7.04.2016

الخوارج درس اللامذهبية التلفيقية!

20 دسمبر 2015

الخوارج درس اللامذهبية التلفيقية!


كثيرون اليوم الذين يحطون على الخوارج، باعتبارهم فرقة ضالة وسهل جدا أن تجد في الأوساط المنتسبة للسلفية الرمي المتبادل بهذا الوصف، الغلو، التطرف، التكفير الواسع.. إلخ.
لكن لحظة ما المنهج الذي أوصل لكل هذه النتائج؟ تطلعنا الروايات التاريخية عن الخوارج بأن أساسهم فرقة المحكمة، الذين خرجوا من جيش علي بن أبي طالب، بعد أن قبل واقعة التحكيم بحجة أنه حكم الرجال في دين الله، ولم يحكم القرآن، واستدلوا بقوله تعالى: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون".
هنا يبرز موضوع أساسي فتح لهم المجال، رفض تحكيم الرجال، وكانت الردود عليهم أن القرآن نفسه لا يقاضي الناس ولا يحاكمهم بل يحكم به، ويقضى به..
وجود من له أهلية في فهمه، والحكم بمقتضاه لازم، ومما استدل به ابن عباس عليهم (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها).
يستشري في صفوف كثير من المنتسبين إلى السلفية من يرفض التقليد مطلقا، وينادي بالعودة إلى النصوص الشرعية نفسها دون واسطة مذهب أو عالم، وهذا شبيه إلى درجة كبيرة بذلك النداء الأول! بأن لا يحكم الرجال! بقطع النظر هل حكموا بالقرآن أم لا..
اليوم نجد أقواما كثر ينتسبون لهذا المفهوم ويخرجون بنتائج أجنبية عن النص، منها على سبيل المثال الزج بداروين في فهم النصوص الشرعية بحجة أن لا تقليد، والنص نفسه حاضر ويمكن له أن يفهموه، وفهمهم بالاستعانة بمعجم! أو حتى بما ورثوه من لغة عامية ويحللون النص ولو خالف فهمهم كل أفهام العصور السالفة، والنتيجة أن هذا حكم الله!
إنهم يحذفون أنفسهم كفاهم، وكمحور للمعنى، ويرفضون قبول أقوال المفسرين والفقهاء فهم رجال، والنص واضح (إنهم يحذفون أنهم هم أنفسهم واسطة للفهم، ومن نصبوه هنا داروين مثلا)!
الشباب المنتسب إلى السلفية، كثير منهم يفتي بمجرد أنه عرف بعض الأحاديث، وحفظ شيئا من القرآن، وأما باقي العلوم الضرورية لأهلية الفهم فهذه عليها السلام، والنتيجة تحريم التقليد والنص وحده حاكم..
إنه نفس المنطلق المنهجي للخوارج الأوائل، ونستطيع اليوم أن نرى أي معنى يبقى للنص دون قانون الاجتهاد (أصول الفقه) دون (أصول الحديث) و(علوم القرآن) و(قواعد اللغة العربية) و(الفقه) وغيرها!
لن يبقى إلا ما يريده سفهاء الأحلام، والذي لا يزيد عن مطلب أيدلوجي، أو سياسي، لو جرد من كل عملية التبرير لكان فاضحا صارخا، لكنهم يزجونه في النص.
وكما أن النص نفسه لا يقول يحرم تناول المخدرات، يحرم ترك الصلاة إلى خروج وقتها، بل هذه أحكام مأخوذة من النصوص عبر قانون الاجتهاد أي أصول الفقه.. فإنهم بتحاكمهم إلى مجرد النص دون أي ضابط يفتح النصوص على كل الاحتمالات! من غلو في التكفير إلى غلو في التمييع والتماهي مع الآخر!
إنها جناية على النصوص عندما تجردها من اللغة العربية وقواعدها، كذلك جناية تامة على كل معانيها عندما تهمل القوانين التي تؤهل الناظر في الدليل إلى مطلب خبري فيها.
لذا كان هؤلاء وقود كل فكرة تحتاج إلى تمحيص، سواء بنصرتها بالقلم أو بالدماء، والنتيجة فتن يدفع ثمنها الجميع!
ولا غرابة أن تجد (متشيعا = مستبصرا بمصطلحات الشيعة) له سابقة سلفية بهذا المفهوم، أو داروينيا (له نفس السابقة) أو ملحدا صريحا ونحو هذا.
ببساطة لأن التبسيط المبتذل لوضوح النص حتى بأفهامهم بتجاوز القرون التي غيرت اللغة وقوانين الفهم عند المتلقي، فكما أن النصوص واضحة صريحة ولكن هذا في ذاتها (لذا كان تعريف ابن حزم للبيان كون الشيء يمكن معرفته لمن أراد ذلك) فالنص يمكن معرفته لكن بأهلية من صاحبه، وليس معناه أنه واضح لغير المتأهل!
وكم من جناية جنوها بجرآتهم المجنونة على النصوص وكأن لا توقف عندهم في مسألة! وكأن طالب العلم رديف العالم المجتهد المطلق! فيسهل عليه استنباط حكم ثم تأويل نصوص لا أقول أنه استحضرها بل لعل خصمه فاجأه بإيرادها!
بقي أمر كثيرا ما يطرقونه وهو أن لا رجال دين في الإسلام، ويقال هذا صحيح، ولكن يوجد عاميون مقلدون في الإسلام ويوجد علماء! وكما يقال في الدول الحديثة لا أحد فوق القانون، لكن ليس الجميع محاميا ولا قاضيا! وليس القاضي أو المحامي فوق القانون وإن كان من أهل معرفته، والناس تراجعه ولا ترافع عن نفسها بعامية في القانون!
فهذا في قانون كتب بلغة عصرية فكيف بالإسلام!
الأمر ليس خاصا في الشباب الذي ينتسب إلى السلف، بل مما زاد الشبهة، وعقدها، أولئك الذين طافوا بجهلهم في القنوات، وابتذلوا علوم الشريعة حتى جرأوا عليها الجميع، كذا الوعاظ الجهلة في المساجد، وزعماء ما يسمى بالعمل الإسلامي، والذي أضحى مناورات سياسية لا تكاد تجد بها فرقا عن أي حزب لم ينتسب إلى الإسلام يوما!
هذا ابتذل العلم الشرعي إلى أقصى حد، وصار الشاب إن أحسن حديثين وجد أن غيره وإن عظمه أتباعه يجهلهما! فغره هذا بأن يتطاول في آرائه، ويقعد مكان الشافعي وأحمد! ويتندر لربما بالجميع إن خالف قوله باسم الاجتهاد.
وكان أحرى به أن يدفن نفسه وذكره بين الكتب ويحرق سنين عمره في الطلب، بدل المناداة على نفسه بالعلم، ولو قارن علومه بالسابقين لعرف قدره، لكن غره أن وجد في عصر قبض فيه العلماء إلا من شاء الله..
مودتي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق