7.04.2016

نظرة فلسفية لمنهجين في الفقه!

7 مارس 2015

نظرة فلسفية لمنهجين في الفقه!

لا نتحدث هنا عن فقه وأحكام وقواعد، بل عن نظرة تحليلية لمناهج فلسفية في عقلية الفقيه، ولا نتحدث هنا عن المناهج التي يتبعها الفقيه (أصول الفقه) مثلا، بل كيفية توظيفه للأصول في عملية الإفتاء وهي التي ننظر إليها كتابع لمنهج فلسفي بوعي أو دون وعي.
ونستطيع أن نرى أن المواقف النظرية في (العقائد) تنعكس تماما على الفقه، إن أخلص (وأشدد على هذا) الفقيه لأصوله النظرية في العقائد.
وقد كان هيغل يعتبر الموقف العقائدي من صميم نظرية المعرفة أي هو حسم لها (بلغة مختلفة عن اللغة الفلسفية البحتة).
وكما أن الفلسفات انقسمت إلى (مثالية – ومادية) فكذلك نظرة الفقهاء، فقسم حرص على عدم التناقض في قياسه (النظري) وإن لم يكن مبنيا على أصل (مادي = ما هو ثابت خارج الذهن) ثابت وهو هنا يمكن أن يجعل (الحديث) الذي هو تسجيل لثبات قول أو فعل مرفوعا.
ويعتبر عبد السلام بن تيمية (أبو البركات) المسألة الأساسية في الخلاف بين أهل الرأي والحديث (في الفقه) أن اهل الرأي يقيسون قبل استنفاد البحث عن حديث في المسألة، فتجدهم يطردون قياسهم دون كمال هذا البحث (انظر: المسودة في أصول الفقه).
أي قبل العثور على مستند (خارج الذهن) للحكم، ويقصد بالخارج هنا الحديث المروي بسنده بعد الحكم بصحته.
بخلاف أهل الحديث الذين همهم الأكبر العثور على الحكم فيما هو ثابت خارج ذهن الفقيه (خارج الذهن) عن طريق الرواية والدراية.
هذا جانب في المسألة، الجانب الآخر هو الإنقسام في نفس المدرسة (أو درجة تطورها).
فكما أن الفلسفة انقسمت إلى ميتافيزيقية = بالمعنى المتأخر أي التجريدي الذي يبحث عن طريق التأمل، بمعزل عن غيرها من المسائل.
وهناك المنهج الديلكتيكي = الذي ينظر الى المسألة بارتباطها بالماضي والحاضر والمستقبل، الأسباب والنتائج وغيرها.
فكذلك نرى الأمر في عقليات الفقهاء، فهناك من سعى الى بحث المسائل وتقريرها، أو معارضتها فحسب.
مثلا يأتي من يحرم الموسيقى (المعازف) مثلا ويعارضه آخر باستحلالها!
ولا يكادان يخرجان عن (إما هذا أو هذا)...
وهناك من نظر مفرقا بين البحث التجريدي الميتافيزيقي (التأملي = الفردي) وبين (النظرة الديلكتيكية) سواء في البحث بضرورة البحث في المعارض وتطور النظرة الصحيحة كنتيجة لحوار بين التناقضات في الأقوال الفقهية، ومن هنا نجد (أحمد بن تيمية) يعتبر أن من عرف قول فقيه فحسب ودليله = عاميا!
أي لم يرتفع إلى مرتبة الترجيح والتزييف والتصحيح.
وهذا المنهج ينطبق على التفريق بين الحكم بذاته، ومع غيره، ولذا تجد بحث (المحرم لغيره = يجوز فعله للحاجة أو المصلحة) والتفريق بين جنس الحكم وعينه حسب ظروفه وواقعه.
وكمثال على هذا تفصيل ابن تيمية بين جنس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبين المعين منه، ففي المعين قد يستلزم الأمر بالمعروف منكرا، وهنا يبحث ابن تيمية درجات هذا الاستلزام ويفرق في الأمر والنهي بحسب تغير الظروف (المادية) في كلام ماتع في رسالته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فيقول:
« إذا كان الشخص والطائفة جامعين بين معروف ومنكر، بحيث لا يفرقون بينهما، بل إما أن يفعلوهما جميعا، أو يتركوهما جميعا، لم يجز أن يؤمروا بمعروف ولا أن ينهوا عن منكر، بل ينظر فإذا كان المعروف أكثر أمر به، وإن استلزم ما هو دونه من المنكر، ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه، بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله، والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وزوال فعل الحسنات.
وإن كان المنكر أغلب، نهي عنه. وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف، ويكون الأمر بذلك بالمعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمرا بمنكر، وسعيا في معصية الله ورسوله.
وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما، فتارة يصلح الأمر، وتارة يصلح النهي، وتارة لا يصلح أمر ولا نهي حيث كان المعروف والمنكر متلازمين، وذلك في الأمور المعينة الواقعة.
أما من حيث النوع فيؤمر بالمعروف مطلقا، وينهى عن المنكر مطلقا.»

(الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أحمد بن تيمية، تحقيق: صلاح الدين المنجد، دار الكتاب الجديد، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى: 1976، ص 21 - 22.)
والأمر يحتاج إلى بسط، لكن هذا ما يسمح به المقام..
مودتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق