7.04.2016

نقد السلفية

يوليوز 2015

نقد السلفية

0

بالنسبة لنقد السلفيين، يتوقف البعض طويلا عند موضوع الاسم، لحساسيته، فقد يفهم منه نقد السلف الأوائل كالصحابة! على ان هذا ليس مقصودا حتما وليس لازما، بل لا مبرر له، فلما ننتقد فرقا واحزابا تذكر آيات من القرآن في أعلامها! وبياناتها! هل يقبل من أحد أن يقول أنتم تنتقدون قوله تعالى (الا ان حزب الله هم الغالبون) مثلا!
الموضوع ليس في العناوين، العبرة بالمعاني ولا مشاحة في الاصطلاح، ولم أختر العنوان (ادعياء السلفية) لأن هذا الوصف صار مستهلكا، وكثيرون يقولون (نحن سلفيون حقا اذن لم يقصدنا!)، ثم لو قيل بان السلفية منهج فليس كل من اخطأ يخرج كليا عن وصفها! فالمسلم يبقى مسلما ولو عصى فكيف بأوصاف أخص منه.
ولعل وصفهم بأدعياء يعطي معنى يفيد بحق القائل بفصلهم من (السلفية) التي ينتسبون اليها! وهذا يحرف مسار النقد بعيدا، ثم قد يفهم منه: بعض الشباب لا الشيوخ! ارى ان هذه المقدمة لا حاجة لها، لكنها فضلة احترازية فحسب.
على ان ابن تيمية يجعل اللام في الكلام ترد للعهد ابتداء لا للجنس. فالحديث اذن عن السلفيين الذين نعهدهم ممن ينطبق عليهم النقد، وإلا فقد خرجوا بحيث لم يعمهم اللفظ ابتداء!
وأعتبر أن مسار النقد لما يوصف بالسلفية كما قررت مرارا، لا بد ان ينطلق من الواقع ثم يمتد الى الخلف لا العكس لأسباب منهجية ليس هذا محل ذكرها.
وأشعر انني سايرت المماحكات اللفظية هنا طويلا فاشرع بالتمهيد لما بعد ان شاء الله

1 ليس هذا وقت نقد ومراجعة! فالحرب مستعرة ولا تكن عونا علينا!

كأني أسمع هذا الاعتراض، إنه مؤثر، خانق، مخوّن!
الحالة التي تكمم اي نقد باسم الحرب هي حالة استبداد في أبشع صورها، ثم نفسية الحرب الكونية! بسبب عدة فرق هنا وهناك تحتاج طويلا الى وقفة!
أية حرب هذه!؟ بالمناسبة الماركسية مثلا كانت فلسفة رافضة لفلسفات عصرها، نقدية، تدميرية بلغة اخرى = مقاتلة بتعبير بليخانوف.
لكنها كانت تجعل من النقد الذاتي أداة تطويرية، وبحق لما تلاشى هذا النقد كانت هذه علامة على التدمير الذاتي!
أي حرب يا صديقي!
العالم دخل حربين عالميتين وكان على وشك الثالثة! وتصادمت فلسفات القرن العشرين تصادم الند بالند في كل فروع العلوم الانسانية، وأنت تتحدث عن حرب! إنها عقلية السيطرة على شارع في قتال أهلي! وينظر وكأنه سيطر على عالم كامل! ولم يفقه بعد دلالة كلمة حرب!
على أي حال، فلا يعنيني هذا كله، ولست هنا لأمارس السياسية، وعليك بالنقد نفسه بقطع النظر عن اي توظيف له، وما تسمعه هنا ان لم ترغب بسماعه فلا يعني انه غير موجود، وعقلية الطفل فحسب هي تغطية وجهه إن خاف من شيء!

2 لا يحتاج أي نقد صحيح لأي تمهيد يتألف القلوب!

لا يعني هذا أنها ليست مهمة، لكنه فقط يعني انه ليس داخلا في النقد الذي همه العصف العقلي لا العاطفي!، همه الموصول لأكبر قدر من الدقة الموضوعية، بقطع النظر عن التأثير من عدمه، الإقناع من عدمه، ويكفي ان اضاء جانبا من الحقيقة، الحقيقة نفسها! أما التأثير فذلك شأن آخر.
ولذا فلن اذكر اي تمهيد يستجدي عدم الاعتراض (كنحن من بيت واحد أو منهج واحد أو غير ذلك مما لا افهمه تماما) وأذكر بكلمة لابن الجوزي = العبرة بالقول لا بالقائل.
وأي كتاب يصنفه القارئ على أنه (سلفي) في نقد موجه لآخر مخالف للمنهج الذي يراه صحيحا، له مقدمة يعتذر فيها الكاتب غالبا بأعذار عن الأسلوب، أو حدة النقد، أو تضعيف القول حتى ولو صدر عن رجل عظيم، فاختصارا للوقت ليعتبر القارئ ما قيل في بعض هذه الكتب مقدمة هنا! بدل الاعادة والتكرار.

3 قال: (لسنا مبتدعة لأننا سلفيون)!

كان لنا زميل في كلية الشرعية، ليس بذي جهد يذكر على صعيد طلب العلم الشرعي، وفجأة لبس الغترة، وأطلق لحيته، وبعد أيام قليلة سافر = أسبوعا لـ (دورة علمية)، ورجع من تلك الدورة، لا يتحدث إلا الفصحى مع العامة، وإن خالفته في شيء، تجهم، وقال = حروري! وكنت كثيرا ما امازحه فإن سفعه الغضب أمسكت عن المزاح!
وفي يوم من الايام ماتت جدته، فكتب على صفحته معزيا ما معناه: يا جدتي الغالية رحمك الله وسلمي على جدي وباقي العائلة!، فقلت لماذا لا اثير حفيظته قليلا!، وبعد ان سلمت عليه على الخاص، قلت له: أنت تدعو الميتة هنا أم ماذا!؟ وما حكاية هذه الرسائل إلى عالم الأموات! أليست بدعة؟
المهم، الرجل فقد عقله! ولم أتوقع الحدية المبالغ فيها في رده! وكان مما قاله (لسنا مبتدعة لأننا سلفيون، نتبع السلف، وبما أننا نتبع السلف فلن نبتدع أبدا).. هذا هو الشاهد من القصة المملة!، على ان هذه على ما اذكر كانت اخر مرة أحادثه، وخصوصا انه سافر لدورة علمية أخرى! ولم أعد من قائمة أصدقائه!!.
لسنا مبتدعة لأننا سلفيون، ولماذا انتم سلفيون لاننا لسنا مبتدعة هذا الدور الـ لا متناهي يكشف جانبا مهما في تفكير كثير من الذين لن نخذل طموحهم في تسميتهم بالسلفيين.
هنا يضحي الانتساب للسلفية معنى تنزيهيا عن الخطأ، عن أي نقد للناس، هو مستثنى من كل ما قيل ويقال في المبتدعة! إنه سلفي إذن هو ليس بمبتدع!
إلى أي حد يحجب هذا الانتساب عن اعين اصحابه، انهم مثل غيرهم؟ بشر كباقي البشرية!
هذا الانتساب يمكن أن نفهم منه وكما في القصة المذكورة، وجود دائرة مغلقة هي التي يقبل منها النصيحة، وهي دائرة من يصنفه هو بـ (السلفيين).
وأية نصيحة حتى ولو كانت مطابقة 100% لما قد يسمعه هو من داخل تلك الدائرة، لن تقبل.
الأمر الآخر الفناء بالكل! فكل نقد له هو نقد على السلفيين، فاتهامه ببدعة مثلا هو اتهام للمجموع، والمجموع بنظره هم السلف الصالح واولهم الصحابة!
نتكلم عن عقلية هنا متوحدة مع الحق، نسبة الخطأ فيها بنظرهم = 0!
وهذا أول عائق أمام أي تفكير نقدي، وأي حوار جدي مع الآخر!
قبل أن أختم هذا المنشور، أقول = لا يوجد عند هذه الفئة مساحة للمزاح! فكلما كان يخرج (دورة علمية) كلما كانت تقل دائرة تحمّل المزاح معه! وكل شيء يحمل على محمل الجد أكثر فأكثر! ومن بينها رسالتي تلك! وهذا له تعلق بتشوه الجانب الجمالي والتواصلي الذي يترجم أن الآخر يمزح! ولا يحمل سيفا! وهذا النقطة مهمة بنظري سأتعرض لها لاحقا.

4 بين الانتساب وأهلية الدعوة!

خرج صاحبنا لأسبوع في دورة علمية، رجع داعيا إلى منهج يعتبره حقا، وجديدا على غيره، يذكر أسماء لها تراث كبير، كيف هضم منهجا انتشر في كل هذه الكتب بأسبوع!
هذه من المشكلات التي تواجه هذا النوع من (السلفي)، عندما يبدأ الدعوة في اللحظة التي يبدأ فيها (طلب العلم)!
تسأله ما قولكم في المذاهب مثلا؟ يقول لك لا نأخذ إلا بالكتاب والسنة وإجماع السلف، ونرد الباطل منها.
يا صديقي (نأخذ)؟ هذه جماعية أم فردية؟
يقصد نحن السلفيين.
أها وأنت هل ترجع للسلفيين الآخرين أم لوحدك ستقول لنا ما يوافق الحق من المذاهب؟
بل أعود لمشايخنا الأفاضل!
أها، مشايخنا! ولماذا لا نرجع لمشايخنا الأئمة الأربعة هؤلاء! بدل مشايخك! لاحظ هنا مشكلة أنه يدعو لمنهج يحارب التقليد وهو مجرد مقلد لكن هذه المرة ليس لمذهب من المذاهب التي تعاقب عليها علماءُ أهل لهذا الوصف عبر قرون وخدموها، بل لقوم لربما نسمع باسمهم لأول مرة، لا يزال يجهد لإثبات جدارتهم أمام مستمعيه، وهم ما بين ناف ومتشكك، ومن لا يعنيه الأمر!
فلما ينتسب الواحد منهم الى (السلفية) لا يعرف أنه ليس أهلا للدعوة إليها بعد.
تجده يردد تقريرات غيره منهم، لا يعرف خلافا في المسائل، وليس عنده القدرة أصلا على الترجيح أو التضعيف لو فرض أنه اطلع على ذلك القول!
والمعضلة أنه لا يعترف بأن ما يقوم به حاليا لا يخرج عن وصف التقليد، بل يسميه بأسماء أخرى مثلا يقول لك اتباع! عرفت الدليل فتبعته، على ان الدليل = هو ما يتوصل بصحيح النظر فيه الى مطلوب خبري، وهذا لا أهلية عنده للنظر الصحيح فيه!، ولذا تجد استدلالات مضطربة!
فهو يحسب انه بقراءة حديث صار مستدلا.
وهذا التعجل في (الدعوة) والإفتاء، يجعله يترجم وصفه بطالب علم على انه يعني أنه عالم!

5 كونه سلفيا لا يلزم منه أنه ليس عاميا

وهذا يفيد معرفة انه لا تلازم بين الارتفاع عن العامية في العلوم الشرعية، وبين الانتساب للسلفية، فكم من (سلفي) مقلد عامي يزيد عن باقي العوام بعدم معرفته قدر نفسه! فتراه يهجم على المعضلات، ويجرح فلانا ويعدل آخر! ويتهم كبار علماء المذاهب بالتقليد والجمود!
ولو نظرت إلى مطالعاته لرأيت نتفا هنا وهناك.
والمعضلة أنك تجدهم يمضون 10 سنوات، لا يزالون في شرح كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب، وكشف الشبهات! يقرؤون مختارات من هنا وهناك، ويصفون هذا التبطل بأنه طلب علم!!
وتضيع الأوقات وهو (يطلب العلم)!
ولعله يتندر بكلام عالم من العلماء يمنع الناس من الاجتهاد، ويوصيهم باتباع مذهب من المذاهب الأربعة، على أن ذلك العالم ما قال ذلك إلا لرؤيته حال المتصدرين للاجتهاد من أمثال هؤلاء!
وفي بعض كلام ابن تيمية أن الأقوال المختلفة قد تجتمع باعتبار الحال قدرة وعجزا.
فلما رأى ذلك العالم عجز الناس عن الاجتهاد، وتصدر البطالين له، أوصاهم باتباع بمذهب من المذاهب، حتى لا ينفرط العقد! فهذا الرجل الذي يجتهد دون إحكام لأصول الاجتهاد، إن أصاب مرة أخطأ مرات، والعلماء يقولون إن من أصاب بغير طريق الاجتهاد فهو موزور، إذ كانت موافقته عرضية فحسب!
ومن هنا تجد أن كثيرا من المسائل التي يقررونها ليست بطلب علم على وجه الحقيقة! بل كثير منها لا تعدو أن تكون شرحا لضروريات الإسلام ويفنون أعمارهم في دراستها! إن كانوا قد أصابوها تماما!
ولذا يقول العلماء: الاجتهاد لا يكون في الضروريات والقطعيات! فعلام يحسب الواحد من هؤلاء أنه طالب علم! وماذا درس في الحقيقة؟ ان يعتقد ان الله هو المستحق وحده للعبادة! مثلا؟ أهذا طلب علم؟
هذا ترتيب لما يعرفه العامة بجمل منتظمة فحسب، يعرفها العامي، لكن لا يحسن التعبير هنا.
وإن كان كثير من الناس قد انحرفوا حتى أنهم لم يعودوا يعرفون أبجديات الإسلام، فهذا صحيح، لكن لا يجعل من جاهر به ودرسه عالما متفننا! بل لعله عامي متمسك بدينه! فكيف إذا رفع إلى أعلى المناصب بألقاب المحبين والأتباع!؟

6 لسلفية بين الوصف العام وبين الجزئي...

من الأمور التي يغفل عنها كثير من المنتسبين إلى السلفية، أنه لا تلازم بين اتباع السلف في قول، وبين اتباعهم في قول آخر! فلو تم التسليم بأنه وافق الحق في مسألة، فلا يعني أنه وافقهم في غيرها من المسائل! فهذا الرجل العامي الذي اتبعهم وحسب نفسه طالب علم من اللحظة الأولى، لنفرض انه وافق السلف في مسألة جذبته وحررها وحاول فهمها جيدا ووجد أنهم على حق فيها، فلا يعني هذا ان باقي ما قرروه سلفي بمعنى يأخذ بإجماع السلف الأوائل.
فلما يقول إنه سلفي! يحسب أن كل المسائل التي يقول بها، توافق السلف، وهو علميا لم يحرر إلا مسائل معدودة (هذا إن فعل).
هذا كله في باب، باب آخر وهو أن المسائل الخلافية في الصدر الأول اذا قال بقول من الأقوال فيها، ونسب نفسه إلى أنه سلفي، تجد وكأنه يقول بأن القول الآخر ليس سلفيا! وهنا معضلة النظر إلى المسائل على أنها كلها باب واحد!
ولذا وجدت بعضهم يقول لا نؤول النصوص أبدا إلا بالإجماع! وهذا جهل فظيع، ففي الفقه يتم تأويل النصوص بكثير غير هذا، في مسائل خلافية كثيرة كقول ابن عباس بظاهر حديث إنما الربا في النسيئة وأوله الباقون على أنه الربا الأشد والأكثر تحريما مع تحريم ربا الفضل، لباقي النصوص، لكن الرجل حفظ شيئا يقال في باب من مباحث الصفات مثلا وزج محفوظاته في الفقهيات!
هذا التعميم لمصطلح سلفي جعلهم يغفلون تعدد المناهج المعرفية في المنتسبين إلى السلفية، وأذكر مرة قابلت أحدهم وسألته: ما هو مذهب ابن تيمية؟ قال لا مذهب له، ابن القيم؟ لا مذهب لهما إلا الدليل!
قلت له لكنهما يقولان كثيرا قال الأصحاب، أصحابنا! ماذا يقصدان؟ قال لا يقصدان مذهبا بعينه! الم يشرح ابن تيمية العمدة واقواله تذكر عند الحنابلة كابن مفلح والمرداوي وابن النجار؟ وترجمته سجلها ابن رجب في الذيل؟ قال كل هذا لا يثبت ان له مذهبا!
العثيمين هل تعرف أن له شرحا على زاد المستقنع والكافي؟ هل رأيته ينتسب لغير الحنابلة؟ قال ابدا لا مذهب له بل يتبع الدليل فحسب! قلت له: إذن كلهم مثل الألباني؟ قال نعم! منهج واحد.
هذا يكشف عن حالة من الانغلاق والثقة الزائدة بالآراء، على حساب الوقائع!
عملية الالتزام بما تم حفظه تجعلهم يفقدون القدرة على بناء منهج رصين متكامل، مثلا: كان من أهم الأسس المنهجية التي حارب فيها ابن تيمية تأويل الفرق، وضع ضوابط للتأويل منها: أن المقصود منه = فهم مراد المتكلم، لا معرفة ما يتسع له الكلام وما يمكن أن يحتمله إذ كل كلام يمكن أن يؤول!، هذا الضابط يؤكد عليه الشافعي في الرسالة والأم من قبل.
يصعب على (السلفي) التقليدي مثلا الالتزام بهذا وهو نفسه يقول لك ثبت تحريم التصوير الفوتوغرافي بالنص على لعن المصورين! لمجرد المشابهة بين الكلمة الاصطلاحية هذه وبين عبارة النص، والتي يكون من غير المنهجي اعتبار أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قصدها كونها لم تكون موجودة! ولم يفهمها المخاطبون بهذا النص، حتى ولو وقع التشابه في العبارات!
على ان هذه المسألة كانت لفترة طويلة تسوق على ان مخالفها مخالف للسلف الصالح!! (وأولهم الصحابة طبيعة الحال)!! ولم يتم مراجعة الأسس التي تمنع تكرار التجربة هذه أبدا!!
يتبع ان شاء الله

7 بين الحكم والقدرة على التعامل معه!

يشيع في أوساط التيارات (السلفية) التوقف عند الحكم وكأنه الغاية القصوى، لا بداية المطلوب!
فتجد الغاية أن يحدد أن القول الفلاني بدعة، أو الفرقة الفلانية مبتدعة، أو المنطق مثلا ضلال، علم الكلام مرفوض وهكذا..
وعلى تسليم صحة تلك الأحكام – التي غالبا ما تجد التحريم والتبديع قبل تصور واقعها تماما – فهل هذه الأحكام هي النهاية، حتى يتوقفوا عندها أم مجرد بداية ينطلقون منها؟ الواقع أنهم توقفوا عند إطلاق تلك الأحكام، ولم يفرقوا بين الحكم ببدعية شيء أو تحريمه، وبين مجالدته، وحسبوا أن مجالدته تكون فحسب بمجرد الحكم! كقوم يحددون أن دولة أخرى معادية لهم فحسب! ويحسبون أنهم بهذا التحديد سيفتحونها أو يدفعون ضررها!!
وهذا يظهر جليا، عند الحديث عن تيارات لا تسلم لهم بالأصول التي ينطلقون منها، ولا تعبأ بأحكامهم عليها، ذلك الضعف المزري في نقدها، إذ يكتفون بالتبديع والتفسيق ونحوه! ولنتخيل أن أدوات ابن تيمية النقدية للمنطق مثلا كانت لاعتباره بدعة وضلال فحسب ولم يكن عنده قدرة على تفكيك ما تم عرضه ومعرفة تأريخه وتوجيه انتقادات فلسفية متماسكة له، وقتها لم يكن الرجل هو الرجل الذي نعرفه!
والتوقف عند الأحكام حجب عنهم أي قدرة على فهم الاختلافات الجوهرية بين ما يساوون بينه وبين غيره في الحكم! فأضحى عندهم التابع للفلسفة الماركسية مثلا مماثلا لليبرالي الذي يتبع الفلسفات البراغماتية مثلا لاستوائهما بالبعد عن الإسلام ـ والضلال عن سبيله بنظرهم، إذ أضحى من غير المجدي دراسة الفروق وتعلمها فهي ليست علما شرعيا، وفيها إضاعة للوقت!
وهذا يجعل منهم فاقدين لأي قدرة على فهم التناقضات في معارضيهم فيما بينهم، وعلى أي تفكير سياسي سوي.
وهذا يجرنا للحديث عن قفدان الأدوات النقدية المتنوعة، وسأتعرض له لاحقا ان شاء الله.
انحصر تعاملهم مع الواقع المرفوض بأدوات قليلة محصورة جدا (كلمة حسنةهجر المبتدع – الغلظة)! أدوات تجعل من الوسائل الاجتهادية قوالب جافة، تحولهم إلى آلات مبرمجة! لا إنسانا تفاعليا!
لذا كان التعامل بأخلاق إنسانية مشتركة، مع وجود خلاف عقدي وفكري، محل إشكال كبير، فهم على حد مقولة أحد الصوفية (إما توافق، وإما تفارق)!
لا يكاد يوجد خلاف حقيقي مع مودة وإحسان، وصداقة حقيقية، مع خلاف يحل بالحوار!، لذا انعزلوا عن الاستفادة من تجارب الآخرين ومعارفهم، وانحصرت تفاعلاتهم في ما بينهم غالبا.
إنها عملية الذوبان المطلق في المثال المطلوب، وتتعجب كيف يمكن لرجل منهم أن يقال له يحل لك الزواج بنصرانية مثلا! إذا كان تعامله هكذا مع المسلمين! بل كيف يكون لهذا الحكم مساحة في ذهنه؟!

8 صوفية السلفيين!

عادة عندما يسمع المنتسب الى السلفيين اسم الصوفية يرتفع عنده نبض التوتر!، وكل ما يذكر عنهم يصير محل تمحيص كبير يتتبع الضعيف والموضوع، يعمل بمعجم المناهي اللفظية، يتندر بما يذكر من كراماتهم، إذا قالوا ألفاظ التفخيم بحق شيخهم عجب لذلك ووصفه بالغلو، إذا استعملوا حرف النداء في شعر متوجع عليه، قال هذا خطاب أموات وهو شرك...
لكن عمليا هو أقام بنيانا صوفيا متكاملا، حول رموزه وأفكاره، من كرامات إلى استعمال (ياء النداء) ويحملها على (ياء الندبة) وهي معروفة مذكورة في ألفية ابن مالك وأسهب في شواهدها الشراح!
أذكر تلك الكلمة التي قالها بعضهم في وفاة ابن باز (هُدم ركن للدين)!!
أما الأشعار فبعضهم قال في بعض من سقطوا في أفغانستان: (النشيد غنته فرقة: أبناء طيبة، وتستطيع أن تجده على عدة مواقع سلفية: مثل موقع: طريق الإسلام):
ويزيدني الما عليك وحسرة ******* ان ليس قبرك قربنا بمكان
فيجيء من أرواحه وعبيره ******* ما قد يزيل صبابة الولهان
يا عاذلي صبرًا تمهل ساعة ***** لا تأتني باللوم لستُ بواني
يذكر بالتعظيم قصة الجني الذي كان يتتلمذ في دروس ابن باز، وكانت يده تطول وتقصر! ألم يذكرها ابن وهف في سؤالاته؟ وفي وقت يضعف قصة عام الحزن في كتب السيرة النبوية، ويجد أن التاريخ الإسلامي لم يعرف عام حزن، ولم يصح الإسناد في ذلك، تجد مقالات تصف العام الذي فقد فيه الألباني وابن باز بعام الحزن (عام فقد العلم والعلماء)!
ويستسيغها!
في يوم من الأيام دعاني أحد الأخوة إلى حضور دروس يعقدها الشيخ السلفي فلان، في ترجمة الإمام البخاري، وأصابني الفضول لأعرف ماذا يعرض في تلك الدروس، وذهبت إلى ذلك الدرس المهيب!
كان يقرأ ولا أقول يشرح من كتاب أغلب ظني (تحفة الإخباري في ترجمة البخاري).. وبدأ يذكر قصصا عجيبة، أتقزز تارة، وأستغرب تارة، لما توفي البخاري كان ماؤه ورديا فسألوا عنه فقيل هذا ماء الرهبان، لم يخرج في حلال ولا حرام!
كيف أخرجوا ماءه بعد موته! وما علاقة الوردية بكل هذا الهراء، وما علاقة عدم خروجه البتة! بفضيلة للرجل!
ولست ألوم المؤلف فهو رجل له عصره وزمانه، وبطبيعة الحال كان هذا حال الإخباريين والمحدثين يذكرون كل ما يسمعونه في الباب وقد يكون لفوائد تتعلق بالإسناد وبتكثير الشيوخ، بإثبات سماع أحدهم من الآخر ولقائه بآخر وهكذا، إلى آخر ما يعتذر به عنهم.. ولكل زمن دولة ورجال.
لكن التسبيحات والتعجبات في الحلقة، وتفخيم الشيخ جدا لهذا الكلام، وإسهابه في وصف ماء البخاري! لم يبق إلا أن يصيح في مستمعيه: صلوات على محمد وآل محمد!
هذا كان فيما يعتبر حلقة علم! ويريد من البشرية أن تجلس فيها وتتلمذ على هذا!
كانت هذه هي المرة الأولى والأخيرة التي أجالس فيها فضيلته، فليس الوقت هباء حتى يضيع في أمثال هذا، ولو أعطاني كتيبه هذا لقرأته لربما في وقت استظرافه مع السامعين!
سألت عن الوقت الذي أمضوه في مثل هذا، فكان ما يقارب الشهر!
ولربما أعطاهم إجازة بالكتاب! وبعدها يتخذ الصوفيون موضوع تندر من هؤلاء!

9 الإمام... والباقون رجال ونحن رجال!

كنت أستمع خطبة لأحدهم، كثير النقل عن ابن تيمية، يحشد خطبته من اقتباساته، من الالباني – ابن تيمية – ابن القيم وغيرهما، وكان يلفت انتباهي أمر يتردد في خطبه مرارا، (هذا الحديث رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد والدارقطني... وصححه الإمام الألباني)!
كلهم بدون ألقاب، لكن الألباني الأمام! قد يقال لكنه لم ينف الإمامة عنهم، ولا ينسب لساكت قول، وهذا صحيح، لكن هذا يسترعي دراسة تلك المخيلة عند هؤلاء.
ظل الأمر عندي لا يحمّل ما لا يحتمل حتى قابلت بعض القائلين عن أنفسهم بالسلفيين، وانتقد بعض الحاضرين قولا للألباني فجن جنونهم! وكان أحد الشباب من أشد المنفعلين!
وجلسنا سويا لأسمع تبريراته، وهو طري العود حديث عهد بالسلفيين، فقال لي: كيف يتطاول على سلفنا الصالح!
فقلت له سلفنا الصالح؟ أنت تقصد الألباني؟ قال نعم، هؤلاء هم من نشروا الإسلام في ربوع المعمورة!
فهمت حينها أن هذا المرء لا يعرف أن الألباني معاصر! ومن كثرة الأوصاف التي يسمعها منهم: الإمام، المجدد، البحر، الحبر، ناصر السنة...، حسب أنه من السلف الأول.
فقلت له الألباني في أي زمن عاش؟ فقال في زمن ابن تيمية وابن القيم!
هذا الأمر عام، فقد يكون في غير الألباني أيضا، لكن أركانه (وجود إمام أو بعض الأئمة والباقون رجال عاديون)!
هذا الأمر لربما ينطبق بقليل أو كثير على الأسماء نفسها: فرجل يسمي نفسه مثل أبو قتادة الأنصاري! يسمع باسمه العامي فيترضى عليه! ويحسب أن له علاقة بالصحابة رضوان الله عليهم!
فضلا عن الرسائل التي تحمل أسماء مسجوعة، يخيل للناس السذج أنها من قرون خلت ومؤلفها معاصر لعله لم يبلغ العشرين!
وفي وقت تجد هوسا بموضوع سد الذرائع، وحتى لا يغلو العامة بكذا، وحتى لا يصبح هنا كذا، تجدهم يغفلون عن هذا بشكل شبه تام!
في حين أن المخيلة العامة تساق إلى الخلط بين السلفيين والسلف الصالح رضوان الله عليهم!
لا تجد خطوات حقيقية نقدية لمنع هذا، بل تجد وكأن هذا من الغيرة المحمودة! بلغة أخرى تعصب تام!

10  ضعف الملكات النقدية!

أما عن ضعف الملكات النقدية فهذا أمر مستفحل، فالابتعاد عن المعارف المتنوعة، والانحصار في جانب ضيق من الكتب الشرعية كالحديث مستشر، لذا يصعب عليهم مثلا الاستفادة من كتب ابن تيمية التي تعرضت للفلسفة والكلام، بل يصعب أيضا فهم بحوثه وبحوث خصومه الأصولية.
(يذكر ابن وهف في سؤالاته لابن باز، أنه كان يطلب من غيره أن يقرأ عليه في فتاوى ابن تيمية، فإذا كان الأمر يتعلق ببحث كلامي أمره بتجاوزه فهو يقسي القلب)!
فما بالك في المعارف العصرية من فلسفة الى اجتماع الى سياسة ونحو هذا!
وهذا يجعل القدرات النقدية ضعيفة وضيقة، في سؤالات الحلبي للألباني يذكر سؤالا عن جبهة الإنقاذ وبرنامجها السياسي، فأثنى عليه، واعتبر أن كاتبيه من المختصين! وكان نقده يتمحور حول موضوع اللحية وحلقها وتقصيرها!
على أن البرنامج كان عبارة عن قولك: سنصلح الأمن، الاقتصاد، التعليم ونحو هذا! لا توجد أي صيغ واضحة، بل عمومها يصل حد الإبهام!
على أي حال، هنا يبرز توقفهم عند يجوز أن يفعله الإمام للمصلحة مثلا، وهذا مقيد بالمصلحة، وهذا للمصلحة!
فإن قيل لهم حددوا لنا المصلحة = يتوقف الأمر! ولا تجد جوابا، وبعضهم يصرح بأن ولاة الأمر أعلم بها أو أهل الخبرة!
على ان تحديد المصلحة والمفسدة في القضية المعينة يترتب عليه الكثير من المسائل، منها عدم جواز الطاعة في المفسدة المحققة!
قد يقال لكن هذا لأنهم يعلمون الشرع ولا يطلبون غيره!
هذا الكلام صحيح في شق، وهو في التعليم الفقهي المجرد، لكن سرعان ما يتحول هذا المعلم إلى سياسي في كثير من الأحيان، وأذكر درسا لمحمد عبد المقصود يقول فيه (نحن نعلمكم دينكم فقط لا تسألونا عن السياسة) وبسرعة شديدة كان له مواقف سياسية وصارت الناس تسأله عنها!
هنا الإشكال: إن لم يتم تحديد المناهج التي تحدد المصلحة فسيقول كل ما يشاء ويدعي أنها المصلحة! واليوم تقوم مناهج بحثية كبرى لتحديد الأصلح سياسيا أو اقتصاديا، وفلسفات لم يعرها السلفيون أي اهتمام! وكيف سيعيرها اهتماما وهو الذي لعله ينشد ما حفظه من شرح الطحاوية لابن ابي العز الحنفي:
كل العلوم سوى القرآن مشغلة *** إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
العلم ما كان فيه: قال حدثنا *** وما سوى ذاك وسواس الشياطين!

11 عدم إنزال الناس منازلهم.

التعالي عن الواقع يوقع غالبا في إشكالية عدم رؤيته، وهذا ما يحدث عندما ينطلق المرء بنفسية أستاذية نحو العالم، فهو يريد إسماعه لا سماعه، ويريد أن يقنعه لا أن يقتنع به، كتشبيه ذلك بأن الداعية (مثله مثل المؤذن يضع يديه في أذنيه وينادي حي على الفلاح)!
هذا يبدأ بوصف السلفي نفسه ابتداء بطالب علم، ولا يفرق بين طلبه العلم، وبين الدعوة لآرائه التي قد تكون محكومة إلى حد بعيد (بتصوراته التي لم يفحصها جيدا وفق قناعاته المعدودة، أو قل إن تلك القناعات المعدودة لا تغطي عدد التصورات الهائل الذي تلقاه من المحيط وتاريخه).
وهذا يجعله يتعامل مع الناس على أنهم في سلة واحدة، يجب أن يتتلمذوا عليه، يجب أن يصغوا لما يقول، فما يقوله هو ما يحتاجون إليه، لا العكس!
لا يفرق بين طالب علم قد يفوقه، وبين عامي صاحب صنعة، بين مفكر وبين جندي، بين عامل وبين أديب!
فيمكن أن يدعو رجلا مدرسا للفقه المقارن، إلى درس للشيخ فلان في أحكام الصيام مما يعتبره ذلك المدرس أبجديات! وإن كانت تفيد العامة.
هذا ليس مجرد سلوك عملي، بل يمتد إلى مواضع نظرية بنيت على هذا، ومن تلك المواضع الاستخفاف بجهود السابقين من علماء ومجتهدين بحجة: " كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وآله وسلم ".
على أن هذه الكلمة نفسها استدلال بقول مجتهد من الطراز الأول وهو الإمام مالك بن أنس!
هذه الكلمة عظيمة في موضعها، إلا أن كثيرا من الكلمات العظيمة توضع في غير موضعها، قائل هذه الكلمة مجتهد، يعرف الأدلة ومراتبها وله منهج متكامل في الأخذ والرد، ويقولها في تعامله مع المجتهدين أمثاله.
أما أن تضحي هذه الكلمة بخسا لمراتب العلماء فهذا ما لا تحتمله أبدا!
ومن ذلك: أن العامة والعلماء يتساوون في عدم العصمة، لكن يفترق العلماء عن غيرهم بالعلم والمعرفة، ويظهر هذا البخس لو حركنا هذه الكلمة إلى مواضع غير شرعية، كل يؤخذ منه ويرد في الطب، هذا يسلمه الأطباء، ويناقشون الأطباء دون الاحتجاج بقول لمجرد أنه نسب إلى طبيب، لكن لا يصح أن يزج العامي نفسه بينهم أو حتى طالب الطب المبتدئ ويقول كل يؤخذ من قوله ويرد في الطب، فهذا صحيح لكن لمن كان له أهلية.
هذه الكلمة بوضعها في غير سياقها، تغفل جهودا جبارة في الاستنباط، ويضحي الأمر ببساطة نص فحسب يتساوى في فهمه الجميع!
أين دور المؤصلين والمقعّدين والقائسين؟ ويأتي بعدها من يسمي نفسه (طالب علم) ويقول لك وإن قالها ابن تيمية، وإن قالها ابن القيم، وحتى لو قالها الأربعة، ولو قالها عمر فنحن لا نحتج بالرجال!
وقد يكون في المسألة نكتة خفية لا يفهمها هو ولا من يفاخر بالتلمذة على يديه! قد فهمها أولئك وبينوا مأخذهم عليها دون أن يقوى هو على فهمه، وكمثال على هذا في علم الحديث لو أعل حديثا كبار الأئمة كأحمد وابن المديني والبخاري وابي حاتم وأمثالهم، ووقفنا على تصحيح لمعاصر هل يقال هم رجال وهو رجل؟ أم يقال وقتها الكثير!؟ ويقال إن علم العلل علم لا يقدر عليه إلا الأفذاذ ونحو هذا!

12 مغالطة الاستدلال بالسلطة!

من الأمور المشتهرة بين (السلفيين) أن المذاهب يستدل لها لا بها، وكذلك المشايخ، وهذا حق، لكن تنتشر فيهم مغالطة الاستدلال بالسلطة، وهو اصطلاح لأهل المنطق، وهو نفس ما يقوله السلفيون هنا لكنه بلغة أخرى.
كان لنا صديق سافر إلى السعودية قديما، وكان قد ولد في الكويت، قبل أن يستقر في فلسطين، كثيرا ما كنت أسمعه يقول (قال سماحة الوالد عبد العزيز بن باز رحمه الله).
وهذا تعبير لم نألفه في بلادنا، أن يعبر عن العالم بالوالد.
فكنت أحسب أنه من تلاميذ الشيخ الذين أفنوا عمرهم في ملازمته والقراءة عليه، وسألته مرة هل درس على الشيخ، فقال نعم...
ودار الزمن حتى اجتمعنا طويلا، وعرفت منه أنه حضر حلقات معدودة لابن باز، وكانت عامة للجميع، لم يقرأ بطريقة منهجية، ولا اختص بشيء دون الناس، بل لا يزيد ما حضره عن ثلاثة من الدروس العامة! ولما سألته عما قرأه هل قرأت الواسطية: لا، الطحاوية: لا، ماذا قرأت لابن تيمية؟ الكلم الطيب!!
هنا عجبت من كثرة سماحة الوالد في خطابه، الرجل عادي مثله مثل الناس الذين نلقاهم كل يوم! لم يتميز بشيء زيادة عنهم، وما ينسبه لابن باز لا يعدو أن يكون كلمات عادية لو نسبت لغيره ما عجب أحد، على وزن من يقول: ذكر الله يريح القلب! هذا شيء مشترك بين المسلمين ليس فيه مزية حتى ينسب لعالم مبرز وهكذا، ولعمومه لا تقدر على تكذيب هذه النسبة من تصحيحها!.
هذا الأمر ليس حكرا على صاحبنا في هذه الرواية الضعيفة (بما أنني لم أسمه فهو مجهول)، بل يمتد إلى كتب كثيرة جدا فيها حدثنا شيخنا وشيخ شيخنا، في طريقة تذكرنا بالتنافس القديم بتكثير الشيوخ الذي دفع بعض الناس لما اصطلح عليه بتدليس الشيوخ كأن يقول حدثنا أبو عبد الله، وبحديث آخر مثلا محمد، وبحديث آخر كنية أخرى وتكون كلها لرجل واحد!
وأذكر رد علي الحلبي على اللجنة الدائمة وهو يقول بأنه لازم الألباني ربع قرن، وبقي معه حتى اللحظة الأخيرة، وكثير من الشباب يفاخر بأنه درس على تلميذ للألباني، ويبرز السؤال حاضرا هنا وهل فاخر الألباني نفسه بملازمته لشيخ!؟!
كذلك تكثير الإجازات التي قال الألباني نفسه أنه لا فائدة منها في هذا العصر!
كذلك اللازمة المتكررة: فلان لم يثن الركب في حلقات العلماء ويكاد التركيز على هذه المسألة يخيل للسامع أن ثني الركب دليل بنفسه!
تجد رجلا يناطح كبار العلماء السابقين وفي نفس الوقت يريد تلمذة الناس على معظّم عنده!
وما أحسن قول من قال: لقد هدم هؤلاء هيبة المذاهب الأربعة في قلوب الناس، ثم نصبوا عشرات المذاهب! بل مئات!
فهذا لا يعتبر ذاك عالما ولا العكس! ويدعو الناس لاتباعه العالم الفلاني لا الآخر الضال وكلهم ينتسب إلى (السلفية).
حتى كأن الظاهرة كلما وصل عدد جماعة منهم إلى عدد معين! وصار فيهم عدد من المبرزين، ما هي إلا أيام أو قليل من السنوات حتى تبدأ المعارك! وكل ما تعلموه في ردهم على (أهل الباطل) نحروا به بعضهم!
وإن كان هذا في الرؤوس فأين عقل أتباعهم؟! ولو كان الشيخ يحسب أن لأتباعه استقلالا لما تجرأ على جرهم لكثير مما يفعل، ولامتنع عن كثير مما يقول! إلا أن كثيرا منهم جعله محورا للولاء والبراء! ومعيارا يُمتحن فيه الناس!

13 مراتب الأحكام!

من المواضع التي تنتقد ذلك الطرح الذي لا يفرق بين مراتب الأحكام، فلا يفرق بين حكم قطعي وآخر يحتمل الاجتهاد، ولا زلت أذكر حوار الألباني مع أحد الحاضرين في حلقته (وهي مسجلة بالصوت منشورة على موقعه)، ينكر على أحدهم لبسه (ساعة اليد) في شماله، ويأمره بأن يلبسها في يمينه، ولما رفض الرجل قال له: أتدري كيف ينبغي أن أتعامل معك، مثل النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أحدهم بنزع خاتم من يده وحذفه به ولو أصابه لآذاه! شيء نحو هذا!
وهذا عدم تفريق بين حكم الذهب على الرجال، وبين مسألة رأي للألباني في لبس الساعة باليمين، مع أن العثيمين مثلا يقول تلبس في الشمال قياسا على الخاتم! على أن المسألة فيها سعة كليا!
مراتب الأحكام تظهر أيضا في رد الألباني على ابن باز في مسألة الاستعانة بالمشركين في القتال، فابن باز قال بأنها محرمة لا تجوز إلا للضرورة، فالخلاف معه في (الضرورة = تحديدها، وإسقاطها على واقع معين) لا كما تجده في تقرير الألباني لحرمة المسألة ابتداء! وهذا مسلم عند مخالفه ابن باز.
يظهر في كثير منهم عدم التفريق بين المحرم لذاته والمحرم لغيره والأول لا يجوز فعله إلا عند الضرورة، والثاني يجوز فعله للمصلحة أو الحاجة كما قرره ابن القيم في زاد المعاد.
فتجد الأحكام عندهم كلها في سياق واحد، ولذا لا يفرقون بين حال وآخر، فما حرم يجب الانتهاء عنه في كل الظروف بقطع النظر عن الضرورة فيه أو الحاجة، على ان ابن تيمية يقول كما في الاختيارات للبعلي بأنه تأمل المذاهب فوجد الإكراه يختلف من مسألة لأخرى، فمثلا خوف المرأة من الطلاق يعتبر إكراها فلا يعتبر تنازلها عن مهرها لأجله بخلاف الكفر فلا يعتبر فيه هذا إكراها.
قد تجد واحدا منهم يترنم بأبيات نونية القحطاني ومنها:
لا تلق مبتدعًا ولا متزندقا *** إلا بعبسة مالك الغضبان!
ويحسب أن الهجر في كل وقت وكل حين! مع أنه في وقت الضعف ليس مشروعا، فهو تحميل للمسلم ما لا يطيق، وعند عدم ارتباطه بالمصلحة المرجوة منه يصير عبثا لا طائل من ورائه بل ضرره يكون أكبر من نفعه، وليس أقل ذلك أن يعتبر صاحبه (حالة نفسية)!!
والشطر الأول يضع كل المبتدعة (في سلة) واحدة، وهذا إن كان المرء يتسامح معه في الشعر، فلا يتسامح معه في التأصيل والفتيا!
فكثير ما يكون وصف البدعة (وصفا معرفيا) بتحديد المحدث في الأمور الدينية.
وقد يكون في مسائل اجتهادية محتملة في نفسها وكمثال على هذا (صلاة التسابيح) فبعض العلماء أثبت الحديث فيها فجعلها مشروعة، وبعضهم ضعف الحديث وصارت عنده بدعة! فهذه المسألة اجتهادية لا يهجر المخالف فيها ولا ينكر على من رآها بدعة لمجرد هذا القول، وتناقش بين أهل العلم بها بهدوء ورويّة.
وقد تكون المسألة لا تحتمل لكن يعذر صاحبها، فهنا كان الأمر ليس في ذات المسألة بل في القائل بها..
فوضع المسائل كلها في سلة واحدة بوصف (البدعة) ويقال بهجر المبتدع والعبس في وجهه عموما، هذا من عدم التفريق بين مراتب الأحكام!
عدم فهم كثير من هذه المسائل أدى بالبعض إلى تجاوز الوقائع وإنكارها، حتى يحافظ على هيبة (السلفية) ولذا يجعلهم جميعا في بوتقة واحدة! ومنهج معرفي واحد وهذا ليس بصحيح أبدا!
ففي وقت تجد فيه مثلا العثيمين يقول ما دليل جواز الفعل الفلاني أو العقد الفلاني؟ في مسائل المعاملات؟ فيجيب: الدليل عدم الدليل (أي عدم وجود الدليل المحرّم) عملا بأصل الحل.
تجد الألباني يسأل عن الدليل المبيح لفعل من الأفعال في أبواب المعاملات، ويظهر لي أن هذا تأثرا بمنهج ابن حزم، أما الأول فمع قواعد ابن تيمية.

14 مراتب الأدلة وأنواعها..


من مقاصد دراسة أصول الفقه معرفة مراتب الأدلة الشرعية، فلا يصلح تقديم الاستصحاب مثلا على نص من السنة، ولذا يقولون هو آخر مدارات الفتوى.
فعدم معرفة مراتب الأدلة الشرعية أوجد ثغرات في تأصيل كثير من (السلفيين)، مثل قول بعضهم (لا يكفر أحد إلا بمخالفته الإجماع القطعي) وتعقب هذا القول المعلمي في كتابه (العبودية) بأن الإجماع دليل من الأدلة، لا الدليل الوحيد، ولذا تجد خلافا بين الفقهاء في عدد من المسائل هل يكفر فاعلها أم لا، ولم يحتجوا على بعضهم أن المسألة خلافية إذن لا تكفير رأسا، فلا يصلح هذا نقضا إلا على من جعل الإجماع حجته الوحيدة في مسألة، فوقتها يقال مثلا لا إجماع إذن لا تكفير.
عدم مراعاة مراتب الأدلة أدى إلى تشويه كبير في تأصيلات عديدة، ترفع شيئا فوق حجمه وتقصر في حق آخر.
مثلا إطلاق القول بأن من استحل محرما كفر، هذا غير صحيح، بل من استحل محرمًا قطعيا (ولا يشترط أن يكون مجمعا عليه، كالمتواتر) وقتها يقال هذا بشروطه المذكورة في مظانها، أما أي محرم فمعلوم الخلاف في النبيذ مثلا ما لم يسكر، فهذا لا يقال في من استحله كافر!
أما نوع الأدلة فهذا يظهر مثلا عندما تقرأ رسالة التويجري (الصواعق الشديدة على أهل الهيئة الجديدة) ويقول فيه بأن الجاذبية الأرضية لم يدل عليها دليل لا من الكتاب ولا السنة ولا الإجماع! والصحابة سبقونا إلى الخير ولم يقولوا بهذا ونحو هذا الكلام!
فهذا كلام من لا يفرق بين أنواع الأدلة، فالأدلة الشرعية شيء، والأدلة العلمية شيء آخر!
ولا يشترط بينهما التعارض لكن لا يشترط أن يكون كل منهما دليلا على الآخر أيضا! فكما يقول العلماء لا يشترط لثبوت حكم معرفة حكمته تجريبيا كذلك لا يشترط لثبوت مسألة علمية النص عليها في الشرع.
وهذا واضح، وقد يسلمه كثير منهم اليوم، لكن لا تزال الجذور التي طردها التويجري متوارثة دون نقد.
والأصوليون يقولون مثلا بأن الأدلة التي تذكر في الأصول لمعرفة الحكم الشرعي لا يتوقف عليها تحقيق مناط الأحكام الشرعية، فمثلا التحقق من العلة في الفرع قد يسلك فيه التجربة والمشاهدة التي لا تذكر عند طرق معرفة العلة التي بني عليها الحكم الشرعي نفسه.
وكثير من الأصوليين يذكرون مبحثا لفنون الجدل بعد الحديث عن الأصول، لعلمهم أن طريق البحث في الجدل تختلف عن طريق البحث الأصولي في كثير من الجوانب.
ولذا مثلا تستعمل فيه المعارضة، فإن ذكر المخالف حديثا ضعيفا، لا يقال هذا ضعيف ويسكت! فحسب.
بل يعارضه بحديث يقابله إلزاما، وعند التساوي لا يرجح طرف إلا بدليل خارجي.
وهذا مما أغفله كثير منهم في توظيف الأحاديث الضعيفة خارج المباحث الحديثية والأصولية.
يتبع إن شاء الله

هناك تعليق واحد: