إضاءة في المادية الجديدة:
لطالما خشيت المبالغات والمشاعر المرهفة في
الخطابات الادبية! فليست بذلك الحصان الذي يراهن عليه في مضمار الفكر، انه اي
الفكر واضح صريح حاد مدبب! لذا ساحاول ان ابتعد قدر الامكان عن المجازات والصور
الفنية، والتشبيهات البلاغية، وسأشرع في مضمون هذه الإضاءة.
قسم الفلاسفة السوفييت الافكار الى قسمين: مثالية، ومادية، وكانوا يصنفون الافكار الدينية على انها مثالية، كما كانت فلسفة هيغل (الفكر/الروح المطلق) قبل المادة! في تركيبه الديلكتيكي والذي وصف انجلز ما فعله هو وماركس في ذلك الديلكتيك بانه كان قائما على رأسه فقلبوه وجعلوه واقفا على قدميه، بمعنى ان الاساس في الديلكتيك ليس هو الفكر أو الروح المطلق انما هي المادة، افانا سييف احد المفكرين السوفييت يعرف المادة بانها كل ما هو خارج الذهن بمعنى ما له وجود حقيقي، بمعنى انه ثابت في الأعيان، وليس مجرد افتراض في الأذهان.
كان لينين يقول بان قضية ايها اسبق المادة ام الفكر محسومة، فالعلم اثبت ان الكون (المادي) قبل ان يوجد الانسان اصلا فكيف سيكون الفكر قبل المادة!!
لطالما حاول المؤمنون بوجود خالق (إله) أن يردوا على مزاعم ماركس وأتباعه الإلحاديين، وكانت فلسفاتهم تتهم من قبل الماديين الماركسيين بأنها (مثالية)! لنأخذ مثلا ديكارت أحد المفكرين المؤمنين بالإله كيف حاول ان يثبت وجود الله؟ بأن الفكرة عنه كاملة في العقل ولابد ان يكون موجودا كونها ثابتة مستقرة! وهنا كانت الردود المادية عليه تترا! كيف لك أن تجزم بوجود شيء خارجي، لمجرد وضوح تصورك لوجوده!
الاعتقاد بأزلية المادة، ونفي اسبقية الفكر عليها كان يترجم في المدرسة التي وصفها الماديون بالمثالية بأنه كفر وخروج عن القيم الأخلاقية وقتل للروح! فليس الإنسان مجرد آلة ولا مجرد قرية نمل كما هو حال الماركسية الاشتراكية!
هذه الاتهامات ليست الا ادخالا لعناصر أجنبية على موضع الخلاف الرئيسي! هل يوجد شيء ليس ماديا؟ باعتبار التعريف للمادة انها شيء ثابت في الاعيان!؟
هذا محور الخلاف، وهذه نقطة البحث.
في تراث الإسلاميين نجد نماذج للمدرسة (المثالية) وخصمها (المادية) فالمثالية نجدها عند المعتزلة التي تعتقد ان الله موجود لكن دون ان يشار اليه! ولا ان يوصف الا باعتبار الصفات عين الذات! اما ابن سينا فيعتبر ان العلم الالهي مبحث في الموجودات لا في الاعيان ولا الاذهان ويثبت الله على انه يمكن وصفه بالاضافة أو بشرط السلب! معنى الاضافة (رب الكعبة، رب الكون) اما السلب (ليس جسما ولا جوهرا ولا مركبا) الخ!
هذه المدرسة اعني مدرسة ابن سينا اثبتت وجودا مطلقا لله وهو اشبه شيء بما تصوره هيغل عن الروح المطلق، مع فارق ان ابن سينا اثبت الوجود المطلق وهيغل اثبت الروح المطلق الحال في الاشياء، بعض الدارسين يعيد هذا التصور الهيغلي الى ابن عربي الصوفي والذي اعتقد بوحدة الوجود، بمعنى ان الله موجود والكون هو عين وجود الرب، ابن تيمية يعتبر ان فلسفة ابن عربي نتيجة طبيعية لتلك الفلسفة التجريدية المثالية، فانت ان نفيت الصفات العينية (المادية بلغة اخرى) ستقع بإشكال إما اثبات وجود مطلق مساو للعدم فعليا، أو اثبات وجود هو عين وجود المخلوق! إذ انت لم تثبته وجودا معينا قائما بذاته فاما ان يكون هذا المشاهد أو هو مجرد افتراض ذهني!
المدرسة الاشعرية حاولت ان توفق بين مدرسة الحديث التي اعتبرها المعتزلة والفلاسفة (مجسمة) أو مادية في التعبير العصري، وبين مدرسة المثاليين (الفلاسفة طبعا بعرفهم كان وصفا لاتباع ارسطو وافلاطون كابن سينا والفارابي وهذا وصف نجده متجذرا عند اتباع الغزالي صاجب تهافت الفلاسفة)، الا انها اذا تجاوزنا الخلافات الطويلة في تفسير بعض عبارات الاشعري نفسه، انحازت الى المدرسة (المثالية) ولذا نجدهم يثبتون إلها لا هو داخل العالم ولا خارج العالم!! ويدور كلامهم في الحقيقة حول فكرة مجردة كما وصفهم ابن تيمية.
ولذا كان عند كثيرين من المدرسة المثالية الروح نقيضا للمادة، والروح على تعريف ان المادة كل ما هو خارج الذهن أو كل ما هو ثابت في الواقع ستكون الروح على هذا مجرد فكرة! لا واقع لها الا في الذهن، وهذا ما يمكن به فهم نص نيتشة حين قال:
" ان من قال (ان الله روح) قد خطا الخطوة العظمى نحو الجحود، وليس من السهل اصلاح ما تفسده مثل هذه الكلمة في العالم "
(هكذا تكلم زرادشت، فريدريك نيتشة، ترجمة فليكس فارس، دار القلم بيروت - لبنان، ص 337)
نيتشة نفسه اتهمه الفلاسفة السوفييت بالمثالية علما انه لم يكن يؤمن بإله، بل قد دون في كتابه هكذا تكلم زردشت ان الاله قد مات، الا انه كما كان هيغل يعتقد بوجود الروح المطلق الذي حل في المادة عبر التاريخ ومراحله الى ان يكتمل في الختام، فقد اعتقد بان هناك سلطة أو نفوذ يسري في التاريخ، وهذا ما فسره الماديون الماركسيون انه مثالية اي ايمان بفكرة لا واقع لها خارج الذهن.
ازلية الكون باعتبار المادة ازلية كانت شغلا شاغلا لكثير من الملحدين، ولما صارت نظرية الانفجار الكبير شبه مسلمة وان الكون يتمدد بمعنى ان له بداية كان هذا خبرا مفرحا بالنسبة لكثير من المثاليين، وظنوا انهم بذا قضوا على المادية الى حيث لا رجعة، وتسلسل فكرتهم تقول بان الكون ثبت انه بدأ وهذا يثبت ان الكون له خالق قبل الزمان والمكان.
ستيفن هوكنج في كتابه موجز تاريخ الزمن، نصر القول بان الكون له بداية بالانفجار الكبير لكنه في الوقت ذاته نصر ان الكون ازلي!!
وذلك بجوابه ان الزمن قبل الانفجار الكبير = صفر! وبالتالي لا يمكن ان نسأل ماذا حصل قبل الانفجار الكبير!
وبالتالي يحاول هوكنج أن يقلب الطاولة على من يريد تعزيز نظرته الايمانية بقضية الانفجار الكبير. ويقول اذا كان لا يوجد زمان ولا مكان قبل الانفجار الكبير فمن الغلط ان يسأل أحد عما قبل الانفجار فهذا سؤال عن زمن وهو غير موجود!! بل = 0!
هوكنج يعتبر الكون وحدة متكاملة مغلقة على ذاتها، الزمن نسبي وهو حبيس فيها، وكلامه عن كون الزمن = 0 قبل هو بعبارة اخرى لا نقدر على معرفة الزمن قبل الانفجار العظيم بأن الزمن عمليا نشأ بعده ونحن لا نعرف ما كان قبل الانفجار الكبير، كما أننا لما كنا لا نعرف شيئا قبل الانفجار الكبير فهذا ينفي اي محاولة للسؤال عن القبل، لكن في الواقع هو يقول كوني لا اقدر على حساب الزمان خارج الكون يعني انه لم يوجد الا داخل الزمن، وانه قبل الانفجار الكبير = 0! وهو هنا يستنبط اثباتا من نفي! فكونه لا يعلم = انه يعلم!، كونه لا يقدر على حساب الزمن يعني انه لا يوجد زمن!!
اذا قلنا ان الزمن نسبي باعتبار حدث لغيره، فسيكون هناك زمن مختلف عن زماننا لكن باعتبار من علم ذلك الحدث الذي سبق الانفجار الكوني.
هنا نجد اشكالا اصليا قائما على غموض كلمة زمن، لو نظرنا هذه الكلمة على ماذا تدل لوجدنا انها تدل على علاقة بين حدث وغيره، مثلا طلوع الشمس بموت فلان، فليس الزمن الا كلمة تجريدية تصف أحداثا مادية خارج الذهن! وكونه لا يمكن حسابه ذهنيا خارج الكون لا يعني عدم وجود اي حدث خارج الكون، واعتبار انه وحدة واحدة ولا يوجد شيء خارجي وهذا سؤال خارج اطار (العلم) والفيزياء لا تجيب عليه فالحد الفاصل بين العلم وغيره كما يقول كارل بوبر أن العلم ما كان قابلا للتحقق والتفنيد، وهذا الذي طرحه هوكنج انما هو اشكال ميتفيزيائي كما لا يوجد فيه ذلك التسلسل المنطقي.
كانت محاولة هوكنج محاولة للتأكيد على أزلية الكون باعتبار الزمن يبدأ منه، وبما أنه لا يعلم شيئا قبل الانفجار الكبير فستكون حساباته للزمن = 0، لكن كل هذا وصف لحاله هو وليس للمادة! أو ما هو خارج ذهنه.
ثم نجد كذلك كثيرين من المثاليين يريدون ان يثبتوا سببا قبل الانفجار الكوني خارج اطار المادة، والتي سبق تعريفها بانها الشيء الثابت خارج الذهن، ولما وجدوا ان هوكنج نفى الزمن قبل الكون حاولوا ان يثبتوا شيئا خارج الزمان - المكان، لكن لو تم تسليم وجود شيء قبل الانفجار الكبير لقيل ان نسبة وجوده السابق على الانفجار الى وقوعه هي زمن نسبي يختلف باختلاف الحدث المعتبر. وهذا يدل على ان المدرسة المثالية تتحدث بفرضيات ذهنية لا واقع لها!
المادية والمثالية تمتد معركتها لتصل الى مناطق اخرى، ومنها خواص الاشياء عبر تراثنا الإسلامي، أو ما عرف باسم (التحسين والتقبيح العقلي) والذي نفته المدرسة الاشعرية بناء على نسبية الحسن والقبح! وهذا شبيه بنفي الزمن خارج الكون بناء على نسبية الزمن! والحق ان الحسن والقبح يختلف باختلاف الظروف المادية المحيطة بالشيء، ولا يمكن نفي خاصية العقل الاولى وهي التمييز! وأعقب هذا النفي (المبتدع) على وصف ابن تيمية، الزامات كبيرة على المدرسة الاشعرية، فلو قبل ان الحسن هو فقط ما حسنه الشرع، وان الله فعال لما يريد، وان الاصلح لا يجب عليه، وان الشيء في ذاته لا يوجد له خاصية تدرك بالعقل، لقيل بتجويز الكذب على الله!! فما الذي يمنعه من الكذب؟ ان كان لا يجب عليه فعل الاصلح، ام لا يقدر عليه! وهذا فيه تعجيز لله عن فعل ممكن، وهل الذي حدد قبح الكذب الا خاصية ادركها العقل! وهذه كلها إلزامات المعتزلة على المدرسة الاشعرية كما فعل القاضي عبد الجبار المعتزلي في شرح الأصول الخمسة.
التحسين والتقبيح العقلي مرتبط اساسا بالطبيعة الخارجية للأشياء، فكون الشيء حسنا يعني بناء على هذا ان فيه خاصية أو ان الظروف المادية فيها خاصية تقضي بحسنه، ولو لم يحكم العقل بحسنه لكان حكمه خاطئا، تبعا للحقيقة الخارجية، وهذا يجرنا لقضية مرتبطة جدا بما قلناه وهي اذا كان العقل يحسن ويقبح وهذه خاصية في العقل، واذا كان الحسن والقبح خارج الذهن ثابتا بحقائق ثابتة، واذا كانت الشريعة لا تأتي إلا بحسن الحسن وقبح القبيح خلافا للأشعرية التي تعلق الامر بمحض المشيئة! وأن الحسن انما صار حسنا للشرع لا لكونه حسنا بذاته!!
هنا يقال هل هناك تعارض بين العقل والنقل، عند ابن تيمية لما كان النقل متوافقا مع التحسين والتقبيح العقلي، وهذا مرتبط اساسا بالمادة اي بالشيء الخارج عن الذهن اذن السؤال هل يتعارض العقل والنقل هو ذاته السؤال هل العقل يتعارض مع الواقع!؟ وهذا مبني على التسلسل الذي ذكرناه، فانه اذا كان النقل = العقل، والعقل = الحقائق (المادية)، اذن النقل = المادة!! وهي الحقيقة الخارجية.
فافتراض التعارض بين العقل والنقل هو افتراض التعارض بين العقل والواقع على القول بالتحسين والتقبيح العقلي.
فاي افتراض للتعارض بين العقل والنقل هو افتراض للتعارض بين النقل والواقع، أو الواقع والعقل، وهذا لا يكون بناء على هذا الذي سلف، الحقيقة لا تناقض فيها.
لما نقول النقل = المادة.
ماذا نعني بهذا؟
قلنا ان المادة هي الشيء الثابت خارج الذهن، ولكن النقل لا يتحدث فقط عن الشيء الثابت خارج الذهن وهو يتحدث عن حقيقة فقد يكون ثابتا خارج الذهن فيما يتعلق بالاخبار لا بالاوامر والنواهي، وهنا يمكن تقسيم الحقيقة الى قسمين:
1 - حقيقة الشيء الخارجية.
2 - علاقة الاشياء فيما بينها.
اما القضية الاولى فهي الحقيقة الخارجة عن الذهن وهي الثابتة في الاعيان.
اما الثانية فالحديث عن علاقة عملية بين الاشياء اما منعا واما فعلا لنتائج مادية واقعية.
والثانية هذه تتحدث عن خواص الاشياء المادية ونتائجها المادية المعتبرة في قضية الحسن والقبح العقلي.
الا ان علاقة الاشياء ببعضها كثيرا ما تكون مظنونة في العقل ولذا كلما ازددت يقينا كلما بعدت عن الواقع كما يقول بوبر.
وعلاقة الاشياء ببعضها هي الجانب المتعلق بالأوامر والنواهي الشرعية.
اذن العقل يتصور الحقائق الخارجية ويوازن علاقة الاشياء ببعضها ما بين سبب وشرط ومانع ونتيجة.. الخ، ويقيس على ما تم تصويره، عبر تفاعل بين مادته (الدماغ) والمادة الخارجية.
فالحكم العقلي بان هذا ممنوع يكون بقدر مفاسده الموضوعية (خارج الذهن) التي تربو على مصالحه الواقعية، والواجب بعكس هذا، فلو قدر ان العقل حكم بمنع ما لا سبب موضوعيا له خارج الذهن لكان حكمه خطلا.
ولو اقام العقل سببا بين شيء وشيء وهو في الواقع ليس بسبب لكان خطلا شرعا وواقعا، بل ان محمد صالح العثيمين في شرحه على كتاب التوحيد يضع ضابطا للشرك الأصغر بأنه جعل ما ليس بسبب سببا!! كمن يجعل التميمة سببا في دفع الشر ونحوه!
اذن العقل يتصور الشيء، ويوازن علاقة الاشياء ببعضها بما فيها الإنسان نفسه، وكثيرا ما يكون الاشكال ليس في مجرد التصور بل في العلاقات بين الأشياء.
وعندنا في الشرع مبحث للواجب الكفائي ويقال انه ما قصد منه الفعل بقطع النظر عن الفاعل، ولعلنا بربطنا قضية الأسباب الخارجية به نقول هو ما قصد منه المفعول بقطع النظر عن الفعل والفاعل ان لم يكن الفعل تعبديا، فالمقصد هو النتيجة بناء على الأسباب وليس مجرد الفعل! ولكن الاشاعرة لا يفرقون بين الفعل والمفعول كما سلفهم المعتزلة فلعل هذه المسألة علق بها هذا الاصل فليحرر.
فالعقل هو الميزان الذي يحرص على تكميل المصالح الحقيقية (المادية) وتخفيف المفاسد.
ويجعلنا نربط المسببات بنتائجها واي نظرية بطرحها العقل في علاقة الاشياء ببعضها محكها التجربة، فان فشلت كان هذا حكما بالفشل القياسي للعقل.
لكن يبقى عندنا مبحث المصالح والمفاسد اذ هو مبحث غامض ونسبي.
لابد من تحديد شيء يمكن ان تقاس به المصالح والمفاسد. والا فكل مصلحة هي بنفسها قد يكون تركها ان وجدت مفسدة، ولذا لن نفهم كثيرا من القواعد الفقهية دون هذا الضابط، فقولهم مثلا درء المفاسد اولى من جلب المصالح لن يفهم دون تحديد ما المقصود، وهنا يقصد به المفاسد والمصالح من نفس الرتبة باعتبار (الضروري، الحاجي، التحسيني) والا فجلب المصالح (الحاجية) أولى من درء المفاسد التحسينية.
كذا قولهم المحرم لغيره يباح للمصلحة أو الحاجة فهنا لا يفهم معنى المصلحة بالاطلاق المذكور انما هي مصلحة حاجية لا تحسينية.
وهذا باعتبار الواقع المادي (الحقيقي الثابت خارج الذهن) وباعتبار الشرع لا مجرد الشرع فحسب كما تصورته المدرسة الأشعرية!
اذ متى ثبت خلاف ما استنتجه العقل وفق هذه النظريات في النتائج الواقعية خارج الذهن يكون استنتاج العقل باطلا. ويجب عليه ان يعيد حساباته النظرية.
اذا فهمنا الأمر على ما سبق سنربط الحقائق ببعضها وسيهمنا تصور ماهيتها قدر الإمكان، سنرى أن الكلمة عبارة عن مادة (صوت، ايماء، خط، حتى حركات دماغية) تعبر عن معنى حقيقي، مرتبط بالمادة، وبالتالي سيكون من الثرثرة وعدم الجدوى الحديث بكلمات لا ارتباط لها بالوقائع! الا على وجه الترفيهات البلاغية والمجازية الخيالية الحالمة!
وسنرى ان المادة الخارجية تحتم صراعات طبقية، يجب ان تفهم على الأقل على مستوى الوعي المتفاعل مع واقعه، هذه الصراعات التي سيكون نشر الوعي الفلسفي والشرعي طريقا فيها لنضال طويل للحرية السوية في وجه العبودية المقيتة.
سترى ان النتائج محكومة بأسبابها، واختلاف الأسباب قطعا سيجعل النتائج مختلفة، وسأعطي مثالا على هذا لتصوره، لو نظرنا لحد كحد الزنا مثلا لغير المحصن فهو الجلد، لو كان هذا المجلود ضعيفا ولا يقوى على ضربه وقد يموت، هل يقال يجلد وقد اختلفت المعطيات المادية!؟ لا يجلد وهذا بضابط يعرف بأنه مراعات مفسدة لا تلازم الحد بل تزيد على مثله.
انظر كذلك موضوع قطع يد السارق في الغزو، لا تقطع الايدي في الغزو كما في حديث بسر بن ارطأة ونقل الإجماع على هذا ابن قدامة في المغني، واستشهد بإجماعه ابن القيم وعلله بالمصالح والمفاسد كما في اعلام الموقعين، انظر كيف اختلف الحكم باختلاف المعطيات المادية.
ستكون النتائج فيصلا في الحكم على تصورات عقلية زعمت انها تعرف ادارة الامور لتصل الى نتائج معينة، ومتى ما خالفت النتائج تلك القياسات العقلية قلنا فشلت تلك النظرية واقعا وبالتالي يجب اعادة بناء النظريات (تصور العلاقات بين الاشياء المادية).
سيتم التركيز على البحث الموضوعي (في المادة) وعدم الاكتراث كثيرا للقضايا الذاتية التي لا تتحدث عن الماهيات الخارجية.
وستسود لغة الارقام بدل الشعارات الأليجاركية التافهة.
سنتعامل بمشترك انساني في مفاهيم كثيرة وقد تم تحديدها ماديا، كما (النصر/الهزيمة) وسنفهم أن النبي صلى الله عليه واله وسلم سلّم هزيمة أحد وفق مشترك انساني عندما خاطبه ابو سفيان (يوما بيوم) فقال لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، فسلم اليوم المادي ولكن نفى التساوي يوم القيامة ماديا. لكن لاحظ هناك مشترك في التفاهم حول مفهوم الخسارة المادية يوما بيوم بمعنى هذا اليوم فيكم كيوم بدر فينا! فلم يقل له كلا!!
اعتذر لانني اطلت في مقالي، ولكن للضرورة احكامها، وانما كانت اضاءة قابلة للبحث والنقد المتكرر. ودمتم باحثين.
قسم الفلاسفة السوفييت الافكار الى قسمين: مثالية، ومادية، وكانوا يصنفون الافكار الدينية على انها مثالية، كما كانت فلسفة هيغل (الفكر/الروح المطلق) قبل المادة! في تركيبه الديلكتيكي والذي وصف انجلز ما فعله هو وماركس في ذلك الديلكتيك بانه كان قائما على رأسه فقلبوه وجعلوه واقفا على قدميه، بمعنى ان الاساس في الديلكتيك ليس هو الفكر أو الروح المطلق انما هي المادة، افانا سييف احد المفكرين السوفييت يعرف المادة بانها كل ما هو خارج الذهن بمعنى ما له وجود حقيقي، بمعنى انه ثابت في الأعيان، وليس مجرد افتراض في الأذهان.
كان لينين يقول بان قضية ايها اسبق المادة ام الفكر محسومة، فالعلم اثبت ان الكون (المادي) قبل ان يوجد الانسان اصلا فكيف سيكون الفكر قبل المادة!!
لطالما حاول المؤمنون بوجود خالق (إله) أن يردوا على مزاعم ماركس وأتباعه الإلحاديين، وكانت فلسفاتهم تتهم من قبل الماديين الماركسيين بأنها (مثالية)! لنأخذ مثلا ديكارت أحد المفكرين المؤمنين بالإله كيف حاول ان يثبت وجود الله؟ بأن الفكرة عنه كاملة في العقل ولابد ان يكون موجودا كونها ثابتة مستقرة! وهنا كانت الردود المادية عليه تترا! كيف لك أن تجزم بوجود شيء خارجي، لمجرد وضوح تصورك لوجوده!
الاعتقاد بأزلية المادة، ونفي اسبقية الفكر عليها كان يترجم في المدرسة التي وصفها الماديون بالمثالية بأنه كفر وخروج عن القيم الأخلاقية وقتل للروح! فليس الإنسان مجرد آلة ولا مجرد قرية نمل كما هو حال الماركسية الاشتراكية!
هذه الاتهامات ليست الا ادخالا لعناصر أجنبية على موضع الخلاف الرئيسي! هل يوجد شيء ليس ماديا؟ باعتبار التعريف للمادة انها شيء ثابت في الاعيان!؟
هذا محور الخلاف، وهذه نقطة البحث.
في تراث الإسلاميين نجد نماذج للمدرسة (المثالية) وخصمها (المادية) فالمثالية نجدها عند المعتزلة التي تعتقد ان الله موجود لكن دون ان يشار اليه! ولا ان يوصف الا باعتبار الصفات عين الذات! اما ابن سينا فيعتبر ان العلم الالهي مبحث في الموجودات لا في الاعيان ولا الاذهان ويثبت الله على انه يمكن وصفه بالاضافة أو بشرط السلب! معنى الاضافة (رب الكعبة، رب الكون) اما السلب (ليس جسما ولا جوهرا ولا مركبا) الخ!
هذه المدرسة اعني مدرسة ابن سينا اثبتت وجودا مطلقا لله وهو اشبه شيء بما تصوره هيغل عن الروح المطلق، مع فارق ان ابن سينا اثبت الوجود المطلق وهيغل اثبت الروح المطلق الحال في الاشياء، بعض الدارسين يعيد هذا التصور الهيغلي الى ابن عربي الصوفي والذي اعتقد بوحدة الوجود، بمعنى ان الله موجود والكون هو عين وجود الرب، ابن تيمية يعتبر ان فلسفة ابن عربي نتيجة طبيعية لتلك الفلسفة التجريدية المثالية، فانت ان نفيت الصفات العينية (المادية بلغة اخرى) ستقع بإشكال إما اثبات وجود مطلق مساو للعدم فعليا، أو اثبات وجود هو عين وجود المخلوق! إذ انت لم تثبته وجودا معينا قائما بذاته فاما ان يكون هذا المشاهد أو هو مجرد افتراض ذهني!
المدرسة الاشعرية حاولت ان توفق بين مدرسة الحديث التي اعتبرها المعتزلة والفلاسفة (مجسمة) أو مادية في التعبير العصري، وبين مدرسة المثاليين (الفلاسفة طبعا بعرفهم كان وصفا لاتباع ارسطو وافلاطون كابن سينا والفارابي وهذا وصف نجده متجذرا عند اتباع الغزالي صاجب تهافت الفلاسفة)، الا انها اذا تجاوزنا الخلافات الطويلة في تفسير بعض عبارات الاشعري نفسه، انحازت الى المدرسة (المثالية) ولذا نجدهم يثبتون إلها لا هو داخل العالم ولا خارج العالم!! ويدور كلامهم في الحقيقة حول فكرة مجردة كما وصفهم ابن تيمية.
ولذا كان عند كثيرين من المدرسة المثالية الروح نقيضا للمادة، والروح على تعريف ان المادة كل ما هو خارج الذهن أو كل ما هو ثابت في الواقع ستكون الروح على هذا مجرد فكرة! لا واقع لها الا في الذهن، وهذا ما يمكن به فهم نص نيتشة حين قال:
" ان من قال (ان الله روح) قد خطا الخطوة العظمى نحو الجحود، وليس من السهل اصلاح ما تفسده مثل هذه الكلمة في العالم "
(هكذا تكلم زرادشت، فريدريك نيتشة، ترجمة فليكس فارس، دار القلم بيروت - لبنان، ص 337)
نيتشة نفسه اتهمه الفلاسفة السوفييت بالمثالية علما انه لم يكن يؤمن بإله، بل قد دون في كتابه هكذا تكلم زردشت ان الاله قد مات، الا انه كما كان هيغل يعتقد بوجود الروح المطلق الذي حل في المادة عبر التاريخ ومراحله الى ان يكتمل في الختام، فقد اعتقد بان هناك سلطة أو نفوذ يسري في التاريخ، وهذا ما فسره الماديون الماركسيون انه مثالية اي ايمان بفكرة لا واقع لها خارج الذهن.
ازلية الكون باعتبار المادة ازلية كانت شغلا شاغلا لكثير من الملحدين، ولما صارت نظرية الانفجار الكبير شبه مسلمة وان الكون يتمدد بمعنى ان له بداية كان هذا خبرا مفرحا بالنسبة لكثير من المثاليين، وظنوا انهم بذا قضوا على المادية الى حيث لا رجعة، وتسلسل فكرتهم تقول بان الكون ثبت انه بدأ وهذا يثبت ان الكون له خالق قبل الزمان والمكان.
ستيفن هوكنج في كتابه موجز تاريخ الزمن، نصر القول بان الكون له بداية بالانفجار الكبير لكنه في الوقت ذاته نصر ان الكون ازلي!!
وذلك بجوابه ان الزمن قبل الانفجار الكبير = صفر! وبالتالي لا يمكن ان نسأل ماذا حصل قبل الانفجار الكبير!
وبالتالي يحاول هوكنج أن يقلب الطاولة على من يريد تعزيز نظرته الايمانية بقضية الانفجار الكبير. ويقول اذا كان لا يوجد زمان ولا مكان قبل الانفجار الكبير فمن الغلط ان يسأل أحد عما قبل الانفجار فهذا سؤال عن زمن وهو غير موجود!! بل = 0!
هوكنج يعتبر الكون وحدة متكاملة مغلقة على ذاتها، الزمن نسبي وهو حبيس فيها، وكلامه عن كون الزمن = 0 قبل هو بعبارة اخرى لا نقدر على معرفة الزمن قبل الانفجار العظيم بأن الزمن عمليا نشأ بعده ونحن لا نعرف ما كان قبل الانفجار الكبير، كما أننا لما كنا لا نعرف شيئا قبل الانفجار الكبير فهذا ينفي اي محاولة للسؤال عن القبل، لكن في الواقع هو يقول كوني لا اقدر على حساب الزمان خارج الكون يعني انه لم يوجد الا داخل الزمن، وانه قبل الانفجار الكبير = 0! وهو هنا يستنبط اثباتا من نفي! فكونه لا يعلم = انه يعلم!، كونه لا يقدر على حساب الزمن يعني انه لا يوجد زمن!!
اذا قلنا ان الزمن نسبي باعتبار حدث لغيره، فسيكون هناك زمن مختلف عن زماننا لكن باعتبار من علم ذلك الحدث الذي سبق الانفجار الكوني.
هنا نجد اشكالا اصليا قائما على غموض كلمة زمن، لو نظرنا هذه الكلمة على ماذا تدل لوجدنا انها تدل على علاقة بين حدث وغيره، مثلا طلوع الشمس بموت فلان، فليس الزمن الا كلمة تجريدية تصف أحداثا مادية خارج الذهن! وكونه لا يمكن حسابه ذهنيا خارج الكون لا يعني عدم وجود اي حدث خارج الكون، واعتبار انه وحدة واحدة ولا يوجد شيء خارجي وهذا سؤال خارج اطار (العلم) والفيزياء لا تجيب عليه فالحد الفاصل بين العلم وغيره كما يقول كارل بوبر أن العلم ما كان قابلا للتحقق والتفنيد، وهذا الذي طرحه هوكنج انما هو اشكال ميتفيزيائي كما لا يوجد فيه ذلك التسلسل المنطقي.
كانت محاولة هوكنج محاولة للتأكيد على أزلية الكون باعتبار الزمن يبدأ منه، وبما أنه لا يعلم شيئا قبل الانفجار الكبير فستكون حساباته للزمن = 0، لكن كل هذا وصف لحاله هو وليس للمادة! أو ما هو خارج ذهنه.
ثم نجد كذلك كثيرين من المثاليين يريدون ان يثبتوا سببا قبل الانفجار الكوني خارج اطار المادة، والتي سبق تعريفها بانها الشيء الثابت خارج الذهن، ولما وجدوا ان هوكنج نفى الزمن قبل الكون حاولوا ان يثبتوا شيئا خارج الزمان - المكان، لكن لو تم تسليم وجود شيء قبل الانفجار الكبير لقيل ان نسبة وجوده السابق على الانفجار الى وقوعه هي زمن نسبي يختلف باختلاف الحدث المعتبر. وهذا يدل على ان المدرسة المثالية تتحدث بفرضيات ذهنية لا واقع لها!
المادية والمثالية تمتد معركتها لتصل الى مناطق اخرى، ومنها خواص الاشياء عبر تراثنا الإسلامي، أو ما عرف باسم (التحسين والتقبيح العقلي) والذي نفته المدرسة الاشعرية بناء على نسبية الحسن والقبح! وهذا شبيه بنفي الزمن خارج الكون بناء على نسبية الزمن! والحق ان الحسن والقبح يختلف باختلاف الظروف المادية المحيطة بالشيء، ولا يمكن نفي خاصية العقل الاولى وهي التمييز! وأعقب هذا النفي (المبتدع) على وصف ابن تيمية، الزامات كبيرة على المدرسة الاشعرية، فلو قبل ان الحسن هو فقط ما حسنه الشرع، وان الله فعال لما يريد، وان الاصلح لا يجب عليه، وان الشيء في ذاته لا يوجد له خاصية تدرك بالعقل، لقيل بتجويز الكذب على الله!! فما الذي يمنعه من الكذب؟ ان كان لا يجب عليه فعل الاصلح، ام لا يقدر عليه! وهذا فيه تعجيز لله عن فعل ممكن، وهل الذي حدد قبح الكذب الا خاصية ادركها العقل! وهذه كلها إلزامات المعتزلة على المدرسة الاشعرية كما فعل القاضي عبد الجبار المعتزلي في شرح الأصول الخمسة.
التحسين والتقبيح العقلي مرتبط اساسا بالطبيعة الخارجية للأشياء، فكون الشيء حسنا يعني بناء على هذا ان فيه خاصية أو ان الظروف المادية فيها خاصية تقضي بحسنه، ولو لم يحكم العقل بحسنه لكان حكمه خاطئا، تبعا للحقيقة الخارجية، وهذا يجرنا لقضية مرتبطة جدا بما قلناه وهي اذا كان العقل يحسن ويقبح وهذه خاصية في العقل، واذا كان الحسن والقبح خارج الذهن ثابتا بحقائق ثابتة، واذا كانت الشريعة لا تأتي إلا بحسن الحسن وقبح القبيح خلافا للأشعرية التي تعلق الامر بمحض المشيئة! وأن الحسن انما صار حسنا للشرع لا لكونه حسنا بذاته!!
هنا يقال هل هناك تعارض بين العقل والنقل، عند ابن تيمية لما كان النقل متوافقا مع التحسين والتقبيح العقلي، وهذا مرتبط اساسا بالمادة اي بالشيء الخارج عن الذهن اذن السؤال هل يتعارض العقل والنقل هو ذاته السؤال هل العقل يتعارض مع الواقع!؟ وهذا مبني على التسلسل الذي ذكرناه، فانه اذا كان النقل = العقل، والعقل = الحقائق (المادية)، اذن النقل = المادة!! وهي الحقيقة الخارجية.
فافتراض التعارض بين العقل والنقل هو افتراض التعارض بين العقل والواقع على القول بالتحسين والتقبيح العقلي.
فاي افتراض للتعارض بين العقل والنقل هو افتراض للتعارض بين النقل والواقع، أو الواقع والعقل، وهذا لا يكون بناء على هذا الذي سلف، الحقيقة لا تناقض فيها.
لما نقول النقل = المادة.
ماذا نعني بهذا؟
قلنا ان المادة هي الشيء الثابت خارج الذهن، ولكن النقل لا يتحدث فقط عن الشيء الثابت خارج الذهن وهو يتحدث عن حقيقة فقد يكون ثابتا خارج الذهن فيما يتعلق بالاخبار لا بالاوامر والنواهي، وهنا يمكن تقسيم الحقيقة الى قسمين:
1 - حقيقة الشيء الخارجية.
2 - علاقة الاشياء فيما بينها.
اما القضية الاولى فهي الحقيقة الخارجة عن الذهن وهي الثابتة في الاعيان.
اما الثانية فالحديث عن علاقة عملية بين الاشياء اما منعا واما فعلا لنتائج مادية واقعية.
والثانية هذه تتحدث عن خواص الاشياء المادية ونتائجها المادية المعتبرة في قضية الحسن والقبح العقلي.
الا ان علاقة الاشياء ببعضها كثيرا ما تكون مظنونة في العقل ولذا كلما ازددت يقينا كلما بعدت عن الواقع كما يقول بوبر.
وعلاقة الاشياء ببعضها هي الجانب المتعلق بالأوامر والنواهي الشرعية.
اذن العقل يتصور الحقائق الخارجية ويوازن علاقة الاشياء ببعضها ما بين سبب وشرط ومانع ونتيجة.. الخ، ويقيس على ما تم تصويره، عبر تفاعل بين مادته (الدماغ) والمادة الخارجية.
فالحكم العقلي بان هذا ممنوع يكون بقدر مفاسده الموضوعية (خارج الذهن) التي تربو على مصالحه الواقعية، والواجب بعكس هذا، فلو قدر ان العقل حكم بمنع ما لا سبب موضوعيا له خارج الذهن لكان حكمه خطلا.
ولو اقام العقل سببا بين شيء وشيء وهو في الواقع ليس بسبب لكان خطلا شرعا وواقعا، بل ان محمد صالح العثيمين في شرحه على كتاب التوحيد يضع ضابطا للشرك الأصغر بأنه جعل ما ليس بسبب سببا!! كمن يجعل التميمة سببا في دفع الشر ونحوه!
اذن العقل يتصور الشيء، ويوازن علاقة الاشياء ببعضها بما فيها الإنسان نفسه، وكثيرا ما يكون الاشكال ليس في مجرد التصور بل في العلاقات بين الأشياء.
وعندنا في الشرع مبحث للواجب الكفائي ويقال انه ما قصد منه الفعل بقطع النظر عن الفاعل، ولعلنا بربطنا قضية الأسباب الخارجية به نقول هو ما قصد منه المفعول بقطع النظر عن الفعل والفاعل ان لم يكن الفعل تعبديا، فالمقصد هو النتيجة بناء على الأسباب وليس مجرد الفعل! ولكن الاشاعرة لا يفرقون بين الفعل والمفعول كما سلفهم المعتزلة فلعل هذه المسألة علق بها هذا الاصل فليحرر.
فالعقل هو الميزان الذي يحرص على تكميل المصالح الحقيقية (المادية) وتخفيف المفاسد.
ويجعلنا نربط المسببات بنتائجها واي نظرية بطرحها العقل في علاقة الاشياء ببعضها محكها التجربة، فان فشلت كان هذا حكما بالفشل القياسي للعقل.
لكن يبقى عندنا مبحث المصالح والمفاسد اذ هو مبحث غامض ونسبي.
لابد من تحديد شيء يمكن ان تقاس به المصالح والمفاسد. والا فكل مصلحة هي بنفسها قد يكون تركها ان وجدت مفسدة، ولذا لن نفهم كثيرا من القواعد الفقهية دون هذا الضابط، فقولهم مثلا درء المفاسد اولى من جلب المصالح لن يفهم دون تحديد ما المقصود، وهنا يقصد به المفاسد والمصالح من نفس الرتبة باعتبار (الضروري، الحاجي، التحسيني) والا فجلب المصالح (الحاجية) أولى من درء المفاسد التحسينية.
كذا قولهم المحرم لغيره يباح للمصلحة أو الحاجة فهنا لا يفهم معنى المصلحة بالاطلاق المذكور انما هي مصلحة حاجية لا تحسينية.
وهذا باعتبار الواقع المادي (الحقيقي الثابت خارج الذهن) وباعتبار الشرع لا مجرد الشرع فحسب كما تصورته المدرسة الأشعرية!
اذ متى ثبت خلاف ما استنتجه العقل وفق هذه النظريات في النتائج الواقعية خارج الذهن يكون استنتاج العقل باطلا. ويجب عليه ان يعيد حساباته النظرية.
اذا فهمنا الأمر على ما سبق سنربط الحقائق ببعضها وسيهمنا تصور ماهيتها قدر الإمكان، سنرى أن الكلمة عبارة عن مادة (صوت، ايماء، خط، حتى حركات دماغية) تعبر عن معنى حقيقي، مرتبط بالمادة، وبالتالي سيكون من الثرثرة وعدم الجدوى الحديث بكلمات لا ارتباط لها بالوقائع! الا على وجه الترفيهات البلاغية والمجازية الخيالية الحالمة!
وسنرى ان المادة الخارجية تحتم صراعات طبقية، يجب ان تفهم على الأقل على مستوى الوعي المتفاعل مع واقعه، هذه الصراعات التي سيكون نشر الوعي الفلسفي والشرعي طريقا فيها لنضال طويل للحرية السوية في وجه العبودية المقيتة.
سترى ان النتائج محكومة بأسبابها، واختلاف الأسباب قطعا سيجعل النتائج مختلفة، وسأعطي مثالا على هذا لتصوره، لو نظرنا لحد كحد الزنا مثلا لغير المحصن فهو الجلد، لو كان هذا المجلود ضعيفا ولا يقوى على ضربه وقد يموت، هل يقال يجلد وقد اختلفت المعطيات المادية!؟ لا يجلد وهذا بضابط يعرف بأنه مراعات مفسدة لا تلازم الحد بل تزيد على مثله.
انظر كذلك موضوع قطع يد السارق في الغزو، لا تقطع الايدي في الغزو كما في حديث بسر بن ارطأة ونقل الإجماع على هذا ابن قدامة في المغني، واستشهد بإجماعه ابن القيم وعلله بالمصالح والمفاسد كما في اعلام الموقعين، انظر كيف اختلف الحكم باختلاف المعطيات المادية.
ستكون النتائج فيصلا في الحكم على تصورات عقلية زعمت انها تعرف ادارة الامور لتصل الى نتائج معينة، ومتى ما خالفت النتائج تلك القياسات العقلية قلنا فشلت تلك النظرية واقعا وبالتالي يجب اعادة بناء النظريات (تصور العلاقات بين الاشياء المادية).
سيتم التركيز على البحث الموضوعي (في المادة) وعدم الاكتراث كثيرا للقضايا الذاتية التي لا تتحدث عن الماهيات الخارجية.
وستسود لغة الارقام بدل الشعارات الأليجاركية التافهة.
سنتعامل بمشترك انساني في مفاهيم كثيرة وقد تم تحديدها ماديا، كما (النصر/الهزيمة) وسنفهم أن النبي صلى الله عليه واله وسلم سلّم هزيمة أحد وفق مشترك انساني عندما خاطبه ابو سفيان (يوما بيوم) فقال لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، فسلم اليوم المادي ولكن نفى التساوي يوم القيامة ماديا. لكن لاحظ هناك مشترك في التفاهم حول مفهوم الخسارة المادية يوما بيوم بمعنى هذا اليوم فيكم كيوم بدر فينا! فلم يقل له كلا!!
اعتذر لانني اطلت في مقالي، ولكن للضرورة احكامها، وانما كانت اضاءة قابلة للبحث والنقد المتكرر. ودمتم باحثين.
اضاءة في السفسطة
السفسطة
كلمة يونانية تعني " الحكمة المموهة
" يعني شبهة والشبهة اسمها كذا لأنه تشبه
الحق وليست بحق، السفسطة أنواع ولكونها تعيش بين ظهرانينا وأحيانا تتكلم بلسان
يرتل بعض الآيات في غير موضعا ويتحدث بلغة دينية من غير مناط لا بد من تناولها، لا
بد من إحياء الخلايا النقدية النائمة في الذهن البشري ولذا أحببت أن أتحدث كإضاءة
في موضوع السفسطة مع بعض الأمثلة، قال ابن تيمية:
" السفسطة أنواع:
1 - السوفسطائية المتجاهلة اللا أدريّة الذين يقولون: لا نعلم هل الحقائق ثابتة أو منتفية، وهل يمكن العلم أو لا يمكن.
2 - قول أهل التكذيب والجحود والنفي الذين يجزمون بنفي الحقائق والعلم بها.
3 - الذين يجعلون الحقائق تتبع العقائد، فمن اعتقد ثبوت الشيء كان في حقه ثابتا، ومن نفاه كان في حقه منفيا، ولا يجعلون للحقائق أمرا هي عليه في أنفسها.
4 - قول من يقول: الحقائق موجودة لكن لا سبيل الى العلم بها."
" السفسطة أنواع:
1 - السوفسطائية المتجاهلة اللا أدريّة الذين يقولون: لا نعلم هل الحقائق ثابتة أو منتفية، وهل يمكن العلم أو لا يمكن.
2 - قول أهل التكذيب والجحود والنفي الذين يجزمون بنفي الحقائق والعلم بها.
3 - الذين يجعلون الحقائق تتبع العقائد، فمن اعتقد ثبوت الشيء كان في حقه ثابتا، ومن نفاه كان في حقه منفيا، ولا يجعلون للحقائق أمرا هي عليه في أنفسها.
4 - قول من يقول: الحقائق موجودة لكن لا سبيل الى العلم بها."
(الصفدية، احمد بن تيمية، تحقيق محمد رشاد
سالم، الجزء الاول والثاني، الناشر دار
الهدي النبوي مصر - المنصورة، توزيع دار الفضيلة الرياض
- السعودية، الطبعة الأولى 1421 هـ، 2000 م. ص 98
بتصرف يسير في التقديم والتأخير فحسب)
لا تعرف السفسطة عن فرقة بعينها إنما هي مصطلح على
منهج يسلك المغالطات ونقض الضروريات بالنظريات، ومن الأمثلة على حجج السفسطة:
1 - قوم متشككون، تأتيهم بالأدلة والبراهين فيقولون لا ندري لربما هذا صواب ولربما خطأ لأنهم يشكون في وجود طريق لمعرفة الحقائق، ولا أدرية انتشرت فترة في اليونان وفي أنجلترا وغيرها، يقولون لا ندري هل هناك رب أم لا وهكذا.
2 - قول البعض لا يمكن معرفة حقيقة الأشياء! وهناك جملة تنتشر على كثير من الألسن " لا يوجد حقيقة في الوجود إلا الموت " وهذا من الأنواع الثانية من السفسطة.
3 - صنف يجعل الحقائق تبع للمعتقد، وهذا موجود في بعض من ينتسب للفقه، يقول لك قال فلان حرام وقال فلان حلال!! فتقول ما الصواب يقول لك الإثنان صواب! وهما في نفس المسألة في ذات الزمن!!
4 - هناك قسم يقول لك تمام هناك حق وهناك معرفة لكن لا يمكن الوصول اليها، كمن يسلم أن العلوم الشرعية حق لكن يصغر نفسه وغيره من معرفة الحقائق الشرعية.
كل هذه سفسطة.
لماذا الحديث عن السفسطة في هذا الوقت؟
لأنها ببساطة منتشرة! همها إقناع السامع فحسب، صورها تختلف من شكل لآخر والأصل واحد " حكمة مموهة "!!
في هذا العصر تنتشر الدوغماتية ايضا " التفكير المغلق " كل شيء حدث فهو صواب! باختصار " ليس في الإمكان أفضل مما كان "!! وفي كل فشل يستخرج نصرا موهوما مستعينا بالسفسطة، والهدف في الحقيقة التعامي عن الوقائع والفرار من المسؤولية التي تمليها النتائج، هناك باختصار من أراحوا عقولهم!
وبالتالي فلابد من دراسة العلوم العقلية وإحياء الفكر النقدي، حتى نحاول الخروج من غياهب " الإمعة "!!
1 - قوم متشككون، تأتيهم بالأدلة والبراهين فيقولون لا ندري لربما هذا صواب ولربما خطأ لأنهم يشكون في وجود طريق لمعرفة الحقائق، ولا أدرية انتشرت فترة في اليونان وفي أنجلترا وغيرها، يقولون لا ندري هل هناك رب أم لا وهكذا.
2 - قول البعض لا يمكن معرفة حقيقة الأشياء! وهناك جملة تنتشر على كثير من الألسن " لا يوجد حقيقة في الوجود إلا الموت " وهذا من الأنواع الثانية من السفسطة.
3 - صنف يجعل الحقائق تبع للمعتقد، وهذا موجود في بعض من ينتسب للفقه، يقول لك قال فلان حرام وقال فلان حلال!! فتقول ما الصواب يقول لك الإثنان صواب! وهما في نفس المسألة في ذات الزمن!!
4 - هناك قسم يقول لك تمام هناك حق وهناك معرفة لكن لا يمكن الوصول اليها، كمن يسلم أن العلوم الشرعية حق لكن يصغر نفسه وغيره من معرفة الحقائق الشرعية.
كل هذه سفسطة.
لماذا الحديث عن السفسطة في هذا الوقت؟
لأنها ببساطة منتشرة! همها إقناع السامع فحسب، صورها تختلف من شكل لآخر والأصل واحد " حكمة مموهة "!!
في هذا العصر تنتشر الدوغماتية ايضا " التفكير المغلق " كل شيء حدث فهو صواب! باختصار " ليس في الإمكان أفضل مما كان "!! وفي كل فشل يستخرج نصرا موهوما مستعينا بالسفسطة، والهدف في الحقيقة التعامي عن الوقائع والفرار من المسؤولية التي تمليها النتائج، هناك باختصار من أراحوا عقولهم!
وبالتالي فلابد من دراسة العلوم العقلية وإحياء الفكر النقدي، حتى نحاول الخروج من غياهب " الإمعة "!!
تحليل جميل
ردحذف