7.04.2016

محاربة الالحاد

1سبتمبر 2014

محاربة الالحاد 

1

كنتيجة متوقعة على فشل العديد من الأطروحات المتشبعة بالصيغ الدينية، ظهرت طلائع موجة (لا ربوبية)، أو لا دينية.
وبعد أن كانت الردود الإسلامية شبه منغلقة على ذاتها كردود بين الأحزاب والفرق، بدأنا نرصد ردودا على الـ(الإلحاد)، وبدأنا نرى كتابات عديدة في هذا المجال، يتنافس فيها أصحابها في سحق تلك النابتة في وسط مجتمع (متدين).
الأمر الذي يذكرنا بفترة الموجة الماركسية للمنطقة، وكتابات مصطفى محمود والبوطي وغيرهما في هذا المجال.
على أن فترة الانغلاق التي اعقبت صعود التيار الإسلامي جعلت ردوده منحصرة في كتب التراث بدون حاجة لأي مطالعة خارجية.
وتنافست التيارات الدينية فترة الانغلاق في إيجاد (سلف) لها بين الفرق، أو محاولة إيجاد أطر نظرية لحركتها العملية في المجتمعات كتبرير وجودها وتشريعه في الدول.
وفترة الانغلاق نكاد نجد نفرة عن محاربة الإلحاد لصالح محاربة الفلسفة والفكر الوافد، إنه تأكيد على هوية تلك الحركات، ولم يكن هناك اهتمام كبير في ما يسمى بالإلحاد فالاتحاد السوفييتي تقلص نفوذه وذهب بريق شعاراته.
فعمليا كانت الحاجة لتأكيد الهوية ورسم ملامحها النظرية أشد من الدفاع عن أساسها الأول إذ إن مسلمة الإيمان صارت شبه مستقرة في المجتمعات، وقد انحازت إلى جانبه دول ومجتمعات كاملة في إعلان منها للابتعاد عن سياسة السوفييت.
فترة محاربة (الإلحاد) فترة قوة الاتحاد السوفييتي وجدنا شعارات كوحدة الأديان في مواجهة الإلحاد، أو كاعتبار الأديان عموما خير من حمأة اللاربوبية، ولم يكن هناك تركيز مثلا على الفوارق الأساسية والعقدية بين الأديان، وتكاد تجد في تلك الفترة كلمة (إلحاد) رديفة للمادية الجدلية، للماركسية اللينينية، وهذا يبصرنا بالظروف التاريخية والمصلحة الحيوية التي تحركت في إطارها تلك الردود.
ثم جاءت مرحلة الانغلاق ببحوثها في الكفر والردة والحاكمية والجاهلية والبدعة والسنة.
واليوم بدأت عناوين كـ"مليشيا الإلحاد"، وبراهين الإيمان، ونحوها تطل من جديد.
لكن في وجه من؟ تكاد أكثر الردود الحالية تنصب على الداروينيين أمثال ريتشرد داوكنز، وبعض الفيزيائيين كستيفن هاوكنج.
والتي ترتبط عادة بالليبرالية السياسية والاقتصاد الحر.
نستطيع أن نقول إن عددا لا بأس به من أولئك اللادينيين كانت له تجربة دينية فترة صعود التيار الديني، وكثير منهم كان يميل إلى تيارات متنوعة أهمها في نظري تيار يصطلح عليه بـ (السلفي)، إحدى مميزاته إلغاء جانب البحث العقلي كثيرا حتى في جانب (القياس الأصولي).
هناك تيارات أشعرية وأخرى منتسبة للمعتزلة، ولا ننسى أيضا هنا المدرسة الإمامية والتي لها اهتمام كبير بمنطق أرسطو وبحوث فلسفة القرون الوسطى.
نجد ردودها لا تزال منحصرة في الجوهر والعرض والحدوث والامكان ونحوها.
تلك البراهين المأخوذة من القرون الوسطى والتي نستطيع الرهان أنها غير مفهومة إلا لعدد من دارسي الفلسفة القروسطية، فضلا عن تسليمها.
كما أنها نشأت في إطار الجدل الأثيني، والصراعات التي سادت تلك الفترة وما بعدها، والمحكومة أيضا بظروفها التاريخية ومعرفتها العلمية.
وكمثال بسيط على هذا، يمكن أن يقال إن الأنساق الفكرية لتلك الفلسفات لم تكن لتعطينا - إن أخلصت لنفسها - غير الأشكال الخاصة بالقرون الوسطى عن الدولة والممارسة السياسية والمجتمع والتوزيع الاقتصادي ونحو هذا.
والاقتطاع الجزئي لقسم الإلهيات عن باقي الأقسام المرتبطة به ومزجه بتصورات أخرى في السياسة والاجتماع والاقتصاد وغيرها وجدت في القرن العشرين مثلا هو تلفيق اعتباطي.
يتبع إن شاء الله.

2

انبعثت ردود إسلامية لمواجهة الإلحاد، لكن يبرز هنا سؤال أساسي: ما هو الإلحاد المقصود؟
كلمة إلحاد في التراث الديني ليست محصورة في مسألة إنكار الإله كما نعلم، وهي مأخوذة من ألحد إذا مال، ومنه اللحد الذي يكون في جانب القبر.
ولا يهمنا هنا كثيرا الجانب اللغوي وأصل الكلمة بقدر معرفتنا، بأن الإلحاد يمثل ميلا وخروجا عن الدين إلى حد معين لا يصنف أنه زلة بل مكابرة وجحودا.
على أن البحث عن معنى الإلحاد المقصود يجرنا للبحث عن الدين نفسه الذي يمكن تصنيف الخارج عنه على أنه ملحد.
فكما نعلم أن مفهوم الدين يختلف من دين لآخر ومن نسق لاهوتي لآخر، فقد سمى الكاثوليك معارضيهم من البروتستنت ملاحدة.
ثم يجرنا الأمر لبحث أي من ذلك الإلحاد هو المقصود! فإن تم تصنيف الدين على أنه حقيقة محصورة في تعاليم الإله وهذا أمر معين فالميل عنه غير معين ومختلف من زمان لزمان.
وكمثال على هذا يقال: الخياط لما يرد على ابن الروندي في كتابه (الانتصار والرد على ابن الروندي الملحد) يقصد شيئا مختلفا - سواء في نظره لماهية الدين أو ماهية الإلحاد - عن الصنعاني في كتابه (تطهير الاعتقاد من دنس الإلحاد).
ثم يلاحظ أن كثيرا ممن يتم تصنيفهم على أنهم ملاحدة يوافقون على نسق معين مع خصومهم فيقلبون الأمر عليهم داخل الإطار نفسه.
ويمكن أن ننظر إلى كتاب الغزالي (تهافت الفلاسفة) وكتاب (تهافت التهافت) لابن رشد كمثال على تسليم متبادل بالمنطق الأرسطو طاليسي! رغم النتائج المختلفة.
وبوسعنا أن نقول كم سيكون عبثيا إن وضعنا كتاب الغزالي كرد على فيلسوف مختلف عن نسق أرسطو كنيتشة وهايدغر!
فضلا عن اختلاف الظروف التاريخية والمحتوى المعرفي بينهما.
وهذا يجرنا إلى الحكم بعبثة تلك الردود المبنية على اللاهوت وعلم الكلام على فلسفات مختلفة عن الأنساق التي عرضت في عصرها.
إنها عملية إلغاء لتاريخ الفلسفة واختلاف ظروفها التاريخية.
وإعلان انتصارات وهمية في حوار محتم عليه الفشل سلفا!
ثم يبقى السؤال الأساسي الذي سبق طرحه: ما هو الإلحاد الذي صنف كخروج عن الدين وما هو الدين المقصود؟
إن ردود اللاهوت على منكري الأقانيم من الملاحدة لا يمكن أن توافق نفاة الأقانيم من المؤمنين ولا حتى أن تصب في صالحها إلا لماما.
بل إن تلك الردود تفترض سلفا إلحاد منكري الأقانيم حتى ولو ادعوا الإيمان.
إن لها بنية معينة تسمى الإيمان ولكل إيمان بنيته، ولذا لا غرابة أن نجد أن ما عرف في كتب الفرق بالجهمية الذين كانوا يردون على السمنية والفرق الهندية التي صنفها جهم بأنها ملحدة، هو ذاته واجه نفس التهمة من أنساق مختلفة عنه.
وسأتعرض لهذه المسألة لاحقا إن شاء الله.
يتبع...

3

جهم بن صفوان حاول أن يرد على السمنية بحجج تشبه حجج أفلاطون، هل ترى ربك أو تلمسه؟ كان جوابه ليس كل موجود تراه أو نلمسه كالروح، فالروح موجودة لا ترى ولا تمس.
جره هذا إلى مجابهة داخلية هل يرى الله يوم القيامة أم لا؟ انحاز إلى نتائج كلامه، فنفى الرؤية.
طبعا تطور الأمر إلى مواضع عديدة منها هل الله في مكان ام في كل مكان ام منزه عن المكان وما لحق ذلك من مجابهات داخلية.
الأمر شبيه هنا وأعني علم الكلام بصراع سياسي: تحاول دولة ما في صراعها الحصول على امتيازات، تستفيد من خصومها سياسيا بقدر جهدها في قتالهم، وتحرص ألا يعارض اتفاقها شعاراتها المعلنة، وإلا فربما تطور الأمر إلى مجابهة داخلية بل قد يصل إلى اتهامها بالخيانة لصالح الأعداء!
كم تقدر أن تفحم خصمك بدون أن تكون لوازم الإفحام نافية لمضمون الإيمان؟ كان هذا هاجس كثير من الفرق الدينية، ومحل خصوماتها ومزايداتها فيما بينها.
نعود إلى الردود العصرية إن صحت العبارة فقد جاءت هي الأخرى لتوحد (الفرق الإسلامية) تحت راية واحدة تتناسى فيه خصوماتها وهي قتال الإلحاد.
مع العلم بأن جهم بن صفوان لم يكن قتاله يصب في دحر أعداء أحمد بن حنبل بقدر ما يمكن تصنيفه على أنه في جبهة مضادة، اليوم يحاول كثير من محاربي الإلحاد وضع ابن حنبل وجهم في مواجهة عدوهم السمنية!!
إنها صرخة تذكرنا بشعار الجامعة الإسلامية الذي رفعه السلطان عبد الحميد في وقت التفتت والتآكل!
إنها راية وإن كان الغرض منها الدفاع عن الإيمان لكنها في نفس الوقت تكشف عن حالة من الضعف والتفتت الداخلي داخل الصف (المؤمن)!
علم الكلام الذي وضع جهم فيه بصمته في الكلي غير المرئي، غير المتحيز، الذي فتح الخيارات على موجود بلا مكان، والذي وجدت تبريراته الفلسفية عند أرسطو وقت الترجمة، وتوزعت الفرق لظروف مادية ومصلحية في حاشيته، أشبه بترسانة عسكرية من القرون الوسطى، موزعة على جنود مختلفين لمواجهة ترسانات عسكرية في القرن الواحد والعشرين!
إنه ضعف فلسفي وتفتت في الصف يكشف عن الانسداد في الوعي بعد الهزة العنيفة التي أصابت ما سمي يوما (صحوة) و(مشروعا)!
ويبقى تحديد الدين كونه الأصل في تحديد الإلحاد ملحا.

وبما أن الفرق والأحزاب تعتبر نفسها منظومة مغلقة تم إنجازها في القرون الوسطى فلا يتوقع إلا ترديد ما كان باعتبار (ليس في الإمكان أفضل مما كان)، بل لا نبالغ إن قلنا إن تلك الفرق تتعامى عن كل الظروف المادية التي نشأت في إطارها وتعتبر مقالاتها أزلية باعتبارها الحق.
ولطبيعة العصر سنجد اقتباسات لفلاسفة عصريين كلمة هنا وأخرى هناك ولكنها تحشية لمتن من القرون الوسطى تفهم في إطاره لا العكس.
وليست هذه سوى إضاءة، قابلة للتعديل والتطوير.
مودتي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق