7.04.2016

مقال قديم بعنوان: (ضوابط منهجية لنظرة كلية)

1نومبر 2014 (مقالات قديمة)

مقال قديم بعنوان: (ضوابط منهجية لنظرة كلية):

لابد للعقل النقدي المؤسس أن ينطلق بضوابط منهجية في النظر للنصوص الشرعية والواقع ولعل كثيرا من الناس يستثقلون البسط ولو كان لضرورة التسلسل السليم من دليل لآخر، ولذا فسأكتفي بإشارات لا تبلغ حد الإضاءات:
1 - العقل الصريح لا يناقض النقل الصحيح: فالعقل السوي لا يخالف النقل الصحيح ومتى حصل تعارض فلإشكال إما بالعقل أو أن النقل ضعيف أو أن المرء لم يفهمه سويا.
2 - التفريق بين العادات والتشريع: فكثيرة هي النصوص الشرعية التي جاء فيها أمور عادية ليست تشريعية، فمثلا إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قضى حاجته في مكان معين هل من الدين أن يصبح هذا المكان خلاء للمسلمين؟! لا لان هذا عادة وليس تشريعا.
3 - التفريق بين الرأي والخبر: فقول الصحابي خبرا يختلف عن قوله لرأي مجرد فالرأي قد يصدر عن اجتهاد.
4 - التفريق بين الدنيا والدين: فالنصوص الشرعية الدينية لها مجالها والدنيا لها مجالها، وجاء في الحديث (أنتم اعلم بأمور دنياكم) عندما قال لهم لو تركتم تأبير النخل. والعلم بالشرع لا يلزم منه العلم الدنيوي، وقد يكون المرء عالما في الشرع مقصرا في علوم دنيوية يقع الزلل منها في تنزيله للأحكام.
5 - التفريق بين مراتب الأحكام: فكونه حصل إجماع على مسألة فلابد من معرفة مرتبة ما يفيده هذا الإجماع هل يفيد الإباحة مثلا؟ أو الوجوب أو الندب ونحو هذا.
6 - عدم العثور على الشيء لا يعني العدم: كذا عدم العلم لا يعني العلم بالعدم، وعدم فهم الكلام لا يعني أنه بذاته لا يمكن فهمه ونحو هذا.
7 - التفريق بين الواقع والواجب: فالفتوى تدور على هذا التفريق، ولذا لابد من معرفة الواقع بل والإستعانة بالمناهج المختلفة لتحليله وفهمه (نفسية - اجتماعية - سياسية - اقتصادية - فلسفية وغيرها) والإقبال على الفهم الواقعي سيكون بمعزل عن الخلط بين هذا والفهم الشرعي الذي هو (الواجب في الواقع).
8 - الإكثار من المعرفة على حساب المواقف: فالمفترض أن يكون الإنسان على دراية أكبر من مواقفه، لا العكس وقد نقد د. محمد جابر الأنصاري في كتابه العرب والسياسة أين الخلل هذا فقال (العرب بين التضخم الأيدلوجي والبؤس المعرفي).
9 - ضرورة تحريك الأفكار: فلا تبقى هذه القواعد مجرد محفوظات فقد أستفيد من غير المسلمين مثلا بتحريك قاعدة التفريق بين الواجب والواقع، ووضع كلامه في إطار الواقع لا الواجب.
10 - النقد ضرورة: فبدونه لا يلتفت لكثير من الأخطاء ولا يبنى على تجارب ومعرفة الآخرين.
11 - صراع الأضداد يولد وحدة معرفية: ضرورة الحوار والنقد المتبادل يولد وحدة معرفية وقد نبه الشافعي رحمه الله على هذا في الرسالة فقال ما معناه إن حوارك مع المخالف إما أن يثبتك على الحق وإما يرفع عنك غفلة.
13 - سعة الأفق تزيد الاحتمالات:
فكلما قل العلم زاد التأكد والجزم فمن قرا كتابا سيكون يقينه بأنه يمتلك الحقيقة أشد ممن قرأ عشرة لان الثاني وجد احتمالات أكثر، وهذا أحد أسباب نقل الناس عن أحمد رحمه الله أقوالا متعددة في مسالة واحدة.
14 - ضرورة التتبع التاريخي: فكثير من الخطابات والكلمات تفاوت موقف الناس منها تاريخيا، وبتتبع تاريخها نكشف كثيرا من المواقف بل ونعرف مصادر كثير من الأفكار وكأننا ننحت بحثا عن أحفورة في جوف الأرض لنخرجها ونعرف ما هي.
15 - التعصب يقتل الفضول: فالمتعصب لفكرة يفترض سلفا انه على صواب وبذا يقتل فضوله المعرفي وبالتالي لن يقرأ ويبحث وإذا قرأ وبحث سيظل بإطاره الفكري.
16 - التفريق بين العبادات والمعاملات: فالأول الأصل فيها الحرمة والثانية الأصل فيها الحل.
17 - التفريق بين العاطفة والعقل: فالعقل حاد منضبط كلي مشترك في البشر والعاطفة نسبية ممتداخلة وأصلها مشترك.
18 - اتحاد الإنتقادات الكاملة يولد النقد والتأسيس المنضبط: فمثلا إذا قرات كتابا حاول أن تنصره كله ثم حاول أن تخالفه كله بلا هوادة في الموقفين، سيخرج عندك في الختام نقد منضبط وتأسيس مبني عليه.
19 - عدم التوقف عند الحكم المجرد: فكثيرون يتوقفون عند الحكم المجرد وهذا لا يصح بل لابد من إدخال الحكم إلى الأولويات، ثم القواعد الفقهية، ثم تنقيح المناط في الواقع وتبعدها تحقيقه.
20 - الانطلاق من الجزء إلى الكل والعكس: فلابد من نظرة جزئية متتبعة للجزئيات تنتقل إلى الكليات في الواقع والنصوص أيضا والعكس، الأمر أشبه بأصول الفقه والفقه ضرورة الجمع بين النظرتين.
21 - التطوير والتهذيب المستمر وتكرار احتمالات النقد لما استقر: فحتى الذي استقر أمره من أفكار لابد من إعادة تهذيبه والنظر فيه بعد استقراره ومعاودة النقد السوي له.
22 - ضرورة الالتفات للموازين الواقعية: فكثير من الناس لا يلتفت إلا لموازين مثالية دون النظر إلى الواقع الذي تحكمه موازين أشبه بقوى مادية هي التي تحكمه.
23 - الحتمي لا يعني أنه شرعي وإن انبنى عليه شرعي: فالتوبة مثلا لا تكون إلا بعد معصية والمعصية حتمية في أبناء آدم إذ كل بني آدم خطّاء.
24 - الالتفات إلى السنن التي لا تحابي أحدا: لو أن مسلما لا يعرف السباحة رمي في بحر ومعه كافر يجيد السباحة فمن المفترض أن ينجو؟
25 - الإستفصال مع وضوح المقصد نوع من اللدد والخصومة: وهذا مستفاد من عبارة لابن تيمية رحمه الله، وهذا كمن قال الله لهم اذبحوا بقرة، فقالوا ما لونها؟ ما هي! ما وما!!!
26 - ثورة على ديكتاتورية المصطلحات: فلابد من تفكيك المصطلحات التي يتم تداولها وكانها مسلمات.
27 - تفعيل السؤال: فلابد من تفعيل الأسئلة والانتباه لها والتفكير بها أكثر من الإجابات الجاهزة.
28 - الأفكار لا تستأذن ولا تعرف الفراغ: هذا القانون يمكن مشاهدته بالاستقراء لما يوجد هنا وهناك، فالأفكار كأنها تنتقل من أماكن الضغط المترفع إلى المنخفض وهذا مستوحى من كلام لهيغل.
29 - الأخلاق منضبطة بقواعد عقلية: فالعقل السوي يحث على الخلق القويم وبسبب هذا وجد في الجاهلية قوم أهل خلق قويم.
30 - الخير إنساني لا حزبي وأناني: فلابد من تفعيل البدائل المعرفية والسلوكية والحضارية للإنسان كإنسان لا لمجرد انتماء حزبي ولا لمصلحة أنانية (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
31 - التفكير حي دوما: لابد أن يكون هذا وصف دائم للفكر فهو دائم البحث والنقد واستحضار الاحتمالات وتقديم البدائل لا يعرف الموت أبدا.
32 - الأدلة سيدة الموقف: لا الكثرة ولا القلة، لا الانتشار ولا الاضمحلال، لا لكون القول الفلاني خرج عن كبير والآخر عن صغير.
33 - أعظم وصف طالب علم ومعرفة: فهذا الوصف الذي يزهد به الكثيرون هو اعظم وصف في الواقع، فطالب العلم لا يدعي امتلاكه، ولا يعلن زهده بالمعرفة ولا يترفع عن نقد ولا يستهتر بجملة هناك ولا كتاب هنا.

مقال قديم بعنوان: نهضة في وجه الدوغماتية السلطوية

لقد تعرض ادوارد سعيد في كتابه الاستشراق لنقد المناهج الاستشراقية وكان احد اهم المسائل التي نقدها ان تلك المناهج لا تعبر عن جميع وجهات النظر في موضوع الشرق بقدر انها تعبر عن مدرسة لها فلسفتها وتصورها، وبذا يصنع المنهج دوغماتيا بامتياز.
فكان حتما على المفكر الحر أن يخرج عن سلطوية الدوغماتية المنهجية.
الدوغماتية التي نقدها ادوارد في الاستشراق، موجودة عند كثيرين اليوم في الشرق، في تصورات كثيرة وبنفس الادوات الاستشراقية.
لقد تشبعوا بدل ايدلوجية الاستشراق المنتقدة بأيدلوجيات كثيرة، تتوزع بين التمسح بالدين تارة أو العلم والتقدم تارة اخرى، مع اقصاء في كثير من الاحيان لاي معطيات تخالف الايدلوجية المعتمدة.
احدى المظاهر التي لازمت تلك الايدلوجيا الدوغماتية عقلية مآمراتية، كان الشيوعيون يشكلون رمزا لها وقد ورثها عنهم من ورث! يتعرض ميلوفان دجيلاس في كتابه الطبقة الجديدة لهذه العقلية معبرا عنها باختصار بقوله انهم يتعاملون مع الشعب بمنطق يقول اما معنا أو متامر علينا!!
الدوغماتية السلطوية من اشد ما يمكن تخيله عائقا في وجه اي تقدم أو نقد أو ابداع.
اذ الابداع يحتاج حرية لا اطنانا جاهزة من المسلمات التي ينبغي اعتقادها أو تخوين من خالفها.
هنا تاتي النهضة المواجهة للدوغماتية السلطوية.
انها نهضة ستشكك بالمسلمات التي تبثها تلك الدوغماتية وليس هذا فحسب بل ستواجه حملة التشكيك والاتهام والظلم الصادر عن انصار الرجعية الدوجماتية بالفكر الصريح والواضح. وستواجه الاجابات الجاهزة بأسئلة تنسفها!
هذا لا يعني انها لن تقدم اجابات بل ستكون الاجابات بعد بحث مضن همها الحقائق لا مجرد جمع الانصار.
هنا تبرز ظاهرة من مظاهر السلطوية الدوغماتية وهي الهالة التقديسية لبعض رموز الدوغماتية. وهنا النهضة تكون بتحطيم المقدس المرذول شرعا وعقلا! انها حملة تحطيم الاصنام التي تحول دون التفكير السوي.
ستواجه الرجعية بالقراءة البحثية الجادة، وستواجه جديتها الحزبية المهترئة بالكوميديا السوداء لسذاجة تلك الجدية! وسيعزز لغة الارقام بدل الشعارات المثالية الجوفاء.
ولن تستثني نتاجا للدوجماتيين من النقد الرصين.
انها النهضة التي تعلم ان نقدا واحدا سليما يكون خلفه عشرات المعارف التأسيسية. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق