3.16.2017

ليست مجرد معرفة مشوهة!

15 مارس 2017

ليست مجرد معرفة مشوهة!

الاستشراق لم يكن مجرد معرفة منقوصة أو مشوهة، بل كان بالإضافة لذلك يعمل على تعزيز التصور الفوقي الأوروبي، وإعطاء المبررات النظرية لنهب شعوب كاملة، هذه المبررات لم تكن دينية فحسب، بل امدت لتحوي أيدلوجيات عرقية أو سياسية معينة.
 
حديث إدوارد سعيد عن (الاستشراق) لا يزال حاضرا وبقوة في عصرنا الحديث سيما وقد تغير عنوانه إلى (التنوير والعقلانية ) وانتقل ممثلوه من الأعين الزرقاء إلى السوداء!، ومع التطور الكبير لوسائل التواصل أمكننا أن نعرف لأي درجة يمكن للأطروحات التي حسبها الكثيرون بأنها انقرضت بعد نقدها ان تعيش بل تتوحش.
 
من الخطأ الكبير أن يتم التعامل مع كثير من الأطروحات على أنها مجرد معرفة مشوهة الأمر الذي يدفع لرد شبهاتها فحسب، وبالتالي لا يوجد أي تأثير عملي لها، والواقع أن لها ارتباطا كبيرا في الشأن العملي وسألخص الأمر سريعا:
1.   يتم توظيف ردود الفرق على بعضها بحيث توصل رسالة للسامع باسم (التنوير والانفتاح) بعدم جدوى تلك البحوث وانغلاقها، بل وتكافؤ أدلتها، هذا بحد ذاته على المدى البعيد يهدم التفكير النظري والأخلاقي بشكل عام، ويضحي الترجيح بين الخيارات بالربح، هذا أمر مهم جدا للشركات، على سبيل المثال شركات الأفلام الإباحية لا يمكن أن تعمل بمجتمعات لم تترسخ بها هذه الأطروحات لتضحي (النفعية) بأخس تفسيراتها هي السائدة.
2.   الخروج من عباءة الجميع بدون أي منهجية لتناول نفس القضايا التي كانت تهمهم، فما يجري هو الخروج من عباءة القديم بمناهج هي في الواقع لو حصل طرد لأصولها لهدمت اصلا المباحث الدينية عموما بل وحتى الأخلاقية، وهذا مؤداه الجانب السابق.
3.   الإغراق بتقديس الحرية والعمل الفردي، وعند التحقيق لن تجد أي فارق بين الحديث هنا عن الحرية بشيء مخالف لحرية تنافس السوق والدخول بمفهوم (حرب الجميع ضد الجميع) كما هي عبارة هوبز، ومن هنا تجد من يتبجح بأنه (مارتن لوثر) مؤسس البروتستنتية، تلك التي وصفها ماركس بأنها (سفر التكوين) للرأسمالية، إذن الحديث هنا يوظف لصالح الرأسمال وأطروحاته.
4.   ولذا ستجد ما تصب به هذه الأطروحات هو في الواقع ما مؤداه الربح الرأسمالي لأبعد حدود، وحرية الاستغلال من قبل الشركات الرأسمالية وليس هذا فحسب، بل محاولة تقليم أظافر المنهوبين حتى يتم استغلالهم بطريقة سلسلة، ومن هنا ستجد إعادة إنتاج لخطابات التسامح البوذية والحديث عن (الله محبة) كدروس مخدرة تلقيها الكنائس يوم الأحد.

إن ما يحصل هو تجريد تام للمستمع من اي تفكير منظم، يقدر من خلاله على الممانعة لنفوذ الرأسمال، وهذا له مردوده على الصعيد السياسي بتعزيز التبعية التامة للدول الغربية هذه المرة حتى على مستويات شعبية واسعة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق