7.04.2016

حد السرقة في الغزو

9 دسمبر 2013

حد السرقة في الغزو

لا أسارع إلى النتائج عادة، ولا أتفق مع من يوافق في النتيجة (عمليا) إن اختلفنا في التنظير، فإن اختلاف الأصول له أثره في الفروع ولو بعد حين، أو عاجلا: باطنيا أو ظاهريا جزئيا وإن وافق بالجملة، على أية حال فليست هذه سوى توطئة لما بعد، منبها على أهمية النقد لما سأقوله على وجه البحث لا الالتزام، فإن الحقيقة هي المطلوبة وما السعي إلا للاقتراب منها قدر الإمكان ولو ثبت تفنيد القول لوجب المصير إلى القول المفند حتى حين، إلى عرضه على النقد من جديد.
سأتناول موضوعا مهما له أثره على النظرة إلى تطبيق الحدود، مفكرا فيه بصوت عال (فيسبوكيا على الأقل)، هل يقام حد السرقة في الغزو أم لا؟
هذه المسألة على صغرها إلا أنها ركن في مبحث يتعلق بهذا العصر، فقد أخرج أبو داود وأحمد عن بسر بن أرطأة مرفوعا (لا تقطع الأيدي في الغزو) وقد صحح بعضهم هذا الحديث، ولغيرهم أن يعله بالنزاع في صحبة بسر، ثم مبحث عدالته فقول ابن معين فيه كما رواه ابن أبي حاتم معروف لا حاجة للسرد والتطويل.
إذ حتى وإن قيل بضعف حديث في مسألة فلا يوجب هذا ضعف المدلول إذ قد يقوم دليل آخر عليه وهذا يعني إبقاء مبحث المسألة مفتوحا.
وقد ذكر هذه المسألة ابن القيم في (أعلام الموقعين) وكأنه لمح إمكان تعليل الحديث فأردف بتعزيز استدلاله بأن ابن قدامة حكى الإجماع عليه وصورة المسألة أن يضبط سارق من الجند سارقا فهل يقام عليه الحد في الغزو وينصر ابن القيم أنه لا يقام لإمكان فراره (حمية) إلى العدو فيكون عونا لهم ومثبطا لعزائم المسلمين، ولك أن تتخيل الضرر من ورائه إن كان مؤتمنا على سر خطير فأفشاه لهم!
على أنني قد أوافق على نقد توسع ابن القيم في التعليل بالمصلحة والمفسدة في ذلك الباب لكثير من القضايا كما قال الكوثري وغيره، ولكن مبحثه هنا منضبط لما يلي:
أن ابن قدامة حكى الإجماع على معنى الحديث في كتابه (المغني)، قد ينازع بعضهم في ثبوت الإجماع بقول ابن قدامة فيقال على تسليم عدم الإجماع إلا أن نصاب الاستدلال قائم لما يلي:
ليس كل خلاف قيل معتبر إلا خلافا له حظ من النظر، فهل لهذا القول حظ أم لا؟ يقال بأن نقل ابن قدامة الإجماع عليه - على سعة اطلاعه - يظهر على الأقل وجود جمهرة لا بأس بها إن لم تكن الأغلبية بحق قائلة بمعناه، وهذا يظهر بدلالته على وجود حظ من النظر في المسألة وسأناقش الحظ النظري بما لم أره لسابق:
فقد نقل غير واحد الاتفاق بين الفقهاء على مسألة التترس، ولن أستعرضها بضوابطها هنا خوف الإطالة، وأدلتها في الجملة صالحة للاستدلال، وإن كان البعض - عصريا - لم ينتبه لعدد من ضوابطها الفقهية فأدى ذلك لاتساع أمرها فوق المقرر، إلا أن هذه المسألة والتي أثار بحثها أحيانا كثيرة آثارا لم تكن منضبطة، إلا أنها ذاتها سيكون لها أثر مختلف كليا ها هنا إنه أشبه بعملية قلب لها!!
إن كان يضحى بمن الأصل فيه العصمة لدفع ضرر بالغ عن المسلمين بضوابط التترس، فهنا يترك من وجب بحقه الحد لدفع ضرر بالغ، إنها مفاضلة بين (ترك) و (فعل) والترك أسهل من الفعل الذي فيه كلفة (وهذا مقرر لن استدل عليه)، ثم هي مفاضلة بين من لا حرمة له قدر الحد، وبين من الأصل فيه الحرمة، وقد جاء عن بعض السلف تفضيل الرباط على الطلب لأن الأول حقن لدماء المسلمين بخلاف غيره فهو إراقة والحقن للمعصوم خير من إراقة المهدور.
إذن قلب مسألة التترس بمعنى هو أولى مع نقل الاتفاق عليها فضلا عن نقل الاتفاق على هذه يقوي الظن كثيرا بالقول بها.
ثم بعد نصرة منطوق الحديث إن تصحيحا أو تفقها يبقى أن يقال:
إن كان هذا لمعنى غير تعبدي (والمسألة هنا في المعاملات المعللة) فإن كانت العلة ما سبق ذكره من خوف الضرر البالغ، فهل هذه الصورة منحصرة فحسب في الغزو حتى ولو ثبتت العلة في غيرها أو قل أشد!؟ وهل الحد هنا (حد السرقة) فحسب؟
الجواب وفق طريق أهل القياس بل يدور الحكم مع علته وكلما قوي ثبوت العلة كان الحكم أثبت.
نأتي الآن لنسأل هل إمكان اللحاق بالعدو إثر الحد مع العولمة والتقنية التي تسهل التواصل، بل وجود الدبلماسية والاقتصاد بصورته الحديثة، والتحالفات بين الدول الكبرى التي تسعى للاستفادة من أي ورقة للضغط، بل وجود الإعلام والتعليم الحديث كذا الجمعيات والمواثيق الذي يزيد إثارة (الحميّة)، واللحاق بالعدو لم يعد بصورة فردية! بل نتحدث عن أقاليم (جنوب السودان) مثلا!
أعلم أني أطلت وإن لم أستوف بياني، وأعلم حساسية الموضوع لدى كثير من الناس وقلت ما سبق على وجه البحث (تفقها) كما يقال، ولعلي أظفر بتفنيد لهذه الخطرات أو نقد يقلل اتساعها، ومن كان عنده فضل علم فليجد، ودمتم بخير.
تعليق:

الأخ يوسف سمرين بارك الله فيك أرى أن هذا المبحث بحاجة لمزيد من التقصي والتحرير إذ أنه كما لا يخفاك مرتبط بذيول عديدة تحتاج لمزيد تحرير وبيان فمن ذلك تحرير الراجح في ثبوت صحبة بسر بن ارطاة وتوثيقه والتوثق من الاجماع الذي نقله ابن قدامة وتحرير القول في شأن التترس وكذا لا بد من استيعاب اقول العلماء الذين يخالفون في ذلك كله مع سبر ادلتهم ايضا وهو ما يقتضيه التجرد العلمي في البحث وعدم الميل الى قول دون قول قبل الموازنة بين الحجج التي يسوقها كل فريق ولعله من المبكر الاستطراد في استنباط العلل ونقل الاقوال فيها والقياس عليها قبل القيام بالحكم على صحة المنقول في هذا المبحث وأود التنبيه على ما جاء في التساؤل الذي سقته اخيرا انه قد يكون ذريعة لتسويغ تعطيل جميع الحدود ني جميع الاحوال في هذا الزمان ناهيك أنه يعد قياسا مع الفارق في حال احتمال صحة حديث بسر فالحديث يخصص حكما عاما والقياس الذي المحت اليه يرجع بالتخصيص الى العموم وهو خروج عن منطوق الحديث ومفهومه ولإن صح ذلك تنزلا فينبغي تعطيل اي رادع مجتمعي شرعيا كان أو وضعيا مادام انه قد يؤدي الى لحوق المعاقبين بدار الحرب وهو ما يحل اي مجتمع من أهم اسيجته وحدوده ولئن بلغ بالفرد الفساد الى ان يلحق بدار الحرب لمجرد تطبيق ما استوجب في حقه من الردع والعقاب فلا حاجة للمجتمع ببقائه بل خروجه والاستراحة من افساده اخف ضررا من بقائه مع عدم ردعه ولا تخفاك قصة الثلاثة الذين خلفوا وكيف ان احدهم قد يسر له اللحاق بدار الكفار ومع علم الله تعالى بذلك لم يمنع استمرار عقوبتهم والله تعالى اعلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق