7.04.2016

اختزال ابن تيمية

8 يناير 2014

اختزال ابن تيمية


اختزال ابن تيمية ليس تشويها له فحسب، بل هو قضاء على أصوله! وليست هذه الأزمة حكرا على تناوله بل وغيره الكثير من أساطين المعرفة في التراث.
فكما ان النص يخالفه من لم يتعامل معه وفق الأصول لمعرفة مراد المتكلم، فلا ينسب له عام اريد به الخصوص، ولا تعميما من خاص، ولا منسوخا على انه مقرر فكذلك التعامل مع ابن تيمية وغيره.
وبما ان الحديث هنا عن ابن تيمية فقد كنت اود التعرض لعدة محاور، الا أن ضيق المقام لا يسمح لي الا بالحديث عن محور واحد فيه ضرب لأصوله:
تقرير مسائل قال بها تجريدا: فابن تيمية كمنهج رفض التعامل مع المسائل مجردة ولذا نجده يرفض الموافقة على بحث (ذات) و(صفات) اذ يرى كلمة ذات في اصل اللغة لا تاتي بالمعنى التجريدي الذي نادى به متكلمون، بل هي تأنيث ذو أي صاحب (ذو مال، ذات الدين)، وهذا إلماح بتعليل حديث (ولا تفكروا في ذات الله).
وهو حديث ضعفه المقدسي في (تذكرة الموضوعات) وحسنه آخرون لطرقه، على أن النكارة في المتن إن انضافت الى علة غير قادحة بمفردها في السند يضعفها المتقدمون من أهل الحديث (كما نص عليه المعلمي في تعليقاته على كتاب الموضوعات للشوكاني) وذلك لاجتماعها مع نكارة لا انفرادها.
ولذا (نفي التعامل بالمسائل المجردة واعني به ما يشبه المنهج الميتافيزيقي الاثييني) رفض ابن تيمية تقسيم اللغة الى حقائق ومجاز واحال الى سياق النص (كما نص عليه الشافعي في الرسالة).
وهذا المنهج امتد الى الفقه، ولذا نجده لا يحكم على بلد (ماردين) بالصيغة التجريدية المذكورة في كتب الفقه (دار إسلام / دار حرب) بل جعلها قسما مركبا لنظره الى واقع تلك البلد لا الى التقسيم التجريدي.
وهكذا فعل في (الصارم) ولم يجرد المسألة ويبت بالحكم منعزلا عن سياق الظرف، ولذا نص على ان المسلمين في حال الضعف يأخذون بآيات الصفح بخلاف حالات القوة (وهذا يظهر عدم انصياعه الى التجريد بان العفو منسوخ).
من الاختزالات التجريدية، اختزال ابن تيمية في عنوان الاتباع للكتاب والسنة فحسب، فهذا العنوان المجرد، يصوره في اذهان كثيرين بانه بحث عن الايات والاحاديث الصحيحة وقال بها، ويستوي بهذا مع اي طالب علم (يتبع الكتاب والسنة) بل بعضهم، يحسب انه اذا صح حديث في مسالة وقال بها الألباني مثلا، فكأنه قول ابن تيمية أيضا أليس الحديث الصحيح مذهبه؟!
وهذا التجريد يعزل ابن تيمية عن اصوله الحنبلية في الفهم، بل يجرده من اي جهد بذله في ترجيح بعض المسائل وان خالف فيها الاربعة.
فتلك العملية الدقيقة والشاقة والصعبة، يحسبها البعض (بذلك العنوان المجرد) مجرد نظر في صحة الاحاديث والقول بها!
والتجريد لم يرفضه ابن تيمية مطلقا انما ربطه بكونه مستمدا من معينات خارج الذهن يصورها العقل على نحو كلي.
وانما المقصود بالمرفوض منه هنا اعتقاد تلك الكليات بانها موجودة كليا في الخارج، أو الاحتكام الى كليات لم يتم اعتمادها عن جزئياتها المعينة.
فالاتباع للكتاب والسنة حق يستوي في هذا الاصل كل عالم معتبر في علوم الشريعة، ولكنه بالتجريد المثالي يجعل اصول الشافعي كاصول ابي حنيفة! وهذا غير دقيق.
وبالتجريد المغالي ذاته يصور العلماء الاربعة، وكأنهم يستوون مع اي طالب علم مخلص يبحث في صحة الاحاديث وضعفها!
فالتجريد لابن تيمية، على هذا الوزن عزله عن جهده في الاصول بل وفي الفلسفة في صياغة نظرية المعرفة (الابستملوجيا) وردوده (كمنهج لا كمسائل) على غيره من الفرق، ويفصله عن تسلسلاته المنهجية في الترجيح.
ليحصره في التصحيح والتضعيف للاحاديث! مع الاستدلال بالقران.
ولذا كان من هذا التجريد المثالي، ما طعن به بعضهم في نسبة كتاب (تنبيه الرجل العاقل) الى ابن تيمية، بحجة ان الاستدلال فيه بالايات والاحاديث قليل!
فاين ذهبت اجزاء منهاج السنة الاولى والصفدية والدرء والرد على المنطقيين وغيرها مما لا يحتمل المقام فيه الاستدلال الذي ذكروه، بل البحث فيها بالعقليات، والتحليل والرد بمقدمات مسلمة عند الخصم.
واقتصر على هذا خوف الاطالة على القارئ الكريم، ودمتم بخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق