7.04.2016

مغالطة: لو كانت بديهية لامتنع وقوع الاختلاف

10 أكتوبر 2014

مغالطة: لو كانت بديهية لامتنع وقوع الاختلاف

"لو كانت هذه القضية بديهية لامتنع وقوع الاختلاف فيها بين العقلاء، لكن الاختلاف واقع فيها، فوجب ألا يكون بديهيا"
(المطالب العالية من العلم الإلهي، وهو المسمى بلسان اليونانيين (باثلوجيا)، وفي لسان المسلمين (علم الكلام)، محمد بن عمر الرازي (الملقب بـ: فخر الدين)، تحقيق: أحمد حجازي السقا، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى 1407 هـ - 1987 م، ج 2، ص 9.)
هذه الحجة تتكرر كثيرا عند الرازي وفيها عدد لا بأس به من المغالطات، وعليها الكثير من الاعتراضات، وإليك شيئا منها:
1 - مغالطة الاستدلال بالقبول = كون الشيء حقا لا يلزم منه قبوله، فكونه حقا في ذاته لا يحتاج إلى دليل خارج عنه، فقولنا الكل أكبر من الجزء حق في ذاته بقطع النظر عن قبوله أو عدم قبوله، ومن ادعى ببديهية شيء فهذه الدعوى إما أن تكون حقا في ذاتها أو باطلة دون اشتراط قبول الناس لها.
2- المصادرة عن المطلوب = من زعم بديهية شيء فهو يصف خصومه فيه بالسفسطة وينازع في أنهم عقلاء في هذه القضية، فالقول بأن قوله لو كان صوابا لوافقه العقلاء مصادرة إذ هو ينازع في أنهم عقلاء فكيف تجعل كونهم عقلاء مقدمة لإثبات بطلان كلامه! هذه عين مغالطة المصادرة عن المطلوب.
3- مغالطة اتفاق الناس على تقسيم العلوم إلى ضرورية وكسبية = هذه تظهر بزعمه أن العقلاء لم يتفقوا على بديهية ما ادعاه القائل، وهذا يصور أن العقلاء اتفقوا على وجود معارف عقلية بديهية غير كسبية فكيف إن قيل بوجود من يجعل المعارف العقلية كلها كسبية كجون لوك وماركس وباقي أتباع النظرية المادية الديلكتيكية، فهؤلاء ينازعون في وجود معارف مسبقة عن التجربة، بل التجربة سابقة على أي معرفة مع تسليمهم بأن الدماغ متطور ليقدر على الاستنباط من الواقع.
فإن قيل هؤلاء ليسوا عقلاء أمكن المنازع له أن يقول ومن ينازع في بديهية ما قلته ليس عاقلا فكيف تقبل لخصمك ما ترفضه لنفسك؟
وإن قيل هؤلاء بعد الرازي فيقال ليست المسألة هنا خبرية حتى تحصر في عصر بل العلة في بحثها العقل وهو قائم بالعقلاء في كل عصر.
4- الدليل يطرد ولا ينعكس = لو سلمنا أن اتفاق العقلاء حجة في التدليل على صحة شيء وانتفى هذا الدليل بوقوع الاختلاف فهل يلزم منه انتفاء المدلول؟ لا إلا أن نقول لا يعرف الشيء إلا بالاتفاق والاختلاف وهذا باطل للوجه الخامس.
5- أن الرازي يجعل أول معرفة معرفة الإنسان نفسه، فمن زعم بديهية شيء فهو يتحدث عما وجده في نفسه ظاهرا وباطنا، أما إخبار غيره فهو دعوى ظاهرة فحسب فأنى له أن يعرف بواطنهم!! والشيء الذي تعرفه ظاهرا وباطنا أقوى من الذي لا تعرف إلا ظاهره.
6 - قلب الإجماع = قبول الحجة للقلب مع حمل نفس الدعوى دليل على كونها محض مغالطة، والقلب هنا كالتالي = من زعم بديهية شيء يزعم أثره في الفرد الواحد بمعزل عن الناس، ولذا من قال بالتحسين والتقبح يزعم وجوب النظر على فرد لو قدر أنه في فلاة.
ومن نازعه نازعه في التحسين والتقبيح، أو بتفاصيل ذلك، مع اتفاقهم أن هذه المسألة فرع على مسألة النظر ووجوبه أم لا، واختلفت احكامهم بالنظر الى مقالاتهم في القضية، فلما اتفقوا على دخول صورة الفرد في المسألة كان اشتراط قبول العقلاء ومعرفة خلافهم على الفرد خارجا عن إجماعهم! فان احتج بالاجماع كانت حجة الاجماع بدخول الفرد في المسألة دون اشتراط معرفته بآراء غيره دحضا لحجته بقلب الإجماع عليه.
7 - جعل المخالفة في المسألة دليلا على معارضتها العقلية! = وهذه مغالطة بين السبب والمسبب فكون الشيء حصل بعد لا يعني أنه حصل بالسبب، فمخالفة من وصفهم بالعقلاء لقضية ادعى قائل ببديهيتها لا يعني أنهم خالفوها عقليا! فالإنسان ليس عقلا فحسب وليس كل الناظرين في العقليات متجردين عن التقليد أو الوهم والغفلة بل والشهوة والمصلحة.
وهذا كزعم أن النار ليست سببا في الحرق كونها لم تحرق مرة! ولعل ذلك لوجود مانع أو فقدان شرط، فكيف له أن يزعم أن المخالفين خالفوا بعد النظر العقلي وتحقق الشروط وانتفاء الموانع فهذه دعوى عريضة لم يستدل عليها إلا بمحض المخالفة.
8 - تناقض أو قبول صورة القياس بنتيجة باطلة = هو هنا بين أمرين إما التناقض إن رفض نتيجة لصورة قياسة في مادة أخرى، أو قبولها وذلك سينفي التناقض لكنه يوقعه في التزام النتائج، فيمكن أن يقال = لو كان القرآن قطعي الثبوت لما حصل اختلاف على ثبوت شيء منه، لكن الاختلاف وقع، النتيجة عدم قطعية الثبوت! وهي باطلة فثبت كذب مقدمة من القياس.
وقد حصل اختلاف للناس في عهد عثمان ولذا جمع الناس على مصحف واحد، وقبله حصل اختلاف مع ابن مسعود على المعوذتين ونقله البخاري، وقصة عمر في سورة الفرقان شهيرة وهي في البخاري ومجموع الأخبار في هذا ليس خبر آحاد! فثبت أن هذه المقدمة ليست كاذبة.
فبقي الأخرى وهي: وجود الاختلاف يلزم منه عدم التواتر، (وجود الاختلاف يعني عدم ثبوت الشيء القطعي).
9 - مغالطة محاكمة الواجب للواقع لا العكس: وذلك أن مدعي بديهية شيء يزعم وجوب صحته في العقل دون نظر، فلا يدفع هذا بأن الواقع يشهد أن من (العقلاء من خالف) إذ هذا واقع والواجب حاكم عليه لا العكس.
10 - الخلط بين الأولي والإستقرائي التجريبي = وذلك أن مدعي البديهة يزعم أسبقية مقالته على التجربة الحسية مهما كانت، فكيف ينقض هذا بقول حجته استقراء أقوال الناس ومعرفة الوفاق والخلاف، والاستقراء تجريبي ليس بديهيا! ولذا يقولون لا يدفع البدهي بالنظري إلا سفسطائي.
11 - حجة إلزامية لا برهانية = وبيان الأمر أن حجة الرازي هذه تصح لنقض قول القائل: كلامي بديهي لأن العقلاء أجمعوا عليه، فيصح النقض بأنهم لم يجمعوا مثلا وإلزامه بأنها كسبية كونه جعل البديهي مجمعا عليه ولما ثبت عدم الإجماع، وثبت - عند خصمه - ان العلوم العقلية اضطرارية وكسبية وبطل كونها من الاول تعين القول الثاني، فهذه حجة إلزامية لهذا القائل بعين تلك المقالة، فإين هذا من البرهنة على نقيض قوله والبرهنة تعني صدق المقدمات بذاتها لا التزاما بها؟!

وأرى أنني قد أطلت فأكتفي بهذا...
دمتم بخير. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق