7.04.2016

آراء سيد قطب

5 يناير 2014

آراء سيد قطب


لم أكن أنوي التعرض لآراء سيد قطب في مقال مستقل حتى دفعت إليه دفعا، والذي يقرأ للرجل وعنده شيء من المعرفة في العلوم الشرعية يستطيع أن يلاحظ أنه لا يعرف التأصيل الشرعي وفق ضوابطه! فتجده يفرغ خواطره بأسلوب أدبي مميز وله مصطلحات عرف بها كقوله (حمئة الردة، الجبلة النكدة، القمة السامقة، المفاصلة، الاستعلاء) لكن دون تأصيل، فكثير من مصطلحاته صور فنية ليست أسماء و لا أوصافا شرعية تدور معها الأحكام، فلا تجده يراعي القواعد الأصولية فضلا عن التسلسل بينها، فكيف إن وصلنا إلى الأحكام الفقهية والقواعد الفقهية والتداخل بينها.
فالأصول وهي عمدة الاجتهاد، ومنهج العلوم الشرعية لا تكاد تجد لها أثرا في كتاباته.
اما علم الحديث فلا يعرف منه شيئا وكتاباته أكبر شاهد عليه وقد استدل فيها بعدد من الأحاديث الضعيفة والمكذوبة، أما في العقائد فلا تجده مطلعا على أمهات الكتب في هذا ويرمي بآرائه اجتهادا دون انضباط أصولي كما سبق أن قيل.
وأما الفقه فهو بعيد عنه كليا فلا يعرف له تحرير مسألة واحدة! وكيف يتقن الفقه من حُرم أصوله!
نأتي لآرائه والتي فقدت المنهج الواحد تجدها موزعة من الصوفية كالفناء قليلا إلى الأشعرية كتأويله لبعض الآيات حينا وشذرات من هنا وهناك وأذكر أنه اقتبس كلاما من زاد المعاد لابن القيم في (المعالم) و (الظلال)، وليس هو بنابغ في واحد مما سبق فلسنا هنا نناقش الغزالي في التصوف - على اضطرابه - ولا الجويني في الأشعرية! فيصح أن يقال: إنه لم يأت بفكرة جديدة ولا ناصر منهجا قديما، بل لو قيل لم ينفرد بحق وإنما انفرد بنقيضه - ان قيل بانفراده بشيء من التصوير الفني في القرآن - لما أبعد القائل!، فماذا يريد؟
الذي يقرأ كتاباته يلاحظ التطويل الذي يدور في فلك (الحاكمية) وهو مصطلح لم يحدد هو مقصده منه ولا وضع له حدا ولا رسما، بل لا تكاد تجد فرقا بينه وبين مصطلح الإمامة عند الإمامية إذا استثنينا فحسب قضية التعيين، وإلا فتجد الإمامة عنده مبحثا من الأصول العقدية، مع نوع من الحركية العملية الأمر يشبه هنا كتاب (الحكومة الإسلامية) للخميني، و لو قلب أحدهم مصطلحاته عليه لما استطعت أن تميز الأصل منهما! بل سينجح بلعب دور (قطب) ضد (قطب)!، فلو قال له: أنت تكلمت دون دراسة للأصول ولم تلتزم بها فاجتهادك ليس اجتهادا معذورا بل القضاة ثلاثة منهم من قضى بجهله وحتى ولو أصاب يشمله الوعيد! وهذا من التشريع الذي لم يأذن به الله، وهو غصب للـ (الحاكمية)!!! والردود عليه كثيرة مما يكفي لقلب طاولة آرائه وإلزامه بما ألزم به غيره، ولن أتعرض لها فقد تضخمت حد التخمة!
وليس للرجل منهج واحد يسير عليه كما سبق أن قيل، ولذا تجده يشبه المرجئة في إخراج العمل من الإيمان بمصطلحه (عزلة شعورية) ثم تجده يشبه الخوارج في مصطلح (مجتمعات جاهلية) ويشبه الإمامية في (الحاكمية)
ولكن لو حللنا آراءه لوجدنا أنها شديدة التأثر باللينينية الثورية مع استبداله لمصطلحاتها بأخرى إسلامية أو شبهها فمثلا (الطليعة الحزبية) تصبح (العصبة المؤمنة)، (الصراع الطبقي) تصبح (مفاصلة)، والباقي نفس نظام الخطاب ولذا تجد له مؤلفات كـ (العدالة الاجتماعية) وكتاب (معركة الإسلام والرأسمالية) وستجد فحواها يماثل اللينينية على أنها أقل دقة من الأصل المقلد، وقد ترجمت كثير من آراء لينين في مصر بعد الثورة الروسية 1917 منها كتاب طبع باسم (مذكرات لينين) في تلك الفترة وهذا يعني وصولها إلى المكون الثقافي لقطب، وكان للمودودي أثره في تغليف المصطلحات بأخرى شبه إسلامية.
وقد رفع ذكر قطب للصراع مع القومية الاشتراكية من المحيط، وإلا ففي فترته ألف السباعي وهو من (الإخوان) كتابا سماه (اشتراكية الإسلام) على أن السباعي أعلى منه في العلوم الشرعية - على ما فيه - لكنها الدعاية والنفوذ رفعت سيدا وكتابه المعالم ليطغى على كتاب السباعي الذي نقده سيد دون تسمية المؤلف في (المعالم) مما يبين انه كان يعلم بوجود هذا الكتاب فيمن انتسب الى (العصبة المؤمنة)!! ولكن المصالح والتعصب تجعل أناسا في جاهلية واناسا في نعيم اليقين! فتجده يهدي كتبه لرئيس الوزراء العراقي وقتها بل ويصفه بالإيمان كما في كتابه (لماذا أعدموني) في الوقت الذي أعلن مفاصلة نظام بلده! بل في الوقت الذي نادى به بالمجتمعات الجاهلية فكيف بالحكومات!! كل هذا لأن رئيس الوزراء زاره في سجنه! وكأنه (قطب) معيار الكفر والإيمان!
وكان له دور في تعطيل النظر إلى النتائج بربطه بعض أبواب المعاملات بالعقائد، كاستحضاره لقصة أصحاب الأخدود مع إغفاله الفارق المهول بين أصحاب الأخدود الذين قتلوا لإيمانهم وبين غيرهم ممن يسعون للوصول إلى السلطة!
ثم صارت قضيته إعلامية ضد نظام عبد الناصر، وكان لسياسة السادات دور بارز في السماح بنشر (مظلوميات) أقرانه، ليشكل (قطب) نقطة التقاء المناوئين للناصرية والساعين لوراثة عهدها من (إسلاميين بمختلف تياراتهم) إلى وطنيين ينادون بالحريات!، وصار (قطب) قنطرة تحدد الولاء والنفوذ هل أنت ناصري أو معارض! وهذا هو سر انتشاره بل وإعادة تفسيره مرارا فمرة تجده مفكرا حرا كما سوقته (ليلى اللوباني) في كتابها (أنت تفكر إذن فأنت كافر)! ومرة معتدلا أسئ فهمه كما تجده عند (سالم البهنساوي)، و(الراشد) في بعض كتاباته ومرة تجده غلوا حادا يصل إلى التكفير العام بالكبيرة كما تجده عند (شكري مصطفى) إلى ما هو أقل حدية عند (عصام العتيبي) إلى أقل منها (عزام) إلى أقل عند (سفر الحوالي» وقد كان مشرفا عليه محمد قطب أخو سيد في دراساته الجامعية) وهكذا.
وما هذه التفسيرات إلا محاولة لتشريع النفوذ البديل للناصرية باسم (قطب) الذي اعتبروه رمزا لعداء الناصرية فكأن كل مفسر يقول نحن البديل إذ كنا معارضين لعبد الناصر بدليل اننا اتباع قطب وتفسيرنا هو الصحيح له فحسب!! فهم امتداد للبديل والمعارض، الأمر شبيه بالانتساب إلى التشيع لآل البيت عند بني العباس ضد بني أمية، علما أن أي قراءة خارج البحث الأيدلوجي ونفوذ السلطة لن تجد في قطب المفكر ولا الفقيه ولا السياسي المعارض ولا المتكلم! بل ستجد فيه أديبا فحسب زج به فيما لم يتأهل له! ودُفع إلى مطحنة سياسية لم يكن يعيها، وزج هو غيره فيها دون تأهل ولا مراعاة لنتائج، لتسجَل نقاط على النظام وقتها! سعى لقطفها كل من التقت مصالح نفوذهم عندها!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق