3.16.2017

بئست السنة!

 

1 فبراير 2017

بئست السنة!

1

أول ما بدأت نقدي للكانطية الجدد بالنسخة المضروبة، وأنا أحاورهم بالحسنى، أعتذر عنهم بأمر قد قلدوا فيه الصدر في كتابه (فلسفتنا)، وأقول هي مباحث لم يدركوا ما وراءها، فإذا بهم يعقدون ولاءهم وبراءهم على عروة جهلهم، حتى وصلني اليوم لمز بعضهم لي بالمدخلية تارة، والجامية تارة أخرى!
 
وصرح قائل منهم قبلها بأني خالفت جمهور أهل السنة!، فكأنه أضحى عندهم في المعتقد من الضروريات، القول بوجود المعارف القبليات.
فجاميكم ومدخليكم فرع عن قوقعاتكم التي تقسم العالمين، لأقوال قيلت في شارع في الرياض وآخر في القصيم!، ثم ما هي مقالات المدخلي والجامي أصلا! حتى يضحي فرقة وينسب إليها أناس ما قرأوا لهم إلا تندرا بمنتجاتكم، وفلاسفتكم!.
 
بعضهم يقول إني تعجلت في نقدي لهم، وآخر يقول لم أهضم أفكارهم، فيا لخيبة الفلسفة والفكر معكم، أحسبتم أصلا أن ما تكتبونه فلسفة؟! أم بحق في نظرية المعرفة؟ 
 
إنما يطالعه القارئ من غير صنفكم مطالعة الصحف والمجلات، وما تجود به قرائحكم يكون فيها مسليات كالإعلانات.
 
فإن كنتم تصرون على المقارنة، فلتكن المقارنة بشيء أقرب، بمقالة جهم بن صفوان، في الذي نقله عنه أحمد في الرد على الجهمية، فقد كان جهم على ما فيه متسقا مع نفسه فلما أثبت إلها لا يمكن رؤيته وليس له كلام إلا مخلوقا، لم يقدر على ذا إلا بإثبات روح لا يقع عليها الحس وهي موجودة، فما صنعتم إلا أن بدلتم فقط العبارات فقلتم معارف بدل الروح لا تقبل الحس ومع ذلك فهي موجودة، أهذه مقالة السنة؟!
 
ثم يصدع الواحد منكم رؤوس الناس بالإنكار على الأشعرية، ويتندر بمقالاتهم بأنهم خالفوا ظواهر النصوص في الصفات، فإذا جئتم إلى القبليات صادمتم قوله تعالى (أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) وشيء نكرة في سياق نفي فتعم كل علم.
 
فماذا صنعتم؟ ما فعله محمد باقر الصدر فحسب! تابعتم أرسطو بتقسيم الموجودات إلى قوة وفعل، فقلتم إن القبليات موجودة بالقوة لا الفعل!.
فما صنعتم شيئا بذا، فإن كانت القوة موجودة ناقضتم ظاهر الآية وإن كانت معدومة فهو نفي للقبليات!.
 
لكنها المماحكة بغير علم ولا بينة، قالوا لكن انظر هنا نعيب على من قال بان الله لا يمكن رؤيته كجهم، وهناك قلنا المعرفة تابعة للوجود، فيقال: هل تخيلتم للحظة أن أحدا عاملكم معاملة المتسقين مع أنفسهم، فأنتم كل مرة تغزلون ثم تأتون بما ينقض الغزل، فتجميع أقوال لا جامع لها هو دأب عقل تنظيمه كغرف محجوزة عن بعضها، فما في واحدة لا يصل إلى الأخرى.
 
فبعض يوافق جهما، وآخر الأشعري، وآخر ابن تيمية والمنظومة بعد جهد على خطى الصدر!، ثم من خالفكم قلتم مدخلي تارة وجامي أخرى..

2

فمن أثبت القبليات كان ذا لحاجة عنده ﻷثبات إله لا يصح أن يقع عليه الحس، فأفلاطون لما جعل الحقائق وهي المثل عنده لا يقع عليها الحس، وصار الوجود المحسوس مجرد خداع، أنشأ معرفته على أساس التذكر بأن كل إنسان يتذكر المعرفة تذكرا وهذا أساس من قال بالقبليات.
 
ثم لما جاء أرسطو وسمح في منظومته الفلسفية لإثبات العالم المحسوس جعل من المعارف ما أصله الحس، لكنه لما أبقى شيئا من فلسفة أفلاطون، وكان يقول بالأول المجرد الذي لا يتحرك سمح ببعض القبليات التي سماها بالبديهيات ليصل بها إلى ذلك الشيء غير المحسوس.
ولما جاء كانط وأراد إنقاذ الثالوث قام بتقزيم دور العقل، فقال بالقبليات التي تتفعل بعد الالتقاء بالحس.
 
ولما كان الله عنده لا يقبل الحس اذن لن يصل اليه دليل اصله حسي، ولما ناقش الادلة الثلاثة التي اعتمدتها الكنيسة وفيها يمكن الاعتماد على القبليات ونفاها لم يجد ما يثبت به الله، حتى قال بوجود دليل رابع يعتمد على الأخلاق وهو هروب إلى غير ملجأ.
 
وبالجملة لا تكاد تجد فيلسوفا متسقا اثبت القبليات الا للتوسط بها الى الاله غير المحسوس ذاك، كديكارت على سبيل المثال.
ولما قال الصدر بالقبليات ما كان ذا الا ليتوسل بها الى الاله الذي لا يمكن ان يحس.
فهو عنده كمعتقد الامامية المتأخرين مثل معتقد المعتزلة لا يمكن رؤيته.
 
ثم جاء هؤلاء وقلدوا عن غير بينة ولا برهان، ولن يتفاجأ القارئ لهم إن قرروا الرؤية وفي نفس الوقت القبليات فدأبهم التلفيق.
 
وما كتبت هذا مخاطبة لجهولهم ولا مغرورهم، إنما لينظر فيه العاقل المنصف، ويرى أي جهل مركب نفخ في أوداجهم حتى يلمزوا من خالفهم بكل شتيمة حفظوها لكثرة ما قيلت لهم، أو لعلها في رؤسهم من القبليات.
 
بقي الحديث عن المؤلفات، الشيخ فلان عنده مؤلفات، فلو كان التأليف بعدد الأوراق لوضع ما لف من أوراق الحمامات في أدراج المكتبات، ولو كان بالحروف لصار كل مهذار رائد الفكر والمعرفة، ولو كانت باللقب الجامعي، لصار من حصله بأي طريق عالما!
 
والطريف أنك تجد منهم من يقول العبرة بالدليل لا الأقاويل، لما يكون القائل الشافعي أو مالك!، أما فيما يتعلق بشهادته وشهادة أبيه فمالك تخالف فلانا ومعه اللقب الفلاني؟ ومن أعطاه اللقب تجدهم ثلاثة أنفار ينكسر الميزان إن قارنتهم بجلسة من الشافعي!.
 
تجاريهم فتقول ما تخصصهم، فيقول معه لقب رفيع في العقيدة، حسن ونحن نتكلم في الفلسفة! أم أضحى معكم الاثنان واحدا فأضيفوا ثالثا ليكتمل الثالوث، فاطبعوا له شهادتين واحدة في هذه وأخرى في تلك، وحبذا أن تجيزوه بأخرى للكلام في كل ما لا يعرفه من باب المكافأة.

3

فمن ينصر الشرع بلا طريقة يضر من حيث لا يفهم منبع الفساد أكبر مما ينفع، فتجد أحدهم يقرر أن الله ليس محسوسا فيستدل عليه بحس ولا مثيل له فيعرف بالقياس!، لا يرد على هذا بأنه قال في نفس الكتاب بأن الله يعرف بالعقل، فنحن هنا أمام هذيان، يقرر شيئا ينفيه مرة أخرى!.
 
وآخر يقرر بأن كلام ابن تيمية جوهر نظرية كانط!، ولما نسبته إليه أنكر ذا وكذبه وصاح بالتظلم، حتى عاجلته قديما بموضعه في كتابه، فلم تسمع له حسا لأشهر بعدها!، وآخر يقول في صفحة واحدة إن ابن سينا والفارابي مثاليان، وفجأة لو اعترف الناس بالله الخالق ينتهي النزاع المادي المثالي!.
 
فهؤلاء لو كانوا أشاعرة - أولئك الذين يصرخون في المجامع بمخالفتهم - لكانوا أفضل بمراحل من هذا الهذيان الذي يسطرونه، فإن مطالعه من أهل الملة يتندر بهذا السقط، فكيف لو طالعه أقوام من غير أهل الإسلام؟!
 
ولقد كانت سفاهة الأحلام من صفات من ذكر حالهم في الأخبار، وإنك لتجد السفاهة حاضرة في ردود من قال:
بأن من نفى القبليات نفى الضروريات وبالتالي وافق الملاحدة!
فهذا كقول من قال:
الكلب حيوان ألوف، له شعر كالصوف، فهو طاهر كالخروف!.
 
أكل أمر ضاق عنه عطن فهمكم سارعتم للحوم حول التكفير؟ فذا من سفه أحلامكم، ولو تركتم الكتابة في هذا الشأن لكان لكم في الشائع المستكثر المكرر غنية، كما هو حال غيركم من عينتكم، ولكنهم استطالوا فبلغوا في نظر أنفسهم الغاية، لما كتبوا لغير من يفهم في هذه الأبواب، وأجازهم فيها من ليس من أهلها، وكثر حولهم تصفيق المعجبين! من غير وعي ولا روية.
فبئست السنة التي تسلكون، طريق التلفيق والتقليد متابعين للصدر باسم ابن تيمية زورا.
والسؤال الذي يظهر الأمر كالتالي:
ماذا تخالفون الصدر (الرافضي) في كتابه فلسفتنا؟ مخالفة جوهرية؟
بأي شيء؟
في الواقع إنكم عن الصدر صدرتم، ومن سطوره تتلمذتم، ثم لفقتم ذا مع ابن تيمية!.
 
ولما غاب عنكم من يحسن هذه الأبواب، وحضر من لا يعرف سوى النسخ واللصق وترديد كلام غيره، صار مجادلكم كمن يجادل آلة لا إنسانا يفهم الخطاب ويرد الجواب، كما لو تحاور السوقة في شيء من مباحث فلسفة الفن والجمال!، فما لهم ولذا فطبعهم الصراخ والتحزب، ومخالف سنتهم مخالف للسنة!.
 
نعم يخالف سنتكم، ويستعيذ بالله أن يقربها بله سلوكها.

4

 يأتيك منهم متحذلق بلسان الأدب، ليذكر مقالتي ومقالته على لسان حيوانات الغاب، ويذكرني بفعلته تلك هجاء كارل ماركس لداروين، حين قال: لقد رأى مجتمعه الإنجليزي بين الحيوانات!.
 
ولكن هذا ذكر عين مقالته على لسانهم، وهو منه إقرار على نفسه، وعلى غيره دعوى!، فليتعلم الهجاء من لا يحسنه.
 
وقد صرح بعضهم بأن خير كتاب وقف عليه في المعرفة كان للصدر، فشهد على نفسه بالقعود مع الخوالف في هذه الأبواب بموقفه هذا.
ولا يزال صائحهم ينادي: الحس جزئي ومعرفة العقل كلية فمن أين جاء القفز من الفرد إلى النوع؟
 
فإن قلت له لكونك مثاليا تتعامل مع الوجود كأنه محض فكر فتستشكل انتقال الفرد كن طريق معلومة حسية إلى النوع كمعرفة عقلية.
 
وغاب عنه دور الدماغ! فالدماغ واسطة تنقل المعرفة الحسية إلى كلية ذهنية، كما أنه يركب مدخلات البصر الجزئية لتشكل صورة كلية في الذهن.
 
فماذا يقول ابن تيمية في الدماغ يا أتباع الصدر دون نسبتكم فضله عليكم، يقول: " مبدأ الفكر والنظر في الدماغ"!
 
النص مزعج لهم وهم المشوهون لابن تيمية، فهو لا يقول موضع الفكر وإلا لقلتم الفكر سابق لموضعه، بل قال مبدأ الفكر الدماغ، فالدماغ مادة سبقت الوعي بل الوعي نتج فيه!.
يعترض بعضهم ولكن الدماغ مادة واليد مادة، ولا يترجح اختصاص جزء لإنتاج الفكر دون مخصص.
 
فيقال هذا مبني على تماثل الأجسام، وابن تيمية لا يقول به، بل يقول بأمر لو فطنت له، لربئت بنفسك أن ترعى في تحقيق مقالته مع البطالين.
 
يقول الجسم إن قسمته سيصل إلى نقطة يستحيل فيها، أي يتحول ويتغير، هذا القانون ستنتظر أوروبا هيجل ليقرره في الفلسفة، ومفاده أن التغير الكمي، يؤدي إلى تغير نوعي.
ومعنى هذا أن نوع الدماغ يختلف عن غيره وبالتالي صح اختصاصه لينشأ الفكر فيه.
ومعنى هذا أيضا أن المدخلات الحسية وإن كانت فردية،  إلا أن تراكمها في الدماغ يؤدي إلى تغير النوع ومن هنا ينتج الكلي التجريدي.
فالصراخ مجددا ولكن هناك معضلة الاستقراء!.
 
مجرد كشف عن مرجعكم المفضل الصدر، فهو لما غرق في مثاليته حاول إنقاذها بمثل ذا، ولكن ابن تيمية مختلف، وسيأتي بيانه بعد ذا إن شاء الله.

5

 لما يتعامل البعض بطريقة اعتباطية مع المباحث الفلسفية، وينسب ذلك إلى تحقيق مقالة بطريقة عكسية، يقول مثلًا، ابن تيمية مستحيل أن تبدأ عنده المعرفة من الحس، لماذا؟ لأن هذا يعني وجود مشكلة الاستقراء التي تحدث عنها الصدر!، ماذا يسمى هذا؟ هذا خلط لأبسط قواعد البحث في تحقيق أي مقالة، لنفرض أن كل إشكالات الصدر صحيحة 100%، على هذا المقالة، هل يعني هذا أن ابن تيمية لم يقلها؟ طبعا لا، هذا جانب وذلك جانب، لما تقول هذا حديث ضعيف مثلًا، هل يلزم من هذا، ألا يكون ابن تيمية قاله يومًا؟ أو لم يستدل به، أو لم يجزم بثبوته، هذا خلط تام للبحث، فأولًا حقق المقالة، ثم انظر إلى الإشكالات، التي قد تكون واردة، ولا يعني هذا افتراض بطلانها، أو صحتها!، أما أن يتم نفي مقالة تمامًا لأن عليها بنظر الكاتب إشكالات، هذا لا يسمى إلا طفولية في التعامل مع البحوث.
 
نرجع إلى ابن تيمية، ابن تيمية، عنده في (الرد على المنطقيين) طرح في ارتباط قياس الشمول بقياس التمثيل، فكل قياس شمول يمكن جعله بصورة قياس التمثيل!، في مخالفة للمنطق الأرسطي الذي يدافع عنه الصدر، ومن تأثر به، بل إن ابن تيمية يجعل قياس التمثيل أقوى في كثير من المواضع من قياس الشمول، لماذا؟ لأنه يرتبط بالواقع، وهذا في المنطق الحديث يستعمل بصيغة (إذا)، إذا كانت الخمر مسكرة، فهي إذن محرمة.
 
هذا لا يحتاج إلى مشكلة الاستقراء، بل وحصر التعميم في الاستقراء!، فمن ذا الذي يستقرئ كل شيء،حتى يعمم حكمه، لا المؤمن فعل هذا، ولا الملحد فعله.
 
فعند ابن تيمية مثلًا، لما يستدل بالأسباب يستدل بطريقة غير الطريقة الكلاسيكية، المبتدئة بمقدمة تقول: لكل شيء سبب، بل الأقرب للإنسان، استحضار حادث واقعي، والتعميم بناء عليه، بطريق قياس التمثيل، وفي إثبات الله، بطريق قياس الأولى، هنا يرتبط معينا بمعين، أو أكثر تعيينًا بأكثر تعيينًا على الصعيد الذهني.
 
وهذا يجرنا أصلًا لنظرة ابن تيمية العامة بالانطلاق من المعين، ثم إلى الذهن، ثم الذهن يعود بعملياته العقلية لإثبات معين أو حكم على معين، أما التجريد المحض فهو مثل الرياضيات، يبتعد عن الواقع، ولذا لتقترب من الواقع تأتي ضرورة الفيزياء.
 
أما الخلط بين الصدر وابن تيمية، فهو خلط بين المنطق الأرسطي، بكافة ما نقده ابن تيمية عليه، ونقد ابن تيمية نفسه عليه، وبعد ذا، يقال هذا قول ابن تيمية.
 
لقد بلغ تأثر هؤلاء بالصدر إلى الحد الذي يمكن معه التنبؤ بكتبهم، ومقالاتهم قبل أن تبدأها، فيكفي أن تقرأ كتاب (فلسفتنا) للصدر، لتعرف ما مضمون رسالة عن (نظرية المعرفة في الإسلام)، أو (نظرية المعرفة عند ابن تيمية) ولا إشكال أن تصير (نظرية المعرفة عند الغزالي)!.
 
كله قبليات، ألم يقل (ابن مسكويه ذلك في رسالته في العقل)!، مع أن ابن مسكويه يتحرك في فلك ما اصطلح عليهم وقتها بـ (الفلاسفة)، فعجبا لمن يقرر مذهبًا لابن تيمية، من كلام مخالفيه!

6

 وكلما وضع كلامهم الهش تحت مطرقة النقد، صاحوا، من هو يوسف سمرين؟ لا نعرفه، لا يعرفه أحد، له منشورات على الفيس بوك فحسب، له رسالة في كذا، ما دخل كل هذا في المسألة؟!، هل أنت في مناظرة معه؟ - على فرض أنه قبل أن يناظرك - بطبيعة الحال لا، إذن هب أن كلامه كان على ورقة مرمية في فلاة، فهل ما فيها صحيح أم لا، ولماذا، هب أنه مجهول تمامًا، فالكلام إن كان صحيحًا لم يضره جهلك، وإن كان باطلًا لا ينفعه علمك به.
الطريف أن الموضوع معكوس عليك، فمن هو فلان وفلان من القائلين بمقالتك؟ فإن كان معروفًا في بلدك،  فهو مجهول هنا، وقلة من يعرفون اسمه، ويحق لغيرك أن يسألك من هم هؤلاء الذين تتحدث عنهم، أبواحد تخصصه عربية، وآخر عقيدة، صاروا فلاسفة؟! فهذه على التنزل ليست حجة سليمة، غايتها أن تصلح عند من يعظم شيخك، والقائل بمقالتك، فإن كان خصمك لا يعظّمه، فحتى من باب الإكراه الأدبي لا ينفع هذا معه.
وهؤلاء يتهمون من خالفهم بـ (المدخلية)!، وكأنهم يعيدون كلمات المدخلي:
 "
ربيع تلقى العلم في مختلف مراحله على كبار العلماء وينجح في الأوائل دائمًا، وينال أرقى الشهادات وأعلى الدرجات العلمية، ويصل إلى درجة أستاذ، ويدرس الدراسات العليا، ويشرف على عشرات الرسائل ما بين ماجستير ودكتوراه "
(
مجموع المدخلي ج 13، ص 429.)
 
فيقال لهم: غاية الأمر أن من قال بقولك من مشايخك، سيقولون هذا في أنفسهم، فماذا يفترض أن أفعل، أضع لهم نجمة على جباههم مثلًا، تبجيلًا للتفوق الذي أحرزوه؟ حسن.. ولكن لا علاقة بين هذا والنتيجة المفترضة!.
 
وهذا الرجل الذي ترد عليه مجهول، فلماذا أشغل أحد معظّميك إلى درجة أن يستفتح أول منشوراته في حسابه للرد عليه، ثم لا يحصل معه على طائل، بل غاية الأمر أن معظّمك نفى ما قاله هو نفسه في كتابه، ورجع كسير الخاطر، لا يلوي على شيء!.
 
وكانت ردوده من عينة التسجيلات الصوتية، مما يصلح للمواعظ والقصص، لا التناظر والجدل، فإن كان هذا يصلح في مكان بينكم، فليس هو بصالح في كل مكان!.
 
أما نفسية الرجل الإقطاعي، الذي يتعامل وكأن الناس حوله خدم وحاشية له، فلا تنفع ها هنا، فما كل الناس تخنع أنوفهم، بل لعلهم لأنوف من تجبر أرغم.
 
أما بخصوص الفيس بوك، فمثله مثل أي وسيلة لإيصال المعلومة، فمثلًا (والمثال لا يقتضي الوقوع) إن قمت بإهانة شخص هنا منهم، سيكون الأمر مماثلًا لما لو أهنته في كتاب، فالأمر متماثل، إلا إن اعتبر أنه لن يهان إلا بختم دار نشر، فلعل بالتجربة ما يغير الأمر!.

7

نرجع إلى الفلسفة، فهؤلاء الذين يتبجحون بالقبليات ولا يعرفون ما يعتريها من إشكاليات، وإليك بعضها:
1.   إن هذه القبليات التي تسبق التجربة، ما هي وكيف سيتم تحديدها، فكل فرقة يمكنها أن تدعي عددا من القبليات ليس موجودًا عند غيرها، نصرة لمقالاتها، فكيف سيتم تحديد هذه القبليات؟ هل سيتم تحديد القبليات بقبليات مثلها؟ أم سيكون ببعديات (بعد الحس) فإن كان الثاني كيف يحكم الفرع على أصله الذي هو أساسه؟ وإن كان الأول، فنحن لم نحدد القبليات أصلًا فكيف سنعرفها بها؟
2.   سلمنا جدلًا أنه تم تحديد عدد من القبليات، فما الذي يضمن أن كل البشر عندهم نفس القبليات؟
3.   لنفرض أنهم اختلفوا فيما بينهم في عدد القبليات، فبعضهم عنده 3، وبعضهم 6، هل يمكن أن يقيم أصحاب 6 حجتهم على أتباع 3، فإن قيل نعم، قيل ما الضامن إذن بأن باقي 3 أصلًا قبلية، وقد أمكن أن يكون 3 من 6 بعدية!!
4.   سلمنا جدلا ً أن كل البشر عندهم نفس القبليات، وأننا حددنا عددها، فما الذي يضمن صحة هذه القبليات؟ هل تقيم دينًا كاملًا تزعم أنه قائم على دليل وبرهان، بناء على معارف لا يمكن التحقق منها البتة، فقط التسليم بأنها صحيحة من باب الافتراض؟ ومن باب الإيمان الاعمى أنها صحيحة، فخذ إذن أي شيء بعدها من نفس الباب، فما الحاجة للبرهنة أصلًا؟
5.   من أين جاءت هذه القبليات؟ هل سيقول من الله، بمعنى إن الله معرفته قبلية؟ أم معرفة أساس القبليات بعدي، فإن كانت معرفة الله قبلية، فكيف يمكن إقامة البرهان على قبلي، ببعدي؟ فإنه إن أمكن هذا، طرأ الشك على كونه قبليًا أصلًا.
6.   سلمنا أنها صحيحة تمامًا، فما الذي يجعلك تفترض أن الواقع نفسه يتبعها، مثلًا لنفرض أن الإنسان يرى أن لكل شيء سببًا في عقله من باب قبل الحس، ما الذي يجعله يفترض أن العالم المحسوس سيعمل وفق معرفته القبلية، فإن قال الواقع نفسه: قيل أنت لن تقرأه إلا بناء على معرفتك القبلية، والنتيجة إذن أن الواقع قد يكون فوضى والعقل هو الذي ينظمه، فإن كان هذا واقعًا في هذا العالم، فكيف تفترض صحة الأمر بما هو خارج عن هذا العالم الذي تعيش فيه!
7.   سلمنا أنها صحيحة ومتطابقة، ومطابقة للعالم، فهي قبل الحس، فما علاقة المعرفة الناشئة بما بعد الحس بما قبل الحس؟ وكيف يتفاعل غير المحسوس بالمحسوس (طبعًا بدون سر الكهنوت، وأن اللاهوت في الناسوت بلا كيف )..

 هذه أسئلة ارتجالية سريعة، وأقدّر أن محركات البحث عندهم بطيئة، وأن النسخ واللصق فيها صعب، وأنهم حالة يرثى لها في هذا المجال، فليستصرخوا شهاداتهم، لعلها تجيب عنهم بشيء في هذا!..
أعتقد كفاية لليوم..
 
مودتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق