12 نونبر 2016
سهرة مع بعض الفلاسفة
1 سهرة مع
نيتشه
في
عتمة الليل استيقظ شبح ذلك المجنون الحكيم، ليقطع غليّ خلوة تفكير، لم يستأذن ليشارك
بل ضحك ساخرًا من بعيد، ما بك نيتشه ما الذي يجعلك تبتسم؟ - لقد تعودت ألا أكون
مقيدًا بترتيبات الإتيكيت الشكلية، عنّ لي الابتسام فتبسمت، ثم إن الابتسام تعبير
عن النفس وليس علاقة متبادلة حتى تسألني متى أتبسم..
ليست قضية كبرى حتى تفلسفها، لكن لا أخفيك، معجب بأنك تقتحم الخلوات قهرًا ما سر ذا بنظرك؟ قال: القضية سهلة، لم أكتب بطريقة الفلاسفة، بل كتبت بطريقتنا نحن كبشر، لا بطرق العرض المدرسي، ليتقيأ بعدها أحد المدرسيين الجامدين بهنا مغالطة وهناك مصادرة، قلت ما أفكر به وأشعر به، كتبت لنفسي لم أكتب لأقنع أحد، ولا يعنيني أن يقتنع بي أحد.
إي ألاحظ أسلوبك الشعري الجميل، حتى قرأت ديوانك نيتشه، لكن الصدق نثرك كان أجمل.
-فليكن لك وجهة نظرك هذه، إجمالا في النثر لا أتقيد بقافية ولا باقي كل هذا، الأمر شبيه بالنظم عبر الشتات، كأنني أقول:
أنا فوضوي والنظام كرهته، بل إن نظمي كائنٌ بشتاتي..
الكتابة بهذه الطريقة ستجلس مع القارئ بعد حين، لو تلاحظ أمرًا أكثر، ما يقطع على المرء خلوته شعر يدندن به، أو لحن يترنم به وحده، لماذا؟ لأنك لا تريد أن ترهق نفسك بسماع محاضرة وقت الجلوس مع نفسك، بل تريد ما يتغلغل داخلك ويتحدث دون كلمات، من هنا كنت أمتدح الموسيقى دومًا إنها التي تخاطبنا وتتحدث معنا دون أن تزعجنا بحرف واحد نرهق أنفسنا بما وراءه!.
-أشعر أحيانًا وأنا أقرأ لك بأنك حزين لكنه حزين غريب حزن دون شكوى، كأنه تعبد وأنين داخلي، هل صدق ظني في هذا؟
-الحزن أصدق من غيره، الحب مثلًا متبادل، يصعب جدًا أن نحب شيئًا لن يشاركنا أي شيء، بخلاف الحزن إنه تفرد، إنه حاشرك قهرًا إلى محراب الخلوة، في الحزن بشكل عام لا نحب أن يشاركنا فيه أحد، بخلاف الفرح تجلس واحدًا إن كنت صادقًا مع نفسك، تفكر دون تفكير، وتتجرع كل لحظة بنكهة سكر صوفي، بالمناسبة ذممت الكحول مرات..
إي كنت سأسألك عن هذا، كيف تذم الكحول أيها الملحد العنيد، كيف تفلسف هذا! لم أحب يومًا أن أنسى!، ولا أن تمر لحظات الحزن تعصف دون أن أشاهدها، ألم تقف يومًا أمام النافذة وتقول هيا سأشاهد الصواعق، لا تتمنى أن تكون نائمًا وقت هذا، بل تحب أن تسجله وتحفره في ذاكرتك، فأنت وقتها ستقول إن الحزن هو المصرف الذي تجمعت به كل الرواسب فتحفظه، لتلعب مع تلك السيول بمنطق من الذي يجب أن يبقى بكل سهولة!.
لقد كتبت مرة " الضربة التي لا تقتلك تقويك " وهذا ببساطة لكونك تحفظ الحزن الذي خلفتها حفظًا ترتله بعدها لمن أحب أن يرجعك إلى ذلك الموقف، لن تحزن عليه! فلقد استنزفت براميل الأحزان في خلواتك دون مشاركات، فلتحترم خصوصيته حينها!.
-لا تتغير أسلوبك هو هو!، ماذا عن رؤيتك الأخلاقية؟
الأمر سهل ثم إنني لا أحبذ الأسئلة ماذا عن؟ رأيك في؟ إلخ، قلت من قبل تضيع الحقيقة ونحن نجيب بنعم ولا، وكأننا نسلم الأسئلة لا أحبذ التصنع البتة، الأخلاق اختصرت الحكاية بأننا لا نحب الشيء لأنه جيد بل نقول هو جيد لأننا نحبه والعكس بالعكس.
-أحسب أن هذا كان مزعجًا لرجال الكنيسة، والدك مثلًا لن يكون راضيًا عن هذا..
فليكن، ماذا قلت غير ما وجدت، لقد كان الناس وقتي ينظرون للأمر خير وشر وأنا قلت ما بعد الخير والشر، قالوا غير مؤدب، اختصرت عليهم وقلت أنا غير أخلاقي فهونوا على أنفسكم..
ثم ماذا فيما قلته؟ أنا أخرجت الأحزان من حيز التمظلم والتمسكن والبكاء، إلى حيز آخر، إلى حيز تحويله إلى مكانه الصحيح جدًا، من أراد ان يؤلمك، ليس عليك أن تكون معلقًا على الصليب لأجل خلاصه، بل بكل سهولة عليه أن يعلق هو على الصليب!..
سعيد بك فريدريك.. لعلنا نتحادث لاحقًا..
-لا يهم!
ليست قضية كبرى حتى تفلسفها، لكن لا أخفيك، معجب بأنك تقتحم الخلوات قهرًا ما سر ذا بنظرك؟ قال: القضية سهلة، لم أكتب بطريقة الفلاسفة، بل كتبت بطريقتنا نحن كبشر، لا بطرق العرض المدرسي، ليتقيأ بعدها أحد المدرسيين الجامدين بهنا مغالطة وهناك مصادرة، قلت ما أفكر به وأشعر به، كتبت لنفسي لم أكتب لأقنع أحد، ولا يعنيني أن يقتنع بي أحد.
إي ألاحظ أسلوبك الشعري الجميل، حتى قرأت ديوانك نيتشه، لكن الصدق نثرك كان أجمل.
-فليكن لك وجهة نظرك هذه، إجمالا في النثر لا أتقيد بقافية ولا باقي كل هذا، الأمر شبيه بالنظم عبر الشتات، كأنني أقول:
أنا فوضوي والنظام كرهته، بل إن نظمي كائنٌ بشتاتي..
الكتابة بهذه الطريقة ستجلس مع القارئ بعد حين، لو تلاحظ أمرًا أكثر، ما يقطع على المرء خلوته شعر يدندن به، أو لحن يترنم به وحده، لماذا؟ لأنك لا تريد أن ترهق نفسك بسماع محاضرة وقت الجلوس مع نفسك، بل تريد ما يتغلغل داخلك ويتحدث دون كلمات، من هنا كنت أمتدح الموسيقى دومًا إنها التي تخاطبنا وتتحدث معنا دون أن تزعجنا بحرف واحد نرهق أنفسنا بما وراءه!.
-أشعر أحيانًا وأنا أقرأ لك بأنك حزين لكنه حزين غريب حزن دون شكوى، كأنه تعبد وأنين داخلي، هل صدق ظني في هذا؟
-الحزن أصدق من غيره، الحب مثلًا متبادل، يصعب جدًا أن نحب شيئًا لن يشاركنا أي شيء، بخلاف الحزن إنه تفرد، إنه حاشرك قهرًا إلى محراب الخلوة، في الحزن بشكل عام لا نحب أن يشاركنا فيه أحد، بخلاف الفرح تجلس واحدًا إن كنت صادقًا مع نفسك، تفكر دون تفكير، وتتجرع كل لحظة بنكهة سكر صوفي، بالمناسبة ذممت الكحول مرات..
إي كنت سأسألك عن هذا، كيف تذم الكحول أيها الملحد العنيد، كيف تفلسف هذا! لم أحب يومًا أن أنسى!، ولا أن تمر لحظات الحزن تعصف دون أن أشاهدها، ألم تقف يومًا أمام النافذة وتقول هيا سأشاهد الصواعق، لا تتمنى أن تكون نائمًا وقت هذا، بل تحب أن تسجله وتحفره في ذاكرتك، فأنت وقتها ستقول إن الحزن هو المصرف الذي تجمعت به كل الرواسب فتحفظه، لتلعب مع تلك السيول بمنطق من الذي يجب أن يبقى بكل سهولة!.
لقد كتبت مرة " الضربة التي لا تقتلك تقويك " وهذا ببساطة لكونك تحفظ الحزن الذي خلفتها حفظًا ترتله بعدها لمن أحب أن يرجعك إلى ذلك الموقف، لن تحزن عليه! فلقد استنزفت براميل الأحزان في خلواتك دون مشاركات، فلتحترم خصوصيته حينها!.
-لا تتغير أسلوبك هو هو!، ماذا عن رؤيتك الأخلاقية؟
الأمر سهل ثم إنني لا أحبذ الأسئلة ماذا عن؟ رأيك في؟ إلخ، قلت من قبل تضيع الحقيقة ونحن نجيب بنعم ولا، وكأننا نسلم الأسئلة لا أحبذ التصنع البتة، الأخلاق اختصرت الحكاية بأننا لا نحب الشيء لأنه جيد بل نقول هو جيد لأننا نحبه والعكس بالعكس.
-أحسب أن هذا كان مزعجًا لرجال الكنيسة، والدك مثلًا لن يكون راضيًا عن هذا..
فليكن، ماذا قلت غير ما وجدت، لقد كان الناس وقتي ينظرون للأمر خير وشر وأنا قلت ما بعد الخير والشر، قالوا غير مؤدب، اختصرت عليهم وقلت أنا غير أخلاقي فهونوا على أنفسكم..
ثم ماذا فيما قلته؟ أنا أخرجت الأحزان من حيز التمظلم والتمسكن والبكاء، إلى حيز آخر، إلى حيز تحويله إلى مكانه الصحيح جدًا، من أراد ان يؤلمك، ليس عليك أن تكون معلقًا على الصليب لأجل خلاصه، بل بكل سهولة عليه أن يعلق هو على الصليب!..
سعيد بك فريدريك.. لعلنا نتحادث لاحقًا..
-لا يهم!
2 جلسة مع أفلاطون
إلى أين أوصلنا ذلك
الرجل؟ إلى مثل وصور وأرواح أين تذهب بنا يا رجل؟!
-ألا ترى أنك تستبشع فحسب ما قمت به، وكم من حكمة تستبشع في أذن السامع ثم سرعان ما يراها حقا، فالاستبشاع ليس حكما صحيحا.
- حسن لكنك طرت بنا إلى عالم من المعقولات دون أن تجعلنا نعيش واقعنا.
- لو تلاحظ أنت هنا تستشهد بكلام علمنا سقراط أن نسأل عن المقصد فيه فلعل واقعك غير الواقع الذي عناه غيرك، فماذا تقصد بكلمة واقع؟
أقصد ذلك المحسوس الموجود في الأعيان.
- لكن ألا ترى أن هذا هو بحر الوهم الكبير، ألا تراه يتغير لا يعرف الدوام فكيف ستتحاكم إلى رجل مثلا يقول كل حين شيئا مختلفا، لا بد من ضابط عقلي في هذا.
- كان نيتشه في ضيافتي بالأمس وهو الذي أزرى بك وبسقراط، فمجرد الحاجة إلى الثابت وعقلنة المتغير لا يعني بحال أنها صحيحة، أنت كمن يقول مجرد حاجتي للماء تدل بمجردها على وجود الماء!.
ألا ترى مثلا لو أنك ولدت في عالم غير هذا العالم ولا يوجد هناك ماء ألا وجه لافتراص وجود الماء فيه.
-أنا لم أشترط فيه، بل سيوجد هناك ماء في أي مكان كان .. - تقصد ماء كليا لا معينا بمعنى إنك تعود إلى إثبات شيء لا يشربه الإنسان شيء ليس محسوسا أين هو هذا الشيء، ثم إن لم تكن جربته مرة كيف ستعرف بوجوده؟.
- ومن قال لك بأن حواسنا الخداعة هي مصدر معرفتنا بالماء أو بغيره، نحن ندرك الأشياء بالعقل..
- إي أعرف نظرتك هذه ستقول لي بأننا نعرفه بالتذكر، أنت تلزمنا أن نرجع لأنفسنا لنعرف الحقيقة لا نرجع إلى نفس الماء لنعرف أنه ماء..
- لقد أثبت نظرتي بشكل واضح، ففي محاوراتي استشهدت بغلام لا يعرف الحساب بأن جعلته يستنتج عمليات الحساب، والتفسير الوحيد لهذا هو أنه يتذكر ما يعرفه من قبل، قبل أن يختلط بهذا الجسد وأوهام تلقيه، إن المحسوس والجسد هو السجن الذي يحجب عنا بكثافته رؤية الحقيقة وقد صورت هذا بقصة قوم عاشوا في كهف فلا يحسبون الحقيقة إلا ما كانوا فيه بخلاف لو خرجوا من كهفهم.
- أنت هنا ترتكب مغالطة، فأنت تستشهد بشيء من العالم المخادع لتثبت نظرتك على عالم غيره مكون من المجردات والمعقولات في الواقع، ما الذي جعلك تثق بحادثة الغلام هذا وهو جزء من هذا العالم المحسوس، ثم ما قصة الكهف هذه أنت تصور أمرا مغلوطا عندك فمن خرج من الكهف أدرك بحسه شيئا مغايرا لما داخل الكهف، فإن كان الحس خادعا على على قصة الغلام والكهف بالإبطال.
- أنا ضربت مثالا فحسب وإلا فقد نصل بعقولنا عما يحجبه الحس عنا، فلا تأخذ الأمر بحرفية وقد أزريت في محاوراتي بأهل الكلام ممن يماحكون لفظيا..
- حسن وقصة الغلام أنت بين خيارين: إما أن تقول هي من عالم حقيقي وتنقض نظرتك، أو وهمي وقلت بها إلزاما، وبالتالي تصبح كالمماحكين من أهل الجدل والكلام.
ثم إن العمليات الحسابية التي يتعملها الغلام مسبوقة بكثير من التجارب وليست مسبوقة فقط بالولادة حتى تقول إنه تذكر فحسب لما قبل عالم الحس والوهم والجسد.
- نفس الأعداد كما نبه فيثاغورس ثابتة رغم أن الواقع متغير، فما الذي يجعلنا نصف أي شيء محسوس بواحد مثلا ويبقى الواحد واحدا رغم كثرة الأمور التي ننسبها إليه من المتغيرات، إن الواحد هو عقلي ولذا كان ثابتا والتجريد مسؤول عن جعل المحسوسات المتغيرة واحدة أو اثنتين إلخ.
- أها أنت هنا تنبهني لاستلال نظرتك وتطويرها على كلام فيثاغوروس لكنك تعممها على الأنواع، لكن كلامك هذا سيرده عليك تلميذك العاق أرسطو بأن كل نوع فوقه جنس وهكذا فلو كان هناك إنسانية مسؤولة عن وجود بشري فمن المسؤول عنها وهي تنتج أي شيء اكثر تجريدا منها وهكذا ونظل نتسلسل.
- لا تصفه بالعقوق، فهو بار بالحكمة، والحق هو الحكم بيننا، وليس الموافقة أو المخالفة، أنا لم أرجع المثل إلى شيء وحيد بل إلى عالم متفاعل مع بعضه من عالم المثل.
- لا تأخذني بحرفية وآداب الأكاديمية، فمزاج نيتشه لعله أثر علي وأنا أصف أرسطو بالعقوق مازحا، لقد قرأت في محاوراتك اعتراضا عليك مفاده إن كان العالم المحسوس معرفته خادعة يعني هذا أن العلم الحقيقي في عالم المثل، كان الاعتراض إذن الله لا يعرف إلا عالم المثل ولا يعرفنا نحن ولا العالم المحسوس وإلا كانت معرفته خداعة!.
ثم قلت أنت: لكن تجريد الله من المعرفة أمر فظيع.
- نعم قلت هذا.
- فها أنت تتحاكم إلى الاستبشاع!.. الذي بدأت بعيبه، على أي حال مضطر للذهاب، لنا لقاء آخر إن شا الله.
-لنا حوارات أخرى فأنا الحريص على الحوار.
-ألا ترى أنك تستبشع فحسب ما قمت به، وكم من حكمة تستبشع في أذن السامع ثم سرعان ما يراها حقا، فالاستبشاع ليس حكما صحيحا.
- حسن لكنك طرت بنا إلى عالم من المعقولات دون أن تجعلنا نعيش واقعنا.
- لو تلاحظ أنت هنا تستشهد بكلام علمنا سقراط أن نسأل عن المقصد فيه فلعل واقعك غير الواقع الذي عناه غيرك، فماذا تقصد بكلمة واقع؟
أقصد ذلك المحسوس الموجود في الأعيان.
- لكن ألا ترى أن هذا هو بحر الوهم الكبير، ألا تراه يتغير لا يعرف الدوام فكيف ستتحاكم إلى رجل مثلا يقول كل حين شيئا مختلفا، لا بد من ضابط عقلي في هذا.
- كان نيتشه في ضيافتي بالأمس وهو الذي أزرى بك وبسقراط، فمجرد الحاجة إلى الثابت وعقلنة المتغير لا يعني بحال أنها صحيحة، أنت كمن يقول مجرد حاجتي للماء تدل بمجردها على وجود الماء!.
ألا ترى مثلا لو أنك ولدت في عالم غير هذا العالم ولا يوجد هناك ماء ألا وجه لافتراص وجود الماء فيه.
-أنا لم أشترط فيه، بل سيوجد هناك ماء في أي مكان كان .. - تقصد ماء كليا لا معينا بمعنى إنك تعود إلى إثبات شيء لا يشربه الإنسان شيء ليس محسوسا أين هو هذا الشيء، ثم إن لم تكن جربته مرة كيف ستعرف بوجوده؟.
- ومن قال لك بأن حواسنا الخداعة هي مصدر معرفتنا بالماء أو بغيره، نحن ندرك الأشياء بالعقل..
- إي أعرف نظرتك هذه ستقول لي بأننا نعرفه بالتذكر، أنت تلزمنا أن نرجع لأنفسنا لنعرف الحقيقة لا نرجع إلى نفس الماء لنعرف أنه ماء..
- لقد أثبت نظرتي بشكل واضح، ففي محاوراتي استشهدت بغلام لا يعرف الحساب بأن جعلته يستنتج عمليات الحساب، والتفسير الوحيد لهذا هو أنه يتذكر ما يعرفه من قبل، قبل أن يختلط بهذا الجسد وأوهام تلقيه، إن المحسوس والجسد هو السجن الذي يحجب عنا بكثافته رؤية الحقيقة وقد صورت هذا بقصة قوم عاشوا في كهف فلا يحسبون الحقيقة إلا ما كانوا فيه بخلاف لو خرجوا من كهفهم.
- أنت هنا ترتكب مغالطة، فأنت تستشهد بشيء من العالم المخادع لتثبت نظرتك على عالم غيره مكون من المجردات والمعقولات في الواقع، ما الذي جعلك تثق بحادثة الغلام هذا وهو جزء من هذا العالم المحسوس، ثم ما قصة الكهف هذه أنت تصور أمرا مغلوطا عندك فمن خرج من الكهف أدرك بحسه شيئا مغايرا لما داخل الكهف، فإن كان الحس خادعا على على قصة الغلام والكهف بالإبطال.
- أنا ضربت مثالا فحسب وإلا فقد نصل بعقولنا عما يحجبه الحس عنا، فلا تأخذ الأمر بحرفية وقد أزريت في محاوراتي بأهل الكلام ممن يماحكون لفظيا..
- حسن وقصة الغلام أنت بين خيارين: إما أن تقول هي من عالم حقيقي وتنقض نظرتك، أو وهمي وقلت بها إلزاما، وبالتالي تصبح كالمماحكين من أهل الجدل والكلام.
ثم إن العمليات الحسابية التي يتعملها الغلام مسبوقة بكثير من التجارب وليست مسبوقة فقط بالولادة حتى تقول إنه تذكر فحسب لما قبل عالم الحس والوهم والجسد.
- نفس الأعداد كما نبه فيثاغورس ثابتة رغم أن الواقع متغير، فما الذي يجعلنا نصف أي شيء محسوس بواحد مثلا ويبقى الواحد واحدا رغم كثرة الأمور التي ننسبها إليه من المتغيرات، إن الواحد هو عقلي ولذا كان ثابتا والتجريد مسؤول عن جعل المحسوسات المتغيرة واحدة أو اثنتين إلخ.
- أها أنت هنا تنبهني لاستلال نظرتك وتطويرها على كلام فيثاغوروس لكنك تعممها على الأنواع، لكن كلامك هذا سيرده عليك تلميذك العاق أرسطو بأن كل نوع فوقه جنس وهكذا فلو كان هناك إنسانية مسؤولة عن وجود بشري فمن المسؤول عنها وهي تنتج أي شيء اكثر تجريدا منها وهكذا ونظل نتسلسل.
- لا تصفه بالعقوق، فهو بار بالحكمة، والحق هو الحكم بيننا، وليس الموافقة أو المخالفة، أنا لم أرجع المثل إلى شيء وحيد بل إلى عالم متفاعل مع بعضه من عالم المثل.
- لا تأخذني بحرفية وآداب الأكاديمية، فمزاج نيتشه لعله أثر علي وأنا أصف أرسطو بالعقوق مازحا، لقد قرأت في محاوراتك اعتراضا عليك مفاده إن كان العالم المحسوس معرفته خادعة يعني هذا أن العلم الحقيقي في عالم المثل، كان الاعتراض إذن الله لا يعرف إلا عالم المثل ولا يعرفنا نحن ولا العالم المحسوس وإلا كانت معرفته خداعة!.
ثم قلت أنت: لكن تجريد الله من المعرفة أمر فظيع.
- نعم قلت هذا.
- فها أنت تتحاكم إلى الاستبشاع!.. الذي بدأت بعيبه، على أي حال مضطر للذهاب، لنا لقاء آخر إن شا الله.
-لنا حوارات أخرى فأنا الحريص على الحوار.
3 سهرة مع أميل سيوران
وفرناندو بيسوا
بالأمس
كان نيتشه ينشر فحيح سخريته معبقًا الأجواء، وإن كان فيها مرح ساخر، إلا أنه صلب
يمتلئ بعنفوان الصراع، ولعل سخريته أيقظت سيوران وبيسوا، ليقطعا معي صمت الليل،
سيوران أيها العدمي لم أقرأ لك إلا أربعة كتب وإن كنت قد طلبت المزيد إلا أنهم
قالوا لي بأنه لم يترجم إلى العربية سواها: المياه كلها بلون الغرق، لو كان آدم
سعيدًا، تاريخ ويوتيوبيا، مثالب الولادة، وجدتك تقلد نيتشه باستثناء عنفوانه، هو
يقول مثلًا: مات الإله، وأنت تقول لقد طردت آخر المزعجين من ذهني وهو الله!، ألا
ترى أنك تقلده فحسب!.
-لا ليس تقليدًا إنما عبرت عما يجول في خاطري، نيتشه تنبأ بأمر لكنني وصفت ذلك الأمرعيانًا لمّا عشته، وأنا أختلف مع نيتشه، وإن أحببت أبنت لك ذلك.
هناك من بعيد يمشي الشاعر البرتغالي بيسوا متبخترًا بنظارته المدوّرة، ناديته بيسوا، أنت شاعر لكنك تعتبر متفلسفًا أيضًا ما بال نيتشه أصابكم بعدوى الجمع بين الشعر والفلسفة!، أنت لك نظرة يمكن أن أصفها بجدارة اللا مبالاة حتى النهاية، يا رجل قرأت كتابك (اللا طمأنينة) في 600 صفحة، حتى تقول في نهايته، الكتاب تافه! يا رجل أنت لا يجري دم في وجهك!.
ثم ما قصتك مع اللا مبالاة الدينية هذه، تقول بأن الإنسان يولد وهو يعترف بالله، وفي نفس الصفحة يولد وهو ينفي وجود الله، ماذا تقول؟
-إننا كأحفاد لأجداد كفروا بالمسيحية، ورثونا ليس مجرد الكفر بالمسيحية، بل حتى الكفر بأي إيمان، ولذا لا أؤمن بإله، ولا أؤمن بنفيه، ببساطة موقفي ليس مطمئنًا لا لعقولنا، ولا استدلالاتنا بأي جانب كان.
-أتدري بيسوا هذه صدقت بها، فأنت تصف الأوربي وهو محمّل بكل لا طمأنينة وكفر بالإيمان المسيحي، لما أستمع إليك أدرك أن السكرألا يمكن الحديث معه، وأدرك أكثر أن أفكارك هذه سكر محض..
-ليكن، أنا أقول ما أحس به، فالإحساس هو الصادق الوحيد فيّ، ولا أثق بالعقل ومن هنا أصلًا لست مستعدًا لأي حوار، إنما أقول ما تفرغه فيّ شحنات أحساسي، ولست معنيًا بإقناع أحد، فكتابي هذا الذي تتحدث عنه لم أسع لنشره، إنما نشروه بعد موتي، تخيل 10 سنوات وهم يحاولون قراءته لينشروه ويعيدوا ترتيبه من مخطوطاتي، وهذا يصدّق كلامي الذي امتعضت أنت منه، أنا قلت كتابي جيد لأنه تافه هل كذبت في هذا؟!.
- لا أحسبك كذبت!، سيوران أجد لك تسلسلًا بل شذرات، مثل نيتشه، لكنك محبط، نيتشه على الأقل يفرغ هراء التصوف ليجعلك ترى أين تقف بقدميك، لكنك تقتل أي معنى للكفاح في هذه الحياة، الوجود والعدم عندك سيان، ألا ترى أنك أفرطت في هذا، كنت أتساءل وأنا أقرأ كتابك لماذا لم تنتحر!، أنت رمز اللا معنى، ثم ألا ترى أن نيتشه أذكى منك، لاحظ أمرًا، نيتشه لما نقد الإنجيل مثلًا كتب (هكذا تكلم زردشت) بنفس ترتيب الإنجيل ولكن بطريقته الماكرة في السخرية، يغير الأحداث التي يحفظها من قرأ الإنجيل ليجعلك تضحك رغمًا عنك وأنت تقرأ كيف حوّر الحكاية.
لكنك تختصر الأمر فتقول: تدخين السجائر له مفعول أفضل من الإنجيل؟!
-لما أكتب ما يجول بخاطري أرى تحطم كل الأوهام التي تعلقنا بها طويلًا، فلا مناص ولا أمل أصلًا، كل تلك الشعارات التي قيلت لتجعل الحياة أفضل أخفقت، ولذا لست مع نيتشه وهو يحلم بالسوبرمان، وتفجير قدرات الإنسان، وكل هذا الهراء، أفضّل أن أنظر للأمر بطريقة أبسط وأسهل، بطريقة تبحث حتى في السيطرة والقوة بنظرة عدمية وتشاؤمية، لا أحن على المظلوم ليس مثل نيتشه لأسيطر، فهو القائل: أفضل ما تقدمه لمن يترنح للسقوط هي أن تدفعه! بل لأنني لا أتعاطف مع المظلوم كونه من طينة الظالم..
-أنت كأنك هنا تختصر أثر ستالين في عقل أوربا، إن المظلوم لو تسلط سيكون أكبر ظلمًا من سابقه، ألا ترى أن هذا كمن يقول لن أشتري بيتًا خوف أن يُسرق بحجة أن جارك سرقة بيته! أو لن أتزوج خوف الطلاق، ولن آكل خوف التسمم، عدميتك، ولا مبالاة بيسوا، تدفع إلى تحويل من هو على شاكلتكما إلى آلات تفقد الأمل ولكنها تعيش وتضطر للعمل وتخضع للاستغلال بكل لا مبالاة من جانبها، وتضطر إلى أن تتابع الأحداث فقط من بعيد..
لا مجال للإطالة في الحوار معكما، لا أريد أن أقطع عليكما مسيرة الإحباط، وتعاطي اللا مبالاة والعدم.. وداعًا...
-لا ليس تقليدًا إنما عبرت عما يجول في خاطري، نيتشه تنبأ بأمر لكنني وصفت ذلك الأمرعيانًا لمّا عشته، وأنا أختلف مع نيتشه، وإن أحببت أبنت لك ذلك.
هناك من بعيد يمشي الشاعر البرتغالي بيسوا متبخترًا بنظارته المدوّرة، ناديته بيسوا، أنت شاعر لكنك تعتبر متفلسفًا أيضًا ما بال نيتشه أصابكم بعدوى الجمع بين الشعر والفلسفة!، أنت لك نظرة يمكن أن أصفها بجدارة اللا مبالاة حتى النهاية، يا رجل قرأت كتابك (اللا طمأنينة) في 600 صفحة، حتى تقول في نهايته، الكتاب تافه! يا رجل أنت لا يجري دم في وجهك!.
ثم ما قصتك مع اللا مبالاة الدينية هذه، تقول بأن الإنسان يولد وهو يعترف بالله، وفي نفس الصفحة يولد وهو ينفي وجود الله، ماذا تقول؟
-إننا كأحفاد لأجداد كفروا بالمسيحية، ورثونا ليس مجرد الكفر بالمسيحية، بل حتى الكفر بأي إيمان، ولذا لا أؤمن بإله، ولا أؤمن بنفيه، ببساطة موقفي ليس مطمئنًا لا لعقولنا، ولا استدلالاتنا بأي جانب كان.
-أتدري بيسوا هذه صدقت بها، فأنت تصف الأوربي وهو محمّل بكل لا طمأنينة وكفر بالإيمان المسيحي، لما أستمع إليك أدرك أن السكرألا يمكن الحديث معه، وأدرك أكثر أن أفكارك هذه سكر محض..
-ليكن، أنا أقول ما أحس به، فالإحساس هو الصادق الوحيد فيّ، ولا أثق بالعقل ومن هنا أصلًا لست مستعدًا لأي حوار، إنما أقول ما تفرغه فيّ شحنات أحساسي، ولست معنيًا بإقناع أحد، فكتابي هذا الذي تتحدث عنه لم أسع لنشره، إنما نشروه بعد موتي، تخيل 10 سنوات وهم يحاولون قراءته لينشروه ويعيدوا ترتيبه من مخطوطاتي، وهذا يصدّق كلامي الذي امتعضت أنت منه، أنا قلت كتابي جيد لأنه تافه هل كذبت في هذا؟!.
- لا أحسبك كذبت!، سيوران أجد لك تسلسلًا بل شذرات، مثل نيتشه، لكنك محبط، نيتشه على الأقل يفرغ هراء التصوف ليجعلك ترى أين تقف بقدميك، لكنك تقتل أي معنى للكفاح في هذه الحياة، الوجود والعدم عندك سيان، ألا ترى أنك أفرطت في هذا، كنت أتساءل وأنا أقرأ كتابك لماذا لم تنتحر!، أنت رمز اللا معنى، ثم ألا ترى أن نيتشه أذكى منك، لاحظ أمرًا، نيتشه لما نقد الإنجيل مثلًا كتب (هكذا تكلم زردشت) بنفس ترتيب الإنجيل ولكن بطريقته الماكرة في السخرية، يغير الأحداث التي يحفظها من قرأ الإنجيل ليجعلك تضحك رغمًا عنك وأنت تقرأ كيف حوّر الحكاية.
لكنك تختصر الأمر فتقول: تدخين السجائر له مفعول أفضل من الإنجيل؟!
-لما أكتب ما يجول بخاطري أرى تحطم كل الأوهام التي تعلقنا بها طويلًا، فلا مناص ولا أمل أصلًا، كل تلك الشعارات التي قيلت لتجعل الحياة أفضل أخفقت، ولذا لست مع نيتشه وهو يحلم بالسوبرمان، وتفجير قدرات الإنسان، وكل هذا الهراء، أفضّل أن أنظر للأمر بطريقة أبسط وأسهل، بطريقة تبحث حتى في السيطرة والقوة بنظرة عدمية وتشاؤمية، لا أحن على المظلوم ليس مثل نيتشه لأسيطر، فهو القائل: أفضل ما تقدمه لمن يترنح للسقوط هي أن تدفعه! بل لأنني لا أتعاطف مع المظلوم كونه من طينة الظالم..
-أنت كأنك هنا تختصر أثر ستالين في عقل أوربا، إن المظلوم لو تسلط سيكون أكبر ظلمًا من سابقه، ألا ترى أن هذا كمن يقول لن أشتري بيتًا خوف أن يُسرق بحجة أن جارك سرقة بيته! أو لن أتزوج خوف الطلاق، ولن آكل خوف التسمم، عدميتك، ولا مبالاة بيسوا، تدفع إلى تحويل من هو على شاكلتكما إلى آلات تفقد الأمل ولكنها تعيش وتضطر للعمل وتخضع للاستغلال بكل لا مبالاة من جانبها، وتضطر إلى أن تتابع الأحداث فقط من بعيد..
لا مجال للإطالة في الحوار معكما، لا أريد أن أقطع عليكما مسيرة الإحباط، وتعاطي اللا مبالاة والعدم.. وداعًا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق