7.04.2016

سقراط...

12 يناير 2015

سقراط...


كان سقراط ابن قابلة، وكان يشبه نفسه بها اذ مهمته كانت توليد الأفكار بأسئلته (نص هذا التشبيه موجود في محاورات أفلاطون طبع مترجما في 7 مجلدات).
المهم، هذا التشبيه موفق، اذ الفكرة كالجنين تحتاج فترة لتنضج، تحتاج الغذاء كذلك الاستقرار.
ولو كان قدر للمولود أن يكون فارسا أو مقاتلا يبز أقرانه، فلا يعقل أن يقاتل وهو جنين! أو طفل رضيع.
كذلك الأفكار، تحتاج فترة لتتبلور، وتصقل وتهذب وتنقح لتصبح جاهزة للعرض!
إحدى المشكلات الكبيرة، التسرع في عرض الأفكار، قبل أن تنضج، وإنها لعملية مثيرة للسخرية كثرة التنقلات والتغيرات في (المنهج) ولا أقول المسائل المتفرعة عليه.
والأشد هو تلك الخصومات والجدالات الطويلة في فكرة لم ينضجها صاحبها بعد!
بقطع النظر عن منهج معين أو فكرة معينة، ولذا فلا عيب أن يكتفي المرء بوصف نفسه أنه طالب معرفة، وأن أفكاره لم تنضج بعد.
والطفرة التي حدثت في أساليب النشر من أيام الطباعة، إلى العصر الرقمي، تجعلك تنظر إلى الكمية المهولة من الإنتاج وكثير منها هزيل.
وبعضهم يحرص على أن يكون في قائمة مؤلفاته عشرات الكتب، ولو نظرت إليها متفحصا لوجدتها تدور حول أفكار معدودة لو أخذ وقته في بلورتها لجاءت تلك الكتب بمجموعها في كتاب متوسط واحد! بقطع النظر عن قيمته.
إشكالية أخرى وهي عدم الموازنة بين المدخول المعرفي، والمنتج، فتجد بعضهم يتكلم في شؤون الكرة الأرضية! ولو فتح له المجال لكتب دساتير دول! مع أن مدخوله المعرفي لا يسعفه في قضايا صغيرة.
ثم إشكالية تضخم الردود الجدالية، والإنهماك في إلزام الخصوم قد يكون على حساب الفكرة ذاتها، فكيف إن كانت تلك الجدالات تدور مع غير أكفاء في الأفكار المخالفة؟ وتستطيع أن تجزم بأن جاهلا في مذهبه يستطيع بالمران والتمرس أن يفحم الكثير من الناس بقلب حججهم وكسرها وبيان تهافتها لكن كل هذا لا يعني أنه نفسه يمتلك فكرة متماسكة!
ويستطيع ذلك الجاهل أن يدرس كتاب شوبنهور (فن أن تكون دائما على صواب) وسيبلغ مبلغا في الإفحام!
وقد اشتهر السوفسطائون بالجدال، والمعضلات الكلامية، ولو سألته هو عن مذهبه أو منهجه لعله يكتفي بلا أدري! أو ينصر قولا بالتقليد فحسب، أو يعرف شيئا من أدلته مما لا يخلو من تكدير الخصوم!
مسألة أخرى، طالب المعرفة ليس معلقا سياسيا! لا يفوته إي مسألة إلا وأبدى أقواله فيها، وهذا لا يعني أنه لا يمتلك أي تعليق، ويحسن هنا ذكر ما روي عن عمر في رسالته لأبي موسى الأشعري (لا ينفع كلام بحق لا نفاذ له)!
فهناك من يصاب بجنون العظمة، وكأنه ستالين يخطب في جموع السوفييت! والكل ينتظر تحرك شفتيه!! وبلحظة انتهاءه يعلو التصفيق!!
في حين أنه لو لم يقل شيئا ما نقص ذلك من صوت الضجيج لكثرة القائلين! ولو قال، ما زاد عن مضمون المعلقين! والسواد هنا وهناك عظيم فهلا اكتفى بالتأمل والبحث والقراءة بدل مشاركة الباعة في صياحهم أو مزاحمة المشترين!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق