6.25.2017

الداروينية الجديدة



 22 نونبر 2016

الداروينية الجديدة

1

" المذهب الدارويني صحيح، ليس فحسب على هذا الكوكب، بل فيما يشمل الكون كله حيثما يمكن أن توجد حياة "!!
(الداروينية الجديدة: صانع الساعات الأعمى، ريتشارد دوكنز، ترجمة: مصطفى إبراهيم فهمي، دار العين للنشر، الطبعة الثانية: 2002، ص 14).
هل هذا من العلم التجريبي في شيء! حتما لا، فالعلم هو ما يقبل التحقق والتفنيد، وبوبر يضرب مثاله الشهير على مقولة لا علمية: كل الغربان سود، فكل هذه مبنية على استقراء ناقص، بأي حق يقول هذا، فهو لم يفحص كل الكون وليس هذا في استطاعته.
 
بوبر يقول مثلا (كل شيء له سبب) هذه مقولة ميتافيزيقية (يقصد بها فلسفية) بقطع النظر عن صحتها فلسفيا الا انها ليست علمية تجريبية لاننا لا نقدر على فحص كل شيء، والعلم مبني على الفحص..
 
إن ما يطرحه دوكنز هنا هو أيدلوجيا فحسب هدفه في هذا الكتاب بالحرف: " الكتاب يهدف إلى إعطاء المعلومة، ولكنه يهدف أيضًا إلى الإقناع" (ص 14.)

2

قبل فترة لما أحلت إلى كتب داروين لفهم نظريته، كانت بعض الاعتراضات تقول، يا أخي النظرية تطورت وتجاوزت داروين! وتقول له شيء طبيعي أن يحصل إضافات هامشية على النظرية لكن مع شرط الاحتفاظ بالجوهر القديم وإلا لم تعد تنسب إليه، على أي حال بدل طول المماحكات فإن دوكنز في كتابه (الداروينية الجديدة) يقول بأن داروين حل لغز وجودنا وأن إضافات من بعده كانت مجرد "ملاحظات هامشية"
(الداروينية الجديدة: صانع الساعات الأعمى، ريتشارد دوكنز، ترجمة: مصطفى إبراهيم فهمي، دار العين للنشر، الطبعة الثانية: 2002، ص 13.)

3

يقول دوكنز:
" الانتخاب الطبيعي يحبذ تلك الأفراد التي يُخطأ إدراك أجسادها على أنها أشياء أخرى."
(الداروينية الجديدة: صانع الساعات الأعمى، ريتشارد دوكنز، ترجمة: مصطفى إبراهيم فهمي، دار العين للنشر، الطبعة الثانية: 2002، ص 119.)
فعن طريق الانتخاب الطبيعي يتم تعزيز التكيف مع الطبيعة في الكائن، هذه العملية تكون بطريقة " التغيرات الضئيلة التي تتراكم عبر خطوات كثيرة " (ص 131.)
فتصبح الحشرة على لون محيطها، كونه الأفضل لإبقائها حية، لكن " كيف كانت بداية سم الثعبان؟" (ص  131) يسأل دوكنز.
ليجيب بوجود " سلسلة متصلة متدرجة من البصقة العادية إلى السم القاتل" (ص 131).
 
لكن يغفل دوكنز هنا أن أثر البصقة ليس على (نفس الكائن) ولا على (نوعه) = بل على كائن آخر، فكيف تم تعزيز جانب السم من البصقة العادية!؟ بمعنى الكائن في عملية تطوره اللا واعي واللا هادف كما ينص عليه دوكنز، عرف هنا أن البصق أثر في عدوه، أو طريده، وبدأت تتطور فيه البصقة قليلا قليلا إلى أن صارت سمًا! كيف عرف أثر البصقة، وهي أصلا في كائن آخر، وتطويرها يمر بدرجات هائلة جدا، وحتى السم القاتل أثره قد لا يكون مباشرًا، فكيف تم تعزيز هذه الصفة بالكائن وهي أصلا مبنية على كائن آخر مختلف عنه، بل كائنات عديدة جدًا قد لا يؤثر السم فيها جميعًا بنفس الدرجة!؟

4

دوغمائية كنسية هذه وليست علمًا..
داروين وضع مسألة إثبات عضو مركب لا يمكن احتمال تكوينه بتغيرات ضئيلة عديدة كمحطم أساسي لنظريته..
هنا مسألتان:
 أولا: إن هذا كله مبني على (احتمال تكوينه بتغيرات = ولا يلزم من الاحتمال أن يكون في الواقع حصل هذا) بمعنى:إن وجود احتمالين، لا يعني أن الشيء سيسلك الاحتمالين! بل سيسلك احتمالًا واحدًا منهما، ويبقى الاخر كاحتمال فحسب! مثلًا رجل أطلق النار على غيره، ومات الآخر، هنا يحتمل أنه مات بسكتة قلبية قبل وصول الرصاصة، ويحتمل أنه مات بفعل القاتل، وقصارى الأمر أن يقال لا نعرف أنه أصيب بسكتة قلبية، ولكن يظل احتمال أنه مات بشيء آخر غير السكتة، واحتمال أنه مات بسبب نجهله، هل وجود الاحتمال، حجة لتبرئة القاتل أو على الأقل إدانته بإطلاق النار على جثة! حتما لا، إذن نحن نقول نريد إثبات أنه مات بغير القتل، ولا يقال نريد نفي احتمال هذا!
 ثانيًا: كل هذا يكون بعد إثبات أن التغيرات الضئيلة التي تحدث عنها داروين، أصلًا مرتبطة أساسًا بنظريته، التي يسلم داروين ودوكنز بأنها خارجة عن قدرت الرصد، وإعادة التجريب.
 في النص أسفل المنشور، كلام دوكنز، وهو يغالط، فيقول ما قاله داروين لم يتم نفيه حتى الآن = وهنا يتجاهل أمرًا أساسيًا أن المطلوب ليس فقط التفنيد بل أيضًا التحقق من صدقه.
ثم يستنبط من عدم تفنيده إلى الأن = أنه لن يحدث أبدًا.
 ثم في حال لو (احتمالية فحسب) فهو = سيتخلى عن (الإيمان) بها! ما شأننا بإيمانك! ألا ترى أنك تعتقد أن معتقدك محور الكون، السؤال موضوعي، وهو ماذا سيحصل بالنظرية كما يفترض، وليس ماذا سيحصل لإيمانك الشخصي بها، نحن هنا كأننا نستمع لقس من القرون الوسطى! يذكرني الأمر بما قاله إنجلز يومًا: " للتقاليد قوتها الكبيرة لا في الكنيسة الكاثوليكية وحدها، بل وفي العلوم الطبيعية أيضًا ".
الصورة أسفل المنشور مصدرها:
(الداروينية الجديدة: صانع الساعات الأعمى، ريتشارد دوكنز، ترجمة: مصطفى إبراهيم فهمي، دار العين للنشر، الطبعة الثانية: 2002، ص 132.)
 

5

ويقول لك النظرية الداروينية تم استغلالها في السياسة!
يقول دوكنز:
 "
وفي عالم الدول بما لها من مقياس زمني أقصر، عندما يقوم كل من العدوين بزيادة تحسين أسلحته كرد فعل لتحسينات في الطرف الآخر، فإننا نتحدث عن ذلك كـ "سباق تسلح"، ومثيل ذلك في التطور، يقترب اقترابًا كافيًا لأن نستعير المصطلح، ولن أقدم أي اعتذار لأصحاب التظاهر من زملائنا الذين يودون تطهير لغتنا من صور كهذه "
(الداروينية الجديدة: صانع الساعات الأعمى، ريتشارد دوكنز، ترجمة: مصطفى إبراهيم فهمي، دار العين للنشر، الطبعة الثانية: 2002، ص 246.)

6

ويقول لك هتلر كان مجنونا ويستغل النظرية!
(الداروينية الجديدة: صانع الساعات الأعمى، ريتشارد دوكنز، ترجمة: مصطفى إبراهيم فهمي، دار العين للنشر، الطبعة الثانية: 2002، ص 259.)
 

7

دوكنز هنا وكأنه يرد على داروين في موضوع الأعضاء الضامرة = بزعم عدم وجود فائدة لها = أي لا يعلم لها فائدة..
" لو عجز حتى أكبر عالم ثقة في العالم عن تفسير ظاهرة بيلوجية ملحوظة، فإن هذا لا يعني أنها مما لا يمكن تفسيره، وثمة أسرار كثيرة بقيت سرًا طيلة قرون ثم خضعت للتفسير في النهاية."
(الداروينية الجديدة: صانع الساعات الأعمى، ريتشارد دوكنز، ترجمة: مصطفى إبراهيم فهمي، دار العين للنشر، الطبعة الثانية: 2002، ص 69.)

8

أنهيت قراءة كتاب الداروينية الجديدة لدوكنز، ويقع في 400 صفحة، على أي حال كان دوكنز قد أعد برنامجًا وثائقيًا بنفس العنوان، وهو مرفوع مترجمًا، ميزة هذا الكتاب بنظري أنه يعرض الخلافات داخل منظومات أنصار النظرية الداروينية، وهم يتهمون بعضهم بالانحراف عن الداروينية، مذاهب عديدة متنوعة ينتصر دوكنز لمدرسة واحدة منها وهي الجديدة.

......

23 نونبر 2016

داروين والدين

في كتابه (أصل الأنواع) سيحاول التمهيد لقبول نظريته، فيحاول أن يظهر أن نظريته لا تتعارض مع المعتقدات الدينية، فيقول:
"
لا أرى أية أسباب وجيهة تجعل من الأفكار المتضمنة في هذا الكتاب ما يصدم الشعور الديني لأي إنسان "، وأنهى كتابه بقوله: " إن هناك جمالًا وجلالًا في هذه النظرة عن الحياة بقواها العديدة التي نفخها الخالق لأول مرة في عديد من الصور أو في صورة واحدة ".
 
ولكنه بعد اثني عشر عامًا من صدور كتابه "نشأة الأنواع الحية " (أصل الأنواع) سيصدر كتابه: "نشأةالإنسان"، ويبحث فيه أصل الدين، ويشرح فيه كيف بدأ الإيمان بالعوامل غير المرئية أو الروحانية " فبمجرد أن بدأت الملكات المهمة الخاصة بالتخيل، والتعجب، والفضول علاوة على بعض القدرة في التفكير في الظهور بشكل جزئي، فإن الإنسان من الطبيعي أن يصبح في حاجة ماسة إلى أن يفهم ما الذي يجري حوله وقد كان من شأنه التخمين بشكل مبهم فيما يتعلق بالوجود الخاص به."
 
إلى أن يقول: " نفس الملكات العالية التي قادت الإنسان في أول الأمر إلى الإيمان بالعوامل الروحية غير المرئية، ثم إلى التقديس الأعمى وتعدد المعبودات وفي النهاية إلى الإيمان بإله واحد من شأنها أن تقوده بشكل مؤكد، ما دامت قدراته على تقدير الأمور ما زالت ضعيفة إلى خرافات وعادات غريبة مختلفة."
 
فالخالق مجرد فكرة ابتكرها الإنسان، وهي فكرة تم تطويرها عن الآلهة المتعددة، عن العوامل الأولى كالأشباح ونحو هذا، وبالتالي فالإله المجرد غير موجود في الواقع، بل هو محض فكرة بشرية إنه خرافة كباقي الخرافات!