8.28.2016

مناقشة حول العلم التجريبي والفلسفة، والإلحاد والإيمان .. محاورة بين الطبيب عواد المهدي -وهو ملحد- ويوسف سمرين

مناقشة حول العلم التجريبي والفلسفة، والإلحاد والإيمان .. محاورة بين الطبيب عواد المهدي -وهو ملحد- ويوسف سمرين

رابط المناظرة في مجموعة "عقلانيون" على موقع الفيس بوك:
الحضور الكريم .. ومتابعي برنامج مراجعات .. نرحب بكم فى الحلقه الثالثه بعنوان : الفيصل بين العلم والفلسفه وأيهما يخضح للآخر والإلحاد فى اى قسم منهما ..

نرحب بضيفي الحلقه .. الاستاذ يوسف سمرين والاستاذ عواد المهدى ..

ف اليتفضل الاستاذ يوسف مشكورا بالمداخله الاولى ..
...................................................................
يوسف سمرين
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة وبركاته
أرحب بكم أستاذة رفيدة ، وبمحاوري الأستاذ عواد ، وجميع المتابعين الكرام .
الفكر السوي لا يرضى بتمرير مصطلحات تحمل في طياتها شيئا من الغموض ، كذلك فإن الباحث الجاد عن الحقيقة ، أو محب الحقيقة ، يعتني دوما بتفكيك المصطلحات ليخرج من إكراهها الأدبي ، ويفصل بين محتواها المعرفي الذي اختصر بها ، وبين الشق السلطوي الذي يستعمل بعض المصطلحات التي لها احترامها السائد ، لتمرير إكراه أدبي عند الفحص يتبين أنه مجرد سلطة إكراهية تحمل في طياتها محوى مصلحي ، لا محتوى معرفي موضوعي .
لنأخذ على سبيل المثال الأساطير التي حفت البحث العلمي طويلاً قبل حربين عالميتين ، كان يعتقد لفترة طويلة أن العلم سيحل مشاكل العالم الاقتصادية والأخلاقية وأنه سيقضي على الحروب .
في حين أن الطفرة العلمية حطمت نتائجها تلك الأساطير بحربين كبريين انتهت الأخيرة بكابوس يؤرق العالم اليوم وهو الكابوس النووي والذي تطور فيما بعد إلى الهيدروجيني .
النزعة العلمية كانت رائدة في القرن 19 ، وكما نعرف فإن أفكارا في علم الاجتماع والفلسفة والاقتصاد وغيرها كانت توصف فترتها بالعلمية ، على سبيل المثال الاشتراكية (العلمية) لكارل ماركس . الداروينية ، الداروينية الاجتماعية ، نظرية مالتوس في الاقتصاد ، حتى النظريات البرجوازية والسوق الحرة تم تسوق الكثير من محتوياتها على أنها علمية يفترض بمخالفها الجهل .
كانت التجربة الاستالينية محبطة لكثير من أنصار الماركسية ، كذلك التجربة الهتلرية ، كانت محبطة للديمقراطيين إجماليا فهتلر وصل الحكم بطريقة انتخابية ، وحاز على أكثرية دون أي تزوير أو انقلاب على شرعية الجماهير .
هتلر كان مغرما بالداروينية كما سجل ذلك في كتابه (كفاحي) ، وباستقراء التاريخ رأى أن الشعب الألماني هو المتطور أكثر من غيره على صعيد البشر ، ماركس ، كانط ، نيتشه حتى الإصلاخ الديني مارتن لوثر ، كلهم ألمان وهذا يعني تطور ألمانيا لتشكل قلب العرق الأبيض وبالتالي فاستتبع ذلك تجارب على البشر إلى معسكرات اعتقال وسخرة للشعوب التي جرى احتلالها من الحزب النازي .
هذه مقدمة سريعة تدفعنا للبحث عن ما هو العلم الذي جرى الكذب كثيرا باسمه ، كذلك ما هي الفلسفة ، ما الفيصل بينهما .
هل الإلحاد موقف علمي ، أو موقف فلسفي .
ثم ما المقصود بالإلحاد نفسه ، هل هو اللا أدرية (يعني لا أعرف أن هناك إلها أو لا ) أو هو اللا ربوبية ، بافتراض عدم وجود إله ، ما هي صيغة الإلحاد ، فنعرف أن نيتشه كان ملحداً ، لكن يختلف عن ماركس الملحد ، وكانت حصيلة أفكارهما صراعا مريرا بينهما ، فكريا وواقعيا ، فأفكار نيتشه هي التي استلهمها الأمان في حربهم على السوفييت ، الذين استلهموا أفكار ماركس ، وكانت حصيلة الصراع الواقعي بينهما فادحاً حتى سجلت أكبر معركة في التاريخ 200 يوم متواصلة في ستالينجراد .
ما هو العلم وما هو حد العلم ، وما الفيصل بينه وبين الفلسفة !
مرة سمعت مداخلة لملحد يقول لا يوجد ملحد فجر نفسه ، بخلاف المتدينين ، هذه نزعة أيضا طوباوية ، ستالين لا يمكن أن تشكك في إلحاده ، وعمليات الإبادة الجماعية التي قام بها لم تكن بسبب الدين ، دستور الاتحاد السوفييتي 1936 ، كان نابعا من المبادئ الماركسية وكان في عهد ستالين الذي هدم المعابد ، مع ذلك كان يمنع زواج المثليين مثلاً ، فلما نقول كلمة إلحاد أو إيمان ، تظل الكلمة غامضة نوعاً ما لنحدد إلحاد من تقصد ، إلحاد فرويد ، أم هو ماركس ، دوكنز أم هوكنج !؟
كذلك دراسة الإلحاد فيها شق تاريخي ، فليست الموضوع تقدمياً بمعنى كلما تطورنا أكثر كلما بعدنا عن الدين أكثر هذا تفسير وإن قال به بعضهم كأوجست كومت إلا أنه ليس مطردا ، وعلى سبيل المثال يحسن أن نستذكر قليلا شيئا لم يعد شائعا ولا مألوفا لدرجة ما ، أن بوذا مؤسس البوذية التي أضحت ديانة كان ملحداً كما ذكر ول ديورانت في كتابه (قصة الحضارة) ، فالإلحاد موقف قديم ، وبعض صوره كانت أقدم من كثير من الديانات ، بل هناك ديانات تطورت وبنيت على أفكار أصلها إلحادي كالبوذية .
كل هذا يعيدنا إلى السؤال الملح ما هو العلم وما هي الفلسفة ، وما الفيصل بينهما ، وكيف نعرف .
لو نلاحظ هنا أن سؤالنا عن ما هو العلم ، ليس سؤالا علميا تجريبيا ، نحن لا نسأل عن شيء محدد جزئي ، لا نقول ما هو الإيدز ، ولا ما هي طبيعة الإنفلونزا ، بل نسأل ما الذي يجعلنا أن نقول هذا كله علم ! .
أحد الفيزيائيين الكبار كان يقول أمضيت عمري في العلم ، ولو سألتني ما هو العلم لم أدر ما هو !؟
وهو صادق في هذه الجملة ، فهذا المبحث بحد ذاته ، ليس مبحثا علميا ، لا يمكن جمع العلم كله في سلة ووضعه في مختبر ! لنقول ما هو هذا الشيء ؟ّ
لما نسأل أسئلة من نوع ما هو العلم ، ما هو الفن ، ما هو الجمال ، ما هو الإيمان إلخ هنا ندخل في خانة أخرى لا يدرسها التجريبيون – مع احترامي الشديد لما يقومون به – لكننا نبحث في الموضوع من زاوية فلسفية ، إننا في العلم نبحث فلسفة العلم ، وليس القوانين الجزئية في العلم المعين الفلاني ، لا ندرس هنا قوانين الفيزياء ولا الكيمياء ، لكن نقول لماذا تم جعل هذا علميا ، ولماذا لا نعتبر غيره علميا .
الفنان قد يؤدي الفن ، لكن لما نسأله ما هو الفن قد لا يعرف ، والفلاسفة قد يجيبون ما هو الفن ، لكنهم ليسوا فنانين .
بطبيعة الحال لن تتوقع أن يحصل كيميائي على جائزة نوبل لأنه اكتشف عدم وجود حوريات في البحر ! أو أثبت وجود نار في موضع خارج عالمنا هذا أو نفاها !
لكن يمكن أن يحصل على جائزة نوبل للآداب وإن تعرض في رواياته لكل هذا ، بل حتى لو كتب عن الآلهة المتعددة !
من مشاكل النقاشات اليوم ، أن المتحاورين ينطلقان بالنقاش في مواضيع دون تحرير أصولها .. عفوا حددوا المقصود في أي زاوية سيكون الحوار ، وبأي مبحث ستنطلقون منه ، أدلة العلم التجريبي ، لن تستعمل في نقد قصيدة أدبية وفنية ، أدلة الفلسفة لن تدخل المختبر ! ، أدلة المختبر لن تفيدنا خارج المختبر .
أينشتاين له كتاب جميل وهو (أفكار وآراء) يتحدث فيه عن أن العلم سيخبرنا كيف نصنع قنبلة ذرية ، لكنه لن يقول أي شيء حول استعمالها ، كيف سنستعمل الطاقة الذرية للسلم أو الحرب ، ولماذا ؟ كيف سنعيش ، وبالتالي صرح بعضهم بأن العلم صامت ، هو يخبرك فقط كيف تصنع الساعة ، لكن لن يقول لك اذهب للعمل ، أو اعتن بنفسك أو حتى وقت الساعة لتنتحر صباحا .
لست حريصا حاليا أن أدلي بكامل دلوي في هذه المواضيع دون أن أستمع لمحاوري ، لذا سأتريث لنستمع سويا كيف ينظر للأمر ، هل بحق يجعل الإلحاد موضوعاً علمياً !؟ أو يراه موقفا فلسفيا ! ما هو الإلحاد المقصود ، اللا دينية المقصودة ، ونحو ذلك .
أكرر تعبيري عن سعادتي بهذا اللقاء ، وأشكركم لتحملكم قراءة هذه السطور التي قد تكون ممللة للبعض! وإن كنت أراهن على أهميتها في بيان أصول للحوار .. ولا أريد مجاوزة الوقت المحدد ، وأترك المجال لضيفي .
شكرا.
Awwad Almahadi
ارحب، و من جديد، بجميع السادة و السيدات المتابعين .. و اخص منهم بالذكر هنا استاذنا، و ربما ضيفنا، السيد يوسف سمرين .. و الذي، لولا ما سمعته عنه من حسن الخلق و سعة الصدر و العلم، لما كنت سأشارك في هذه الجلسة لمشغوليتي الشديدة هذا اليوم بالذات .. و لكن صديق لي، و اذ اعتذرت عن المشاركة، نصح لي بأن ضيف الليلة شخصٌ مختلف، شخصٌ ستسرني، و ستشرفني معرفته .. ارحب بك سيد يوسف، و اتمني ان تأتي هذه الجلسة بالشكل الذي اتمناه، الشكل الذي يليق بكم و بالسادة الحضور ..  
و الحق انه، و عندما تم اخباري بهذه المشاركة، فإنه قد قيل لي انني لا اعدو ان اكون معقبا لما سيطرحه السيد يوسف .. لكن، و اذ فضّل السيد يوسف ان نبدأ ببعض التعريفات، و هو موقف سليم تماما و اؤيده فيه، فإنني سأبدأ ببعض التعريفات لبعض الكلمات و المصطلحات التي اتي ذكرها في عنوان هذه الجلسة، تحديدا: "العلم"، "الفلسفة"، "الالحاد" .. من ثَمّ سأعقب سريعًا، و علي ضوء ما سأطرح من تعريفات، علي بعض ما جاء في مقدمة السيد يوسف .. عندما انتهي من داخلتي سأكتب، و بوضوح، كلمة “انتهي” ..
سأبدأ بالكلمة الاخيرة "الالحاد" ..
 اهااا، و قبل ان انسي، و بالمناسبة: انا عواد المهدي .. طبيب سوداني .. و انا -طبعا- ملحد، بحسب التعريف الذي سأتي ادناه ..
الالحاد: مراجعة سيمانطيقية ..
***
سألني قبل ايام احدهم قائلا: "هل نقدّمك للناس علي انك ملحد ..؟"، فترددت قبل ان اجيبه بالنفي او الايجاب .. ذلك ان هذه الكلمة، و لما سيأتي ادناه، لا تعجبني كثيرا، فضلا عن انها لا تخبر الا بالقليل، ان اخبرت، عن موقفي الفكري و نظرتي للكون و الحياة ..
***
سأبدأ هذا التحليل اللغوي باللفظ اللاتيني،
atheist، و الذي اظنه، و علي علّاته، ادق في وصف موفقي من الدين و من الحياة بشكل عام، من اللفظ العربي "ملحد" او "الحاد"، و الذي سأتعرض له تاليا ..
***
يتكوّن اللفظ
atheism من شقّين: a و theism .. الشق الاول هو حرف نفي .. و الشق الثاني يعني الايمان او الدين .. بهذا يصبح معني التعبير atheism هو "اللادين" او "اللا ايمان" .. عيب هذا اللفظ انّه يعرّف الملحد منا (سأواصل في استخدام اللفظ لاغراض الشرح) .. اقول: عيب هذا اللفظ انه يعرّف الملحد ما بما ليس فيه و ما ليس يملك و هي، لعمرك، طريقة غريبة و فريدة في التعريف .. فانت مثلا ان اردت ان تصف طبيبا، فانت ستقول عليه طبيب (اي بالشيء يمكله (علم الطب) او المهنة التي يمارسها (مهنة الطب)) .. لكنك لن تعرّفه ابدا بأن تقول عليه "هذا الشخص لا مهندس، و لا محاسب، و لا محام، و لا ..." .. ان تعرّف شخص بما لا يملك، لهو ان تقول علي شخص ان هوايته هي "عدم جمع طوابع البريد" .. اللفظ اذن يعرّف الملحد بملا يملك و بما لا يميّزه (و هو الايمان او الدين) ..
***
هذا يعني ان اللفظ يجعل من موقف الملحد و كأنه موقف سالب و علي الدوام .. يصوّر الالحاد و كأنه ليس له ما يقدمه الا النفي، و هو شيء ليس بالصحيح .. فأقل شيء يقدمه الالحاد، من حيث رفض للاخذ بما لا دليل عليه، هو ما يعرف بال
critical thinking ..اما اذا اضفنا الي ذلك اضافات الالحاد (و الملحدين) التي لا يكاد يحصيها عد، فإن تعرف الالحاد بما ليس فيه لهوشيء غاية في الاجحاف ..
***
كل هذا دعا كثير من الملحدين، و منهم الملحد العتيد الكس روزنبيرغ، الي بعض الاقتراحات بخصوص تمسيه هذا الموقف الرافض للخرافة و لما ليس عليه دليل .. من هذه الاقتراحات كان اللفظ
Brights (و التي يمكن لي ترجمتها علي الالمعيون او الاذكياء) .. لكن، و لأن ذلك كان ليصوّر الاخوة المتديين و يصفهم، ضمنا، بالغباء Dimness، اقترح روزنبيرغ اللفظ Scientisim لوصف هذه الحركة التي لا تقبل الا بالدليل و البرهان دليلا علي صحة الزعم ..
وصف الملحدين بأنهم "لا يمتلكون الايمان" ليشير بوضوح الي مصدر هذه التسمية، و هو المتدينون انفسهم .. اي ان لفظ atheism هو لفظ ديني في الاساس و يجعل من الدين هو المركز و ما سواه هو الهامش و الشاذ .. كل هذا الصق بالفظ atheism ظلالا و اجراسا connotations سيئة جعلت منه لفظا منفرا حتي ان صديقا لي يعيش في امريكا حكي لي ان والدة احد اصدقائنا الملحدين كان قد استشاطت غضبا عندما عرفت انه ملحد فما كان منه الا ان طمّنها بقوله: "لا يا والدتي، انا لست ملحدا، بل كافرا" .. فإطمأنّت و قالت ما معناه "لا كان كدي خلاس" ..
هذا الحال لا يختلف كثيرا مع اللفظ العربي "ملحد" .. بل ان الحال هنا اسوأ، فملحد، في جذرها و تصريفها، تحمل اساءة واضحة بالحجود و النكران و "تغطية الحق" .. الحق الذي يفترض المؤمن منهم ان الملحد قد عرفه لكنه، جحودا منه، قد انكره و لحد به ..
***
مرة اخري يكتشف الملحد منا ان التسمية التي اطلقها المؤمنون العرب (و خاصة المسلمين) علي موقفه انما هي تسميه مغرضة و حاقدة .. لهذا انا اتردد الف مرة قبل ان اقول عن نفسي انني ملحد .. و ان فعلت، فإنني سرعان ما اردف ذلك بتعريف قصير و ذلك بأن اقول: الالحاد، من هو رفض للخرافات و امتناع عن الاخذ بما لا دليل عليه و لا برهان ..
***
بعبارة اخري:
تعريفي لما يسمي بالالحاد هو "حالة ان يرفض احدهم ان يقبل بإي اطروحه لا دليل عليها" .. و ما اعنيه بالدليل هنا اقسمه الي نوعان:
- دليل مباشر: ما دلت عليه الحواس او الاجهزة المساعدة للحواس مثل المجاهر و كميرات التصوير فوق البنفسجي و بالاشعة الحمراء و غيرها من ادوات الكشف ..
- دليل غير مباشر (و هو ما يعرف بشكل افضل بالبرهان): و هو ان يكون افتراض وجود الشيء ضروري لتفسير ظاهرة محدد، و لعمل بعض التوقعات التي تكون قابلة بدورها للاختبار ..
الي هنا ينتهي تعريف الالحاد ..
الان، و حتي لا اطيل عليكم و علي الاخ يوسف، دعوني استأذنه ان كان متواجد بيننا، فما اذا كان عليّ ان اسمتر معرفا، و بشكل سريع، العلم و الفلسفة ..
في انتظار موافقة (او عدم موافقة) الاخ يوسف .. انتهي. 
يوسف سمرين
اي نعم استمر متابع   
Awwad Almahadi
سملت اخي العزيز ..
العلم:
اتفق تماما مع الاخ سمرين، ان تعريف العلم ما زال، و لن يزال، تعريفا فلسفيا (و لعل القارئ سيلاحظ، و ابتداءا من هذه النقطة ان الفسلفة و العلم تتداخلان بشكل يجعل من التفريق بينهما تفريقا اصطناعيا و اعتباطيا في افضل الاحوال، و تعسفيا علي اسوأها) ..
***
اتفق معك علي هذا .. لكن، و ان يكون تعريف العلم تعريفا فلسفيا، فهذا ليس بالشيء السيء بالضرورة .. بل ان هذا هو المطلوب، اي ان نجعل تعريف العلم شيئا مفتوحا، او متروكا، للنقاشات المستمرة بين بني الانسان .. لهذا، فإن ما سأقدمه من تعريف للعلم، لهو بالكاد
working definition (لا اعلم الترجمة الدقيقة لهذا التعبير - فعذرا) .. هو تعريف لا الزم به احدا لكني -و هذا هو المهم- التزم به ..
***
العلم، سادتي، و بحسب التعريف الذي قرأته في كتاب جيري كوين
faith vs fact، و الذي ايّد فيه التعريف الذي جاء به مايكل شيرمر في كتابه the arc of morality لهو:
مجموعة الاودات التي تنتج لنا جسما من المعرفة قابل للاختبار ..
***
اكرر شارحا: العلم لا يمثل، و لا ينبغي له، جسما واحدا و ثابتا .. بل هو تعبير يشمل كافة الادوات التي يسعلمها العالم لانتاج معرفة .. هذه المعرفة تتميّز بأنها قابله للاختبار .. اي ان تعريف العلم تعريفا رجعيا و ديلاتيكيا: فالاداة التي انتجت معرفة قابلة للاختبار، هي اداة علمية (اي هي العلم)، و العلم هو ما انتج معرفة قابلة للاختبار ..
***
بهذا فإن نظرية داروين مثلا تمثل علمًا .. فهذه النظرية العظيمة قد انتجت لنا معرفة، منها مثلا ان الانسان و القردة العليا يعودان الي اصل مشترك .. هذه معرفة قابلة للاختبار و قد اختبرت ..
***
الان، و عندما اقول اختبار، فأنا لا اعني اختبارا لمدي صحة الاطروحة، بل اختبار لمدي عدم صحتها .. فادوات العلم لا يمكن ان تخبرك ابدا بما اذا كانت اطروحتك صحيحة (فليس هناك، مثلا، جرسا يدق عندما تصل الي الحقيقة)، بل ان كل ما تقدر عليه ادوات العلم هو انها تخبرك بعدم كذب اطروحتك حتي الان .. فنحن لا نقول ان نظرية داروين صحيحة، بل نقول انه لم ننجح بعد في تكذيبها (و هو ما يعني، لكل الاغراض و النوايا، انها صحيحة) ..
بقي لي ان اعرّف الفلسفة و هو تعريف سيكون مختصرا بشكل قد يدهش، و ربما يضايق، البعض هنا ..
***
الفلسفة عندي هي عملية التفكير و مقارنة و موازنة الادلة و البراهين.
انتهي.
الان، ان كان لي ان اعقب علي بعض ما جاء في مقدمة الاخ سمرين سأفعل، و الا فإنني سأكتفي بهذا الي ان يحين دوري مرة اخري .. في انتظار رأيكم.
Rufaida Ibrahim
نشكر الاستاذ عواد ..

ف اليتفضل الاستاذ يوسف ..
يوسف سمرين
ابدأ بالتعرض لما تفضل له المحاور ، من تحليلات لغوية في موضع الإلحاد ، الموضوع ليس مماحكة لفظية ، فلم يقل أحد إن الإلحاد مرفوض لأن العبارة فيها معنى سالب ، أو لأن العبارة فيها قدح في المرء ، والتعنت اللفظي إجمالا لا يفيد هنا ، فلم يحتج عليك أحد لأنك تسمي نفسك ملحداً ! لن أحتج على رجل جميل لكون اسمه طماطم ! العبرة بالمعنى ، فالمباحث الفلسفية هي معنوية ، وليست لفظية ، يمكننا أن نترجمها ، إنها لغة عقلية ، يمكن أن يجر الحوار إلى التحليل اللغوي ، في حال فقط تمت إدانة الخصم عن طريق اللفظ ، لذا يذكرني الجدل الطويل في تعريف المؤمن بناقاشات القرون الوسطى ما الحد الجامع المانع ، وكيف ينقض ! الحوار مع شخص لا يؤمن بوجود الله ، هذه هي ، لا يعني هذا أنه لا ينجب أطفالا أو أنه لا يذهب إلى المدرسة ، وهذا شيء متفق عليه .
أما لما يقول المحاور : " تعريفي لما يسمي بالالحاد هو "حالة ان يرفض احدهم ان يقبل بإي اطروحه لا دليل عليه " !
ما هذا ؟! ، عفوا هذه اسمها مصادرة عن المطلوب ، فكون إلحادك مبنيا بناء على عدم قبول ما لا دليل عليه هذه دعوى منك يفترض تبرهن عليها لتكون نتيجة في الحوار وليست مقدمة فيه ، فكيف تجعلها مقدمة يسلمها الخصم ! هذه مغالطة منطقية ، نأخذ مثالا :
رجل لا يعتقد أن الأرض كروية ، ويسمي نفسه جماعة (س) ، وهذه الجماعة يقول في تعريفها إنها لا تأخذ بما لم يدل عليه دليل .
هو يمرر هنا دعواه وكأنها حجة مسلمة ، وكأن الأرض لا دليل على كونها كروية ! هذه مغالطة .
أي شخص في الدنيا سيقول أنه يأخذ بما دل الدليل عليه ويترك ما لم يدل عليه الدليل ! إلا إذا افترضنا أن خصمك يقول لا دليل لكلامي ! إذن لماذا سيحاورك !؟
استشهد المحاور بكلام من وصفه بـ (الملحد العتيد الكس روزنبيرغ ) ولا أعرف كم هي مهمة جملة عتيد في الموضوع ، لكن الكس له مؤلف بعنوان (فلسفة العلم) فتعريف العلم فلسفي ، وإلحاد هو موقف فلسفي ، فلما يقول المحاور :
" اتفق تماما مع الاخ سمرين، ان تعريف العلم ما زال، و لن يزال، تعريفا فلسفيا "
جميل ...
لكنه يعرف الإلحاد فيقول :
" تعريفي لما يسمي بالالحاد هو "حالة ان يرفض احدهم ان يقبل بإي اطروحه لا دليل عليها" .. و ما اعنيه بالدليل هنا اقسمه الي نوعان:
- دليل مباشر: ما دلت عليه الحواس او الاجهزة المساعدة للحواس مثل المجاهر و كميرات التصوير فوق البنفسجي و بالاشعة الحمراء و غيرها من ادوات الكشف ..
- دليل غير مباشر (و هو ما يعرف بشكل افضل بالبرهان): و هو ان يكون افتراض وجود الشيء ضروري لتفسير ظاهرة محدد، و لعمل بعض التوقعات التي تكون قابلة بدورها للاختبار ..
عفوا ! أين العلم هنا ؟ العلم لن يدخل الاختبار تعريفه لن يؤدي إلى التنبؤ بحدث قابل للاختبار ! ، إذن تعريف العلم ليس علميا !
إن المحاوري يخلط بين الموقف الفلسفي وبين الموقف التجريبي !
فتعريف العلم من عدم تعريفه = لن يندرج تحت تعريفه للإلحاد !
والواقع أن محاوري لربما قلب الحكاية فسلم أن تعريف العلم فلسفي ! ولكنه حاول أن يعرف الإلحاد فوقع بتعريف العلم التجريبي ، أليس هنا قلب للموضوع !؟
وجود محاوري ليس ضروريا لتفسير ظاهرة مثل ظاهرة كسوف الشمس ، بطبيعة الحال لا يعني هذا أنني يجب أن أنفيه !
بالمناسبة نفي وجود إله يحتاج إلى دليل ! وليس فقط مطالبة من أثبت الإله ، وعلى مستوى بسيط ، إن قلت يوجد رجل اسمه محمد خليل في الخرطوم ، وقال لي آخر أبدا ! لا يوجد !
هل يقال : أنا المطالب فقط على دليل إثباته ، أم النافي ، النافي هنا في أحسن الأحوال يقول : لا أعلم ! لا لا يوجد ، فهنا الأمر محصور (يوجد = لا يوجد ) الأول يحتاج دليلا = الثاني يحتاج دليلا .
أما القول بأن المطالب بالدليل هو المدعي ، فهذه في حالة فقط أن الأصل كان غير موجود ! ، مثل أدعي أنك ارتكبت جريمة ، الأصل أنك لم ترتكب كان المال في البنك أنا قلت صار عندك ! في الأصل لم يكن عندك ! ، أما أن أدعي أن فلانا لم يكن له أم مثلا ، هذا يحتاج إلى دليل ... ودليل بيّن أيضا.
وما لا يعلمه هو قد يعلمه غيره ، ثم في البحث الموضوعي ، لا يهمنا كثيرا الرومنتيكية الذاتية ، لا اعلم ، لا احب ، لا ارغب ! هذا شأنك ، نحن نبحث بالموضوع نفسه .
العجب أن المحاور قال : " ان الفسلفة و العلم تتداخلان بشكل يجعل من التفريق بينهما تفريقا اصطناعيا و اعتباطيا في افضل الاحوال،"
عفوا ، أفهم منك أننا لن نستطيع أن نفرق بين بحث أينشتاين في الفيزياء ، ومحاورات أفلاطون في الفلسفة ؟!
أفهم أن تخصصك بما أنك طب ، يمكن أن تدرس عن تاريخ الفلسفة الذي هو تخصصي ، وأنا أعمل بعد الظهر مثلا مكانك في العيادة !؟
في الواقع هذا غير صحيح
تفضل محاوري بتعريف العلم فقال :
" مجموعة الأدودات التي تنتج لنا جسما من المعرفة قابل للاختبار "
جميل ، قابل للاختبار .. لا يشترط أن تختبره أنت أو أنا !
مثال بسيط ، يحكى أن قبل 1000 سنة كان هناك بشر ، ولم يكن عندهم مجهر ولا أدوات جبارة لدراسة الخلية ، لم يكن هناك ناسا لدراسة الفضاء ، لم يكن هناك أجهزة دقيقة لرصد أصوات الأسماك في الماء ، ولا لتصوير الأشعة ..
كل هذا لم يكن موجودا ! ، لكن لا يعني هذا بحال أبدا ، أن المريخ لم يكن موجودا لفقدان قدرتنا على اختباره وقتها ! ولا نفي الجينات ولا الخلية ، ولا كل ما هو قابل للاختبار عن طريق الحس .
لما تقول كل ما لا أختبره حاليا غير موجود ، أنت تقوم بأمر بسيط يعرف في الفلسفة بـ (الأنا الوحيدة) ، التي تقول كل ما أعرفه هو موجود ، كل ما أدركه هو موجود ، لكن كل ما لا أعرفه ولا يمكن اختباره ، ولا يمكنني فحصه فليس موجودا .
الأمر يذكرنا بتصرفات الأطفال لما يخافون شيئا ، ماذا يفعلون ؟ يغمضون أعينهم !
سيشاهدون شاشة سوداء ! إذن اختفى ما يخافون منه !
الأنا الوحيدة ، نتيجة منطقية لهذه الأفكار المثالية ، أنك ستصل ( في حال فقط أصغيت لهذه الأفكار للنهاية) إلى أنه لا يوجد في العالم إلا أنت !
في حين أن هناك عالم موجود قبلك ، بليخانوف له نقد على هذه الأفكار التي عبر عنها إجمالا باركلي بشكل واضح ليقول الوجود هو ما أدركه .
قال بليخانوف : هذا يعني أنك ستسلم أنك مولود دون أم ! كونك لم تكن واعيا في بطنها ، وكونك لم تكن تختبر المحيط الذي تعيش فيه في رحمها !
ربط الوجود بمعرفته سقوط في المثالية التي تنتهي بالأنا الوحدية .
العالم موجود ، سواء اختبرته أم لا = أسلم لك أنه قابل للاختبار ، لكنه ليس مرهونا كوجود باختبارات البشرية .
حول تعريف العلم انهمك كارل بوبر من أشهر فلاسفة العلم في القرن العشرين وألف كتابه الضخم (منطق البحث العلمي) الذي ترجم عدة مرات كان آخرها وأفضلها ترجمة المنظمة العربية للنشر .
كارل بوبر بالمناسبة يؤمن بنظرية داروين (حتى لا يقال بأنني أستشهد بشخص خصم للنظرية) لما تكلم عن تعريف العلم وهو أشهر من قال بأن العلم هو القابل للاختبار والذي تفضل المحاور بنقله .
قال في كتابه المذكور ، إن قولنا كل الغربان سوداء ليس علميا ، ببساطة لأني لا أستطيع اختبار كل الغربان في الأرض .
النزعة الوضعية في العلوم ترفض كل هذه ، لدرجة أنها تقول (كل كل = ليس صحيحا) .
كل الغربان سوداء ، لن تستطيع أن تفحص كل غراب بكل سانتمتر في أرجاء المعمورة ! فضلا عن غيرها إن صدقنا ستيفن هوكنج وقصة الأكوان المتعددة !!
يقول قولك هذا الغراب أسود هذا علمي ، يمكنني أخذ الغراب وفحصه .
عفوا ، لكل شيء سبب = يقول بوبر هذا الموضوع ليس قابلا للاختبار لن تقدر على فحص كل شيء وتعرف إن كان له سبب ، لا يقلل بطبيعة الحال من أهمية هذا القانون ، ولكنه قانون = ميتافيزيقي : فلسفي بعبارة أخرى .
فالقول بأنه لا يمكن أن نعرف الفرق بين العلم والفلسفة ، يساوي أن الفلسفة علمية ، والعلم فلسفي ، أفكار هتلر المجنونة ، تساوي عبقرية نظريات الفيزياء الذرية ، ولذا كان لا بد من حد فاصل نمنع فيه التقول باسم العلم !
عفوا محاوري يختلف مع كارل بوبر ، يقول نظرية داروين رصدت واختبرت وتم التحقق منها !
إذا كان قولي كل غراب أسود ليس علميا ، كما يقول بوبر ، كونه غير قابل من التحقق .
لكن عند محاوري كل الأنواع في كل العصور تم فحص أصولها وجذورها واختبارها ! والتنبؤ بما سيحدث !! ألا ترى أنك تخلط كثيرا بين الميتافيزيقا والفيزيقا (الطبيعة = وما وراءها ) بين العلم وبين الفلسفة وهذا خلط فظيع .
قال المحاور : (لا اعني اختبارا لمدي صحة الاطروحة، بل اختبار لمدي عدم صحتها .. فادوات العلم لا يمكن ان تخبرك ابدا بما اذا كانت اطروحتك صحيحة (فليس هناك، مثلا، جرسا يدق عندما تصل الي الحقيقة)، بل ان كل ما تقدر عليه ادوات العلم هو انها تخبرك بعدم كذب اطروحتك حتي الان )
حتى الآن ! هذا يجعل الأمر مفتوحا تماما !
ونسبيا وبائسا !
توجد عنقاء في الصحراء الغربية ، رأسها رأس إنسان ، وذيلها رأس ثور ! لا يمكن إثبات صحة القول ، عفوا ، ولكن لا يمكن إثبات عكسه تجريبيا !
أنت تقول هنا أنك يمكنك أن تعطي مريضا دواء كون العلم لم يثبت أنه سيحطمه ويجعله مدمنا عليه ! لا أن يثبت أنه فعال جدا بالعلاج ونستطيع مرارا تكرار التجربة !
محاوري تجنب موضوع تكرار التجربة لماذا !؟
دعوني أخمن .. هو يراهن على أن الأصل المشترك بين القرد والإنسان مثبت علميا !
تم اختباره ، بأي مختبر ؟ لا نعرف ..
هل يمكن إعادة التجربة ؟ لا نعرف .
متى حصل هذا ؟
قديما جدا الأديان تحدثنا عن آدام .. الملحد لا يسلم هذه القصص القديمة ، لكنه مؤمن تماما بقضية يقال عنها قديمة جدا .
ومتى يمكن أن تتكرر ؟ لربما عند الملحد بعد يوم القيامة !
كل هذا علمي مثبت تماما ، وخضع للاختبار !
بالمناسبة هنا حجة مغالطة ، وهي الاستدلال بالجهل ، وهي الاحتجاج بكلامك وتقول لي أثبت لي أفضل منه أو سلمه في معيارك لتحديد العلم ..
كون الشيء لم يثبت خطأه لا يجعل منه علميا ، فكل خرافة يمكن ألا يثبت خطأها ، يفترض وجود دليل علمي على الشيء نفسه .
بالمناسبة داروين قال في آخر أصل الأنواع أن نظريته لا تعارض وجود خالق ، وخلط كتبه الأخرى بشيء من الكتاب المقدس مثلا في كتابه (الانفعالات) بالفلسفة كاعتماده على سبنسر ، بكثير من القضايا التي زجها في نظريته ، وإلى الآن لم يحدد لنا محاوري هل يعتبر الإلحاد موقفا علميا ! أم هو فلسفي هذا لم يجب عليه رغم كثرة السطور الجميلة والمفيدة لا شك في نحت كلمة إلحاد أو لا ديني أو أي كلمة تعني أنه لا يسلم بالأديان .
ولا إشكال عندي بأي كلمة يحبذها ، وهو نفسه اختار كلمة ملحد ، وأعيد الحوار إلى مربعة الأساسي : هل الإلحاد موقف علمي ، أم فلسفي
ما الفيصل بين الفلسفة = التي يمكن أن تكون محض هراء مثل حديث أرسطو عن الكواكب وعبادتها !
وبين العلم التجريبي = لربما سيغير محاوري إجابته ويحاول جادا التفريق بشكل واضح ..
ثم نعود إلى العلاقة بين العلاقة بين العلم والفلسفة .
أشكركم جميعا ، أشكر محاوري الكريم ، وسأكون سعيدا بمتابعة سطوره ، والإصغاء لما يقول ..
 Rufaida Ibrahim
نشكر الاستاذ يوسف والاستاذ عواد ..

ف اليتفضل الاستاذ عواد بكلمه ختاميه ..
 Awwad Almahadi
ارحب الجميع مرة اخري و اشكر السيد سمرين علي صبره و مشاركته ايانا هذه الجلسة .. و لا املك الا ان ابدي اعجابي بسرعته الهائلة في الكتابة علي الكيبورد، و بلا اخطاء طباعية، كما هو الحال معي انا .. فطوبي لك سيدي العزيز ..
جئت الي هذه الجلسة و في بالي انني، و بحسب ما أُخبرت به، سأكون معقبا علي ما سيطرحه السيد سمرين .. فإذا بالحال ينتهي بنا، الي الان علي الاقل، و انا المتحدث و هو المعقب .. مشكلة هذا المسار الذي سرناه هو انه سيحرمنا مما كان السيد سمرين سيطرحه حال ان كان هو المتحدث و انا المعقب .. علي كل، لا بأس .. لا بأس ..
كنت قد حاولت ان اكتب ردي علي مداخلات السيد سمرين في الوقت الذي كان يكتب فيه هو مداخلاته اللاحقه، في محاولة من لاختصار الوقت .. لكني فشلت .. ثبت لي انني لا اسطيع ان اكتب شيئا الا بعد ان ينتهي محاوري من مشاركاته تماما .. علي كل، سأحاول جهدي ان اعلق سريعا علي مداخلات السيد سمرين الاخيرة علي ان احتفظ بحقي في الرد علي بعض ما جاء في مقدمته .. و بعد:
ابتدر السيد سمرين مداخلته الاولي في فرصته الثانية بأن انتقد فذلكتي اللغوية تلك .. و التي ما كانت لانني اعتقد ان السيد سمرين سينفر من احدهم لمجرد ان اسمه "طماطم" (ههههههه .. هذه خفة الدم المصري التي احب)، بل لانني اجزم بأن كثير من الناس، و لربما كان منهم من يشاركنا هذه الجلسة، لا يعرف اصل هذا اللفظ الشيطاني "الحاد" و ان كان ينفر منه اشد النفور مثلما فعلت تلك العجوز الامريكية ..
***
علي ان ما دفعني لاوضح الاصل اللغوي لهذا اللفظ، و حقيقة كون انه لفظ ديني، هو مسألة ان هذا لا اللفظ لا يحمل، و لا يشي ب، الا القدر القليل جدا من مواقف و اسهامات من يسمون بالملحدين ..
***
علي كل، اتمني ان يكون الجميع هنا قد تصالح مع اللفظ مثلك، سيدي العزيز ..
ثم ان السيد سمرين قد اعترض في اخر مداخلته هذه علي تعريفي للالحاد، من حين انه رفض للاخذ بما لا دليل عليه حجة ان الجميع يفعل ذلك، اي ان الجميع يأخذ ما يدل عليه الدليل و يرفض ان يأخذ بما لا يدل عليه الدليل ..
***
حسنا .. صحيح، سيدي، ان الجميع "يظن" انه يأخذ بالدليل، لكن ليس هذا هو ما يفعله الجميع .. فأي دليل حصل عليه الهندوسي عندما قدس البقرة و جعلها الها ..؟.. اي دليل حصل عليه المسلم عندما صدق ان رجلا اسمه موسي كان قد شق البحر الاحمر (ام تراه الابيض المتوسط) بعصاه ..؟..
لا سيدي .. لا يأخذ الجميع بالدليل حتي و ان زعموا انهم يفعلون .. بل ان البعض ليعتبر ان تجاهل الدلي،ل بل و حتي التصديق بعكس ما يقول به الدليل، لهو منتهي الفضيلة .. منهم من يتعبر ان الدليل الذي قد تقدمه له ما هو الا اداة لغوايته و زحزحته مما يؤمن بها .. صحيح انك قد تقول لي ان من يؤمن بالبقرة المقدسة الها، فهو انما فعل ذلك لانه رأي دليلا، دليلا مختلفا، و هذا سيقودني الي التالي:
لا يتفق الجميع علي ماهية الدليل .. فحتي ان اتفق معك علي انه يحترم الدليل، فانه سيختلف معك في "ما هو الدليل" .. لهذا، و حتي لا اكون ملغزا، قدمت لك تعريفي للدليل، و الذي اراك اعرضت عليه، و حسنا فعلت ..
ثم، و بعد ان نقل ما ذكرته انا من نوعي الدليل (المباشر و غير المباشر)، اعترض السيد سمرين بقوله "عفوا ! أين العلم هنا ؟ العلم لن يدخل الاختبار تعريفه لن يؤدي إلى التنبؤ بحدث قابل للاختبار ! ، إذن تعريف العلم ليس علميا !" ..
***
هذا ما قلته انا سيدي العزيز .. انا الذي قال ان تعريف العلم هو تعريف فلسفي و وصفته بانه
working definition.. ذلك ان تعريف العلم شيء يتطور بتطور ادوات العلم (الادوات التي تنتج لنا معرفة قابلة للاختبار) ..
هذا، و انني اذ وصفتُ تعريف العلم بانه تعريف فلسفي، و اذ عرفت الفلسفلة علي انها "عملية التفكير و مقارنة و موازنة الادلة"، فإنني بهذا قد دعوتك الي مناقشة تعريفي هذا ..
بعبارة اخري: عندما وصفت تعريفي للعلم بأنه تعريف فلسفي، فأنا انما دعوتك بهذا الي ان تنظر في تعريفي و ان تقدم تعريفك و ان تتركنا نتفلسف حول اي التعريفين احق (ان كنا قد اختلفنا) .. اما و انك لم تأت بعد بتعرف، فإنني لازلت اتمسك بتعريفي:
العلم هو مجموعة الادوات التي تنتج لنا معرفة قابلة للاختبار .. هذا التعريف ليس علما بل هو اطار لنعمل منه و عليه حتي بتضح ما هو افضل، ان اتضح ..
بعدها، و في مداخلة اخري، قال السيد سمرين:"بالمناسبة نفي وجود إله يحتاج إلى دليل !" ..
***
صحيح .. صحيح تماما .. من ينفي وجود الاله، او وجود وحش الاسبغتي الطائر، لابد له من دليل .. لكن، من ينفي وجود الاله هنا ..؟.. انا ..؟.. لا .. انا لا انفيه .. في الواقع، انا لا انفي شيء خارج الرياضيات و المنطق الرسمي .. انا لا انفي ان هناك تنينا اسفل سريري او علي عيني الان .. كل ما اقوله، كل ما استطيع ان اقوله، هو: ما الدليل ..؟.. ما الدليل علي وجود الاله ..؟.. ما الدليل علي وجود تنين اسفل سريري ..؟.. ان فشل الجميع، بمن فيهم انا، في تقدم الدليل الازم علي هذا الموجود المزعوم او ذاك، فإنني مضطر الي عدم التصديق بوجوده .. فانا، و ان كنت لا انفي تماما وجود تنين اسفل سريري، الا انني افترض عدم وجوده (لغياب الدليل) و لهذا انام علي سريري هادئا الا من بعض الكوابيس و الاحلام المؤجلة من حين الي حين ..
***
اكرر للاهمية: انا لا انفي وجود الاله .. ليس بمقدروي ان افعل شيء كهذا، لا مع الاله و لا مع ابو رجل مسلوخة .. دوكنز بنفسه لا ينفي وجود الاله .. لكني اعيش حياتي علي افتراض وجود الاله هذا .. اعيش حياتي علي افتراض وجود تننين اسفل سريري لغياب الدليل علي كل ..
Rufaida Ibrahim
نأسف على المقاطعه نسبه لانتهاء زمن انتهاء زمن البرنامج .. سعدنا بوجودكم ومتابعكتم ..

ف اليتفضل الاستاذ يوسف فى كلمه ختاميه لمده عشره دقائق ..

Awwad Almahadi
مرة اخري و اخيرة: انا لا انفي وجود الاله و ان كنت لا ارجّح وجوده .. في الواقع، احتمال وجود الاله (ايا كان هذا الاله) يتساوي عندي مع احتمال وجود تنين اسفل سريري ..  
تعليقا علي مداختله التي ابتدرها ب "فضل محاوري بتعريف العلم فقال :
" مجموعة الأدودات التي تنتج لنا جسما من المعرفة قابل للاختبار "
جميل ، قابل للاختبار .. لا يشترط أن تختبره أنت أو أنا !"
***
اقول:
صحيح ان هناك اشياء لم نختبرها بعد لكنها موجوده .. و صحيح ان هناك اشياء ظننا اننا اختبرناها لكننا كنا مخطئين .. فمثلا، احد العلماء كان قد فاز بجائزة نوبل للطب جراء بحث كان قد اثبت فيه ان "دودة" كان مسؤلة عن سرطان في الجسم .. فيما بعد ثبت ان الدودة ليس لها علاقة بالسرطان اطلاقا .. هل سُحبت الجائزة ..؟.. لا .. الجائزة بقيت لان ذلك هو ما اخبر به الدليل لحظتها .. الدليل هو ما يحكمنا .. هو ما ليس لنا سواه .. صحة الدليل تتأكد (او بالاحري تنتفي) بالاختبار ..
***
الان، الذي فهمته من مداخلتك انك تعترض علي الاختبار وسيلة لمعرفة .. ما الذي تقترح اذن سيد سمرين ..؟.. اهتم ان اعرف ..
قال السيد سمرين في احدي مداخلاته "قال في كتابه (و يعني كارل بوبر) المذكور ، إن قولنا كل الغربان سوداء ليس علميا ، ببساطة لأني لا أستطيع اختبار كل الغربان في الأرض ."
***
اولا، و بحد علمي، هذه تسمي بمفارقة الغرباء
Raven Paradox و اول من قال بها هو Hempel و ليس بوبر ..
***
صادف انني كنت قد كتبت مقالا كاملا عن هذه المفارقة (سأضع الرابط ادناه لمن يريد الاطلاع) .. ما يمكنني قوله هنا هو ان هذه المفارقة لا تعمل الا في التعميمات علي غرار
"كل الغربان سواء" و "كل النحاس موصل للكهرباء" و "كل نفسٌ ذايقة الموت" .. و كما اسفلت سابقا، العلم ليس في وارد اثبات صحة، بل في وارد اثبات عدم صحة .. فما يهم العالم هو ان يثبت وجود غراب ليس اسود (بدلا عن اثبات ان كل الغربان سوداء) .. ان فشل في ان يثبت انه ليس كل الغربان سوداء، فهذا يعني ان كل الغربان سواء الي ان يثبت العكس ..
***
الي ان يثبت العكس هذه مهمة جدا .. لهذا لا يقول العالم المحنّك بتعابير مثل "ثبت انه"، بل يقول "الدلائل الحالية تشير الي" ..
***
https://web.facebook.com/awwady/posts/1158823690808574
 تبقت مشاركة اخيرة ..
 اعترضت في مداخلة ما علي وصفي للتقسيم بين الفسلفة و العلم انه تقسيم اعتباطي .. حسنا، دعني اؤكد ذلك مرة اخري: ليس ثمة من حدود فاصلة بين ما هو علم و ما هو فلسفة ..
***
فانا كطبيب مثلا، لا استطيع ان امارس عملي علي وجه الدقة بلا اخلاق طبية
medical ethics .. هذه الاخلاق هي احدي تقاطعات الفلسفة مع العلم ..
مثال اخر: النقاش الذي كان قد دار بين اينشتين و بوهر هو، في جوهرة، نقاش فلسفي، و الجميع يعرف هذا لهذا لدينا الان ما يعرف بفلسفة الفيزياء ..
مثال اخير: في البيلوجي مثلا، ما زال تعريف النوع تعريفا فلسفيا .. ما زال الكثير تجادل فيما اذا كان ما يعرف بالنوع هو مجرد مفهوم ذهني ام هو شيئا حقيقا يقابل شيئا حقيقيا في الواقع ..
اكتفي بهذا الي الان ..
شكررراااااااا جزيلا .. انتهي.
 Rufaida Ibrahim
شكرا استاذ عواد ..

كلمه ختاميه لاستاذ يوسف ..
يوسف سمرين
شكرا لمحاوري د.عواد ، أتجاوز إعادة تعليقي على موضوع اللفظ ، أنتقل للمداخلة حول تعريفه للإلحاد بأنه لا يأخذ بما لم يقم الدليل عليه ، وقلت هذه مغالطة من قبل ، ولن أعيد شرح الموضع منها ، لكني باختصار الإلحاد : عدم الإيمان بوجود خالق لهذا الكون ، أعتقد هذه الأمور ببساطة ، الإيمان المقصود هنا : هو اعتقاد وجود خالق حقيقي للكون .
الآن اعتقاد بدليل أو بغير دليل : هذا محل النقاش ، ولذا تدور الحوارات وتجري الندوات .. إلخ
ولذا قلت كم واحد يقول أنا أقول كلامي دون دليل ! وعلى قول من قال :
وكل يدعي وصلاً لليلى *** وليلى لا تقر لهم بذاكا
إذا اشتبكت دموع في خدود *** تبين من بكى ممن تباكى
بالنسبة لدوكنز الذي تفضل بالاستشهاد به في مناظرته بروفيسور الرياضيات جون لينوكس (هل دفن العلم الله) سأله لينوكس من أين أتيت ؟ قال من الكون ، من أين أتى الكون !!؟
دوكنز : أستطيع أن أتفهم السؤال عن سبب الكون لكن لا أستطيع أن افهم الصلب إلخ ! يمكن مراجعة المناظرة على يوتيوب.
فنحن هنا نتحدث عن قانون أولي في كل العلوم متى تم التنازل عنه ، فأنت تتخلى عن أرضية العلم العقلية وتفول لي لا أدري أن لكل شيء سببا ..
وجود تنين تحت سريرك من عدمه لا يهمنا هنا ! فنحن نتكلم عن سبب الكون ! لا مجرد افتراض محض .
فلما ترفض البحث في سبب الكون ! لترفض البحث في سبب الحياة ، سبب سقوط الأشياء هذا يرينا إلى أي مدى لو طردنا الإلحاد سيصل الأمر منطقيا إلى صورته الرجعية بامتياز بما يهاجم الأسس الفلسفية المبررة للبحث العلمي ... لكن لحسن الحظ الملحد غير منطقي مع نفسه !
قلت : سابقا لا يوجد في البحث الموضوع اهتمام كبير بالرومنتيكية ، فالواقع منفصل عن معارف الانسان ورغباته ، فمن لا يؤمن بوجود القمر لا يعني نفي القمر ! ومن كره شيئا لا يعني ان الكره شيء تابع للموضوع بل تابع للذات ! لذا لن اناقش عدم اقتناع المحاور بل ما ادلته التي قدمها ! لم يقدم شيئا سوى أنه لم يقم عنده الدليل .. ولكنه زعم من قبل (زعما ليس دقيقا وليس تجريبيا) أنه مؤمن بنظرية داروين وأنها أثبتت علميا ! ثم قال فقط لم يثبتوا خطأها = وسبق عرض كلام بوبر ، في كل الغربان سود ، وباختصار نظرية داروين = غير قابلة للتحقق ولا التفنيد التجريبي كونها لا تتحدث عن كل الغربان بل كل الحيوانات !!
لكن مع كل هذا فإن محاوري مؤمن ! بأن كل أصل تطور عن غيره .. من أين نشأ هذا العالم = لا يوجد سبب !!
في حين أن نظرية داروين بدون هذا ستحطم تماما .
أعتقد أن الأمر بحاجة لفتح الغرف الذهنية على بعضها ، لا نفي الاسباب في موضع ، ثم اثباتها في موضع ! وكأننا مع شخصين شخص يطالب بالعلم واخر يحارب العلم !  
أما حديث محاوري عن كون العلم قد نكون مخطئين فيه : هذا ليس تعريفا للعلم ولا يصدق عليه العلم أقصى ما فيه أننا حاولنا أن نعلم ثم ببساطة أخطأنا
العلم هو انعكاس للواقع الموضوعي بشكل نسبي في أذهاننا = ويمكن التحقق منه بالتجربة وإعادة التجربة مراراً بشروطها الموضوعية .
أما الفلسفة : فهي البحث العقلي للوصول إلى الإجابة عن أعم الأسئلة الإنسانية ، وهي البحث النقدي لبيان الزائف من الحكمة .
فنحن هنا أمام مجالين مختلفين إلى درجة كبيرة لا يمكن الخلط بينهما ! العلم هو الفلسفة الفلسفة هي العلم ، كمن يقول الرياضيات هي الطبخ ! كوننا نحسب عدد الملاعق من الملح التي نضعها كل مرة !
أما ما المفترض : فيقال التفريق بين الأدلة الفلسفية ، والأدلة التجريبية ! وعدم الخلط بين المجالين البتة ! وإلا فلو تحاكمت إلى أدلة التجريب في الأمور الفلسفية ستصل إلى النتائج الشنيعة التي سبق التنبيه عليها .
الإلحاد هو موقف فلسفي بحت ، لا علاقة له بالأدلة التجريبية ، بل إن المطالبة بحصر الأدلة بالتجريب الذاتي فقط ! هو ربط للواقع بالنشاط الإنساني وهو الاختبار فما لم يختبره هو ليس موجودا ! وهذه مغالطة مثالية قديمة ومعرفتنا بمعتقدك لا تزيد ولا تنقص من تفسير ظاهرة علمية ، وجود من يؤمن بالبقرة كإله لا ينفي إمكانية أن يكتشف شيئا علميا ! فكونك ملحد أو مؤمن هذا لا علاقة له بالموقف التجريبي وإن كان الحديث أن الإلحاد ينسف الأسس الفلسفية التي يقوم عليها العلم من باب فلسفة العلم .
وبالنسبة لمسألة كل الغربان سود = محاوري يقفز عن قضية طرحتها أن بوبر يقول هذه (ليست علمية !) هو يتجاوز الموضوع هذا تماما ، بوبر سعى للتفريق بين الماورائي والطبيعي ، وهو يتجاوز هذه القضية .. بل ويصر على ختم مداخلته بأنه لا فرق بين العلم والفلسفة ! بمعنى أن من يكتب كتابا فلسفيا يمكن أن يقدمه كدراسة علمية ! كل الجامعات أخطأت بجعل الفلسفة في العلوم الإنسانية ، كان يفترض أن تكون كلية الطب ! والفلسفة في نفس الوقت وفي المحاضرات !
لا ندري إن كان المحاور يدرك تماما المباحث الفلسفية والفرق بينها وبين المباحث العلمية !
والعجب أنه يبرهن على هذا بوجود أخلاق طبية ! حسن ويوجد قانون تعرض لأخطاء الطبية ! إذن القانون علمي .
ويوجد عقد عمل يوقع عليه الطبيب : إذن البزنس أيضا علمي ! ما هذا ؟
محاوري إذ لما لم يفرق بين العلم والفلسفة فتح المجال لكل تقول فلسفي مهما كان عنصريا أو بغيضا مهما كان خاطئا وعنيفا لأن يتقول باسم العلم ، فلا يوجد فرق بينهما !
وهذا يرينا خطورة ملف الإلحاد الوضعي الذي يزج تصوراته هو (في أحسن الأحوال أنها فلسفة = وعند التحقيق هي محض أيدلوجيا) باسم العلم ! إنه مثل البابا الذي يستغل احترام الناس للدين ليقول لهم اقتلوا فلانا !
هذا استغلال للسائد ، والاحترام الأدبي للدرجة العلمية وكأنه مخول للحديث في شأن لا علاقة له به ...
أينشتاين تكلم بالفلسفة إذن لا تفريق بين العلم والفلسفة ... سحقا لمواقف أينشتاين الفلسفية والسياسية الذي كان صهيونيا مع إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ، وعرضوا عليه أن يكون أول رئيس وزراء وطبعا رفض ، ألا تلاحظ أنك تخلط بين العلم وبين شخص عالم له آراؤه واعتقاداته التي تكون غاية في السخافة ! أحترم أطروحاته العلمية ، لكن لا يهمني كثير من مواقفه السياسية والفلسفية .
ألم يرسل خطابه لترومن لتصنيع القنبلة الذرية لضرب اليابان !؟ هل هذا يبين أن العلم هو الجريمة ! لا تخلط بين هذين المجالين .
في ختام هذا اللقاء .. أشكر المحاور ، وأشكر الأستاذة رفيدة أتعبناها معنا والحوار قد طال ، وأشكر كل من تابع هذا الحوار ، أو سعى لإنجاحه ، شكرا لكم جميعا ..
ولكم مني تحية .  
Awwad Almahadi
حسنا، سأرد سريعا علي بعض النقاط، و للسيد سمرين حق الرد ان اراد، و في اي وقت ..
اعتقد اننا، درينا بذلك ام لم ندر، متفقان علي تعريف العلم و الفلسفة ..
فانا قد عرفت العلم بأنه مجموعة الادوات التي تنتج معرفة قابلة للاختبار ..
و قد عرّفه السيد سمرين، مشكورا، بأنه " انعكاس للواقع الموضوعي بشكل نسبي في أذهاننا = ويمكن التحقق منه بالتجربة وإعادة التجربة مراراً بشروطها الموضوعية ."
***
ما عناه السيد سمرين، ان كنت قد فهمت كلامه، بان العلم هو المعرفة التي نتحصّل عليها من الوقائع في العالم الخارجي .. قد تكون هذه المعرفة مطابقة للواقع و قد لا تكون .. الذي سيخبرنا بمدي مطابقة معرفتنا هذه للواقع هو "التجربة" (و قد استعملت انا لفظ الاختبار) .. اي ان شيئا غير قابل للتجرية (او الاختبار) لا يمكن ان يشكّل معرفة، و بالتالي فان الاداة التي نستدل بها عليه ليست هي العلم (لربما كانت الوحي مثلا) .. و لان ما يقول به الوحي، مثلا، غير قابل للاختبار، فان الذي يقول به لا يعتبر عندي معرفة و الوحي لا يعتبر علما ..
***
عرفت انا الفسلفة علي انها "عملية التفكير التي بها نوازن و نقارن الادلة و البراهين" .. و عرفها الاخ سمرين علي انها " البحث العقلي للوصول إلى الإجابة عن أعم الأسئلة الإنسانية " .. تعريف مطابق لتعريفي تقريبا .. الفرق الوحيد هو انه، و بينما يري السيد سمرين هنا ان الفلسفة تهتم فقط ب "الاسئلة الانسانية" (و الذي اعتقد انه يعني بها هنا الاسئلة الادبية - لانه يفرّق، فيما يبدو، بين ما هو ادبي و هو علمي، علي طريقة الصف الثالث الثانوي عندنا) .. اقول: بينما يري السيد سمرين ان الفلسفة تشتغل و تهتم بما يسميها الاسئلة الانسانية، انا اري انها تهتم بجميع الاسئلة ..
***
و حتي اثبت قطعا، كما اتمني، ان الفلسفة لا تنفصل عن العلم، سأذكر السيد سمرين، و الجميع هنا، اننا قد اتفقنا، سابقا، ان تعريف العلم انما هو تعريف فلسفي .. فإذا كانت الفلسفة هي ما يحدد ما العلم و ما هو غير العلم، فكيف تنفصل عنه ..؟
***
جادل السيد سمرين بان الفسلفة منفصلة عن العلم بحجة ان الجامعات تضع الفسلفة من ضمن العلوم الانسانية (كمقابل للعلوم التطبيقية) .. بربك سيد سمرين، هل تقول ان ما يسمي بعلم الاقتصاد، مثلا، ليس علما لمجرد انهم وضعوه من ضمن العلوم الانسانية ..؟.. علي كل، ايا كان موقفك من هذه القضية، فهو يظل، مثل موقفي، موقفا فلسفيا ..
***
و عندما ذكرت النقاش الذي دار بين بوهر و اينشتين، فانا لم اكن اتحدث عن نقاشمها حول تأسيس دولة اسرائيل (ان كانا قد تحدثا عن ذلك)، بل عن فيزياء الكوانتوم .. ذلك النقاش الذي قال فيه اينشتين قولته الشهيرة: الله لا يلعب النرد ..
بقي لي فقط ان اوضح علاقة العلم بالالحاد (و الذي يعني عدم التصديق بما لا دليل عليه و لا برهان) ..
***
ما يربط العلم بالالحاد، سادتي، هو اهتمام النطاقين بالدليل .. بل انني لازعم، و انك ان كنت علمي التفكير و لا تقبل الا بما يقول به الدليل، فأنت في الغالب (بل و ربما بالضرورة) ملحد .. هذا يفسّر لك لم ان نسبة الملحدين تتزايد كلما اتجهنا الي الخاصة من العلماء من عامتهم .. و كلما صعدنا السلم بإتجاه العلماء الاغزر انتاجا و الاوسع تأثيرا علميا، زادت نسبة الملحدين حتي انها لتصل اعلي من ال ٩٠٪ عن الجمعيات الخاصة ب "كبار العلماء" بحسب بعض الاحصائيات ..
***
اكتفي بهذا و اشكر للجميع مرة اخري.