7.04.2016

عن الإلحاد

لا يصح اعتبار الطرح الذي ينصر الإلحاد طرحا مريضا، ومهووسا فقط! بل يجب النظر للإشكاليات المطروحة بطابع فلسفية تستدعي البحث والإجابة، وكم من مسالة نقدية يطرحها ملحدون تمس المنظومات التي تدافع عن الإيمان، مثلا:
اعتبار الاله خارج إطار الزمان والمكان، هذه متى سلمها المؤمن يرد عليه كيف يمكن للبشري وهو كائن محصور بالزمان والمكان ان يبحث في شيء خارج قدرته، أي خارج إطار الزمان والمكان؟
ان كان الكتاب المقدس مفهوما فهو يخاطبنا بلغتنا بإطار الزمان والمكان، اذن كيف سنفهم ما هو خارج هذا الإطار؟ هذه الاشكاليات ترد على من يسلم بالكلام السابق.
ان كان مفهومنا للسببية خاضعا لإطار الزمان والمكان، فكيف يمكن سحبه الى خارج هذا العالم؟ 
فكرة الكمال فكرة نسبية فلا نتخيل كاملا الا هناك ما هو اكمل منه، فهل الموضوع مجرد ذهني وما هو الذي يجعله حتمية استدلال خارجي .
ان قيل بان الانسان يولد مهندسا للإيمان (باعتبار التاريخ) فهل يصح التاريخ لإثبات حقيقة؟ وهل الحاجة بحد ذاتها دليل كما قال بعضهم الحاجة الى الشرب دليل على وجود الماء؟ ماذا لو كان هناك حاجة ذاتية دون وجود موضوعي ..
ان كان هناك لكل شيء سبب وحصل هذا الكون بسبب فما سبب السبب هذا؟ هل يتوقف التسلسل ام يستمر، ان قيل يتوقف فلماذا لم يتوقف عن 1، لماذا تستمر الى 2 ثم توقفه عن 3 .
هذه الاشكاليات لا يمكن الإجابة عنها بحجج خطابية، بل يجب ان يجاب عنها بشكل واضح ومنسق وفلسفي .
كذلك ما الذي يحدد ان سببك الذي تقوله هو السبب الحقيقي دون الذي يطرحه غيرك من الاديان الاخرى التي تقول ببطلانها .
هذه الأسئلة محورية جدا في الإجابة .
ثم هل الاصل في المعرفة هو المثال او الوعي او التفكير ام الجزئي المعين، المحسوس، هذا سيحدد تسلسلك .
هل العقل يدرك الحقائق، وهل يدرك الرب ولو جزئيا؟ ان كان لا فكيف تطالب بإثباته، وان كان نعم فما ادلة ذلك؟
لا ارى من مجال لاستسخاف هذه الأسئلة وهي تضرب في صميم الاجابات وكما قال بعضهم: دراسة الإلحاد تصقل الإيمان الحقيقي، فكم من جواب يستبعد عندما ترى انه لا يحل الاشكال .
مودتي .
2
لما نبحث في موضوع وملف كالإلحاد أعتقد أن واحدا من الأمور الضرورية استبعاد الأدلة الأضعف والإشكالات التي تأتي بطريقة اعتباطية مثلا: لماذا لم تؤمن؟ لوجود أطفال معاقين !
فلنبحث في الاشكاليات التي طرحها كبار الملحدين بطريقة سوية:
مثلا طرح فرويد: باعتباره الاله تصورا ذهنيا يبتكره الانسان كحاجة، او توهم في كتابه (مستقبل وهم) .
طرح نيتشه: عندما يرى أن من سلم بأن الله روح (مجرد بسيط مطلق لا مكان له ذهني) بأنه خطى الخطوة الكبرى نحو الجحود .
طرح داروين: عندما تسلم بالتطور، أي إن أفكار الإنسان تتطور، وطريقة استدلاله تتطور، فمن التهوس الأول بالأشباح إلى تعدد الآلهة إلى إله واحد كما في كتابه ( أصل الإنسان ) .
كذلك ماركس طرح إشكاليات حقيقية وهي أن المتدينين يعتبرون كل ما خالف آراءهم باطلا، وكل ما وافقها هو الدين الحق، وفي الواقع ما طرحهم إلا تصورات مثالية تخفي مصالح تحتها كما في عدة كتب له .
فتجنشتاين يعتبر الحديث عن الله غير ذي معنى لعدم إمكان التحقق منه (عن فلسفات عصرنا لدوريتي) .
عن هوكنج عندما يطرح ان الانسان يعيش في الزمان والمكان، ولا يقدر على البحث عن اي شيء خارج هذا العالم كون الزمان والمكان محصور فيه (موجز تاريخ الزمن ) .
عن فوكو حينما يقول بتحطم العقل الكوني، وعدم وجود اجابات عامة ومطلقة في هذا العصر، كما كان همه وصرح به (مقالات فوكو) .
هؤلاء الذين نريد نقاشهم الحقيقي في صلب الموضوع، لا خطب انشائية مع رجل على يوتيوب أول أمس أعلن كفره ! لأنه يريد حياة جنسية خالية من تعقيد !
وواحد سلفي أول أمس اكتشف معضلة الشر صباحا !
وواحد مش عارف شو .. ناقش هؤلاء، إن أردت بحق بحث الملف بعمق وإفادة .
3

واحدة من النقاط التي يجب وعيها قبل مناقشة ملف الإلحاد، ان الملحد غالبا ما عاش في بيئة متدينة ويعرف مقالات المتدينين ! بخلاف أكثر المتدينين الذين عاشوا في بيئة مؤمنة ويسمعون عن الإلحاد سماعا ويقطعون تخيلهم للموضوع بالاستعاذة .
*
لينين كان منهمكا في الدراسة الدينية .
*
والد ماركس كان من اسرة حاخامات كذلك امه .
*
ستالين كان حلم والدته ان يصبح قسيسا وتعلم 3 سنوات في معهد ديني .
*
نيتشه كان والده راعيا لكنيسه .
*
تروتسكي كان يدرس بشكل مطول في اللاهوت .
*
وغيرهم الكثير ..

الدولة الفرد

أحد أهم الأخطاء القاتلة التي سادت في المخيلة الإسلامية في العصر الحديث النظر إلى الدولة كأنها فرد، بل محاولة تسوية الإشكالات والتعقيدات للحفاظ على صورة الفرد في النظر إلى الدولة .
الإشكالية ليست في الأحكام التي تخص الأفراد؛ بل جعل الدولة الحديثة كأنها فرد من الأفراد .. ولما حدثت أزمة العلاقات بين تركيا وإسرائيل بعد حادثة سفينة المساعدات؛ صرح أحد المتحدثين باسم السياسة الإسرائيلية بقوله: "علاقة الدول ليست علاقة أفراد".
فأحسب أن هذا يجب بحثه ولعلي أكتب شيئا منه على شكل إضاءات في منشورات لاحقة إن شاء الله .
1
في كتاب السياسة لأفلاطون (كما يرى ترجمته عبد الرحمن بدوي وهو المشهور بالجمهورية) يقسم البشر تبعا لتصور الفرد الإنساني؛ فالفيلسوف مثل العقل -وهو رأس الدولة-، الجند مثل القلب والشجاعة ونحو ذلك. وعلى هذا تضحي الدولة مثل فرد كبير.
هذه النظرة تجاوزت مساواة البشر؛ فمن تضعه في اليد مثلا هو في الواقع عاقل، في حين أن اليد ليست كذلك، ليس لها أطماع أن تحل مكان الرأس!
هذه النظرة سادت فترة طويلة نجدها في المدينة الفاضلة للفارابي، كذلك في الكتاب المنسوب لابن أبي الربيع وغيرها..
لكن انفجرت الوقائع بخلاف هذا الطرح، ومثلت الثورة الفرنسية ضربة للنظام الملكي، وكانت الفلسفات السياسية تحاول الخروج عن هذه النظرة ليؤكد روسو على وجود عقد بين عقلاء من شعب وحكومة، ليطرح لوك رفضه لقياس الدولة على الأسرة فليس الملك والدا! والسلطة الأبوية في الأسرة ليست مثل سلطته.
ليطرح هوبز حرب الجميع ضد الجميع فليس هناك عقل وقلب وشهوة! بل بشر يتصارعون مما يفرز ضرورة الدولة لمنع طغيانهم على بعضهم.
إن النظرة الإسلامية التي سادت في المخيلات الحركية عموما هي الدولة الفرد !
هناك رأس يتمثل بالزعيم ومعه جسم يسانده، ومتى قدروا فساد الرأس أو (كفره) سيتم التعامل مع الباقي كجسم واحد إلى أن يطرد أبو قتادة الفلسطيني هذا حتى في أسر وذرية الجيش!! فكلهم حكمه واحد طائفة ممتنعة.
هذا الطرح ركز كذلك على الدستور بأنه شريعة ذلك الكيان؛ فالدولة حكمها مثل قوانينها ودستورها؛ متى خالف القانون أحكام الشريعة (بنظر المقيم)؛ سينظر للدولة بعمومها بهذه الصورة.
بعبارة سيد قطب: هناك سلطان مغتصب من الإلهية! وهو سلطان التشريع ويجب رد هذا السلطان لله.
وبطبيعة الحال لم تكن التجارب النيابية في الواقع بممكن أن تغير تماما بنية الدولة؛ مما أوقع الإسلاميين في خلافات تصل إلى التكفير والتبديع الخ .
كذلك الأطروحات الريديكالية تعاملت بمفهوم الفرد؛ فالأمريكي تابع لدولته ولو كان معارضا لسياستها، لكنه يدفع الضرائب !
كل هذا يستدعي إعادة قراءة لمفهوم الدولة كذلك القانون .. بدل الجدالات الجزئية الفرعية التي تدور في فلك النظر للدولة على أنها فرد كبير!
2
إن الوقائع المتغيرة كصعود طبقة برجوازية جعل النظام الملكي يفقد صلاحياته تباعا ويتداعى في مناطق متنوعة، وبدأت الصورة التي بدت كأنها شبه أزلية في نظر كثيرين تتغير؛ فالسلطة بدأت تتوزع بتغير أدوات الإنتاج ووجود طبقة أخرى تسعى لخدمة مصالحها، فلم تعد السلطة وراثية بالط،0 لم يعد الرأس متسلسلا، لم يعد يمكن أن نفكر بطريقة قديمة.
الثورة العلمية والثقافية أفرزت أمورا أخرى إضافية؛ ففضلًا عن وعي طبقات بمصالحها وفهمها أثر السياسة عليها وأثرها هي على السياسة؛ كذلك فإن الحرب بدت كمفهوم مختلفة مع وجود التقنيات الحديثة.
فلم يعد الأمر لقاء جيش لآخر في موقع، ثم يغنم المنتصر مدينة كاملة! بل قد يعم الخراب على الجميع.
كذلك سهولة المواصلات والاتصالات عززت التدخلات الخارجية مما كان له أثره على مفاهيم كالدستور والقانون؛ صار القانون في همه الأساسي ليس العدالة فقط! بل الاستقرار! وهذا أمر لا يكاد يفطن له كثيرون وهم يتعاملون مع هذا الأمر.
ولتوضيح هذه الصورة يجب أن نترك قليلا النظرة الساذجة لمفهوم الأمة الواحدة والمجتمع الواحد؛ فاختلاف المصالح داخل المجتمع الواحد تبعا للطبقة التي تتوزع عليها السلطة جعل الأمر كأن الدستور هو اتفاق بين أمم متعددة !
كلما قل تضارب المصالح والقوميات الخ؛ يعبر القانون أكثر عن مفهوم يمكن اعتباره عدالة تبعا للثقافة، لكن كلما زادت المصالح المتضاربة؛ سيحرص القانون على الاستقرار لضمان السلم الأهلي وإن كان على حساب مفهوم للعدالة عند قسم من المجتمع، إنه فن الممكن لا دقة المفهوم هنا وإن حاول أن يصور الأمر بصيغة العدالة لضرورة الاحترام من الجميع.
فالبلد الذي فيه مسيحيون بنسبة عالية وطوائف بنسب عالية سيحرص على صورة مشتركة كحد أدنى لضمان الاستقرار، ولبنان تمثل شكلا لذلك.
بطبيعة الحال لا يعني هذا استقرارا تاما؛ فالصراع مستمر، وبتعبير فوكو: السياسة استمرار للحرب بوسائل أخرى، لكن يعني الاستقرار هنا عدم انفلات الأمر إلى حرب أهلية قد تضر مصالح الجميع ولا يمكن الحسم فيها، والتسليم بالدستور هو تسليم بعدم إمكانية الحسم، مؤقتا بطبيعة الحال؛ وإلا فتغير الظروف يستدعي تغيرا بموازين القوى، وهذا يعني سعيا لحصة أكبر في السلطة أو إمكانية الحسم خارج إطار الاتفاق.
3
بالنسبة للقانون وهو يسعى لتحقيق الاستقرار؛ لا شك أنه يتفاعل مع مفاهيم المجتمع للعدالة، لكنه يهتم أساسيا بالاستقرار، على هذا النحو منعت إحدى الدول الخمور فترة، فاكتشفت أن أسواقها ملئت بالخمور المهربة غير الخاضعة للرقابة الصحية، طبعا هذا يتبع عمل المؤسسات وضبط الحدود الخ، فصارت الإشكالية مضاعفة؛ فالكميات الداخلة كبيرة، وبنفس الوقت أحدثت مشاكل تتعلق بالصحة العامة؛ فاضطرت للعودة للسماح والترخيص لضمان الرقابة والحد من مشاكل الحدود؛ فالتهريب سيشمل المخدر وارتفاع السلاح المهرب والجريمة المنظمة.
نلاحظ هنا أن السماح وعدمه ارتبط بالاستقرار لا بمفهوم أخلاقي فردي يتعلق بالخمر.
الشاهد: التفريق بين الدولة والفرد في زاوية النظر .
واحدة من إشكاليات النظرة الرديكالية الإسلامية للدولة أنها تنظر إليها كفرد؛ فإن سمحت الخمر فهي مستحلة مثلا، في حين لا تنظر للأمر على أنه اتفاق ضمني بين قوى فاعلة على الأرض؛ فرأس المال الممنوع قد يحدث مشاكل كبرى في إطار سعيه للاستثمار حتى خارج الإطار القانوني، وهذا مثال على تهديد الاستقرار.
أما الإصلاح النيابي؛ فانهمك بإقرار قوانين وتعديل قوانين في عدم الالتفات لأمر أساسي:
إن السلطة توظف القوانين لصالح طبقة مهما كانت تلك القوانين، مثلا لو منع الخمر والربا سيظل عندنا طبقة رأسمالية تستثمر في البنوك الإسلامية وغيرها مثلا .. والإشكالات الرأسمالية هي هي في ظل هذا !بل إن أرباح البنوك الإسلامية أضعاف البنوك العادية، ووقتها سيكون الفرد مضطرا للبديل العادي وإن كان ربويا للفرار من الديون الكبرى عليه .
وأثر المسألة يظهر عند أي أزمة مالية تفرزها العملية الرأسمالية كالكساد العالمي.
إن القانون يوظف لخدمة طبقة، أعطى أمثلة تاريخية للتقريب:
كثير من المعتزلة اتبعوا المذهب الحنفي وصار القانون في خدمة المعتزلة؛ فالردة عندهم غير الردة عند الماتريدي، هذا مثال !
الدولة هي سلطة إكراهية في المقام الأول، رغم كل الصراع داخلها؛ إلا أنها سلطة إكراهية للأقل نفوذا؛ وبالتالي التعامل معها كإنسان فحسب هو كالتعامي عن جبهات متعددة.
والشكل القانوني ليس هو الشكل الأقوى في الدولة؛ بل ما يوظفه -أي الطبقة المهيمنة-، والمخالفة الأخلاقية أو القانونية -مثلًا لقد ضلوا لأنهم يحلون الربا- يتجاوز إمكانية منعه والبقاء على نفس الهيمنة أو زيادتها، وهذه نظرة مثالية تماما تلتفت للشكل وتغفل المضمون .
4
إن القانون مجرد انعكاس لمناطق النفوذ، وأي تعديل فيه دون تعديل في النفوذ نفسه ليس إلا كتغير خبر على الشاشة من حرب إلى سلام فتتغير الوقائع!
القانون هو خبر عن مناطق النفوذ، ومن أمثلة ذلك: قوانين العمل التي كانت من 16 ساعة يوميا ثم بدأت تتقلص، كيف حدث هذا؟ 
لم يحدث إلا بتقليص نفوذ الرأسمال إلى حد مؤقت، وبالتالي فالقانون يظل حدا مؤقتا في صراع موازين القوى، وبالتالي يجب التفريق بين مفاهيم العدالة المثالية، والقانون في أرض الواقع طبقا للمتغيرات.
فإن كانت الدولة سلطة إكراهية؛ فلا يمكن التعامل معها ومع الشعب بأنهما واحد، وهنا يظهر فساد من تعامل مع الأمريكي الفرد بناء على سياسة دولته التي قد يكون أول معارض لها ككثير من اليسار هناك.
ووجود طبقة رأسمالية متنفذة لا يعني بطبيعة الحال عدم وجود تناقضات بينها، ولما نقول طبقة أيضا لا نتعامل بمفهوم الفرد.
ويظهر هنا سذاجة من طالب بضرب المصالح! تخيل مثلا الاعتداء على فرع لكوكاكولا يتبعه وجود شركات كاملة للتأمين والحماية وهذا عزز من الرأسمال !
وإسرائيل لوحدها تعاقدات بأرقام فلكية لتأمين المطارات مع دول كثيرة كالهند، بل حتى بيع الخبرة والمعلومات أضحى سلعا تباع وتشترى.
فالتفكير الساذج قاتل .. والتعامل مع الدولة وكأنها فرد يذبح أي إمكانية لتغيير فعال.

ولا أريد الإطالة عليكم ..
مودتي .

مجموعة منشورات عن المس

9 ابريل 2016

مجموعة منشورات عن المس

1

بالنسبة لتلبس الجني بالإنسي ويصرعه ويتكلم على لسانه.
فهي مسالة شهيرة وجرى الخلاف فيها قديما وكثيرون انتصروا لها من الامام احمد الى ابن تيمية وابن القيم ونقل الاجماع غير واحد.
والمخالف فيها تاريخيا يصور على انه معتزلي أو تابع لاقوال بعض الفلاسفة.
وابو يعلى نصر القول الاخر في كتابه المعتمد في اصول الدين وقد يكون اخذ هذا عن المعتزلة.
لكن الذي انبه عليه فيما يتسع له هذا المنشور ان احمد كما في رواية عبد الله قال لمن نفى هذا كذبوا انه يتكلم على لسانه.
فاستدل بالمشاهدة هنا ولم يستدل بالاثار كما هو دأبه عادة يقول كيف لا اقول بذا وقد صح من كذا طريق أو قال به كذا وكذا من السلف.
بالنسبة لابن تيمية فحرص على تأكيد ذلك لعدة أسباب ومنها الاتساق في اثباته ان كل ما لا يحس فليس موجودا.. فقال بذلك اتساقا لإثبات الجن بالحس مع انه لا ينحصر في الحس بل حتى الخبر عن الحس فحتى لو لم ينصر هذه المسالة لم تكن لتؤثر على اتساقه.
بقي ان يقال لكن هذا اجماع فيقال متى قاله البعض باعتبار التجربة فذلك امر دنيوي والاجماع حجة فقط بالمسائل الشرعية.
اجمعوا على استعمال السيف في الحرب وجواز تقسيم الجيش الى 5 اقسام الخ وهذا كله دنيوي ليس بحجة في الشرع.
واما نسبة الصرع للشياطين فينسب اليه من باب انه يتمنى الشر لابن ادم وهو عدو له كما في قول ايوب: (مسني الشيطان بنصب وعذاب).
واليوم حللت هذه الحالات ولا ينبغي المراهنة على الجهل فكل مجهول شيطان بطريق مباشرة! وكل ما عرف له سبب نفسي أو طبي.
وكلما يتطور الطب يضحي وصف ما هو نفسي وعضوي أكثر ويقل ما ينسب الى الشيطان مباشرة!
علما انه لا فرق بينهما سوى انك عرفت سبب الاول وجهلت الثاني.
وهذه من المسائل التي يعتبر القول السابق فيها متوقعا لطبيعة العلم في تلك العصور

2 بالنسبة لموضوع التلبس..

1 - قالوا يوجد حالات أخبر فيها الرجل عن أمور لا يعلمها المرء = وهذا الكلام مبني على مغالطة:
كونك تجهل كيف قال المرء ذلك = لا يعني انك تعرف انه جني!
طبعا المريض يمكن جدا ان يكون التقط عدد من المعلومات وخزنها فيما لا يقدر عليه الانسان الطبيعي، وتخرج من الوعي الباطني في حالة الفصام الشديد.
مثلا هناك من يتحدث لغة اقوام لم يكن ليقولها واثبت البحث ان الموضوع سمعه في يوم ولكن وقت الفصام خرج بدقة متناهية فحسبه الناس جنيا بلغة اخرى.
2 -
قالوا: لكنه بحق يضطرب ان سمع القران.
يقال بان المريض هذا شخصية حساسة يعتقد ان القران أو (أي قراءة لشيء مقدس) قد تؤثر فيه، ويوجد من يحصل معه نفس الاعراض مع قراءة الانجيل عليه أو حتى شيء من القانون الكنسي الخ.
3 -
قالوا: هناك حالات شفيت.
يقال لا احد ينكر اثر المعتقدات على الصحة النفسية، ولذا كثير من الاطباء النفسيين شبه (براغماتيين) هنا، يعني يقول لك ان ساعدت القراءة المريض فليقرأ عليه، وفي نفس الوقت كم من الحالات انتكست اكثر عبر نفس الاساليب التي استعملت مع الحالات التي شفيت؟ (الموضوع لك وعليك)، فهناك حالات تم اقناعها اصلا بانها مريضة، ولذا تجد موضوع التلبس ينتشر بشدة في الجماعات الروحية بشكل أكبر من الجماعات التي فيها شيء من الجانب الفكري حتى داخل التيارات الإسلامية.

3 بالنسبة لموضوع المس.

هناك حديث عن عثمان بن أبي العاص قال: استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصغر الستة الذين وفدوا عليه من ثقيف، وذلك أني كنت قرأت سورة {البقرة}، فقلت: يا رسول الله! إن القرآن ينفلت مني، فوضع يده على صدري وقال: يا شيطان! اخرج من صدر عثمان. فما نسيت شيئا أريد حفظه.
الحديث صحح إسناده الألباني، على أي حال لاحظ هنا أنه يتحدث عن الشيطان بأنه سبب نسيان عثمان، وبمعجزة نبوية طرده فلم يعد ينسى شيئا يريد حفظه.
هل يقول عاقل ان كل من ينسى فيه مس شيطاني! (بالمعنى المشهور) علما ان في القران (وما انسانيه إلا الشيطان أن أذكره).
هل يمكن إنشاء عيادة لطرد الشيطان المسؤول عن النسيان!
أو الدوران على الشيوخ للرقية من النسيان.
حسن وفي حديث آخر (أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) فنتحدث هنا عن طبيعة بشرية قابلة للنسيان، كما حدث مع آدم (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي) فآدم نسي والكل ينسى، لا يعني هذا أن الكل مصروع.
واحدة من الامور الملاحظة عند انصار (الصرع الشيطاني) أنهم يعمدون إلى آيات وأحاديث مثلا عامة في البشر جميعا ويجعلونها دليلا على الصرع الشيطاني مثلا بعضهم يستدل بحديث (ان الشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم) مع انه عام في كل بني ادم! ومع ذلك لا يصرعون جميعا! فشيء مشترك بين جميع البشر كيف تجعله سببا في ظاهرة خاصة ببعضهم!!

4

الخلاف ليس على استغلال الرقية، ولا على المبالغة في موضوع الصرع الشيطاني، وانما ثبوت الموضوع (الصرع بسبب تلبس الجني) وطريقة التفكير فيه!
1 -
قالوا: ان الشيطان يتجسد في الإنسان: يقال لهم إذن لماذا كل هذا النقاش مع الملحدين، لماذا لم تجدوا حالة واحدة تثبت ما تقولون ابدأوا من هنا اذن! أثبتوا وجود كائن عاقل يتلبس اخر!
وستحرجون أكبر الملحدين.
2 -
هذا الموضوع من مخلفات الماضي، فلا تكاد تجد حالة تم وصفها بالجن إلا كانت في الواقع تعني حرفيا = لا نعرف له علاجا، ومع تقدم الطب صار يمكن تصوير أنشطة الدماغ، وبعض الحالات تم علاجها بالعقاقير.
3 -
يظل هناك مراهنة على حالات لم يتم كشف علاج لها، وهذه مراهنة على جهل الناس بل قصارى الامر = لا تعرف، لا انك تعرف سببا غيبيا.
4 -
موضوع الرقية، فنحن نعلم ان الرقية ان تقرا على مريض، وليس فيه كل ما تم تطويره فيما بعد من حوار مع جني مفترض! ولماذا دخلت ومن سلطك عليه الخ الخ!
5 -
بالنسبة لتغير الصوت له علاقة بالتشنجات التي تصيب المريض.
=
الجني المفترض لا يفكر بعيدا جدا ايضا، فعبر تاريخ طويل من الحوارات مع الجن المفترض انه اخبرنا عن حضارة لقوم عقلاء مختلفين عنا! بما في ذلك اديانهم، فلسفاتهم، افكارهم إلخ! ولكن كل المحصلة التي لا تستحق العناء حضارة = دخل فيه لان جاره سلطه، في يوم رمى ماء ساخنا دون ان يسمي! ومن هذا النوع.
(على أساس أن هيروشيما ونكازاكي ضربت بالقنابل الذرية لكنهم كانوا يسمون قبل الضربات).
فان قيل لا انهم لا يتضررون من ذلك، يقال نعم لكن يتضررون من سطل ماء مارد، ويقيمون الدنيا لذلك.
الموضوع: يمس بعض الجوانب المنطقية والفكرية لذا ركزت عليه.

5

بالنسبة لقوله تعالى (لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) ويتم الاستدلال بهذه الآية على الصرع الشيطاني وتلبسه الانسي، حسن لماذا يتم إغفال قوله تعالى (كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا.).
ما تفسير هذه الآية؟
(استهوته الشياطين في الأرض) أضلته في الأرض.
لا اشكال ان ينسب الى الشيطان الاضلال، لكن ماذا لو قال قائل:
(
هم " الغيلان "، يدعونه باسمه واسم أبيه وجده، فيتبعها وهو يرى أنه في شيء، فيصبح وقد ألقته في هلكة، وربما أكلته - أو تلقيه في مضلة من الأرض، يهلك فيها عطشا) عن تفسير ابن كثير.
وقد جاء في صحيح مسلم (لا غول).
يقول ابن مفلح:
(والغول: أحد الغيلان وهي جنس من الجن، والشياطين، كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة يتراءى للناس فيتغول تغولا أي: يتلون تلونا في صور شتى ويغولهم أي: يضلهم عن الطريق ويهلكهم، فنفاه الشارع وأبطله قيل هذا.
وقيل: ليس نفيًا لعين الغول ووجوده وإنما فيه إبطال زعم العرب وتلونه بالصور المختلفة واغتياله فيكون معنى " لا غول " لأنها لا تستطيع أن تضل أحدًا.)
فعندنا الآية ضربت مثلًا والحديث جاء ونفى صحة معتقد العرب في ذلك، فلماذا يصر البعض على فهم العرب (الخاضع لمعرفتهم الطبية) في نسبة الصرع بالشيطان والتلبس! على فرض أن الآية لا تحتمل إلا المعنى المقصود فكونه ضرب كمثل للتحذير من الربا لا يعني وقوعه في نفس الامر، انما فهم معناه وارتباطه بالواقع الذي جرى ضرب المثل له وهو القيام متخبطا يوم القيامة.

6 بالنسبة لموضوع تلبس الجني بالإنسي

قرأت باهتمام بالغ كتاب علي الحلي (برهان الشرع في إثبات المس والصرع) وافتتحه في الرد على منكري تلبس الجني بالإنسي بإثبات النصوص في وجود الجن! وهذا اسمه حشو فارغ في هذا الموضع.
الأحاديث التي يستدل بها لا علاقة لها بالموضوع مثل حديث "الشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم" هذا الحديث له سبب وهو ان النبي مر على رجلين من الصحابة ومعه زوجه فاخبرهما بانها زوجه حتى لا يظنا به شرا! ومن الأمور المقررة بالإجماع في أصول الفقه (أن سبب الحديث العام لا يخرج حتما من العموم) اذن الرجلان داخلان حتما بالحديث فهل صرعا؟ لا إذن فلا تستدل به على الصرع، فيجب أن يكون الدليل مساويا للمدلول أو اعم منه اما هنا فهو أخص منه.
حديث في ان كل بني ادم مسه الشيطان أو نخزه الا عيسى، واين هذا من الصرع! كلنا قد مسنا ولسنا كلنا مصروعين اذن لا تستدل به.
حديث ان الشيطان يدخل في فم المرء ان تثائب ولم يغلق فمه = لا دلالة فيه لأنه غيبي ويدخل لا يلزم منه الصرع! فلا تستدل به.
حديث ان الشيطان يبيت في خيشوم المرء فان توضأ.. لا دلالة فيه.
حديث من نام عن الصلاة بال الشيطان في اذنه.. لا دلالة فيه فهذا يقع لمن ترك الصلاة ولا تلازم بينه وبين الصرع.
حديث الطاعون من وخز الجن، يقال من ابتدائية اي سببه ابتداء ولا يعني هذا انه هو جن، ولا علاقة بالموضوع هذا بالتلبس! فكم من مصاب بالطاعون وليس مصروعا! مع انه داخل حتما بحديث الوخز اذن لا تلازم ولا علاقة بينهما.
حديث الرجل الذي كان ينسى شيئا من القران وبمعجزة نبوية طرد منه شيطان النسيان فما نسي شيئا يحفظه معجزة نبوية، والرجل لم يشك الصرع، ولا التلبس اذن لا علاقة له بالموضوع.
وبعد كل هذا الحشو..
يقال، ذكر ان الصرع بالجن امر غيبي ثم استدل عليه بالواقع انه مشاهد انه محسوس!
ومن كان به مسكة من عقل يدرك ان قولك مشاهد محسوس للجميع يعني انه ليس غيبا.. وكونه غيبا يعني انه ليس مشاهدا محسوسا امام الجميع!!.
ذكر اعراض المس هذا = ولا دليل على كلامه لا عقلا ولا شرعا ولا علميا..
وكتاب يقع فيما يقارب 300 صفحة تدور خطته على (شيطان الثغرات) كل ما لا يعرفون له سبب سيقال جني! وما يعرف سببه لا ليس جنيا.
وعلى قصة سعد كان الله في عون اهله!
ما هكذا يا سعد تورد الإبل.

7

بعض الاخوة يخيل اليه اني لم اطلع على الحالات الشبيهة بالتي يذكرونها في موضوع التلبس، وسأذكر عددا من الحالات التي وقفت عليها في الموضوع:
1-
حالة فيها ضيق، واضطراب، غضب وضرب = طلاق لزوجته، عرض نفسه على مشايخ كثر وكلهم قالوا فيه جن، وانه سحر ليفرق بينه وبين زوجته، الرجل متدين وعاطفي (بعيد عن الفلسفة والفكر والسياسة)، تجربته الدينية مزيج بين السلفية والصوفية، اذا توضأ يبدأ بالارتجاج، ثم يحس بالاختناق ان وقف للصلاة حتى ترك الصلاة، ويغيب عن الوعي ان تعرض لقراءة القران لفترة طويلة.
كنت وقتها قد قرات كتاب (الحالة دومينيك) لكاتبة فرنسية من مدرسة (التحليل النفسي) وحاولت استعمال اليات التحليل بالسماع للمريض جدا والبحث في اللا مفكر فيه عن جذور هذه الحالة ثم تبين بعد جلسات عديدة التالي:
الرجل كان رجل تبليغ، وشارك في عمليات مفترضة لإخراج الجن وفي يوم من الايام اخبره شيخه انه راه في رؤيا: دخل فيه جن. ولم يحدث اي اعراض وقتها.
وبعد سنة تقريبا تعرض لضغوط عائلية ومالية وانفجرت الحالة (تم تحسنه بمجرد فهمه لحالته وتفكيره المنطقي ولم تعد له النوبات بتاتا).
2-
حالة اخرى هلوسات، كلام غير مفهوم = تم احالته للطبيب النفسي وعولج بالعقاقير.
3 -
حالة تعرفت عليها بالصدفة قرات قران = اذا هو يضطرب ويصيح ويخنق نفسه، استيقظ، طلب مني القراءة اكثر، ثم قرات اكثر غاب عن الوعي وتشنج صوته وصار عريضا، وقال لن اخرج منه (علما لم يطلب احد منه هذا= لكنه مبرمج نفسيا على هذا).
الحالة لم اتابعها لكن واضح الموضوع مجرد ضغط نفسي.
4 -
حالة شاب قدراته العقلية ضعيفة = تم اقناعه بان فيه جن، وثبت ان الموضوع مجرد دجل.
زرت مركزا يعالج فيه هؤلاء لم اجد حالة واحدة غريبة عن الحالات النفسية المعروفة في الكتب النفسية.
باختصار لا يوجد حالة تلبس جني! كل ما هنالك ان العقل الباطني يخرج بعنف في تلك الحالات التي تعاني من كبت وتراكم = معروفة بانها حساسة جدا اكثر من كونها منطقية، غالبا ما تكون مصدقة جدا بتلك المعتقدات = حتى ولو كانت سلوكيا مقصرة.
ولو تلاحظ انك ان فكرت فانت تخاطب نفسك وتجري حوارا بينك وبين غيرك في داخلك، هذا عند المريض يكون اشد، ويتصور الشخصية المفترضة على انها حقيقية ويعيش فصاما بانه شخصان في واحد.
يمكن ان يتأثر باي شيء يعتقد بانه سحري مقدس الخ عن طريق الايحاء، حاولت ان اختبر اثر اي قراءة على ماء عادي واخر غير مقروء عليه = نفس النتيجة لو لم تقرا على الماء فقط تمتمت امامه (ايحاء = لو قلت قصيدة شعر بسرعة) سيعطي نفس النتيجة ان ظنها قرانا مثلا.
هذا ما عندي ومن عنده غير ذلك فليخضع الامر للتجربة بشروط علمية، مثل التمتمات (قراءة تسجيع من دعاء عادي) أو شيء موزون يحسبه المريض شيئا مقدسا وستعطي نفس النتائج.
مودتي.

8

في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله:
(
غطوا الإناء، وأوكوا السقاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج. فإن الشيطان لا يحل سقاء، ولا يفتح بابا، ولا يكشف إناء. فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا، ويذكر اسم الله، فليفعل. فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم.).
هذا الحديث أصل أصيل في التفكير العلمي!
الشيطان لا يفتح بابا ولا يكشف إناء.. ولن أعزز افتراضا غير هذا في عالمنا.. بل يرشدنا الى التفكير العلمي في حال حرقت الدار دون معرفة سبب فإن الفويسقة (الفأرة) قد توقع المصباح (وقتها كانت الإضاءة بالنار) فتحرق الدار فلا تعرف سببها فتقول أكيد هذا الجن!
وقد حصلت ان بعض الناس حرقت دارهم فقالوا الجن! وهم في الواقع لا يعرفون..
بعضهم قابلته يقول لي داري مسكونة بالجن! كيف عرفت، قال أشعل النور، ثم ينطفئ!
يا اخي لعل عندك مشكلة في الكهرباء!
قال لا..
قال: انا كاذب ولكن الاولاد شاهدوا هذا!
قلت: يا اخي انت صادق في ان الضوء انقطع لكن لا علاقة للموضوع بالجن والشياطين.
الشاهد: ان هذا الرجل يمكن ان يحضر 100 شيخ ولن يحلوا مشكلته.
ولو احضر كهربائيا ماهرا يحلها في دقائق!

هذا اخر تعليق على موضوع التلبس.. الشيطان لا يكشف اناء لكنه عند البعض يحطم انسانا كاملا، يجعله يتخبط، يتكلم على لسانه، يجعله ينفر عن الصلاة! كل هذا وهو لا يكشف اناء مجرد إناء!!
دمتم بخير.