7.04.2016

إضاءة في الواقعية وتغيير الواقع

إضاءة في الواقعية وتغيير الواقع


لعل هذا أحد المواضيع الحساسة جدا والتي تشغل حيزا في (اللا مفكر فيه) في عقل كثير من المسلمين، الواقعية وتغيير الواقع، لعل هذا الموضوع من أوائل المواضيع التي استرعت انتباهي في النقد، فما هو سر الواقعية وكيف نوفق بينها وبين السعي لتغيير الواقع، هذا يشغل حيزا كبيرا من الفلسفة، والتحليل والنقد.
كوني بشرا فيعني أن القصور ملازم لي، ولذا فالإنسان يمر بمراحل في حياته يتأرجح بين الواقعية التي قد لا تهدف للتغيير وبين المثالية الساعية نحو تغيير أفضل، لكن الغلو في المثالية يدعو إلى العيش في أحلام يقظة! والتماهي مع الواقع يقود لا محالة إلى التبرير! فكيف نتناول هذه العقبة الملازمة للفكر!
كثيرا ما يقال الواقع هو المعاش حاليا، لكن أيضا تختلف النظرة للواقع فالواقع واحد لكن فهمه وتصوره وتحليله يختلف باختلاف الطرق في النظر إليه، كذا المثالية التي ترسم مثالا للسعي نحو تغييره.
لن يمكن فهم هذه الإشكالية (الواقعية / السعي لتغيير الواقع) إلا بالنقد الذاتي والرحلة إلى النفس والفكر والتحليل وبذل أطنان من السعرات في الفكر وإعماله.
هذا يقودنا إلى ساحة ملغومة في التفكير عند كثير من الإسلاميين، إذ تحدث إشكالية مفادها التالي: نقد الذات ماذا يعني؟ هل هو نقد الإسلام أم الدعاة له! وما الحد الفاصل بين الأمرين!؟
هنا لا بد من رحلة في الأصول للتفريق بين الشرعي والواقعي الذي يمكن نقده، ولذا نجد مثلا في أصول الفقه: قول بعض الصحابة ليس بحجة إذا وجد مخالف منهم، كذا نجد الحديث عن الإجماع والتفريق بين القطعي والظني، كذا نجد القول بانقطاع التشريع بوفاة النبي صلى الله عليه واله وسلم، هذه أسس مهمة تزودنا بمنهج في رحلة النقد.
ولذا فنقد بعض الصحابة وتخطيء بعضهم لا يعني نقدا للإسلام إذ وجود مخالف في المسألة ورب مسألة ظن الناس فيها الإجماع وهي محل خلاف.
ثم المسألة الأخرى المهمة تحليل الإجماع هل يدل على الوجوب إذا تم تسليمه إم الأفضلية أم ماذا في احتمالات دلالاته؟
إذا تم تناول هذه المسألة فسنكون واثقين من الجرأة في النقد المعاصر للذات كونها قد تكونت عبر تراث كبير من المسلمات التي تحتاج إلى إعادة النظر.
هذه المنطقة صعبة إذ كثير من العقول لا تفرق بين الداعية والمدعو له وهو الإسلام فتقع في إشكالية تبريرية لمسائل جمة بحجة الدفاع عن الإسلام وينتهي الأمر بتنزيه تعصيمي للأشخاص أو الهيئات، النقد لا يعني الحكم بالكفر أو الفسق وقد سبق تناول هذه المسالة في مقال بعنوان (منهجية لا نؤثم ولا نعصم) كذا فإن النقد لا يعني التخلي عن المسميات الشرعية وقد تم تناول هذه القضية في مقال بعنوان (إضاءة في موضوع التكفير).
في أتون النقد للدين وجدت كثير من الكتابات التبريرية، لأمور محكومة بالزمان والمكان كزواج النبي صلى الله عليه واله وسلم بأكثر من امرأة منهن واحدة بعمر 9 سنوات، وأيضا وقع التبرير بغمرة الدفاع عن الإسلام لسلوك طوائف ودول قديمة لا تمت للتشريع بصلة، أو جماعات داعية اليوم للإسلام.
فإذا استفحل النقد في الذهن سنجد أن الواقعية لا تعني التخلي عن الثابت في الفكر بل تحديد ما هو الثابت وما هو المتغير، ما هو القطعي وما هو الظني، ثم ما هو الديني وما هو الدنيوي فالثاني يخضع للتجربة والخطأ والاول وحي رباني معصوم.
كثير من الدعاة لما لم يستقر في ذهنه هذا النهج توالى عقله بالتبرير، ولربما جعل الأمور العامة شخصية من نقدها فقد نال من كرامته! وسهل عليه التبرير (اللا منطقي) بعبارات قد يمل السامع منها إذا لم تحدد ماهياتها المقصودة مثل (الحق، العدل، الخير، المساواة) ونحو هذا.
ولذا فإن من صيغ الهروب من السؤال التعميم في مورد التخصيص، كمن يسأل عن مشكلة محددة فيكون الجواب (الإسلام هو الحل)! جميل وماذا يقول فهمك أنت للإسلام في هذه المسألة هنا نجد حالا أشبه بالهروب ولربما وصل الانهزام إلى حد الواقعية المبررة لأخطاء حالية.
الواقع لا بد من تحليله، ولما كان الواقع كل مشتمل على (ديني - غير ديني) بمعنى دنيوي أيضا فلم يكن التحليل مستثنيا للمناهج الدنيوية التي أنتجتها عقول بشرية، مثال على ذلك، لو سئل أحدهم ما سبب خسارة أبيك في تجارته، لن تصلح الإجابة الدينية البحتة هنا! كالقول لم يكن يتق الله! لا بد من تحديد الخلل بوسائل دنيوية ودينية معا، بذكر الأسباب الواقعية الكائنة خارج الذهن الحاكم على الواقع، ولا يخلوا أيضا من حكم ديني فالمفاسد مكروهة بنظر الشرع لكن لا يمكن معرفتها بمجرد الشرع فحسب وهنا كان للعقل نصيب وافر في القضية التحليلية والاستعانة بالأرقام لمعرفة منطق الربح والخسارة.
السعي نحو التغيير لا بد أن ينطلق من إحادثيات واقعية، ويكأنه انطلاق من الأرض نحو أرضية أفضل، لا حلول فضائية حالمة! ولا ننظير مجرد، في كل مرحلة لا بد من التققيم الذاتي وإعادة النقد، بل ونقد النقد، فالفكر محكوم بالزمان والمكان، وتغير الزمان يستدعي تغيرا في الأفكار، خذ هذا المثال أنت الآن في الليل مثلا اكتب كلمة ليل في دفتر، وفي الصباح ارجع إلى الورقة ستجد كلمة ليل إنه تقييد لما تصوره عقلك وانعكس فيه عبر عملية معقدة ثم تم عكسه إلى الخارج، لكن في الواقع الخارجي لم تعد الدنيا ليل، ولذا فلابد من إعادة الفكر، قد يقول قائل لكن الليل سيعود بعد النهار هذا صحيح لكنه ليس الليل الأول البتة! ولذا فالورقة التي دونت بها كلمة ليل كانت قراءة لواقع قبل يومين وتصورك له محكوم بزمان غير الليل الثاني، فقد يكون في الثاني الليل أشد حلكة! أو القمر مستديرا ونحو هذا.
لا أطيل إرهاقكم أكثر لكن نحن بحاجة للموازنة بين الواقعية وتغيير الواقع. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق