12 مارس 2017
عدم الاهتمام
بالنقاشات الدينية والفكرية
1
كثير من الناس يجدون في
أنفسهم عدم الحاجة لتتبع النقاشات والخلافات على صعيد القضايا الشرعية أو الفكرية،
ويقولون ما لنا ولهذا؟ بعضهم يعزو قلة اهتمامه بهذا للغالب على ما يجده في مثل هذه
النقاشات من احتداد من الجميع، والاتهامات المتبادلة، فكأن القضية مجرد وجع رأس دون
حاجة، لماذا أهتم بمثل هذه القضايا أصلًا؟
هناك من يزهد من شأن هذه الخلافات بقوله: هذه مسائل احتد فيها الناس من قديم، ونضجت حتى احترقت، ولا فائدة منها، ولا يمكن حسمها أصلًا، وهكذا..
وهذه محاولة للإجابة عن هذا السؤال، لماذا نهتم بهذا؟
بداية، الفكر والدين يتغلل حياتك وعاداتك وسلوكك، سواء أذنت له أم لا، فالفكر لا يستأذن أحدًا، كذلك الاعتقادات التي توصف بالدينية بالمعنى العام، فأنت تفكر بطريقة معينة، ولك نظام أخلاقي معين تحتكم إليه، دون شعور أحيانًا، سواء فكرت في التفكير (وهنا تبحث بطريقة فلسفية)، أو لم تفعل، وسواء بحثت في الشرعيات أو لم تفعل، فأنت تتصرف بطريقة دينية وفكرية معينة وإن لم تكن واعيًا بهذا.
خذ كمثال على هذا هذه الحادثة:
كان " كبار السائحين من كبار السن الوافدون من اليابان والهند يزورون قبر ماركس، كما أن الشيوعيين الإيرانيين والعراقيين يصرون على أن يدفنوا في ظله."
هناك من يزهد من شأن هذه الخلافات بقوله: هذه مسائل احتد فيها الناس من قديم، ونضجت حتى احترقت، ولا فائدة منها، ولا يمكن حسمها أصلًا، وهكذا..
وهذه محاولة للإجابة عن هذا السؤال، لماذا نهتم بهذا؟
بداية، الفكر والدين يتغلل حياتك وعاداتك وسلوكك، سواء أذنت له أم لا، فالفكر لا يستأذن أحدًا، كذلك الاعتقادات التي توصف بالدينية بالمعنى العام، فأنت تفكر بطريقة معينة، ولك نظام أخلاقي معين تحتكم إليه، دون شعور أحيانًا، سواء فكرت في التفكير (وهنا تبحث بطريقة فلسفية)، أو لم تفعل، وسواء بحثت في الشرعيات أو لم تفعل، فأنت تتصرف بطريقة دينية وفكرية معينة وإن لم تكن واعيًا بهذا.
خذ كمثال على هذا هذه الحادثة:
كان " كبار السائحين من كبار السن الوافدون من اليابان والهند يزورون قبر ماركس، كما أن الشيوعيين الإيرانيين والعراقيين يصرون على أن يدفنوا في ظله."
(كيفية
تغيير العالم: حكايات عن ماركس والماركسية، إيريك هوبزباوم، ترجمة: حيدر حاج
إسماعيل، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1: 2015، ص 38.)
لاحظ اليابان والهند
لهم احترام كبير للأموات، ولاحظ عقلية الشيوعيين الايرانيين والعراقيين وقارنها
بالمخيلة المذهبية والدينية في موضوع مقامات الصالحين والتبرك بالدفن بجانبهم كيف
تنتقل إلى قوم يفترض أنهم على الأقل ليسوا بذلك التدين المذهبي.
فحتى وإن لم يفكروا بأنهم يتعاملون بطريقة دينية إلا أن هذا السلوك له جذوره في كافة الخطابات التي نشأوا في حاضنتها، وله أسسه الدينية..
الأمثلة على هذا كثير، فالاهتمام بهذه القضايا ليس خيارًا تحسينيًا بل هو ضروري لوجودك كإنسان بوصفك كائنًا اجتماعيًا تتأثر بالمجتمع وما يطرح فيه، وما يستدعي ذلك من تقليد ومحاكاة، دون وعي أحيانًا لقضايا لم تعرها اهتمامك، ومن أخصها المسائل الدينية والفكرية..
أما على صعيد الاحتداد، فهذا ليس مسوغًا لعدم البحث في هذا وأمثاله، وليس علامة رئيسية كما يجعلها برتراند راسل على ضعف أدلتها، بل هي علامة على كونها عميقة في الإنسان لدرجة تهدد هويته، فهذا الإنسان الذي نشأ بوذيًا مثلًا عندما يحاور آخر لا يحاوره كمسألة: (ما حاصل ضرب كذا بكذا )، لا يحاوره كأمر منفصل عنه، بل يحاوره وهو يضع تصوره ومشاعره عن نفسه وعن مجتمع ككل على المحك النقدي!، وبهذا يكون الاحتداد علامة على عمق المسألة المطروحة، فمتى ظهر بطلان معتقده، واقتنع بذا، سيتهافت فيه إنسان كامل، لينشأ بدلًا منه آخر مؤمن بدين وتصورٍ آخر عن الحياة والوجود، ويتحاكم إلى منظومة أخلاق مختلفة.
إنه تغيير في التصور والنفسية، تغيير في الرؤية والولاء، وبالتالي شيء متوقع أن يوجد الاحتداد في أعمق المسائل التي يحدد الإنسان بها نفسه، كيف ينظر إلى نفسه، وإلى موقعه وعلاقتها بالوجود المحيط به، وهذا لا يصلح كدليل على تضعيف الاهتمام بهذه القضايا، بل على العكس تمامًا يظهر إلى أي درجة هي ملحّة.
فحتى وإن لم يفكروا بأنهم يتعاملون بطريقة دينية إلا أن هذا السلوك له جذوره في كافة الخطابات التي نشأوا في حاضنتها، وله أسسه الدينية..
الأمثلة على هذا كثير، فالاهتمام بهذه القضايا ليس خيارًا تحسينيًا بل هو ضروري لوجودك كإنسان بوصفك كائنًا اجتماعيًا تتأثر بالمجتمع وما يطرح فيه، وما يستدعي ذلك من تقليد ومحاكاة، دون وعي أحيانًا لقضايا لم تعرها اهتمامك، ومن أخصها المسائل الدينية والفكرية..
أما على صعيد الاحتداد، فهذا ليس مسوغًا لعدم البحث في هذا وأمثاله، وليس علامة رئيسية كما يجعلها برتراند راسل على ضعف أدلتها، بل هي علامة على كونها عميقة في الإنسان لدرجة تهدد هويته، فهذا الإنسان الذي نشأ بوذيًا مثلًا عندما يحاور آخر لا يحاوره كمسألة: (ما حاصل ضرب كذا بكذا )، لا يحاوره كأمر منفصل عنه، بل يحاوره وهو يضع تصوره ومشاعره عن نفسه وعن مجتمع ككل على المحك النقدي!، وبهذا يكون الاحتداد علامة على عمق المسألة المطروحة، فمتى ظهر بطلان معتقده، واقتنع بذا، سيتهافت فيه إنسان كامل، لينشأ بدلًا منه آخر مؤمن بدين وتصورٍ آخر عن الحياة والوجود، ويتحاكم إلى منظومة أخلاق مختلفة.
إنه تغيير في التصور والنفسية، تغيير في الرؤية والولاء، وبالتالي شيء متوقع أن يوجد الاحتداد في أعمق المسائل التي يحدد الإنسان بها نفسه، كيف ينظر إلى نفسه، وإلى موقعه وعلاقتها بالوجود المحيط به، وهذا لا يصلح كدليل على تضعيف الاهتمام بهذه القضايا، بل على العكس تمامًا يظهر إلى أي درجة هي ملحّة.
2
إن جانبًا من حجج من
يزهّد في البحوث الدينية والفكرية، قائم على مجازفة تطالب بجعلها متفقًا عليها
كمسائل تجريبية، فإن هذه القضايا لم تحسم البتة وهي مسائل خلافية من قديم، وهذا
يقال فيه بأن الاتفاق او الخلاف أمر زائد عن وجود أدلة على شيء، أو عدم وجود أدلة
عليه، ولكن لماذا يحصل الاتفاق بين جميع الناس على قضايا مثل جدول الضرب؟
يقال: لكونه مرتبطًا بشكل كبير بالمنافع المحصّلة منه في التجارة ونحوها، والناس تتفق على مصالحها، ولو قدّر أن فائدته العملية غير ملموسة لأمكن حدوث خلاف فيه مثله مثل غيره من المسائل التجريبية التي قد تخالف اعتقدًا بأسطورةٍ لقوم، أو مصلحة لآخرين، وإن الذي دفع الناس إلى جانب الارتباط بالعلم التجريبي بشكله الكبير هو ارتباط الربح به، وتعلقه بقوة الدولة، وبالتالي بتوزيع الوظائف عليهم، ومنحه لرأس المال قوة لا يستهان بها، وإلا فقد كان ينظر كثير من الناس بعين التوجس إلى منجزات العلم متى خالفت مصالحهم، مثل نظر النسّاخ إلى آلة الطباعة، وهي تعفيهم من وظائفهم وترمي بهم إلى خارج عملهم لتحل الآلة محلّهم، وأصحاب المهن الحرفية إلى المصانع التي تحطّم أعمالهم، فالاتفاق عليها ليس لكونها تجريبية وغيرها مسائل عقلية، بل لكونها مرتبطة بالمنفعة المتحصلة منها للناس.
ولذا تجد اتفاقهم على أفكار نظرية ليست تجريبية متى ما وافقت مصالحهم، ومن هنا تجد الرأسماليين يتفقون جميعًا على مصطلح (حرية) لما كان يخدم حريتهم في التملك والتنقل والتسويق، وذلك للمنفعة المتحصلة لهم، بقطع النظر عن كون مصطلح (حرية) تجريدي يندرج تحت مباحث الميتافيزيقا.
فوجود الاتفاق والاختلاف ليس هو المفرق بين القضايا النظرية والحسية، بل قد يوجد هذا وذاك، وكما تقع المكابرة في النظريات تقع في الحسيات.
إن بعضهم يحاول التزهيد فيها بحجة أن إثارتها قد يبعث على الطائفية والأدلجة، وبالتالي يدفع إلى الاحتراب بالباطل، والمغالبة والمصاولة بغيًا وعدوانًا، وهذا في الواقع قلب للمسألة رأسًا على عقب، وليس العكس، ولنأخذ مثالًا على هذا، أول ما حصلت الثورة الإيرانية 1979، حصلت خلافات كبيرة في الساحة السنيّة، من هم هؤلاء الشيعة وما الموقف منهم؟ وكان من الناس من يحذر من معتقداتهم، وآخرون يقولون بل يجوز التعبد بها، وآخرون يدعون لتأجيل النقاش، وكان كثير من الناس لا شأن له بهذه الخلافات أصلًا، وبحقٍ بعد عدة عقود بدأت الأزمة تنبعث على أرض الواقع، وتأجيل البحث في تلك المسائل من وقت مبكر بطريقة جدية لدراسات جدية لهم، كان يدفع للمواقف الارتجالية بنت ساعة ظرفها!، وبالتالي ما إن تحصل بعض المشاكل الطائفية حتى تعم من (لم يهتم بتاتًا بتلك القضايا) ويصبح الأمر فيها على الاسم والهوية، وذلك الذي لم يفكر يومًا بها، سيسعى لتحديد موقفه في الموضوع، وهذا يدفع في الاحتمالات لقرارات ارتجالية قد تدفع بالتطرف إلى أقصى حد، كما هي طبيعة الارتجالية العاطفية، لا النتائج المبنية على دارسة ورويّة وتفكير.
وأمثلة هذا كثيرة وليست حكرًا على هذا الموضوع، وكمثال آخر، قسم ممن لم يهتم أبدًا بالقضايا الفكرية والدينية، ممن يعيش في الغرب مثلًا ثم يجد نفسه صار عرضة لتمييز عنصري، أو انتقاصٍ ديني، مما قد يدفعه لموقف ارتجالي غير منضبط فقهيًا ولا روية فيه فكرًا، إن تجاهل هذه القضايا يجعل المرء مستعدًا لأي حلٍ يقدم له، دون أرضية يزن بها القضايا.
إن الاهتمام بذا هو اهتمام ضروري للإنسان من حيث كونه إنسانًا، فضلًا عن الثغرات التي قد تنشأ عن إهماله فتصل إلى فوضى وأذية له في حياته في الواقع.
يقال: لكونه مرتبطًا بشكل كبير بالمنافع المحصّلة منه في التجارة ونحوها، والناس تتفق على مصالحها، ولو قدّر أن فائدته العملية غير ملموسة لأمكن حدوث خلاف فيه مثله مثل غيره من المسائل التجريبية التي قد تخالف اعتقدًا بأسطورةٍ لقوم، أو مصلحة لآخرين، وإن الذي دفع الناس إلى جانب الارتباط بالعلم التجريبي بشكله الكبير هو ارتباط الربح به، وتعلقه بقوة الدولة، وبالتالي بتوزيع الوظائف عليهم، ومنحه لرأس المال قوة لا يستهان بها، وإلا فقد كان ينظر كثير من الناس بعين التوجس إلى منجزات العلم متى خالفت مصالحهم، مثل نظر النسّاخ إلى آلة الطباعة، وهي تعفيهم من وظائفهم وترمي بهم إلى خارج عملهم لتحل الآلة محلّهم، وأصحاب المهن الحرفية إلى المصانع التي تحطّم أعمالهم، فالاتفاق عليها ليس لكونها تجريبية وغيرها مسائل عقلية، بل لكونها مرتبطة بالمنفعة المتحصلة منها للناس.
ولذا تجد اتفاقهم على أفكار نظرية ليست تجريبية متى ما وافقت مصالحهم، ومن هنا تجد الرأسماليين يتفقون جميعًا على مصطلح (حرية) لما كان يخدم حريتهم في التملك والتنقل والتسويق، وذلك للمنفعة المتحصلة لهم، بقطع النظر عن كون مصطلح (حرية) تجريدي يندرج تحت مباحث الميتافيزيقا.
فوجود الاتفاق والاختلاف ليس هو المفرق بين القضايا النظرية والحسية، بل قد يوجد هذا وذاك، وكما تقع المكابرة في النظريات تقع في الحسيات.
إن بعضهم يحاول التزهيد فيها بحجة أن إثارتها قد يبعث على الطائفية والأدلجة، وبالتالي يدفع إلى الاحتراب بالباطل، والمغالبة والمصاولة بغيًا وعدوانًا، وهذا في الواقع قلب للمسألة رأسًا على عقب، وليس العكس، ولنأخذ مثالًا على هذا، أول ما حصلت الثورة الإيرانية 1979، حصلت خلافات كبيرة في الساحة السنيّة، من هم هؤلاء الشيعة وما الموقف منهم؟ وكان من الناس من يحذر من معتقداتهم، وآخرون يقولون بل يجوز التعبد بها، وآخرون يدعون لتأجيل النقاش، وكان كثير من الناس لا شأن له بهذه الخلافات أصلًا، وبحقٍ بعد عدة عقود بدأت الأزمة تنبعث على أرض الواقع، وتأجيل البحث في تلك المسائل من وقت مبكر بطريقة جدية لدراسات جدية لهم، كان يدفع للمواقف الارتجالية بنت ساعة ظرفها!، وبالتالي ما إن تحصل بعض المشاكل الطائفية حتى تعم من (لم يهتم بتاتًا بتلك القضايا) ويصبح الأمر فيها على الاسم والهوية، وذلك الذي لم يفكر يومًا بها، سيسعى لتحديد موقفه في الموضوع، وهذا يدفع في الاحتمالات لقرارات ارتجالية قد تدفع بالتطرف إلى أقصى حد، كما هي طبيعة الارتجالية العاطفية، لا النتائج المبنية على دارسة ورويّة وتفكير.
وأمثلة هذا كثيرة وليست حكرًا على هذا الموضوع، وكمثال آخر، قسم ممن لم يهتم أبدًا بالقضايا الفكرية والدينية، ممن يعيش في الغرب مثلًا ثم يجد نفسه صار عرضة لتمييز عنصري، أو انتقاصٍ ديني، مما قد يدفعه لموقف ارتجالي غير منضبط فقهيًا ولا روية فيه فكرًا، إن تجاهل هذه القضايا يجعل المرء مستعدًا لأي حلٍ يقدم له، دون أرضية يزن بها القضايا.
إن الاهتمام بذا هو اهتمام ضروري للإنسان من حيث كونه إنسانًا، فضلًا عن الثغرات التي قد تنشأ عن إهماله فتصل إلى فوضى وأذية له في حياته في الواقع.
وأختم بكلمة للكوثري:
"
تلك الكلمة ”أنا مالي” على وجازتها هي علة العلل في
طروء الخلل في كل زمن. "
(
مقالات الكوثري، محمد زاهد الكوثري، المكتبة
التوقيفية، اشراف توفيق شعلان، ص 448. )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق