعة علنية، ومواجهة للأخطاء، لأن الجماعة ليست مؤهلة البتة لممارسة اي عمل سياسي، وكل ما تفعله هو مجرد فوضى والتحرك في مناطق الفوضى دون اي برنامج واضح.
بدؤوا سلسلة جز الرؤوس على الإعلام، وطبعا كل ما يفهمونه ان يقولوا: يجوز ذلك للمصلحة، والسؤال الذي يجهلونه وهل هذا فيه اصلا مصلحة!؟
نحن في زمن التقنية والتكنلوجيا، وليس في زمان المواجهة المباشرة، ويفترض انصار الدولة أنهم يرعبون العدو جدا، وبالتالي سيرجف من يطلق عليهم صورايخ كروز!
في الواقع أن ما يقوم هو به مجرد شيطنة لنفسه، وخدمة للتيارات اليمينية المتطرفة في الغرب، التي تلعب على وتر أن الإسلام بعث لقطع الرؤوس! وأنصار التنظيم يظهر قدر وعيهم أنهم في أكثر الإصدارات يقولون عن الرسول: (بعث بالسيف رحمة للعالمين)، ولا تفهم ماذا يريدون، ومقارنة سريعة بما فعلوه يظهر ما هو وعيهم وكيف يستغلون.
ففي كوباني خاضوا معركة انتحارية، وأبيدت قواتهم فيها من عناصر بي كي كي، كل هذا ليقدموا ثمنا للأتراك على أنهم يساعدونهم في حرب الأكراد، وكانت المعركة بكل ما في الكلمة من معنى هزلية، ولكن التاريخ وإن كان هزليا مرة فهو مأساة مرة أخرى، تكررت كل هذه الأحداث في الرمادي، كانوا أطلقوا حملة (الرمادي مقبرة الأعادي) وسقطت المدينة منهم، كذلك تدمر نفس الفعل سقطت وهم يقولون مقبرة الأعادي، الفلوجة نفس الشيء ولاتزال العناصر تقول (باقية وتتمدد!!).. أي وعي وأي نقد وأي مساءلة.
مثلا، من الذي يتحمل عندهم دخول معركة كوباني أو غيرها، ويخسر عشرات بل مئات المقاتلين ببلاهة منقطعة النظير، ومع كل خسارة وكل هزيمة يصيحون نحن انتصرنا!
كان أحد الإصدارات التي أصدروها (الاقتصاد في ظل الدولة) وكان الأمر ساخرًا جدا، رجل يبيع التنك والصفائح يشكلها لتصبح أواني، في بيت شبه محروق، ومتعرض للقصف الهائل! والإصدار يتحدث عن التقدم الاقتصادي في الدولة! أي مستوى هؤلاء، وهل يصلحون أن يستلموا مسجدا فضلا عن بلدة.
طبعا بحثوا في الفقهيات واكتشفوا موضوع السبي! فهل سبوا الظلمة المتحكمين في العالم أم ماذا؟
ذهبوا إلى أفقر مناطق عرفها العراق، تعاني من تهميش فظيع، ونقص في الكهرباء والبنية التحتية، ودورهم من الطين ليسبوا نساءهم! أي بلاهة هذه التي تحدث، أن يتم استعراض العضلات والتسلط على ضعفاء الناس، والتحجج بأن هذا حكم شرعي هو تحجج بارد، إذ إن الظلم الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه واله وسلم يتعلق بقوم إن سرق فيهم الشريف تركوه اما الضعيف قطعوه! وهنا الاحكام تخصص ضعفاء الناس وفقراءهم فحسب!
هذه الجماعة عبثية لأبعد حد، لا تفهم اي مبرر ولا يوجد توقع اين سيضربون، يمكن ان يتبنوا تفجير اي طائرة لأي دولة والتبرير جاهز: مرة محتلين، مرة مرتدين، مرة شيعة، أي شيء متوقع، يعني لو قصد مثلا هو طائرة امريكية وأخطا ونال من اخرى من ناكاراجوا، سهل جدا ان يقول نعم هذا فعل صحيح لان الناس هناك مرتدون! ما يوجد اي رؤية واضحة عند هؤلاء، بل يرفضون الجميع ويحاربون الجميع حتى الفصائل التي تقترب من افكارهم مثل (النصرة سابقا) (الفتح حاليا) كانوا يسمونها جبهة الضرار!
كما نعلم ان النبي صلى الله عليه واله وسلم حالف قبائل بل حالف اليهود في المدينة، هؤلاء لا يقبلون اي حلف، واحكامهم ارتجالية ولا يوجد اي مراجعة، وانا اسال الضيف هل تعرف معنى للهزيمة اخ ابا يحيى: يعني أحد كانت مصيبة، وتساءل الصحابة (أنى هذا؟) وحدثت مراجعة كثيرة للموضوع (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) عتاب شديد للصحابة ومع ذلك كان هناك مساءلة واعتراف بمصيبة أُحد وفهم لاخطائها، ومحاولة لتجاوزها، كذلك في حنين!
أين هذا الدولة من كذا، كل مصائب الدنيا في المناطق التي تحكمها، وبطبيعة الحال يفترض أن نصدق أن كلهم يريد الاخرة مع ان الله عاتب الصحابة وقال منكم من يريد الدنيا بسبب أحد، أين مراجعاتكم بسبب كوباني، الرمادي، بيجي، سامراء، تدمر إلخ! ما يوجد؟ كل ما تنشره الدولة في اصداراتها عبارة عن اناشيد، طبعا كلمة ملحونة غالبا لرجل يردد كلاما مسجوعا!
واصداراتها مطويات وقليل من الملخصات بكلام عام لا يفهم منه اي شيء سياسي او مراجعة نقدية او الخ.. وهذه مأساة تلف هذا التنظيم الذي اعلن الدولة أو الخلافة سمها ما شئت.
أبو يحيى السعدي:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لسوء الشبكة وتأخيري بسبب ذلك لم اتمكن من كتابة مقدمة ترحيبية بالمتابعين والمشاركين وبك كما تفضلت استاذ يوسف
بالطبع كحال الجميع الاستاذ يوسف ينظر الى الدولة الاسلامية وهو متأخرا سنتين!
لذا لا استغرب أن لا تجد الا احداث الزرقاوي تقبله الله لتستدل بها على فوضوية الدولة الاسلامية!!
فالآن الدولة الاسلامية موجودة في سيناء أرض المناجاة وموجودة في قلب افريقيا نيجيريا وموجودة في الصومال وفي افغانستان وفي قلب فرنسا وفي كل مكان لذا صار اسمها في حال كنت متابع الحاضر ونشرات الاخبار أخي الكريم صار اسمها الدولة الاسلامية ودولة الخلافة الا اذا كنت تكابر وترى أن الدول التي ذكرتها لك موجودة بالعراق والشام عندها استجيز تسميتك!
* من بين ما تميزت به الدولة الاسلامية عن غيرها من الدول الموجودة الآن هو انعدام الفساد فيا ايها المتابع وغير المتابع لعدد الاتهامات التي يكيلها الاعلام والناس ويرددونها دون وعي وعلم هل سمعت أن من بين التهم التي وجهت للدولة تهمة الفساد سمعنا بكل تهمة الا هذه التهمة وهذا يؤكد حقيقة مهمة لم يتفطن لها المحاور الكريم وهي أن انعدام الفساد يعني بالضرورة نظام حسابي وعقابي صارم وهو باﻷساس لم تخترعه الدولة بل طبقت الدولة فيهم الاحكام الشرعية والنتيجة الطبيعية هي فشو الأمن وندرة اللصوصية والفساد وغيرها مما ابتلت به جميع الدول والحكومات والأمم.
والحقيقة مسألة المحاسبة والمساءلة ليس من شروطها الهتاف بها وإن كان ان الدولة تنشر في اصداراتها العقاب ونتائج هذه المحاسبات ولكن عدم علم المحاور الكريم بها لا يعني عدمها.
والعبرة بالنتائج إذ أن الدولة شهد لها اعدائها بأنها دولة ينعدم فيها الفساد وراجعوا إن شئتم شهادة الصحفي الالماني تودنهوفر فهي موجودة في اليوتيوب.
فيما يتعلق بادعاء الفوضوية والعبثية هو ادعاء اتوقعه لأن المحاور الكريم لا يفهم استراتيجية الدولة الاسلامية احيل القراء لكتابين الأول كتاب الدولة الاسلامية الجذور والتوحش لعطوان وإن كان لا بد له من اضافة النكهات التي تسمح له ان ينشر الكتاب لان فيه بعض المغالطات التي حشرت عمدا حتى يتسنى له طباعته ونشره والكتاب الثاني كتاب ادارة التوحش لابو بكر ناجي لتعرف هل للدولة الاسلامية استراتيجية محددة تتحرك عبرها أم لا وعند مقارنة واقع اليوم بما تجده ستعلم هل الدولة الاسلامية فوضوية وعبثية أم لديها استراتيجية حققت معظمها.
يوسف سمرين:
أعود إلى تعليق الاخ ابي يحيى وهو يتكلم عن الامة الغثاء والعودة الى المربع السياسي، والخ! على اساس ان الدولة التي يناصرها، الان تهدد الدول الكبرى في الامم المتحدة ويقطعون المعونة عن اسرائيل بسببها!
يا صديقي الدولة تلك اضحت مرتع تجريب لكل اسلحة الدول المتطورة! وأضحت تخويفا للمنطقة من بعبع الدولة والارهاب وبالتالي بيع امن المطارات، وازدهار شركات الحماية في الاماكن الدبلماسية والسيادية الخ!
وموضوع المتاجرة بقضية فلسطين اعتقد ان اخر من يتكلم عن هذا هم ابناء وانصار هذه الدولة، وكل طاغية كما نعلم يتاجر في قضية فلسطين من حافظ الى بشار الاسد، الى اي شخص اخر، والمزايدة في هذا لا تسعف ابناء الدولة الذين اصلا يدعون اهل فلسطين للهجرة اليهم ويستبقونهم في مناطق العراق! ويخلون بذلك مناطق فلسطين، وهذا حصل وامثلته كثيرة ولهم عدة اصدارات لاشخاص اصلهم من غزة قتلوا هناك، حتى انتشرت قصة (ايمان كانجو) قبل فترة اعتقلت في تركيا ثم سلمت الى اسرائيل.
فهذه الدولة باختصار تبيع الوهم، لمجاهيل يتسلطون على ظهور الناس، ويحكمون باحكام لا يظهر انهم اهل لفهمها، ولا هم اهل لتطبيقها، وهم لم يرضوا لانفسهم بوصف المدافع عن الناس، حتى اشرأبت أعناقهم لحكم الناس بالسيف والسنان!
ومن الطرائف التي رأيتها مؤخرا لهم انهم بعثوا مجموعات دعوية كما يسمونها، فهذه حتى سموها غزوة دعوية! وكأن الإسلام مختزل بالغزوات! وكأنه لا يوجد آيات تتحدث عن الفهم والوعي والرحمة بخلق الله، والفكر والمجادلة والتاصيل والعلم الخ.
والمشكلة ان ترى فقط ما يوافقك ان هناك رجل امريكي قال ان التنظيم مرعب، او قال ان التنظيم منع احتلال دول اخرى، وتتناسى كلمات هلري كلنتون وهي تقول نحن صنعنا هؤلاء الارهابيين، او كلام ترامب وهو يقول ادارة كلنتون ساهمت في نشوء هؤلاء! هذا ليس في صالحك اذن لا نستمع اليه البتة، اما الافتخار الدولة موجودة في كل مكان (طبعا احذف مناطق التماس مع اسرائيل) نيجيريا كانت بوكو حرام (التي كانت تهاجم اصلا المدارس وترفض التعليم الحديث) وهناك مقطع شهير لأميرهم وهو يرقص بالسلاح ويصيح ولا تفهم منه اي شيء، بالنسبة لسيناء، فأصلا المناطق هناك تعيش على تجارة السلاح والتهريب، وبالتالي تكره الحكومة، ولا ادري ما الانجاز الحقيقي في مناطق سيناء!؟ حتى تفاخر بأنهم موجودون في منطقة تمنع اتفاقية كامبديفد على الجيش المصري الطيران فيها، بمعنى انهم فقط استغلوا منطقة محمية، لا يوجد اي تأثير لهم حقيقي وفعال على صعيد السياسة المصرية، فكيف على الصعيد العالمي، اما الحوادث التي يفعلونها هناك فهذا موجود المافيا ممكن تفعل اكثر من هذا! والهدف السياسي ما هو، والعناصر هناك ماذا تريد ما تفهم شيء غير مصطلحات عامة (طواغيت، مرتدين، الخ )! ونفس الشيء كل حملة هناك يتكبدون خسائر، ما يوجد اي مساءلة، أما أفغانستان فالانجاز الاساسي هو قتال حركة طالبان! يعني زيادة العبء على اهل البلد اصلا، ويقول لك دكوا فرنسا! ما الانجاز من العمل العبثي على الصعيد السياسي، وانت اصلا جررت فرنسا ووحدت دول اوروبا ضد الناس فحسب، طبعا يختبئ وينسحب من البلدان التي يسيطر عليها مثل ما فعل في الفلوجة، ويترك الاهالي تحت قصف التحالف والروس ودخول الحشد الشعبي!
أما ما يقوله الاخ عن الفساد، فالدولة متهمة لا شك بالفساد، وشيء طبيعي اصلا في مرحلة ثورية ان يحصل فساد، إذا كانت التنظيمات محلية، وعناصرها معروفة وتمت تربيتها بعناية واصطفاؤها، ويحصل فساد، وتكون مخترقة من الجواسيس، فكيف اصلا بجماعة تستقبل من لندن والمانيا ودول الاتحاد السوفييتي سابقا الخ! ستكون مليئة بالفساد وايضا عدم الرقابة ولا المساءلة للظروف، فهم كل حين في بلدة ويتنقلون ومع ذلك يعلنون دولة! ومع كل هذا لم اسال انا عن المساءلة المالية، وان كانت مفترضة من بيع النفط لتركيا لفترة والقتال عنهم بالوكالة ضد الاكراد، يعني ياتيه الشباب من تونس والجزائر، ليقوم بصفقة مع الاتراك يبيعهم نفط ويقتل هؤلاء الشباب في كوباني وامثالها.
المساءلة التي عنيت هي سياسية، يعني لما يحدث اي حدث وتتبناه الدولة، من يقول لهم اخطأتم! طبعا لا يقول عاقل ان كل ما يقومون به صحيح 100%، فهل يمكنك انت ان تبين لي في اي شيء تنتقدهم؟
اذا كنت رجلا اهلا لفهم الجوانب السياسية، يفترض ان يكون لك انتقادات على اعلامهم وسلكوهم وسياستهم، كأي نصير لأي حزب سياسي، وهذا شيء طبيعي، لكن الغريب ان لا يكون لك الا التبرير لهم! وهذا يعني انك مغلق تماما تتعامل معهم كأنهم ملائكة، وتقبل ان تصف الصحابة بأن منهم من يريد الدنيا ومنهم من يريد الاخرة، لكن صعب هذا عندك على الدولة المذكورة!
أما الكلام الكبير عن استراتجية الدولة والاحالة الى عبد الباري عطوان، الذي كان يخبرنا عن استراتيجية صدام مرة ومرة عن استراتيجية بن لادن! وكله في الختام كان مجرد بيع كلام، ثم طباعته ثم بزنس كأي سلعة، وسمعنا كلامه ايام احتلال العراق، والجيش الجمهوري، وانفاق تحت الارض، واستراتيجية بعيدة المدى ولم يكن هناك ابدا غير ما يتقاضاه عبد الباري على لقاءاته مع الجزيرة.
أما الكتاب الذي أحال عليه كتاب إدارة التوحش، فهو أصلا ليس من اصدارات دولة البغدادي، بل من اصدارات مركز الدراسات لخصوم البغدادي اليوم وهو القاعدة، ايام بن لادن، على اي حال فكتاب بكر ابو ناجي اصلا كتاب فوضوي، وهو يراهن على اقامة ادارة في مناطق الفوضى! اذن ليس هذا اتهاما، وهذه نفسها الاستراتيجية اي ان يحدث فوضى تختل معها الانظمة لتتحرك هذه الجماعات فيه، هذا الامر ببساطة، ولا يوجد اي استراتيجية فيه، ولا اي حذق.
ليس كل متهوس لا يوجد عنده برنامج ولا يفهم اي شيء بالسياسة يحق له ان يتدخل بالشأن العام، ويتعلم الحلاقة على رؤوس الأمة، ليس كل رجل لم يقرأ كتابين يحق له أن يقسم الناس إلى مرتدين ومؤمنين! وبالنسبة للدولة الاسلامية، أو الخلافة، ولا مشكلة عندي في الأسماء، والحقائق لا تتبع الأسماء، ونعرف أن في الأحاديث والآثار إخبار بأنه سيأتي من يسمي الخمر بغير اسمها، فشيء متوقع ان يسمي الخلافة في غير موضوعها، وبالنسبة للدولة المذكورة، فأخطاؤها السياسية الفادحة، بل انتحارها السياسي اليوم يودي بها، وقبل سنوات كانت الأخبار كلها عنها، اليوم يمكن أن يسألك أي واحد ما أخبارهم؟ هل تم حلهم!؟!
فهم في تقهقر تام في كافة المناطق التي انتشروا بها.. أما المعنويات العالية وباقية وتتمدد، وسوف وسوف، هذا يحسنه أي أحد، فمن كان يتوقع أصلا دخول الحشد الشعبي الفلوجة في أيام معدودة! طبعا أنت تعلن الدولة ويتندر بصدام وصموده!..
الدولة في حكم التفكك، والضربات عليها أنهكتها، وأخطاؤها تلاحقها، ولا مكان لها في الواقع السياسي، جل ما لها من مجال هو المكان الأمني فحسب، مثل جماعات العنف، (الجريمة المنظمة، المشاكل العائلية، العصابات المنفردة إلخ ) لا يتجاوز خطرهم إلا هذا، والاعلام يبالغ بشانهم، لاهداف كثيرة منها الضغط السياسي، وما يتبعه من اثر اقتصادي الخ.
الدولة المذكورة لم تقل شيئا لا يعرفه غيرها، يعني مثلا استمع للبغدادي وستعرف ان ما يقوله يحسن قوله اي خطيب!  جل ما هناك انه يتبع تنظيم مسلح يقول انه دولة.
لنرى هل هم دولة ام لا؟
السبايا الايزديات التي سبوهن، لم يقدروا على منعهن من الهرب! تخيل الخلافة الفذة لا تقدر على ضبط حدودها من مجموعة فتيات تم سبيهن، هذه الدولة العظيمة التي يحسب لها الجميع اي حساب (طبعا بامكانك التاكد من هذا بنفسك).
وختاما.. فمهما احتد محاوري او غيره في الدفاع عن الدولة، او حتى التركيز على لفظ دولة، فالايام ليست مسعفة له، اذ انها تسحقها وتستبدل مناطقها بحشد شعبي، وقسوة اكبر على السكان الذين حكمت فيهم الدولة..
ولو يلاحظ محاوري انني اركز على اضاءة في الجانب السياسي والنظري، والتقييم العملي.. ولذا لم اتهم ولا يعنيني ان اتهمهم بانهم خوارج او ليسوا كذلك فهذا امر لا يزيد ولا ينقص من القضية بنظري.
وختاما نسال الله الهداية للجميع.
مودتي لكم جميعا، واشكر ضيفي المحاور الكريم، وكل من تابع الحوار.. ويعطيك العافي اخي عبد الدايم.

9.16.2016

الفوضويون الدواعش ..هل هى ثمرة تراثية ؟

حلقة جديدة من برنامج مراجعات بعنوان:

الفوضويون الدواعش ..هل هى ثمرة تراثية ؟

ضيوف الحلقة: من القدس: استاذ يوسف سمرين، ومن السودان الأستاذ صدام الخالدى.
رابط الحلقة على مجموعة "عقلانيون" في الفيس:
.............
يوسف سمرين:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... أحييك أخي عبد الدايم ، وأرحب بمحاوري الأخ صدام ، وجميع الإخوة المتابعين الكرام .
التفكير النقدي يحتم علينا تفكيك الأسئلة للخروج من ديكتاتورية المصطلحات ، فالمصطلح قد يكون كالفرد المحاط بالحاشية ، مما يزرع هيبة تتجاوز ما لو تم إزاحة الحاشية ، والحرس ، لرؤية فرد عادي ، كذلك الأمر بالنسبة للمصطلحات التي هي كلمة ، لكن قد يكون للاصطلاح والسياق لها ما يشبه الحاشية المحيطة بفرد من الأفراد .
يفترض بنا ونحن نحلل ظاهرة مثل (الدولة الإسلامية في العراق والشام) أو ما تختصر عادة في الإعلام بـ (د.ا.ع.ش) اعتباراً بالأحرف الأولى المكونة لها ، أن ننظر إليها بمستوى تحليلي ينظر ما الذي يجعلها مختلفة عن غيرها .
فداعش هي تنظيم أيدلوجي ، له رؤيته التي سعى لتمثيلها بكيان سياسي ، فنحن نتكلم عن شق (فكري/أيدلوجي) كذلك عن سياق وظرف تاريخي تنشأ فيه الحركات السياسية ، وعن جانب سياسي يتعلق بالفكر السياسي وفلسفته .
ثم لما ننظر للشق الآخر من الموضوع وهو التراث نجد أن كل موروث فهو تراث ، بهذا المعنى العام ، اللغة ، الدين ، الكتابات الأيلدوجية ، والأنظمة الخطابية المتنوعة .
فيجب أن نحدد هذه المصطلحات بدقة بحيث لا تمر دون أن تكون واضحة ، معروفة المقصد ، ونحن نحلل مثل هذه الظاهرة .
وبالتالي وبما أن السؤال يدور حول (داعش) فيفترض أن ننظر في الأدبيات التي تسوقها هي لنفسها ، ونمط التفكير الذي يتوسط بين تلك الأدبيات ، وبين تطبيقها على الواقع .
وهي ما يسمى بالمنظومة أو النظرية في التصور أو المعرفة ، فهناك كتب ، وهناك واقع يتحرك فيه المرء ، وهناك (واسطة بين المرء والواقع كذلك الكتب وهي منظومته ورؤيته )
وعلى سبيل المثال فإن النجوم كانت موجودة من قبل أي كشف وخرق علمي كبير كما هو في العصر الحالي ، والبشر كانوا موجودين ، ما الذي جد !؟ الواقع إن المنظومة التي تنظر للنجوم في السابق تختلف عن المنظومة الحالية ، طريقة تخليلها ، طريقة استنتاجها ، طريقة ، فهمها للأحداث .
فلما ترد كلمة نجوم اليوم على لسان أحد علماء الفلك ، ستختلف المعاني عن كلمة (نجوم) ذاتها على لسان أرسطو مثلاً ، أو منجم شعبي في منطقة نائية .
ومن هنا يجب تحليل ما الذي تستدل به داعش ، وكيف يتم الاستدلال ، وهذا الثاني لا يقل أهمية البتة في البحث والتفكير النقدي عن الموضوع الأول
هناك دائما من يتسرعون للوصول إلى النتائج ، دون كبير جهد ، أو بتزهيد في الخطوات الدقيقة والكثيفة التي تقلل الاعتباطية في النتائج ، والعموم الإنشائي والأدبي فيها ، فتجد اليوم من يدعو إلى الخروج من التراث ككل بكل ما حواه من خير ، أو خلافه ، وطرد هذا الكلام إلى آخر نتائجه في الواقع يجعله دعوة للانسلاخ من الدين والعربية ، بل حتى النسب ! فمن التراث معرفة المرء لنسبه !
لا أنكر أن ظاهرة داعش تستدعي النقد والتفكير البحثي دوما ، وقد سلطت الضوء على هذا في أكثر من كتيب ومقالة ، مثل مقالة (شيء من النقد) و (جذور الفوضوية السياسية ) ، لكن لا بد أن ننتبه لانتهازية تفتقد المقومات المعرفية بشكل كبير ، مثلاً رجل له انتهازية مع الإسلام ، يقفز عن كل الظروف والأسباب المتشابكة ، ليجير الأمر إلى سبب واحد ووحيد وهو أن المشكلة قائمة في نفس الإسلام !
هذا كمن يقول مشكلة كل الأفكار الشريرة في العالم ، من نتائج التفكير ، وبالتالي فالتفكير أمر مرفوض !
وهذه التبسيط المخل يدفعنا إلى السؤال ، ما هو التراث المقصود ؟
هل كل التراث شر ! وهو يشمل القران ، السنة إلخ .. الدين بالمعنى العام !
ثم ما المنهجية التي اعتمدت للوصول إلى هذا الرفض المطلق إن وجد ، أو ما هي المعيارية التي فرقت تراثاً عن تراث.
وأختم مداخلتي بهذه الإسئلة الضرورية في المبحث هذا .
هل يعتبر الأخ صدام القران نفسه ، مشكلة سياسية تفرز لنا ظواهر مثل داعش ؟
هل يعتبر أن من الضروري الانسلاخ عن كل تراثنا وديننا ، والالتحاق بالركب الغربي ، بكل ما حواه من خير وشر ؟
هل مشكلة داعش ، هي التراث ، أم منهجية التعامل مع التراث ؟ وكيف يتم معرفة كل هذا ، وما الضابط فيه .
سأستمع بحرص لأجابات محاوري الكريم ، ونتباحث سويا في إجاباته ..
أكرر شكري لكم ولمحاوري.
صدام الخالدي
مرحبا بالجميع وبالأخ يوسف وسوف أحاول الإجابات مباشرة علي الأسئلة انطلاقا من مقولة خير الكلام ماقل ودل وأيضا التعاليق الأولي بعتباره تعاليق نثرية قد لا نختلف حولها كثيرا ولكن الآن دعونا في المحور الأساسي وهو هل داعش ثمرة تراثية لنجيب ونرى.
كبداية اقول أن الفكر الداعشي هو فكر نابع من التراث السلفي الوهابي بلا شك وهذا يعني ان داعش هي ثمرة تراثية سلفية بإمتياز
ولكي نفصل هذا الادعاء لابد أن نعرف الفكر الداعشي وعلي ما يقوم هذا الفكر ومن أين جاء وماهي أهدافه وهل لهذا الفكر سند أو مرتكز فكري من التراث الإسلامي؟؟
أولا كلمة داعش هي إختصار للدولة الإسلامية فى العراق والشام اختصرت ب (داعش) معلومات جميعنا يعرفها
الدولة الإسلامية أو عودة الخلافة لها تأصيل من التراث وهو هذا الحديث .

قال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ((( خلافة ))) على منهاج النبوة،
هذا الحديث وهو حديث حسن، رواه الإمام أحمد بن حنبل وغيره، وقد صححه العراقي، وحسنه الهيثمي والألباني

لماذا أهل الشام والعراق تحديدا لماذا بدأت من هناك
لهذا الاحاديث

قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بالشام). وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله). وعنه صلى الله عليه وسلم: (ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام). وحديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((((الشام أرض المحشر والمنشر)))). ووصى النبي صلى الله عليه وسلم بسكنى الشام فقال: ((((عليك بالشام فإنها خيرة الله في أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده)))) رواه أبو داود وأحمد، بسند صحيح.

هذه الأحاديث موجودة داخل التراث إذن الإسم والدولة بل وحتي اسم البغدادي اليوم هو اسمه (( خليفة المسلميين)) قد تقول ان هذه الأحاديث لا تعني البغدادي ولا الدولة الإسلامية اليوم بل تعني شيء آخر كما ستبرر لاحقا ولكن هذا التبرير لن يعدو من كونه رأيك الشخصي وليس رأي إلزامي داعش الآن موجودة انطلاقا من هذه النصوص وانطلاقا من الفهم الجمعي الذي تكون في عقول المسلميين عن فكرة دور المخلص الذي سيملئ الأرض عدلا وهذا ما يفسر انضمام المسلمين اليوم إلى داعش الذين يفوق عدد جنودها ال50 ألف موزعين بين العراق والشام.
اما سؤالك حول هل القرآن يعتبر تراث ويجب أن نتجاوزه حتي لا نقع مرة أخري في إنتاج داعش وغيرها وإتباع الغرب بكل خطواته
سأقول
ليس شرط أن نتجاوز القرآن بالمعني العرفي ولكن علي الاقل نراعي الظروف التاريخية التي نزل فيها فالمرأ لا يمكن تجاوز تاريخه والقرآن بالنسبة لنا موروث وتاريخ أنزل في سياق تاريخي زماني ومكاني محدد في القرن السابع الميلادي علي العرب الذين يسكنون شبه الجزيرة العربية . هذه حقيقة يجب أن ندركها وبما أن هذا القرآن نزل في ذلك الزمان وذلك المكان إذن نزل وفق ثقافة هولاء الأعراب في ذلك الزمان لأنهم قطعا كانو يفهمونه لذلك يجب فهمه في ذلك السياق وذلك التاريخ

بين القرن السابع الميلادي والقرن الواحد والعشرين جرت مياه كثيرة تحت النهر تغيرت القيم والأخلاق والعادات والدول والسياقات التاريخية أصبحت مختلفه عن الماضي فالعقل التاريخي الذي كان يقبل الرق والجزية والقبلية والجواري كل هذه القيمة أصبحت الآن في نسيان الماضي ولا يمكن أن تتقبلها البشرية والانسانية اليوم وستقف ضدها هذا هو واقع اليوم يجب اداركه نحن اليوم غير منفصلين علي الواقع بل فاعين بداخله

أوروبا إتباعها ليس لأنها أوربا بل لأنها أحدثت هذه القطيعة التاريخية بين الماضي والكنيسة وتسلطها ورجال الدين والاقطاعيين عاشت صراعات وتم تجاوزها حتي الدول الأوربية التي كانت متناحره اليوم أصبحت في إتحاد واحد لا حدود بينها لانها تجاوزت التاريخ وانفتحت علي العلوم الإنسانية بكل أنواعها أما نحن فلازلنا قابعيين في في صراعات معاوية وعلي وشيعة وسنه وصحابه وفاطميين وعلويين لم نعي بالحس والبعد التاريخي بيننا وبين هولاء لذلك لابد لداعش أن تأتي وان تلقي هذا الرواج لأن أفكارنا لازالت في القرن السابع الميلادي
القضية الثانية
وهذه القضية قد يكون لاحظها الكثير من المسلمين إن لم يكونوا شاركوا فيها وتفاعلو معها وهي تمثل استبيان حقيقي واستفتاء يوضح حقيقة داعش ووجودها في عقول معظم المسلمين ومعتقداتهم وتراثهم .
القضية هي حينما تنشر داعش فيديوهات القتل وقطع الرقاب للمسيحيين والقصاص من الجناة وإقامة الحدود من قطع الأيادي ورجم الزناه وإسقاط المثليين من أسطح المباني هذه الحدود التي تفتخر داعش بتنفيذها . للأسف الشديد هذه الفيديوهات تلقي رواجا واسعا بين المسلميين ومعظم المعلقين إن لم يكن جلهم هم مؤيدين لهذه الحدود وهذه الوحشية التي تظهرها داعش ويقولون أنها تطبق الإسلام وحتي الذين يعترضون لا يعترضون علي الحدود نفسها ولا علي طريقة القتل وإنما اختلافهم الأساسي حول داعش وأنها ليست مكلفة من المسلمين ويجب أن يطبق هذه الحدود أمير المؤمنين وهكذا كما تلاحظ أن داعش هي تمثل الإسلام فى المناطق التي تستولي عليها علي الأقل فهي مكلفة من المسلمين لأن لها الغلبه بالقوة وهذا أيضا تأصيله موجود ومستمد من السنه إذن حتي هولاء يريدون تمديد داعش وليس نقدها
الخلاصة التي ساختم بها وهي
أنه مالم نفصل واقعنا اليوم وننفتح علي الإنسانية جميعها بجميع علومها ومعارفها ونخرج من التاريخ ونصل الي قطيعة تاريخية معه فسوف نظل ننتج آلاف الدواعش
علينا أن نعي هذه الآية
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ
ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
يوسف سمرين
تجاهل المحاور أي سؤال سبق في في مداخلتي ، ما التراث المقصود ، ما المنهجية المتبعة ، ليفرغ حمولته على عجل ، وكأنه في معرض خطبة ، لا تفاعل في حوار ، وبدأ بالقول (الفكر الداعشي= الذي لم يحدد لنا ما المقصود منه )
فكما نعلم بأن داعش يضعون (لا إله إلا الله ) على علمهم ، ويمكن بنفس المنطق (المتعجل= ككلمة ملطفة) أن يقال هم نابعون من الإسلام = النتيجة الإسلام هو المصدر !
لكن الأخ صدام آثر أن يقول (الفكر الداعشي هو فكر نابع من التراث السلفي الوهابي) ..
والدليل ؟ ابتدأ بحديث حذيفة الذي رواه أحمد المتوفى عام عام 241هـ .
فلماذا زج باسم الوهابي في الموضوع ، ومحمد بن عبد الوهاب توفي عام 1206هـ .
أي بعد ما يقارب 1000 سنة من أحمد ! ولكن تراث الأول ينسب إلى الثاني ، الأمر شبيه بمن يقول بأن بوذا كان يتبع غاندي !!
ومن طريف ما قاله ، بأن داعش فيها نفس الكلمات القديمة ، خليفة ، أمير المؤمنين ، الشام !
لم يبق إلا أن يقول ، ونفس العربية التي استعملها القرآن ، ونفس المصطلحات ، جهاد ، إسلام ، تمكين ، حدود إلخ !
أعتقد أن من الامور التي يفترض أن نكون قد جاوزناها بعد مرحلة البلوغ ، عدم الخلط بين الأمرين لمجرد تشابههما في الاحرف !
تعرف عادة ، وأنت صغير يمكن أن تستغرب أن يكون صديق والدك اسمه محمد وصديقك أيضا محمد ، وتقول ما علاقة الاثنين !؟ لكنك لما تكبر تقول تشابه الأسماء لا يفيد أي شيء !
داعش تشبه حروف اللغة العربية ، إذن اللغة هي المسؤولة ، وفات محاوري أن المصطلحات هذه ليست حكرا على من سماهم بالسلفية الوهابية !! فخصومهم من الشيعة يستعملون مصطلحات (كخليفة ، واستخلاف ، وامير المؤمنين ، ودولة الاسلام ، والخميني له كتاب الحكومة الاسلامية ) وهم أشد الناس عداء لأحمد بن حنبل الذي تنقل عنه وللأسماء التي تتفضل بالمقارنة معها ! .
إذن لما ترفع يدك ولا ينطفئ النور ، ثم تنزلها ولا ينطفئ = يستنتج أي عاقل بقليل من الذكاء ، أن لا علاقة بين رفعك ليدك ، ووصول الكهرباء إلى المصباح الكهربائي ! .
لما توجد هذه المشابهة مع فرق ليست من أنصار التراث الذي تصب جام مقارناتك معه ، إذن وجود هذه المشابهة من عدمها هو نفس الشيء !.
الأخ لا يختلف عن أي أيدلوجي ،يقول لك ما يحفظه من الجواب بقطع النظر عن الظاهرة ! ، هو لم ينقل عن داعش أي اقتباس ! ثم يقول النتيجة بسرعة عند أحمد والبخاري = على فكرة ، كلمة تراث واسعة جدا لم تحددها البتة ، فعلام خصصت الأمر بهؤلاء ، لذا يظهر أن كلامي في المداخلة الأولى لم يكن إنشائيا لا نختلف عليه كثيرا ، كما قال المحاور ، ليخطي على الثغرات التي سيسقط هو بها ، إن الأمر تسميع محفوظات !
بالنسبة لجوابه عن موضوع القران فيمكن أن يلاحظ القارئ ذلك الحياء والوجل في النقد ، القرآن ليس شرطا أن نتجاوزه بالمعنى الحرفي ! وله سياق وله ظروف وله وله وله !!!
لكنه لما يجيب ماذا يقول : " نزل وفق ثقافة هولاء الأعراب في ذلك الزمان لأنهم قطعا كانو يفهمونه لذلك يجب فهمه في ذلك السياق وذلك التاريخ "
القران نزل وفق ثقافة الأعراب ! الله كان يحدثنا بثقافة الأعراب ، ومع ذلك يقول إن رسوله بعث به للعالمين ! ، إذن تصور صدام عن القران انه نزل بثقافة أعرابية ، تريد أن تكون رسالة عالمية !
إذ صدام هنا يحاول أن يفهمنا ، أن القرآن الذي نزل بثقافة أعرابية هو نفسه رسالة عالمية ، بل من عند الإله الحق !
وطبعا يخبرنا أن أوروبا أحدثت قطيعة تاريخية مع الماضي إلخ .
إنه متأثر جدا بمن يضع صورته (محمد أركون) ، محمد أركون يتبع منهج ميشيل فوكو ، في اعتبار أن الأفكار نتاج المجتمع (ثقافة أعرابية مثلا) لكن هذا ينفي الكلمة التي تفضل بها علينا الاخ صدام وهي (نزل) ! فالقران اذا كان بثقافة عربية وتبعا للمجتمع الذي نشأ به ، ففرضية نزوله من عدمه هذه خارج هذا الإطار تماما !
ومن هنا كان ميشيل فوكو ملحداً ، وتقليد أركون له في موضوع القرآن والإسلام كان هزيلا بمراحل .
نأخذ مثلا قضية القطيعة التاريخية ! هذه ابتكار فوكو ، ولم تسعفه كثيرا ً الوقائع التاريخية ، أي قطيعة تاريخية تلك وأصلا أول كتاب طبع في عصر النهضة كان الكتاب المقدس.
لا يمكن اعتبار القران من ثقافة عربية ، وهو رهن الزمان والمكان في وقته ، كأي إنتاج للمجتمع وقتها ، ثم نقول = إنه نزل من عند خالق السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة !
بل سيقال هو إنتاج المجتمع الذي نشأ فيه ! بكل صراحة هذه نتائج كلماتك .
إما أن الحل هو الانفتاح على الانسانية ، هذا لم يكن موضع السؤال ، وليس موضوع الحلقة ، بل الحديث عن تشخيص لظاهرة محددة ، وهي ظاهرة داعش ، فمن الذي ينشئ هنا كلمات ليست في الموضوع أصلا .
الانفتاح على الانسانية (التي لا نعرف ما هي بالضبط ايضا ) فكوكو على سبيل المثال يرفض هذا المصطلح العائم !
وبيان ذلك إذا كانت الافكار التاريخية حبيسة المجتمع والزمان والمكان = اذن لا يوجد اي شيء مطلق على صعيد الافكار .
لما تقول الزنا حرام = يعني هذا عند فوكو استاذ محمد اركون الذي يردد كلامه الاخ صدام ، هذا نتائج المجتمع الذي قال هذه الكلمة في سياق تاريخي محدد وظرف تاريخي محدد !
إذن لا يمكن أن تعمم تحريم الزنا على كل المجتمعات البشرية في كل العصور وكل الأزمنة حاليا ! بل تقول انت مجتمعك يحرم الزنا ، اما مجتمع فرنسا مثلا الذي كان يكتب بلغته محمد أركون لا العربية (ثم ترجمت أعماله إلى العربية! ) فالزنا هناك ليس محرماً بل تابع للحرية الشخصية التي كفلتها مبادئ الثورة الفرنسية .
فوكو أفصح عن كلامه بكل صراحة قال : مهمته تحطيم العقل الكوني !
يعني اي قانون ديني = اخلاقي = فلسفي ، يزعم الصحة بقطع النظر عن تغير المجتمعات ! ومن هنا كان يلتفي فوكو مع الوضعية التي ترى الفلسفة مجرد هراء ، اللهم أن فوكو يرى أن وظيفة الفلسفة هي تحليل التاريخ وتفكيك الدعاوى الكبرى ، عبر ردها إلى المجتمعات التي نشأت فيها .
ثم أفصح محاوري في آخر مداخلة له بقوله : " كما تلاحظ أن داعش هي تمثل الإسلام فى المناطق التي تستولي عليها علي الأقل "
داعش هي تمثل الإسلام ..
أعيد العبارة : داعش هي تمثل الإسلام .
ويطلب مني ملاحظة هذا ، إذن مشكلة صدام ليست مع التراث الوهابي ، ولا السلفي ولا الشيعي ، ولا أي تراث يمكن أن يصفه خصمه بأنه دخيل على الإسلام ، بل بكل صراحة الرجل ينظر لداعش على أنها الإسلام ، وبما أن داعش مرفوضة عنده ، إذن الإسلام ؟؟
يفترض بأي محاور جاد ، أن يصرح عن مكنوناته ، وأن لا يتصيدها الطرف الآخر من فلتات لسانه بين الفترة والأخرى ، فإن كانت الاشكالية بالاسلام بدأ النقاش في موضوع الإسلام.
وأختم مداخلتي ، بأن المحاور يردنا إلى الاستبشاع ! وكأن الأذواق هي مسألة معيارية صادقة تماما لنقول هذا صحيح وهذا غلط ! ، استبشاع عقوبة معينة ، وهنا نسأل صدام هل أنت من جماعة (اللا عنف ) يعني لو احتلت أي بلد بما فيها بلدك ، واعتدي على أهلها بكافة أنواع الاعتداء هل أنت ترفض العنف مبدئيا ، كغاندي على سبيل المثال ! .
تطلعنا بعض الاخبار أن بعض البوذيين الذين يحتكمون إلى كتاب (الدامابادا) وهو كتاب بوذا المقدس ، أنهم كانوا يواجهون مشكلة في موضوع الزواج ، لان في كتابهم المقدس (لا ترق دما) فكان الزواج من عذراء مشكلة دينية ! ، ولكن ان صدقت تلك الاخبار فكانوا يشكرون من يتولى هذه المهمة عنهم !
وصف شنيع لكنه آخر نتائج اللا عنف ، فإن لم يكن يرفضه مبدئيا ، فليبصرنا ، بما هي حدوده ، ما هي ضوابطه ، ما معيارية اخلاقية العنف ذلك .. والا نعود لقصة الدامابادا السابقة ..
مودتي صديقي صدام ، واشكر المتابعين على المتابعة ، وقد أكثرت عليهم السطور ، وانا بانتظار ردك ..
صدام الخالدي
الأخ يوسف أظنه قد تناسى ما المقصود بالثقافة هل الإنسان ينفصل عن واقعه وهل يمكن له أن يفكر خارج واقعه الصحابه الإعراب الرسول الشافعي الائمه كلهم هل كانو منفصلين عن الواقع أم فاعلين فيه
السلف الموجودين الأن كل اختلافهم مع القرآنيين والتاوليين حول ماذا حول هذا الواقع ولكن بطرق وكلمات مختلفه
السلف يقولون أن الصحابه هم أكثر من يفهمون القرآن لأنه أنزل بلغتهم وبالتالي بثقافتهم وبالتالي بالواقع الذي يعشون فيه أليس كذلك أليس هذا هو الاختلاف الرسمي بينهم وبين القرآنيين الذين لا يعتمدون عن الواقع التاريخي وبالتالي هم لا يؤمنون بالسنة وآثار الصحابة
اذا كان القرآن للعالمين كما تدعي لماذا تصر علي أنه علي اذا كان كذلك فهو مربوط بثقافة الإعراب ويجب أن ينظر إليه من خلال هذه الثقافة وهذا الواقع
الجنة الزاهية والحوار العين وكل المصطلحات الموجودة في النص القرآني أتت مخاطبة للاعرابي صاحب البيئة الجافة القاحلة هذه المصطلحات لا تعني شي لساكني أوروبا اول المناطق الاستوائية لأنهم اصلا يعيشون في جنة وانهار وظلال وماشابه ذلك
إذن القرآن مرتبط بثقافة معينه وإلا لماذا مثلا أصحاب السلف الصالح وانت منهم تؤمن بفكرة النسخ لماذا إن لم يكن هنالك ثقافة معينة كانت تسود في وقت ما وانتهت في الوقت الثاني
مثلا قضية تحريم الخمر ألم يكن ثقافة فأنزل التحريم علي درجات هل الله متناقض
اما قولك أن القرآن أنزل بثقافة عربية بذلك لن يفيد العالم لأنه ثقافة عربية حديثك هذا مثل الذي يقول إن الله يؤمن به المسلميين إذن هو خاص بهم ولا حتي الملاحده ولا الوثنيين الله بعيد عنهم وانت تدعي أن له كل الكون فكيف ذلك
انت اذا اردت ان تكون لكل العالم ليس بالشعارات الواهية وإنما بوجودك في الواقع وانت الذي تدعوا علي العالم بالدمار والهلاك بلاد المسلمين اليوم تتناحر وتتقاتل فمن يجيرك غير الذين تدعو عليهم ليل نهار وتدعى انك رحمة للعالمين
الخلاصة التي أريد أن أقولها
في الحقيقة محاولات الكتابة وانت تحاصرك الأفكار وامامك الوقت يضيق هي شي قاسي والرسائل التي قالها الأخ والاتهامت التي قالها لا تكفي لها دقائق معدودة للرد عليها ولكن أحاول أن أجيب
ما أقصده من رسالة القرآن هو أن القرآن يحسنا أن نتفاعل مع الواقع لا نخرج منه كما يدعي السلفيين أن نفهمه وفق مافهمه السلف
الرسول حينما تشاور مع الصحابة في غزوة لم يخرج من واقعه لم يطلع الغيب ويعلم بالريح التي ارسلت عليهم بل تفاعل مع ذات الواقع الموجود وخطط سلمان الفارسي من الخندق والمنجنيق
القرآن حينما خاطب المسلمين خطابهم وفق ثقافتهم وفهمهم وعلمهم إذن نحن يجب أن نستلهم هذي الروح وهذا التخاطب وهذا النفاعل
وقصة الزنا وما الزنا وفرنسا و و و
للزنا ثقافة بدوية خاصه به ففي جبال النوبه في غرب السودان لديهم ثقافة بهذا الزنا
في دار المايقومه في السودان لا يوجد اطفال زنا للجنوبيين والغربة إلا المسلمين والشمالين وشكرا
يوسف سمرين
الثفافة شيء ، والدين شيء آخر ، ثقافة المجتمع الفرنسي مثلا احترام خصوصية الفرد ، هذا شيء ، وكون الدين يقول أمراً شيء ، آخر ، ومن هنا توجد ثقافات متعددة بين المسلمين باختلاف اعراقهم وعاداتهم وأدبهم وفنهم وشعرهم ونثرهم إلخ ، لكن يوجد دين واحد .
والدين هو الحكم على الثقافات ، وهو الذي يقول هذه ثقافة صحيحة وأخرى باطلة ، ثقافة العرب كانت تحوي كره البنات إلى حد وأدهن ! فهذا امر والدين أمر آخر ، والثقافة توضع تحت الأقدام متى خالفت المنصوص من الأحكام .
أما أن السلف هم أعلم بالقران منا ، هذا صحيح ، ولكن هذا فرع الاختصاص ، ليس مفهوم القطيعة التاريخية عند فوكو وأركون .
وكون فلان أعلم منك بالفيزياء لا يعني أنه يعرف بموضوع مختلف تماما عما تعرفه ، لكن فلان يعرف خطوطا عامة اخر اكثر تفصيلا وهكذا .

كون القران له ظروفه واسبابه الخ ، هذا حق ، وذلك لمنع التقول على القران بغير حق ، فلا ياتي متحذلق ليقول لم يقصد منع عبادة الاصنام بل الدعوة اليها !
نحاكمه وقتها لمنهجية فهم النص ..
هذا شيء ، وكون القران نتاج ثقافة معينة شيء اخر !، الثاني يلغي انه نزل من عند الله ، الامر الاخر ، نفس المعنى الشرعي ، مختلف عن المعلقات العشر وغيرها ، مما هي نتاج الثقافة العربية .
فيجب التفريق بين القران الذي نزل بلغة العرب والمنهجية لفهمه فهما صحيحا دون معنى باطل ، وبين ما هو تابع للثقافة في عصره مثل الاشعار والنثر والامثال فترة العرب .
أشكر محاوري الكريم ، وأشكر الاخ عبد الدايم على الادارة ، واشكر جميع المتابعين الافاضل ..
مودتي

9.03.2016

بؤس الرسمالية

حلقة جديدة من برنامج مراجعات بعنوان:

بؤس الرسمالية

رابط الحلقة على مجموعة "عقلانيون" في الفيس: https://www.facebook.com/groups/347344838778495/permalink/614554948724148/
Rufaida Ibrahim
متابعينا الاعزاء .. مرحبا بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج مراجعات والتي عنوانها بؤس الراسمالية ..

نتوجه الى ضيفنا من القدس المحتلة الاستاذ يوسف سمرين .. مرحبا بك في هذه الحلقة 
الاستاذ يوسف، يقول جول لوك :
الملكية حق من حقوق الطبيعة وغريزة تنشأ مع نشأة الإنسان .. فليس لأحد أن يعارض هذه الغريزة ..
الرجل يقول الملكية الفردية غريزة ..
فما المشكلة اذن ..اذا كانت الراسمالية تقوم على اساس غريزي في البشر ؟
يوسف سمرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
احيكم جميعا ، بداية من الاستاذة رفيدة ، إلى ضيفنا المحاور ، إلى جميع المتابعين الكرام
 
السؤال عن لوك ومبدأ الحق الطبيعي الذي لم يكن فحسب عند لوك بل تكرر مع عدد لا بأس به من الفلاسفة ككانط وروسو وغيرهم ، كان يدور في فلك الفلسفة البرجوازية ، بمعنى تمهيد سحب السلطة المطلقة ، إلى خدمة الفلسفة البرجوازية ، واعتبار ما تقوم به حقاً كونه شيء طبيعي .
يتجاوز مفهوم القانون الطبيعي ، او الحق الطبيعي عدة أمور:
1 – أن تقييم أفعال الإنسان وأقواله من ناحية أخلاقية = بالرد إلى ما هو طبيعي وغير طبيعي مشكل جدا ، ويتجاوز مفهوم التطور والتغير في نظرة الإنسان وظروفه ، فما يعتبر طبيعيا يوما لا يعتبر طبيعيا في غيره ، فليس من الطبيعي في فترة ما من حياة البشر طبخ اللحم ! وإلى اليوم توجد قبائل تأكل اللحم كما هو ، كما حصلته من الطبيعة ، فما المعيار ، اليوم نقول من الطبيعي أن نطبخ الطعام ، إذن هناك تطور وتغير في نظرة الإنسان ، فاعتبار فعل ما طبيعي أزلا وفي كل حين ، يسقط من اعتباره التطور والتغير الذي يجري على حياة البشر .
وقد كان كثير من الفلاسفة الذين يخدمون البرجوازية يصورون الأمر وكأن الحق الطبيعي ذا شيء ثابت أزلا وسيظل أبدا ، وهنا تكمن المشكلة ، أن مبررات الثورة البرجوازية كانت على السلطة المطلقة ، التي كانت تتبجح بالحق الإلهي وتعتبره شيئا أزليا وسيظل دائما ، ولكن هذا لم يسعفها ، فجاءت الثورة البرجوازية متمثلة في الثورة الفرنسية 1789 ، لتطيح بالنظام الملكي ، وتدحر السلطان الكنسي ، وتبين كذب فلسفات الحكم القديم ، لكنها هي نفسها لما تسلك نفس التبرير بالحق الطبيعي ، هو وجه آخر لما سمي (بالحق الإلهي) في الحكم الذي لم يستمر أبدا ، ولا تسعفه الشواهد التاريخية أنه كان أبدياً مدى العصور .
2 – قد يكون الشيء طبيعيا ، ولكنه غير صحيح أخلاقيا ! فمثلا عندما تنكسر يد إنسان ، ليس من الطبيعي أن نرجع الكسر ! فالوضع الطبيعي أن نبقيه كما هو ، لكننا نغير الطبيعة لتحصيل الجيد ، وهذا أمر عام في كثير من تصرفاتنا ، يحدث حريق ، أو فيضان ، نسارع بتغيير ما يمكن تغييره مما حصل من الطبيعة ونعتبر أن وقوف إنسان يتفرج على آخر يغرق بأنه يسلك سلوكا غير أخلاقي مهما تعلل بأن ما يحدث شيء طبيعي (فطبيعي أن يموت ناس عند ارتفاع المد ، أو عندما يضرب الساحل موجة تسونامي) ! فلا نريد أن نخلط بين الواجب والواقع ، هذا كله إذا سلمنا الواقع ، وإلا ففي كون اعتبار التملك حقا طبيعيا محل نقاش ، فنحن نستطيع أن نرى على سبيل المثال البشر يتشاركون والإنسان كائن اجتماعي بطبعه أيضا ! ، فهل الأصل في القبائل البشرية كان الاشتراك أم الاستثار ؟ كانوا يشتركون بالصيد ، بالطبخ ، بالدفاع عن المنطقة التي يسكنونها ، لدرجة أنهم كانوا يشتركون في تربية الأبناء ، فالدفاع عن التملك ليس دقيقا كما صوره فلاسفة البرجوازية في القرن السابع عشر والثامن عشر .
أختم في الإجابة على هذا السؤال بالنقطة التالية :
3 – المشكلة الرئيسية التي طرحها ماركس في نقده للرأسمالية ، ليست قضية فرد يمتلك ! ، فكلنا نمتلك ، وماركس كان فردا في المجتمع الرأسمالي وكان يستعين بصديقه فريدريك إنجلز على متاعب الحياة وعلى طباعة كتبه ، السؤال هل حكم الفرد هو حكم الطبقة !؟
نستطيع أن نقدر هذا اليوم بسهولة ، الفرد مهما صنع لن يصنع قنابل ذرية بخلاف الدولة التي تمتلك قدرات هائلة تستطيعها ، فهناك فرق بين المجموع وبين الأفراد .
لما تمتلك الشركات الكبرى أراض واسعة ، وتحتكر المنتجات الطبيعية عن طريق الشركات ، فلا يستطيع الفرد كما في سابق عهده أن يذهب ليحتطب مثلا ، أو ليزرع أرضا فالرأسمالية كلما نضجت كلما كانت قد استولت على كل شيء ، الفرد وقتها سيكون فاقدا لأي شيء ويضطر للعمل كأجير في الشركات ، إذن هنا ليست تملك أفراد ، بل تجريد الأفراد من التملك في الواقع لصالح طبقة تمتلك كل شيء . أعتقد هذا أمر أساسي وجوهري لنعرف أين الإشكالية الحقيقية في الرأسمالية .
ليس الموضوع أن يتملك جارك سيارة ونقول اذهب وخذها ! أبدا هذه فوضوية غاية في السخف ، الموضوع أن الرأسمالية كلما تطورت ، ولا شك هي تتطور وتترقى ، لكن لهذا التطور ضريبة ، وهي تجريد النسبة الأكبر من الناس من أي شيء ، مما يدفعهم للعمل بأجور تحددها الشركات الرأسمالية ، وبالتالي يشكل هذا امتدادا للعبودية السابقة مما قد أشرحه في وقت لاحق .
مودتي
 Rufaida Ibrahim
نرحب بضيفنا الاستاذ قصي من كندا
وسؤالنا له :
احد مساويء النظام الراسمالي انها تركز الثروة في ايدي قليلة من المجتمع ..لكنها ايضا ساهمت في التطور العلمي ودفع عجلة التقدم للامام ..
لولا الراسمالية لما استطعنا ان نتواصل معك في هذه الحلقة .. انت في كندا ونحن في عمان والحضور من شتى بقاع العالم
الا تشفع هذه الايجابيات لنرجح كفة النظام الراسمالي ؟
Gussai Hamror
سلامي للجميع عامة، وبخاصة لمديري الصفحة وللأخ يوسف سمرين
وشكري لكم على هذه السانحة
الجواب: هذه فرصة لمراجعة العلاقة المزعومة بين الرأسمالية من جهة والتكنولوجيا والعلوم الحديثة من الجهة الأخرى. ذلك الزعم المبني على فرضية أن الرأسمالية - وهي نظام اقتصادي الصدر بأذرع سياسية واجتماعية - مسؤولة عن ما جادت به القريحة البشرية في العصر الحديث في التحولات الضخمة الإيجابية التي تم تحقيقها في مجالات العلوم التجريبية والتكنولوجيا. 
هنالك مسلمّتان مضمنتان في هذا الزعم، يحتاج لتبنيهما كيما يكون ذا مصداقية. هاتان المسلمّتان هما:
1- أن النظم الاقتصادية المسيطرة عموما مسؤولة عن ظهور أنماط تكنولوجية واختراقات علمية تحت كنفها، أي أن هنالك علاقة سببية بين النظام الاقتصادي في مجتمع ما ومقادير الإنجازات العلمية والتكنولوجية التي تحدث داخل ذلك المجتمع.
2- أن محتوى ومقدار "التطور العلمي ودفع عجلة التقدم للأمام" كما نراه اليوم، في عالمنا المعاصر، ما كان ليكون كذلك لولا الرأسمالية، أي أن الرأسمالية هي النظام الاقتصادي الوحيد الذي يمكننا أن نتخيله قادرا على تحقيق هذه النقلة المادية للمجتمعات عبر المرحلة التاريخية المعنية. إذا لم تكن هذه المسلّمة صحيحة فلا معنى لأن نقول، مثلا، إننا لولا الرأسمالية لما استطعنا التواصل اليوم عبر التقانات العالية للاتصالات والمعلومات. 
ما لديّ لأقوله هنا هو أن المسلّمتان أعلاه لا تصمدان أمام الفحص والتحقق الموضوعي، وذلك لسببين: الأول أن دراسة التاريخ المادي، بالبراهين والتحليل، تبيّن لنا أن ما يحصل كثيرا هو أن التحوّلات التي تطرأ في أنماط الإنتاج هي التي تؤدي لتحوّلات في علاقات الإنتاج وليس العكس. ما يعنيه ذلك في المستوى الاجتماعي الكبير أن التحوّلات التي تطرأ في تكنولوجيا الإنتاج تؤدي لتحولات في النظام الاقتصادي الذي يدير علاقات الإنتاج. هذا الأمر واضح بصورة كبيرة في تاريخ الرأسمالية نفسه وعلاقته بالثورة الصناعية، إذ أن اكتشافات تكنولوجية معيّنة هي التي أفسحت السبيل لإمكانية قيام النظام الرأسمالي وتضخمه عن طريق الزيادة المستمرة لفائض القيمة، كما سنبيّن أدناه. أمام السبب الثاني فهو أن الواقع يقول إن هنالك مسافة واضحة بين الإبداع البشري، العلمي والتكنولوجي، وبين القوانين التي تحدد من الذي يكسب وماذا يكسب من ذلك الإبداع. ما أعنيه أن النظام الاقتصادي ليس هو الذي يخلق قدرات الإنتاج الذهني والجسدي البشريّيْن إنما هو الذي يحدد من الذي يكسب، وماذا وكم يكسب، من ثمار المجهود البشري في تطويع عناصر الطبيعة. بالتالي فليس هناك في الواقع برهان على أن الاختراقات التكنولوجية والعلمية البشرية المعاصرة ما كانت لتصل لهذا المستوى ضمن نظام اقتصادي آخر غير الرأسمالية، بل هناك براهين من التاريخ الحديث على نقيض هذه المسلّمة.
إضافة للسببين أعلاه، أحاجج بأن المعطى الموضوعي المعاصر يقول لنا إن التقدم التكنولوجي والعلمي المأمول للبشرية، في المستقبل القريب، سيكون أعلى جودة وأعمق اختراقات إذا قمنا بسحب معظم عمليات البحث والتطوير التكنولوجي والعلمي من براثن السوق ووضعناها ضمن مجال التمويل العام (من ميزانية الجماعة أو الدولة) والمحاسبية العامة (أي الخضوع لأولويات ورقابة الرأي العام بدل أولويات ورقابة الشركات الخاصة) ومجال الشغف العام للمعرفة والاستكشاف (أي مؤسسات التعليم والبحث الحرة من ضغوط ومصالح مراكمة الأرباح) في مجتمعات لا يعاني أفرادها من تفاوت مجحف في الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بل جميعهم لديهم فرص مفتوحة لاستكشاف مواهبهم وتنمية قدراتهم والسعي للابتكار وسبر أغوار المعرفة الواسعة.
بالنسبة للسبب الأول: بما أن الرأسمالية بَنَت نفسها عن طريق عملية معروفة، تبدأ بوجود أثرياء لديهم رأس المال القادر على امتلاك مجموعة من وسائل الإنتاج (مصنع وآلات وموارد خام) ثم استئجار عمالة آخرين ليس لديهم ملكية لتلك الوسائل وليس عندهم سوى عمالتهم ليبذلوها مقابل أجور، ثم إنتاج سلع وخدمات يتم بيعها بأرباح تعود لصالح الأثرياء أصحاب رأس المال. هذه الأرباح تتراكم وتصبح هي نفسها رؤوس أموال لتوسعات أكبر في سلسلة الإنتاج لتراكم أرباح أكثر، ويستمر هذا التوسع، أفقيا وعموديا (في كمية وأشكال الإنتاج) إلى أن يصبح لدينا مجتمعا واسعا كاملا مبنيا على علاقات إنتاج وثقافة استهلاك مستمرة في مراكمة أرباح الطبقات الرأسمالية واستغلال عمالة الطبقات العاملة واستنزاف الموارد الطبيعية وخلق المزيد والجديد من السلع والخدمات. اسمحوا لي الآن باقتباسات مطوّلة من كتاب "السلطة الخامسة: من أين تأتي التكنولوجيا؟" والذي صدر العام الماضي للكاتب:
"من وجهة نظر مادية تاريخية عامة، فإن التغيّر الذي يطرأ على قوى الإنتاج المادية يورث بالضرورة تغيّرا في علاقات الإنتاج. عبارة كارل ماركس الشهيرة، في كتابه "بؤس الفلسفة" (1847) التي تقول "الطاحونة اليدوية تعطينا مجتمعا فيه الإقطاعي؛ وطاحونة البخار تعطينا مجتمعا فيه الرأسمالي الصناعي" هي عبارة تختصر مقاربة ماركس لقضية التكنولوجيا والمؤسسات [الاجتماعية] اختصارا طيبا. إضافة لذلك، نجد أن أنصع مثال على أهمية التحول التكنولوجي ومركزيته في تحليل ماركس التاريخي هو تحليله لظاهرة المصنع وكيف ظهرت في قصة صناعة النسيج في بريطانيا في القرن الثامن عشر:
كانت مشكلة صناعة النسيج البريطانية تكمن في منافستها الصعبة مع صناعة النسيج في الهند، حيث أن رخص نسيج الهند - لرخص العمالة فيها - مع جودته جعله في المقدمة، ولم تستطع بريطانيا فعل شيء حيال الأمر سوى حماية سوقها المحلي بمنع شركة الهند الشرقية من جلب النسيج الهندي لبريطانيا. كانت المشكلة التقانيـّة في موضوع العمالة هي ضعف التناسق بين عمليتي الغزل والحياكة، حيث كان زمن الغزل طويلا جدا مقارنة بزمن الحياكة، بيد أن مرحلة الحياكة معتمدة كليا على انتهاء مرحلة الغزل، وقد كانت عملية الغزل تتم من جانب العمال في بيوتهم (كمية معيـّنة يسلمها العامل أسبوعيا)، مما أضعف سلسلة الإنتاج وقعد بها عن احتمال التسارع. 
عملية الغزل إذن كانت هي عنق الزجاجة في هذه العملية الإنتاجية. ظهرت في أواخر ذلك القرن تقانات جديدة سارعت من عمل عجلة الغزل بحيث أصبح بالإمكان غزل أكثر من خيط في وقت واحد، وأضاف محرك البخار [كاختراع جديد أيضا في ذلك الزمن] سرعة إضافية للعملية كلها. بيد أن عمل العمال في بيوتهم كان العائق الأكبر الذي لا يمكن معه الاستفادة من هذه التقانات الجديدة، فكان لا بد من جمعهم تحت سقف واحد لإسراع سلسلة الإنتاج وتنسيق مراحلها وإدارتها المباشرة تحت أعين أصحاب العمل، وهكذا ظهر نظام المصنع كمنشأة حديثة استجابة لهذا الوضع الجديد. تم تسريع عملية الحياكة أيضا بمضاعفة عدد العمال وزيادة ساعات العمل اليومي. كل هذا لم يكن ممكنا لولا ابتداع مؤسسة المصنع، ومؤسسة المصنع نفسها لم تكن لتخطر على بال أصحاب العمل (الرأسماليين) لولا ظهور تقانات جديدة أوحت لهم بفكرة المصنع. مثل هذا الفهم التاريخي الذي قدمه ماركس لظهور ظاهرة المصنع، ومعها نمو ثنائية البرجوازي والبروليتاري، ما كان بمتناول ماركس لولا إدراكه العميق لدور التكنولوجيا الخطير في النسيج الاجتماعي والتحولات المؤسسية الاجتماعية."
الخلاصة هنا هي أن التكنولوجيا الحديثة ليست بالضرورة ثمرة من ثمار الرأسمالية، فالاختراقات التكنولوجية والعلمية الأولى التي مهّدت السبيل لظهور مؤسسة المصنع لم تكن بسبب الرأسمالية، وإنما هي التي أعطت الرأسمالية فرصة الانبثاق والنمو كنظام اقتصادي كامل (بعد أن كان نمطا جانبيا من الاقتصاد الميركانتلي في أوروبا حينها).
أما السبب الثاني، كما ذكرنا أعلاه، فيتبع أيضا من السبب الأول، لنرى أن عملية الإبداع العلمي والتكنولوجي عند الكائن البشري ليست نتيجة النظام الاقتصادي وإنما نتيجة توفر الموارد والقدرات مع وجود الشغف للابتكار والاكتشاف كخاصية بشرية موروثة وليست كنتيجة للنظام الاقتصادي. صحيح أن النظام الرأسمالي الحالي يوفر ظروفا تجعل عددا كبيرا من الناس ينتجون أشياء واكتشافات مفيدة للبشرية، وتصل نتائج تلك الاكتشافات لأناس آخرين عن طريق سوق السلع والخدمات، إلى أنه ليس هنالك أي دليل على أن ظروف الابتكار والنشر هذه ما كانت لتتوفر بصورة وافية ضمن نظام اقتصادي مختلف. في الحقيقة، نحن نعلم أن الاتحاد السوفييتي والصين أنتجا ونشرا كمية مهولة من الاختراقات العلمية والتكنولوجية ضمن شروط محلية ليست رأسمالية. حتى إذا لم نتفق مع الأنظمة الاقتصادية-السياسية التي حكمت الاتحاد السوفيتي والصين فنحن على العموم لا نستطيع أن ننكر أنها لم تكن أنظمة رأسمالية (على المستوى القطري وعلى مستوى الكثير من الاتفاقيات التجارية والتنموية الدولية)، كما لا نستطيع أن ننكر أنها أنتجت نتاجا ضخما من الترسانة التكنولوجية والاكتشافات العلمية (ولا ننسى أن أول من تمكن من الخروج للفضاء الخارجي والدوران حول كوكب الأرض هو يوري جاجارين السوفيتي، باستعمال التقانات والعلوم السوفيتية. والآن الصين أيضا تنتج اختراقات تكنولوجية وعلمية ضخمة جدا تتجاوز أحيانا بها دول الغرب، برغم أن الصين ليس دولة رأسمالية في اقتصادها الوطني الداخلي).
أخيرا
أيضا لدينا أدلة كافية على أنه حتى داخل الدول الرأسمالية نفسها فإن كثيرا من الاختراقات التكنولوجية والعلمية الكبيرة لا تحدث عادة بواسطة تمويل الطبقة البرجوازية لعملياتها الإنتاجية من أجل الأرباح، وإنما تحدث في معامل البحث والتطوير، في الجامعات العامة والمعاهد البحثية وورش العمل، بواسطة تمويلات وتفويضات من الدولة، أي بواسطة الميزانية الوطنية من دافعي الضرائب وبواسطة أجندة تم تحديدها عبر مشاريع وطنية جماعية لا مصالح رأسمالية خاصة. الانترنت مثلا، والأتمتة الصناعية، وتطورات صناعة الطيران، كلها من الاختراقات التكنولوجية الكبيرة التي تفتخر بها الولايات المتحدة الأمريكية على أساس أنها بعض هداياها للعالم الحديث، وذلك صحيح من الناحية الموضوعية، لكن كل هذه الاختراقات المذكورة أعلاه ليست نتيجة للعملية الرأسمالية المعتادة، إنما نتيجة تمويل عام من الدولة لبحوث متخصصة ودقيقة ومكلّفة وطويلة المدى. أيضا لا يفوتنا أن نعرف أن وكالة ناسا للأبحاث الفضائية، وكل منجزاتها الحديثة، هي وكالة قطاع عام وليست شركة خاصة، فغرضها ليس مراكمة أرباح وإنما خوض مجاهيل المعرفة وتحسين حيوات الناس بها وبالتكنولوجيا الناتجة عنها. كما نرى فالقطاع العام في الواقع أكثر قدرة على تحقيق تطورات تكنولوجية وعلمية كبيرة من القطاع الخاص، وبذلك تسقط فرضية أن فلسفة الرأسمالية الاقتصادية، وإطارها الفعلي، هي المسؤولة عن التطور العلمي والتكنولوجي الذي لدينا الآن.
 Rufaida Ibrahim
مرحبا بالاستاذ يوسف مرة اخرى :
ما البديل للنظام الراسمالي ؟
الشيوعية ؟
اذا كان مؤسِّس الشيوعية هو كارل ماركس .. يهودي ألْماني، ويَذكُر الباحثون في شخصيته : أنَّه رجل فاشِل مُعقَّد .. يحمل كلَّ خصائص اليهود : مِن الحقد، والكراهية لجميع البشر، إضافةً إلى أنَّه كسول فقير معوز .. لذلك استغلَّ اليهود أوضاعَه النفسية والمادية الصعْبة، وطبلوا له .. حتى أشبعوه بالعظَمة وسدادِ الرأي، وكل ذلك جعَل (ماركس) يُنادي بالنظرية الشيوعية ..
والنظام الشيوعي السوفيتي ارتكب افظع الجرائم بحق البشر ..
الا يجعل هذا الراسمالية هو البديل الافضل المتاح للبشر ؟
يوسف سمرين
ما البديل للنظام الرأسمالي ؟ هذا يتفرع على سؤالنا الأول وهو هل الرأسمالية أفضل متاح الآن ؟
السؤال الثاني يحمل في طياته إجابة ضمنية عليه ، فهو يقول أفضل متاح لوقت لا يعني بالضرورة أن يكون ناجحا غدا ، الرأسمالية كلما تقدمت تبينت فداحة الضرائب التي يمكن أن نجنيها منها ، قد نختلف على الوسائل والتكنيك الذي يمكن أن نتبعه ونحن في طريقنا لإيجاد بديل ، ولكن سنتفق على فداحة ما يصنع الرأسمال وقد توحش ، وتحول إلى عولمة اقتصادية ، نرى آثارها اليوم بشكل أوضح في بلادنا ، التي تشكل منبعا لمواد الخام لتلك الشركات .
بالنسبة لماركس مثله مثل أي باحث ، وكون أصله يهوديا هذه حكاية لا وزن لها في التقييم المعرفي ، فرويد ، اينشتاين ، كارل بوبر وغيرهم أصولهم يهودية ولا يعني هذا بحال بطلان ما جاؤوا به .
بالنسبة لماركس ونظريته فقد كانت دوما نظرة نقدية ، وليست أيدلوجية دوجمائية ، ومن هذا المنطلق كانت مرشدة عمل ، وليست عقيدة جامدة ، بمعنى أن نقدها هو الذي يستلهم ، وليست الحرفية القاتلة التي ينظر إليها البعض .
أما كونه يهوديا فهذه أصلا غير دقيقة فماركس ملحد كمعتقد ، وأبواه قد تنصرا ، أما حكاية المؤامرة اليهودية العالمية التي اتفقت مع ماركس ليقول كلامه ! هذه حكايات بائسة من ناحية معرفية ، وسياسية ، وكانت تندرج فقط تحت الدعايات القومية أيام روسيا القيصرية خوف الثورة ، ونشرت وقتها بروتوكولات حكماء صهيون والتي لا تعدوا أن تكون مجرد دعاية للكنيسة والقيصر في تلك الفترة .
أما بالنسبة للاتحاد السوفييتي ومظالمه فهذه حصلت ولا شك ، وقتل في المقابل ملايين بين الدول الرأسمالية نفسها ، التجربة السوفييتية لا شك هي محل بحث وتجربة نقدية لصياغة البدائل لكن ليس وفق الطريقة القائلة بأن الرأسمالية عفيفة ! فلا ننس أن من استعمل السلاح الذري ضد البشر كان الولايات المتحدة .
صياغة البديل تدفعنا لتجنب كل أخطاء الاتحاد السوفييتي كنفوذ فرد واحد كشخصية ستالين ، وإخضاعه الاتحاد لسلطته .
كان هناك كتاب لأحد الشيوعيين اليوغسلافيين وهو ميلوفان دوجلاس (الطبقة الجديدة) انتقد فيها صعود أو نشوء طبقة كاملة من الثوريين القدامة يتمتعون بكامل الامتيازات التي كانت للبرجوازيين على حساب الشعب ، هذه لا شك إشكالية ليست فقط في الثورات الماركسية ، بل هي شاملة للثورات بشكل عام الوطنية ، القومية ، الاسلامية !
والتفكير بتفادي هذه الأخطاء والسعي للبدائل لا يبعثه أخطاء الماضي فحسب ، بل مخاطر المستقبل ، ولما نتحدث عن نقد الرأسمالية ، فنحن نتكلم عن مشاكل موضوعية في ذلك النظام يدفع الكوكب ثمنها حتى من درجة حرارته ، وتلوثه ، بجشعها وحروبها واستغلالها !
هذا يحتم وجود بديل حقيقي مقابل للرأسمالية ، فوجود الخطأ وهو أمر ثابت ، لا يعني البتة التعامي عن مبررات التغيير لإيجاد الصواب .
وتجربة السوفييت تجربة طويلة ، ولا شك هي ثرية للاستفادة منها ، لا لتقليدها حرفيا ، وماركس لما جاءه بعد المتزمتين الفرنسيين من أصحاب النظرة الاقتصادية البحتة ، وقالوا هم ماركسيون ، قال ماركس إذن لست ماركسيا !
بمعنى رفض التقليد للنظرية بحرفية ، بل السعي لإيجاد البدائل والنظر للأخطاء بعين النقد ، حتى يتم تجنبها .
لما سئل كاستروا هذا السؤال أجاب ، هل الحل أن يظل الاستغلال موجودا !
سيظل الأمر مطروقا ما دام هناك استغلال ، ولن ينزل الحل جاهزا علينا ، دون تفكير وسعي للبحث عن حلول تستفيد من التجارب العالمية .
وأختم مداخلتي بأننا اليوم نلمس الحيدة عن نقد الرأسمالية بطريقة تستلهم ماركس ، لنرى أي حال وصلت إليه ثوراتنا العربية لما ارتمت في الطائفية ، والقبيلية ، والشعارات البعيدة عن أي برنامج مفهوم ـ سوى مغازلة الحس الديني عند الجماهير.
الناس ما دامت هناك رأسمالية ستتذمر وتنتقد وتثور ، فليس الحديث عن الراسمال كأفضل نظام عمليا ، بل الناس ستثور ، لكن ما النظرية التي سيستلهمونها لثورتهم ، ما البرنامج ، هل برنامج الجشع والاستغلال أم ماذا ؟
ما هي النظرية التي تجعلهم يحللون الواقع الذي يعيشون فيه ، هل هي نظرية علمية واقعية ، أم سيظلون يستجدون قصائد عنترة ! هنا السؤال المطروق ، وهذا كله يدفعنا لاستلهام النقد الماركسي ، لكن دون الوقوع في الحرفية ، كذلك الاستفادة من أخطاء التجربة .
مودتي
 Rufaida Ibrahim
مرحبا بالاستاذ قصي مرة اخرى :
يقول تروتسكي : إن المقدمات الموضوعية للثورة الاشتراكية العالمية ليست ناضجة فحسب .. بل أخذت تتعفن ..
هذا يقودنا الى سؤال التغيير ..
النظام الراسمالي دخل في اكثر من ازمة واستطاع الخروج منها ..
والبديل يقولك تروتسكي بدا يتعفن ..
السؤال هل الراسمالية حقا نهاية التاريخ ومقاومته مستحيلة ؟
 Gussai Hamror
الجواب: نبدأ بالقول إن تروتسكي كان مخطئا، عموما، ببساطة. بالتالي فإن قوله إن المقدمات الموضوعية للثورة الاشتراكية العالمية أخذت تتعفن قول لا يؤخذ به، ولا يحتاج لأن نفسّره اليوم أو ندافع عنه في إطار دفاعنا عن فلسفة الاشتراكية. ربما السبيل الوحيد الذي يمكننا من خلاله إيجاد العذر لتروتسكي في قوله هذا – بالإضافة لعدم إسعاف الخيال له – هو أنه كان يقصد بالثورة الاشتراكية العالمية الثورة الشيوعية الماركسية العالمية حسب تصور لينين لها (وبمدد من ماركس طبعا). هذه فعلا تعفنت شروطها، ولعل ذلك من مصلحة الاشتراكية ومن مصلحة البشرية عموما. 
لكن، هذه فاتحة التفاكر حول الإجابة العامة لسؤال: ماهي المقدمات الموضوعية لتحول اشتراكي عالمي (قد يوصف بثورة أيضا) وكيف نعرف مدى نضوجها؟ والأهم من ذلك السؤال هو: ما دورنا نحن في عملية "إنضاج" تلك المقدمات الموضوعية، وفي عملية "استعمالها" لإحقاق التحول الاشتراكي نفسه؟ سؤالان صعبان وضخمان بصراحة (أو بالنسبة لي على الأقل)، لكن يمكننا التفاكر حولهما.
قبل يومين قرأت مقالا صدر قبل أسبوع، في مجلة "بيزنس انسايدر" الالكترونية، وهو عبارة عن حوار تم مع الاقتصادي المعروف، الحائز على جائزة نوبل، والمستشار الاقتصادي السابق للرئيس الأمريكي كلينتون، وبروفيسور الاقتصاد في جامعة كولومبيا، ونائب الرئيس السابق والاقتصادي الأول للبنك الدولي، وأحد أعلام النيولبرالية سابقا، جوزيف ستيقليتز. في ذلك الحوار كرر ستيقليتز ما صار يقوله في السنوات الأخيرة بنبرة واحدة، وهو أن الوفاق حول النيولبرالية وجدواها قد مات، وأن النيولبرالية – وهي نفسها رأسمالية اقتصاد السوق بنسختها ما بعد الكينزية – أثبتت أنها مليئة بالعيوب والتناقضات كما انها فشلت في تحقيق الرخاء الاقتصادي العالمي الذي زعمت قدرتها عليه وفق اقتصاد السوق العالمي. ستيقليتز أيضا قام مؤخرا بكتابة تصدير طبعة جديدة لكتاب كارل بولاني "التحول العظيم" وهو أحد أقوى الكتب في نقد فكرة اقتصاد السوق والتنبؤ بالكوارث التي يمكن أن يجلبها تطبيق تلك الفكرة. كارل بولاني كاتب اشتراكي معروف كتب كتابه هذا في 1944. يقول لنا ستيقليتز في تصديره للكتاب إن بولاني كان له بعد نظر كبير في كشفه للإشكال الجوهري في فكرة اقتصاد السوق وأي هيكل اقتصادي يمكن أن ينبني عليها، وأن قراءة كتاب بولاني هذا مهمة اليوم مثلما كانت بالأمس وأكثر. أكثر من ذلك قال ستيقليتز إن الدراسات الاقتصادية المحترمة وذات المصداقية اليوم لا تتساءل حول حقيقة فشل اقتصاد السوق عموما من نجاحه، بل تتحدث عن إلقاء الضوء على مناطق فشله وعن كيف يمكن علاجها.
"نقوم بتلخيص أطروحة بولاني هكذا: اقتصاد السوق، كظاهرة جديدة في تاريخنا البشري، كان مواجها بتحدي كبير لبقائه، وذلك التحدي هو أن عناصر الإنتاج البشري في المجتمع إنما هي ثلاثة: الأرض والعمل والمال. الأرض إنما هي البيئة الطبيعية؛ هي المورد الطبيعي للخيرات وهي محل عمل البشر حين يستخرجون ويطوّعون خيراتها ليستفيدوا منها في بقائهم ورخائهم. والعمل إنما هو نشاط بشري، مربوط رباطا عضويا بكينونة البشر أنفسهم. أما المال فهو وسيط ابتدعته المجتمعات البشرية منذ قديم الزمن لتسهيل عملية تبادل المنتجات والخدمات في إطار تقسيم العمل داخل المجتمع والعلاقة التجارية بينه وبين المجتمعات الأخرى. المال بهذه الصفة ليس سلعة في ذاته، ولا يجوز أن يكون، لأنه وسيط تبادل للسلع. النقطة المهمة التي يلفت بولاني انتباهنا لها هي أن هذه العناصر الثلاثة ليست سلعا، ولا يصح منطقيا تسليعها. معنى "التسليع" هنا هو اعتبارها سلعة معدة للبيع والشراء في السوق. بالنسبة لاقتصاد السوق هذه مشكلة كبيرة، لأنه كيما يحكم سيطرته على مفاصل المجتمع لن يستطيع ذلك بدون أن تكون لعناصر الإنتاج الثلاثة هذه قيمة في السوق، فما دامت عناصر الإنتاج خارج إطار السوق لن يستطيع اقتصاد السوق أن يشمل جميع مناشط المجتمع (وهذا مطلب مهم وعزيز لاقتصاد السوق، لأنه ليس مؤسسة اقتصادية فحسب، إنما هو أيضا مؤسسة اجتماعية وسياسية [وأساسه أن الأسواق قادرة على تنظيم نفسها وتنظيم الاقتصاد الكلي بدون الحاجة لسلطة اجتماعية فوق السوق؛ ويسمى أحيانا "اقتصاد السوق الحر"]). ما جرى، باختصار، هو أن قوى السوق فعلا تمكنت من فعل ما هو غير منطقي: قامت بتسليع الأرض والعمل والمال. أصبحت جميع هذه العناصر عرضة للبيع والشراء في السوق كما بقية السلع الأخرى. هذا الوضع الذي خلقه اقتصاد السوق له عواقب سلبية جدا على المجتمعات في المدى الطويل، لكن النقطة المهمة لنا الآن هي تسليع الطبيعة. حين تصبح البيئة الطبيعية، والموارد الطبيعية، عبارة عن سلعة لا تعدو قيمتها الجوهرية قيمة السلع الأخرى، فتلك هي البداية التي أضاءت الضوء الأخضر للممارسات البشرية الكثيرة التي أدت لتدهور البيئة الطبيعية، على شتى الأصعدة، لمصلحة ثقافة استهلاكية، استحواذية، عمّت أرجاء هذا الكوكب." (مصدر التلخيص: كتاب "السلطة الخامسة").
الآن انتبه المجتمع الدولي، وببينها الدول الرأسمالية الكبرى نفسها، لهذه الورطة التي تهدد مستقبل الحياة البشرية على كوكب الأرض، وهي ورطة دخلنا فيها عن طريق ممارسات بشرية بدأت من الثورة الصناعية واستمرت حتى اليوم، حيث أن ثقافة الاستهلاك استنزفت الموارد الطبيعية بصورة بالغة، والعملية الإنتاجية المستعرة قامت بتلويث الأجواء ومصادر الحياة المهمة للبشر والحيوانات، والعالم الآن متفق بصورة عامة على أن نمط الحياة والاستهلاك الذي روّج له اقتصاد السوق – بدون أن يذكرون اسمه – لم يعد ممكن الاستمرار، كما أنه غير قادر على تكرار نفسه في المناطق النامية إذ ليست هناك موارد طبيعية تكفي لتكرار القصة هنالك. ظاهرة التغير المناخي والتدهور البيئي من أهم إشارات أن البشرية الآن تواجه خيار حياة أو موت، وأن المواصلة في الطريق الرأسمالي هو خيار الموت.
صحيح أن الرأسمالية نجحت مرات كثيرة في إطالة عمرها بحيل كثيرة، سنتناول بعضها لاحقا، لكن الصورة الكبيرة بقيت حيث إنها في جوهرها نظام غير قادر على الاستدامة لقرون مثلا. في اعتقادي أن ما بقي من عمر الرأسمالية اليوم يحدده مدى نضج البديل (أو البدائل) الذي سيقوم بإزاحتها إما مرة واحدة أو عبر خطوات (وكلا الاحتمالين ثورة). ما أعني بنضج البديل ليس فقط البديل الاقتصادي السياسي (وهو مهم جدا بالتأكيد، من حيث التنظير والتخطيط والاستعداد للتطبيق، وهو حاليا موجود بصورة وافية في نظري وقابلة للنمو باستمرار) إنما أعنى أيضا قدرة قوى التغيير وإرادة التغيير على الشروع في العمل ومواصلة المشوار حتى نهاياته، أي المزاوجة بين الفكر والعمل (ما يسمى بالبراكسِسْ).
وآخر جوابي،
عموما لا أعتقد أن التحولات الكبيرة التي يمكن أن يشهدها عالمنا المعاصر في المستقبل القريب ستأتي من مراكز الرأسمال، من دول العالم الأول، ومن الجيد أن لا تأتي منها. أعتقد أن التحوّلات الكبيرة ستأتي من العالم الثالث، وينبغي لها أن تأتي من العالم الثالث، فذلك كفيل بإحداث الهزة المطلوبة التي تخلخل ثوابت النظام العالمي الحالي، المادية والمعنوية، وتسمح بإبدالها بثوابت أخرى أكثر شمولا وأكثر عدالة وأكثر استدامة. لكن حتى لو جاءت بدايات التحوّل من داخل العالم الأول، من المقاومين من داخل بطن المارد، فإنهم سيحتاجون لبناء جسور وتحالفات قوية جدا، وذات ندّية كاملة، مع شعوب العالم الثالث حتى ينجح ذلك التحوّل.
 Rufaida Ibrahim
السؤال الاخير للاستاذ يوسف :
ابرز التاثيرات الثقافية للراسمالية على العالم وعلى منطقتنا ماهي في نظرك ؟
يوسف سمرين:
الرأسمالية ليست مجرد اقتصاد وإن كان الاقتصاد هو الأكثر ثقلا فيها ، فهي أيضا فلسفات وأفكار ، هي تلك الأفكار التي تعزز الفردية ، وأكبر مثال على التأثر الثقافي والفكري بالرأسمالية ، هو ما يظهر ويبث في قنوات كثيرة ويتصدر للكتابة فيه رموز وطنية ودينية ، على سبيل المثال عدنان إبراهيم ، كظاهرة تعتبر في فلك التأثر الرأسمالي ، بتعزيز الفردية ، والتعامل مع النصوص كحالة ذرائعية براجماتية في كثير من تصوراتها .
الأفكار المثالية التي تعجب بها الساحة اليوم لا شك أنها تأثر وتخدم الرأسمالية ، لدرجة أن كليات كثيرة للفلسفة لا تدرس فيها الفلسفة المادية ، بل لا يسمعون باسم ماركس ! إلا على صعيد تاريخي أو سياسي أو اقتصادي !
تم تحويل نظرية ماركس في كثير من الجامعات إلى الجانب الاقتصادي ، والتاريخي ، أما الفلسفي فيكاد يكون غائباً بشكل تام.

أوضح الأمثلة على التأثر بالثقافة الرأسمالية انتشار ما يسمى بكتب التنمية البشرية ، على سبيل المثال كتاب (العادات السبع للناس الأكثر فعالية) لستفين كوفي ، طبع على غلافه أنه طبع منه 15 مليون نسخة !
في التقديم له يقولون : كتب هذا الكتاب لتحفيز الموظفين !
نحن نتكلم عن انتشار الأفيون التنموي هذا لجعل الإنسان كماكنة ، يعمل كل شيء ! دون تذمر ، بل يكتفون بالقول له : أخرج كل الطاقة السلبية منك ! ، بدل أن يدرس ويبحث في أي وضع يعيش وما النظرية التي تمكنه من رؤية الواقع كما هو .
يتعاطى جرعة صوفية من تلك الكتابات ، تجعله يصدق أن أطفال إفريقيا الذين يتعرضون للنهب ، ويعانون الجوع والأمية ، لو أخرجوا أفكارهم السلبية سيحلون المشكلة !!

الثقافة الاستهلاكية ، غياب الحس النقدي الفعّال ، البراجماتية ثقافة البزنس فحسب ، هذه كلها صور ، لا يمكن بطبيعة الحال محاربتها إلا ببدائل ثقافية وفلسفية مقابلة ، وهذا لا يتم بيوم وليلة ، ولا يتم أيضا بالنخب الثقافية المتعالية التي تعيش بعيدا عن الناس العاديين ، بل بأولئك الذين يشعرون بالناس، ويرون مشاكلهم ، وبما أنهم نخب ثقافية يبحثون عن البدائل التي تحسن أو تغير جذريا وضع الناس هؤلاء .
فالصور للتأثر كبيرة جدا ، ولا يمكن حصرها ، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي تفرد الرأسمال بالمنطقة كثقافة ، وهذا يدفعنا إلى إعادة النظر مليا في سبل التغيير ، والثقافة التي يجب بثها .
فكما سبق أن قلت الناس سيتذمرون عاجلا أو آجلا وما لم تكن أمامهم نظرية للعمل ، فسيعملون ولو بفوضوية ولو بإرهاب ! وهذا ما سيضر بهم من حيث لا يعلمون ، ويضر بقضية الشعوب التي ينطلقون باسمها .
وسعيد جدا بهذا اللقاء وأشكرك أستاذة رفيدة ، وأشكر أخي الكريم
Gussai Hamror ، وكل المتابعين الكرام..
Rufaida Ibrahim
السؤال الاخير للاستاذ قصي :
الضمان الاجتماعي وتحسين اوضاع العمال والضرائب التي تؤخذ من الشركات وتنفق على المحتاجين في شكل خدمات ..
الا يعتبر هذا تحسنا وتطورا يخفف غلواء الراسمالية ؟
Gussai Hamror

الجواب: لعل السؤال الذي يجيب على هذا السؤال هو: هل يُعتَبَر كل ما تفعله الدول ذات النظم الرأسمالية عموما جزءً من الرأسمالية أيضا؟ هل إذا تبنّت دولة رأسمالية أي سياسة اقتصادية فيها عدالة أكبر، يمكن تلقائيا أن نقول إن تلك السياسة "رأسمالية" نسبة لنظام تلك الدولة؟ لتقريب ذلك السؤال يمكن أن نقول أيضا: إذا زعمت دولة ما أنها "دولة دينية"، فهل ذلك يعني أن كل قانون أو سياسة تصدرها وتعممها سلطات تلك الدولة هي بالضرورة إذن "قوانين وسياسات دينية"؟

الإجابة طبعا لا. الأنظمة الرأسمالية قامت بتنازلات كثيرة ضد مبادئها النظرية حتى تتمكن من إطالة عمرها؛ وهي فعلا قد نجحت في ذلك لدرجات كبيرة. لكن تلك التنازلات ليست "تخفيفا من غلواء الرأسمالية" بمعنى التنازل عن أساس عملية مراكمة الأرباح بتضخيم وتدوير فائض القيمة. بل بمكره قام رأس المال بتوسيع موارد فائض القيمة لديه، من السوق العالمي، كيما يعطي العمال في البلدان المركزية (العالم الأول) مزيدا من الفوائد والمكاسب المادية التي تجعلهم يتخدرون عن القيام بقلب الأوضاع بالثورة على البرجوازية الحاكمة هناك. هذا التحويل التكتيكي لعملية الاستغلال البشع للعمالة – أي تحويل ذلك الاستغلال نحو عمال العالم الثالث أكثر وتخفيف العبء عن فئات مختارة من عمّال العالم الأول – هو ما سماه كوامي نكروما، الرئيس الأول لغانا والمفكر الاشتراكي الافريقي، بالاستعمار الجديد، وهو مرحلة لاحقة من الإمبريالية، التي بدورها ليست سوى تعبير الرأسمال العالمي عن نفسه في الميدان السياسي الاقتصادي العالمي.

لاستبيان هذا الأمر أكثر علينا النظر لعملية خلق فائض القيمة. واسمحوا لي مرة أخرى بالاقتباس من كتاب "السلطة الخامسة":

"
مفهوم فائض القيمة هو أساسا مفهوم ماركسي، وهو من أميز مساهمات ماركس في علم الاقتصاد، لأن به استطاع أن يؤسس لمنهجه الاشتراكي. يعني فائض القيمة أن الرأسمالي يعطي العامل أجره (قيمة عمله) ويحتفظ هو بفائض هذه القيمة - أي ما يزيد عن أجر العامل في سعر بيع السلعة التي أنتجها العامل - تحت مسمى الأرباح وبحجة ملكيته لوسائل الإنتاج التي يعمل بها العامل. هذا الفائض هو الذي به يراكم الرأسمالي ثروته الضخمة المتضخمة، في حين يبقي العامل تحت سطوته بحكم ملكيته - أي الرأسمالي - لوسائل الإنتاج التي لن يستطيع بدونها العامل فعل شيء، ولهذا فإن جوهر الاشتراكية هو تخليص وسائل الإنتاج من ملكية الرأسمالي، وجعلها ملكية جماعية.

بيد أن الكثير من الحركات الاشتراكية المعاصرة، ولوضوح صعوبة تحقيق جوهر الاشتراكية اليوم، تحاول أن تبقى مناضلة من أجل حيازة العمال على المزيد من النصيب في فائض القيمة، وذلك بزيادة الأجور والتأمينات الصحية والتعليمية والسكنية وحقوق المزيد من التنظيم واعتبار الرأي في العملية الإنتاجية، الخ، وقد حققت هذه الحركات بعض المكاسب المتفاوتة في دول العالم الأول، إلا أن دول العالم الثالث ما زالت متأخرة كثيرا في هذا الاتجاه. لكن عموما يبقى الحل الاشتراكي النهائي المتفق عليه بين عموم المدارس الاشتراكية هو الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج."

فما نراه هنا إذن هو أن النظام الرأسمالي لا يستطيع أن يتنازل عن طبيعته الأساسية، وهي مراكمة الأرباح والتوسع في تحصيل فائض القيمة أينما وكيفما أمكن ذلك. لكن بإمكان النظام الرأسمالي أن يقوم بتنازلات تكتيكية عن بعض خيرات فائض القيمة، فيعطي بعض الجهات المستغلـَّة نصيبا زائدا عن المعتاد من الأرباح كيما يحوز على بعض رضاها أو على التقليل من تذمّرها؛ أو يمكن أن نقول على تدجينها. لكنه لا يتنازل عن طبيعته الأساسية فهو حينها لن يكون نظاما رأسماليا أساسا، أي سيحرر شهادة وفاته بنفسه، وذلك ما لن يفعله. لذلك ليس من الحكيم أن نظن أن النظام الرأسمالي "خفف من غلواء الرأسمالية" في جوهرها حين منح عمّال بلدان العالم الأول المزيد من الامتيازات ليستمتعوا بها. واقع الأمر أن كل منافع الاقتصاد والتكنولوجيا الحديثة هي حق القوى العاملة المنتجة والمواظبة على استمرارية نمط الحياة الحديث هذا، أما الرأسماليون/البرجوازيون فهم لا حق لهم في التحكم بفائض القيمة وفي احتكار معظم الأرباح المتراكمة لأنفسهم.

لكن من سيقنع عمّال العالم الأول بذلك؟ أقول بعضهم مقتنعون أساسا، فزيادة استفادتهم من امتيازات الأرباح جعلتهم أيضا يزدادون وعيا بقدراتهم على إدارة عملية الإنتاج كلها بدون الحاجة لأرباب العمل البرجوازيين الذين يأخذون معظم الأرباح لجيوبهم الخاصة رغم أنهم لا يفعلون شيئا ذا قيمة حقيقة في عجلة الإنتاج. هؤلاء العمّال المستيقظين يرون ذلك، ويستطيعون الاستنتاج الحصيف من ذلك الواقع، كما أن عددا غير قليل منهم يحتكون بالأفكار الاشتراكية عن طريق النقابات بصورة تترك أثرها في تفكيرهم ورؤيتهم للأشياء، شاؤوا أم أبوا. أيضا فإن هنالك حركة متنامية ماضية في اتجاه بناء التعاونيات الإنتاجية، في قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات، حيث أن أعدادا من العمّال المنتجين وذوي المهارات العالية والتعليم غير القليل استطاعوا الوصول لخلاصة نظرية، ولتطبيقها، تقول بأنهم قادرون على بناء وإدارة أعمال إنتاجية مجزية لأنفسهم بأنفسهم، فهم العمال وهم أرباب العمل أيضا، وفق ندّية داخلهم وبدون "رئيس" بينهم. وبذلك فهؤلاء العمّال أصبحوا أوعى فعليا، أكثر من غيرهم، بأن إدارة العمّال لوسائل الإنتاج، إدارة ناجحة، ليست مجرد تنظير وأماني بل أمر واقع الآن ويمكن تحقيق المزيد والمزيد منه.

("والتعاونيات حول العالم مشهورة بانتشارها بنسب أكبر في القطاعات الزراعية والأعمال ذات التقانات غير المعقدة، كما تنتشر أكثر أيضا بين الفئات غير الثرية وفي المناطق الريفية، لكن هذه الصورة العامة لا تنفي وجود تعاونيات ناجحة وقوية في القطاعات غير الزراعية البسيطة وذات التقانات الحديثة - صناعية، خدمية، مصرفية، معلوماتية، الخ - كما لها تواجد أيضا بين الفئات متوسطة الدخل وذات التعليم المهني العالي، وفي المراكز الحضرية، في عموم بقاع العالم. ببساطة، التعاونيات اليوم لها تجربة في أي قطاع اقتصادي أو مستوى تقاني معروف. جدير بالذكر هنا أن منظمة الأمم المتحدة كانت قد أعلنت سنة 2012 بكاملها "السنة الدولية للتعاونيات"، ترويجا لها ودعما لنموذجها، حيث قال السكرتير العام للأمم المتحدة، السيد بان كي مون، عنها: "أثبتت التعاونيات، من خلال تركيزها المتميز على القِيَم، أنها نموذج تجاري مرن له مقومات البقاء ويمكنه أن يزدهر حتى في الأوقات الصعبة. وقد ساعد هذا النجاح على حماية العديد من الأسر والمجتمعات المحلية من الانزلاق في هوة الفقر... التعاونيات تذكير للمجتمع الدولي أنه من الممكن السعي لتحقيق الكفاءة الاقتصادية والمسؤولية الاجتماعية معا.") (للمزيد يمكن مراجعة كتاب "السلطة الخامسة").

لكن لعلنا يحق الآن أن نتساءل: وماذا نفعل الآن إذ من الصحيح أن عمال العالم الثالث يتعرضون لاستغلال أبشع من عمّال العالم الأول، ولديهم وسائل وحقوق تنظيم أقل بكثير كما أن سعيهم من أجل البقاء لا يجعلهم يتململون كثيرا كي لا يخسروا إحدى سبل كسب العيش القليلة جدا المتاحة لهم (خصوصا وأنهم إذا اعترضوا كثيرا قد يكون مصيرهم مثل عاملي مناجم منطقة ماريكانا، في جنوب افريقيا، في سبتمبر 2012، الذين قامت قوات الدولة بقتلهم بالسلاح، في مجزرة لم تشهدها تلك البلاد منذ 1960 أيام الأبارتيد، جراء إضرابهم ومقاومتهم لظروف العمل والأجور الجائرة لدرجة تشبه الاستعباد)؟ أيضا ماذا نفعل والرأسمالية العالمية مستمرة في استعمال التكنولوجيا الحديثة والماكينات للاستعاضة عن القوى العاملة الماهرة والمنظمة، الأمر الذي يقلل من خطرها على رأس المال مع الزمن؟


أبادر فأقول إني أرى أن كل هذه الأشياء لن تكون كافية لكي تحافظ الرأسمالية على بقائها يد الدهر، فكثير من التغيرات التي تظن الرأسمالية أنها لصالحها يتضح لاحقا أنها تتراكم وتتفاعل مع عوامل أخرى لتزيد من ورطة الرأسمالية العالمية. لكن هنالك خطر حقيقي فعلا، واحتمال وارد، وهو أن تختار الرأسمالية العالمية خيار الحماقة وإدخال العالم في أزمة عالمية ضخمة جدا (ربما حرب عالمية ثالثة أو كارثة بيئية حادة وواسعة، أو خليط بينهما أو شيء من هذا القبيل) فقط لتستطيع استثمارها لتمديد بقائها في مقعد السلطة العالمية برغم كل الضحايا وكل الخسائر التي ستتكبدها البشرية والتي سيتكبدها رأس المال نفسه. ليست عندي شخصيا ضمانات ضد هذا السيناريو القاتم، لكنه عموما سيناريو لا يغيّر شيئا من قائمة المطلوب عمليا اليوم من القوى المناهضة للرأسمالية: المضي قدما في بناء الجسور التواصلية والتحالفات القوية، والمضي قدما في بناء وفاق حول رؤية لعالم جديد ما بعد الرأسمالية، والمضي قدما في خطوات تنظيمية حقيقية، ثم خطوات تغييرية/ثورية حقيقية متسقة داخليا مع نفسها ومع رؤاها.

وختاما شكرا لكم جميعا على هذه الاستضافة وهذا التفاكر، ولكم وافر المودة والأماني الطيبة

قصي همرور