3.16.2017

اصطناع مثقف الأرقام!

13 مارس 2017 

اصطناع مثقف الأرقام!


فلان عنده 100 ألف متابعة، آخر كتب موضوعًا فوصلت المشاهدات إلى 15 ألف مشاهد إلخ... هذا كله يستدعي منا إعادة النظر في كلمة كثيرًا ما قيلت حد الابتذال (الأقلام المأجورة)، القلم المأجور ليس فقط هو ذلك الذي يدفع له مبلغ مقطوع من المال، ليوصل رسالة معينة لا يؤمن بها، أو إن إيمانه بها لم يكن كافيًا ليكتب بها دون ذلك الحافز المالي.
بل هناك أقلام مأجورة ولكنها لم تأخذ سنتًا واحدًا (على الأقل حتى الآن)، ولكن كيف تعمل هذه الأقلام؟
خطة العمل سهلة جدًا، امتدح شخصية مشهورة جدًا على سبيل المثال، سيقوم هو بعمل مشاركة لها، ومن باب البروتوكول الرسمي، بأنه لم يكن حريصًا – معاذ الله – على مشاركة مقالة في مدحه، ستجد ختمًا بعنوان (إدارة الصفحة)، ويكاد هذا الإجراء الشكلي ينطلي على الكثيرين، فالبروقراطية حية في أدمغتهم، ويحسبون أن إدارة صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي، كإدارة مكتب للإصدار الأوراق الثبوتية، أو المصادقة على ورقة مهمة، مكاتبه مفصولة، وقد تستدعي الإجراءات معاملات كثيرة لا تصل إلى المدير العام!.
 
على أي حال إن العملية هنا تبادلية المديح (هو خدمة أو قل سلعة تنتظر الثمن)، الثمن هو المشاركة التي ستجعل المادح من نوع (مشهور)، آلاف المعجبين بتلك الشخصية الممدوحة ستدخل على رابط المقال المادح، ويبدأ عداد المشاهدات بالارتفاع، إن مقاله بلغ 20 ألف مشاهدة..
 
عقلية السلع التجارية (بما أنه مشهور إذن هو جيد) ستسيطر على كثيرين، هذا المقال جيد لأن عدد قرائه كثر، كما كان يحصل في الكتب، هذا الكتاب جيد لأنه طبع 12 طبعة!
 
المشكلة عندما يصدق الكاتب نفسه بأن ما كتبه جيد بحق لأن الناس تتابعه، ولأنه يحصد أرقامًا، علمًا لو أنه راجع نفسه قليلًا لعلم أن الموضوع هو مجرد أجر لمقالات انتهازية، لتمسح بمشهورين ينتظر مشاركاتهم لمقاله، المثقف لا يمكن أن يكون مطربًا في طريقة تفكيره، فما يقدمه طرح نقدي لا إعلانًا تجاريًا، إن ما يقدمه المثقف بداية هو أن يقوم بدور المفكر الذي يحرص على رصد الحقيقة وتقديمها للناس (بقطع النظر عن الرأي العام= الذي قد يكون هو ضده)،ولكن مثقف الأرقام هذا من نوع كسب المشاهدات، همه إرضاء المستمعين.
 
إن علمية استجداء المشاهدات تجعل بعضهم يتيه في كلامه دون أن يحدد أي موقف نقدي حقيقي، بل حديثه من عينة: الماء سيتجمد على زحل إن كان هناك ماء، وإن كان الجو هناك باردًا!
فهو لم يقل أي شيء هنا!، وحروفه الشرطية تجعله حذرًا  من الانحياز لطرف، إن المثقف دومًا منحاز إلى ما يجده حقًا وصوابًا، إنه ينأى بنفسه عن أن يكون عداد أرقام، ولا يفسح لنفسه في كلامه لموقف انتهازي.
بالمختصر، الأرقام من شأن (التسويق، الدعاية، الإعلام) ولا علاقة لها بجودة ما يطرحه كاتب من عدمه، ولا بمستوى المقال من عدمه
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق