4 يناير 2017
مجتمع البئر..
عندما تفكر بصوت عالٍ تستخدم آلة إنقاذك من
البئر بشكل مفضوح! ولذا ستحاول الحديث بتجريد كالرياضيات حتى لا يقال عنك لمزت بها
أحدًا، أو أنك أناني متعجرف يريد النجاة بنفسه، إنك ستفزع إلى المجاز لربما إلى حد
الطلاسم، لعل غيرك يفكها بعدك إن نجحت بالخروج..
في البئر حيث لم ير سكانها الشمس إلا بمرآة أحد الكهان، إنه يمتلكها ولا يحق لغيره استعمالها، فكيف إن علموا أنك تريد أن تلقى الشمس حية وجهًا لوجه، إنه الكفران بالأيام التي عرّفك فيها الكاهن بالشمس من مرآته.
إنك تكفر باليوم الذي سلطها فيه عليك لصدّ العفن عن جسدك، لكن ألم ننصبّه كاهنًا؟ ثم ألم نترك التساؤل من أين أحضر المرآة أصلًا؟! ثم من قال بأنها ملكه هو فحسب؟
إن الكاهن الطيب لم يبخل ولن يبخل بتسليط المرآة علينا لكنه سيقتلنا إن علم أننا نريد الخروج من البئر السحيقة، إنه سيكرهنا عندها لأن مرآته لن تعود تساوي شيئًا، ولن يبقى هو كاهنًا فوق على رؤوسنا.
إنه يجعلنا ندفع له ثمنها بالخضوع ولكنه ثمن زهيد بمعايير القيمة في ذهن العبيد، ماذا يعني الخضوع عندهم إذا كانوا لا يحسنون غيره؟
بل لعل بعضهم يقول: إن ثمن المرآة أكبر من الخضوع، لكن الكاهن الطيب يعمل في دنياه ما يريد عوضه فحسب في الآخرة، كما قال هو نفسه.
إنه قال لنا إنه يخضع لتعليمات أحد الملائكة، فهو الذي أعطاه المرآة، فطاعتنا له طاعة للملًك، وطاعة الملًك لمن هو فوقه.
إنه مجرد عبد مثلنا هو كذلك يقول.
لكن عدد العبيد هنا يكفي ليأخذوا منه المرآة بل ليتسلق بعضهم على بعض ليخرجوا من البئر أساسًا، إلا أن هذه الفكرة إن قدر أن بعض العبيد قد آمن بها فهذا يعني الهلاك حتى في البئر، إذ سيصر من آمن بها من العبيد على تنفيذها فقد تعلموا أن الحقيقة مرادفة للأوامر والأوامر مرادفة لها، سينفذون! وسيرفض العبيد الآخرون تنفيذها بل سيقاتلون! فهم لن يقبلوا أن يعزل الكاهن المعروف بعطفه وتسليط الشمس عليهم، لخرافات فلسفية تزعم بأن ذلك ممكن بدون مرآة، لن نترك اليقين لظن قد يصيب أو يخطئ.
ثم تصور لو أن الكاهن رفض أن يسلط المرآة على المعارضين سيتعفنون ولربما نقلوا العدوى حتى إلى المؤيدين للكاهن العظيم.
إنك عمليًا إن سمحت بالتفكير فأنت فحسب تدعو إلى الفتنة بين سكان البئر، إنك تدعو لما يهدد الاستقرار.
الاستقرار ذلك الشيء الذي نصف به سيادة السادة وعبودية العبيد، الكل يعرف دوره بل قد زعم أفلاطون من قبل أن كل نوع له أصل مختلف صنع منه ابتداءً.
إن العبيد هنا يعيشون بفضل الكاهن فهو الذي يسلط الشمس بمرآته على أشتالهم، وفلاسفتهم يبحثون في صفات جد الكاهن السابق وقد اختلفوا فيه شيعًا وأحزابًا، بعضهم يصرح بأن الكاهن يعرف الكثير عن المرايا، مثل تلك التي معه، وآخرون قالوا: لا وجود إلا لمرآته فحسب، بل بعضهم قال: إن هناك بئرًا كبيرة لها تسعة أنفاق وأن الجد الأول للكهنة حفر ووصل إليها واستخرج مرآته، ثم حصل ردم عمّى على من بعده مكانها، ثم وصلت بحق الوراثة إلى الكاهن الحالي، بعضهم وبعضهم خلافات يتعذر حصرها.
وهناك العلماء الذين يسعون لاستنساخ مرآة كمرآة الكاهن، وآخرون لتطويرها، وآخرون لرفع سقف الإفادة منها.
وهناك وهناك، وأنت تريد تحطيم التنمية والمشاريع وتريد سب كل هؤلاء الفلاسفة بل والتنكر لمجتمع البئر والسعي لرؤية الشمس التي عجز عنها حتى أكبر الفلاسفة، أيها الأخرق المتكبر، بأي تنكر تفعل هذا لتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، دعك من هذا التفكير، وفي الوقت الذي تتفلسف فيه فلسفتك الهدامة اكتشف علماء العبيد عشرين طريقة لتطوير عكس أشعة الشمس على عدد كبير من الأشتال التي طور زراعتها ثلاثون عالمًا من أولئك العبيد، فبدل أن تنقد وتنقد قدم بديلًا مشاهدًا، ما هي اكتشافاتك في البئر؟ بل ما عدد شتلاتك المبهرة إنها لا تساوي شيئًا هنا!
وقل لي، هل تريد أن تصير مثل الجرذان في هذه البئر المظلمة؟ أم تكون عبدًا يسعى لرضى الكاهن ومسهمًا في تطوير مجتمع البئر..
ثم لماذا لا تناقش الكاهن نفسه بدل نشر كلامك بين العامة، إنه رجل عالم منصف سيسمع الحق ويعلمك أغلاطك.
-حسن ولكن من يضمن هذا؟ من يضمن ألا يقلل حصتي من ضوء مرآته؟
سأغامر فقط لتصل رسالتي إلى العبيد وإلا فيقيني بأنني مذبوح ككبش فداء.
-أيها الكاهن لماذا لا نحاول الوصول إلى الشمس دون واسطة مرآة، ثم ألست تقول بأن الكهانة لا تتعارض مع العلم؟
تمتم الكاهن مستعيذًا من كل أفكار الشياطين!، ثم بهدوء الكابت على أعصابه قال بأن الكهانة لا تعارض العلم لما يكون علمًا، لا شرًا وفسادًا باسم العلم.
هذا الذي تقوله خارجٌ عن طور العقل البشري ويجب على البشر أن يعرفوا حدود عقلهم، لا المسارعة في الخوض فيما لا يقدرون عليه، فضلًا عن كونك بهذا تكفر بالرضا بالقدر، كما أنك تنشر الفتنة بين العبيد، سمع العبيد بالنقاش فتحلقوا حوله منصتين.
وهنا صرخ الكاهن: إنكم تسمعون لكافر بكل ما هو طيب يريد نشر الفاحشة، وبدل أن يستركم ظلام البئر يريد كشف عوراتكم بضوء الشمس بزعمه، فكيف إن كان ما يقوله خارج عقل البشر، ولقد تاب عشرات من الفلاسفة الذين سبقوه في فكرته هذه، وأذكر أن الكاهن الرابع في مجتمع البئر منع العبيد حتى من النظر إلى فوهة البئر سدًا لذريعة أملهم في الخروج وأجمع على هذا كل من بعده، فكيف به لو سمع هذه الهرطقة جهارًا، لدك عنقك بلا ريب!.
ولكنني سأكون رحيمًا لصغر سنك سأمنحك فرصة لمراجعة أفكار السوء التي تعتريك فإن تبت فأهلًا بك وإلا فإننا سنمنع عنك مرآتنا، مرآة الشعب! مرآة الخير، مرآة الحق، مرآة السماء! التي لم تعد تعجبك! فأنت من رفضها قبل أن ترفضك!.
تمعّرت وجوه أغلب العبيد ولم يمنعهم من ذبح الكافر إلا مدة الكاهن لتوبته، ولكنّ عددًا قليلًا منهم فحسب قال في نفسه: ليس هناك من حال أشدّ مما نحن فيه وسنصعد جاهدين، وليكن ما يكون، فأن نوسم بالحرية ونحن نكافح لأجلها وإن فشلنا خير من البقاء عبيدًا ها هنا، قال أحدهم: لكنهم سيلعنون كل من تسمى باسمنا، وسيذبح أطفالنا من بعدنا، إن لم يكن بالسكين فبلعنات الكاهن المسمومة، إنها ستجعلهم عبيدًا للعبيد.
-ألسنا مذبوحين ها هنا في مرحلة الشخير، لا تغتر بأصواتنا فنحن هنا صدى أموات من زمن، فلنقم بها وليكن ما يكون.
وبالفعل انتظر الكافر بزعمهم مع عدد من العبيد حلول الليل، حتى نام مجتمع البئر وتسلقوا حائط البئر، وبعد جهد ليس بقليل صعد أولهم ليرى فسحة السماء وكذلك الأرض، بعد أن اعتقد أن الدنيا بئر وسماؤها بحجم الفوهة!.
وتلى بعضهم بعضهًا، لكن أحدهم سقط من أعلى ليرتطم بالقاع موقظًا الجميع!.
صرخ الكاهن: أحضروه!، جاؤوا به والدماء تلونه، ولم يقل سوى أحسنوا إلى أطفالي!، ومات.
قال الكاهن: أين الكافر؟! بحثوا عنه فلم يجدوا شيئًا، وعندها عرف الكاهن أنهم قد صعدوا!
انتشر الجنون بين العبيد، وبدأوا يقفزون ويتصارعون للصعود، يقال بأن بعضهم قتل ابنه لأنه خالف أوامر الكاهن بعدم الصعود، وبعضهم ضرب زوجه!
ولكن مجتمع البئر بدأ يقل، نصفهم تقريبًا صاروا في الأعلى يتنفسون الحرية، وعندها فقط أذن الكاهن بالصعود، ولكن سيكون أولهم، كون القائد دائمًا في المقدمة لتقديم التضحيات، وجعل أنصاره خلفه ليسندوا ظهره مخافة السقوط!
قال وهو يصعد وهم يسندونه بالرؤوس والأكتاف من قال بأن الكهانة مجرد علم، بل هي علم وعمل ولذا إنني أخرج بنفسي دون أن انتظر حبلا من أحد.
وكاد العبيد خلفه يبكون من فرط تواضعه وجده واجتهاده، حتى وصلوا إلى الأرض!
لقد كانت صحراء قاحلة.
وهنا قال الكاهن للكافر به: العلم لا يعارض الكهانة ولكل مجاله ولكن الكهانة هي التي تسير العلم، وتحلق الناس حولهما، فقال المفكر لكنك كنت تحرم الصعود، وكنت تريد إعدامي لمجرد مخالفة أمرك، والناس كلهم شهود.
صرخ الكاهن: يا هذا أنت جاهل عديم النفع هل تحسب أن الكهانة جهلت أن خارج البئر عالم، لقد نص على وجوده الكاهن الخامس للمجتمع القديم في كتابه القيم (ما وراء البئر )، إنما أردت ثنيك عن نشر البلبلة فحسب، واليوم سنكرم الشهيد البطل الذي سقط وهو يصعد عاملًا بأوامري بالصعود.
قال أحدهم صدق الكاهن فقد قال العبد: أحسنوا لأطفالي، وهذا دليل على أنه من أتباع الكاهن!، علا تصفيق الناس للكاهن وبدأوا يحيونه، الذي خطبهم قائلًا: إن طاعتكم للكاهن في البئر هي التي أوصلتكم للخير الذي بعده، لكن لم يكن في المقدور أن آمركم بالصعود قبل هذا الحين فلكل مقام مقال ولكل شيء حكمة وحين، وهذا الذي يزعم نفسه مفكرًا ما هو إلا كافر سرق أفكاره عن الكاهن الخامس ونسبها إلى نفسه، فالكاهن الخامس هو أول من تنبأ بالصعود، ولكن لم أقل لكم هذا خوفًا من الفتنة عليكم ومن استغلال البعض للضوء في كشف العورات وانشغلنا بالأهم عنه وقتها.
فرح الناس بل إن عددًا ممن كانوا مع المفكر بدأوا بالتصفيق للكاهن، وهنا قال المفكر وماذا إن عصيتك هذه المرة؟ ماذا ستفعل بعد أن سقطت قيمة مرآتك!؟
قال الكاهن: لا تنس أن لدي هذه الجموع المؤمنة!، ثم إنني لا زلت على مدتي لتوبتك من الفتنة والتحريض وعدم احترام الكهنة ونشر البلبلة، واستغلال الصبية بل زدنا عليها قتلك لتابعي الشهيد البطل وهو يصعد إذ رفسته برجلك! بقمة الخساسة!
وإلا فنحن في صحراء وسأمنعك الماء الذي يتجمع في البئر!
في البئر حيث لم ير سكانها الشمس إلا بمرآة أحد الكهان، إنه يمتلكها ولا يحق لغيره استعمالها، فكيف إن علموا أنك تريد أن تلقى الشمس حية وجهًا لوجه، إنه الكفران بالأيام التي عرّفك فيها الكاهن بالشمس من مرآته.
إنك تكفر باليوم الذي سلطها فيه عليك لصدّ العفن عن جسدك، لكن ألم ننصبّه كاهنًا؟ ثم ألم نترك التساؤل من أين أحضر المرآة أصلًا؟! ثم من قال بأنها ملكه هو فحسب؟
إن الكاهن الطيب لم يبخل ولن يبخل بتسليط المرآة علينا لكنه سيقتلنا إن علم أننا نريد الخروج من البئر السحيقة، إنه سيكرهنا عندها لأن مرآته لن تعود تساوي شيئًا، ولن يبقى هو كاهنًا فوق على رؤوسنا.
إنه يجعلنا ندفع له ثمنها بالخضوع ولكنه ثمن زهيد بمعايير القيمة في ذهن العبيد، ماذا يعني الخضوع عندهم إذا كانوا لا يحسنون غيره؟
بل لعل بعضهم يقول: إن ثمن المرآة أكبر من الخضوع، لكن الكاهن الطيب يعمل في دنياه ما يريد عوضه فحسب في الآخرة، كما قال هو نفسه.
إنه قال لنا إنه يخضع لتعليمات أحد الملائكة، فهو الذي أعطاه المرآة، فطاعتنا له طاعة للملًك، وطاعة الملًك لمن هو فوقه.
إنه مجرد عبد مثلنا هو كذلك يقول.
لكن عدد العبيد هنا يكفي ليأخذوا منه المرآة بل ليتسلق بعضهم على بعض ليخرجوا من البئر أساسًا، إلا أن هذه الفكرة إن قدر أن بعض العبيد قد آمن بها فهذا يعني الهلاك حتى في البئر، إذ سيصر من آمن بها من العبيد على تنفيذها فقد تعلموا أن الحقيقة مرادفة للأوامر والأوامر مرادفة لها، سينفذون! وسيرفض العبيد الآخرون تنفيذها بل سيقاتلون! فهم لن يقبلوا أن يعزل الكاهن المعروف بعطفه وتسليط الشمس عليهم، لخرافات فلسفية تزعم بأن ذلك ممكن بدون مرآة، لن نترك اليقين لظن قد يصيب أو يخطئ.
ثم تصور لو أن الكاهن رفض أن يسلط المرآة على المعارضين سيتعفنون ولربما نقلوا العدوى حتى إلى المؤيدين للكاهن العظيم.
إنك عمليًا إن سمحت بالتفكير فأنت فحسب تدعو إلى الفتنة بين سكان البئر، إنك تدعو لما يهدد الاستقرار.
الاستقرار ذلك الشيء الذي نصف به سيادة السادة وعبودية العبيد، الكل يعرف دوره بل قد زعم أفلاطون من قبل أن كل نوع له أصل مختلف صنع منه ابتداءً.
إن العبيد هنا يعيشون بفضل الكاهن فهو الذي يسلط الشمس بمرآته على أشتالهم، وفلاسفتهم يبحثون في صفات جد الكاهن السابق وقد اختلفوا فيه شيعًا وأحزابًا، بعضهم يصرح بأن الكاهن يعرف الكثير عن المرايا، مثل تلك التي معه، وآخرون قالوا: لا وجود إلا لمرآته فحسب، بل بعضهم قال: إن هناك بئرًا كبيرة لها تسعة أنفاق وأن الجد الأول للكهنة حفر ووصل إليها واستخرج مرآته، ثم حصل ردم عمّى على من بعده مكانها، ثم وصلت بحق الوراثة إلى الكاهن الحالي، بعضهم وبعضهم خلافات يتعذر حصرها.
وهناك العلماء الذين يسعون لاستنساخ مرآة كمرآة الكاهن، وآخرون لتطويرها، وآخرون لرفع سقف الإفادة منها.
وهناك وهناك، وأنت تريد تحطيم التنمية والمشاريع وتريد سب كل هؤلاء الفلاسفة بل والتنكر لمجتمع البئر والسعي لرؤية الشمس التي عجز عنها حتى أكبر الفلاسفة، أيها الأخرق المتكبر، بأي تنكر تفعل هذا لتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، دعك من هذا التفكير، وفي الوقت الذي تتفلسف فيه فلسفتك الهدامة اكتشف علماء العبيد عشرين طريقة لتطوير عكس أشعة الشمس على عدد كبير من الأشتال التي طور زراعتها ثلاثون عالمًا من أولئك العبيد، فبدل أن تنقد وتنقد قدم بديلًا مشاهدًا، ما هي اكتشافاتك في البئر؟ بل ما عدد شتلاتك المبهرة إنها لا تساوي شيئًا هنا!
وقل لي، هل تريد أن تصير مثل الجرذان في هذه البئر المظلمة؟ أم تكون عبدًا يسعى لرضى الكاهن ومسهمًا في تطوير مجتمع البئر..
ثم لماذا لا تناقش الكاهن نفسه بدل نشر كلامك بين العامة، إنه رجل عالم منصف سيسمع الحق ويعلمك أغلاطك.
-حسن ولكن من يضمن هذا؟ من يضمن ألا يقلل حصتي من ضوء مرآته؟
سأغامر فقط لتصل رسالتي إلى العبيد وإلا فيقيني بأنني مذبوح ككبش فداء.
-أيها الكاهن لماذا لا نحاول الوصول إلى الشمس دون واسطة مرآة، ثم ألست تقول بأن الكهانة لا تتعارض مع العلم؟
تمتم الكاهن مستعيذًا من كل أفكار الشياطين!، ثم بهدوء الكابت على أعصابه قال بأن الكهانة لا تعارض العلم لما يكون علمًا، لا شرًا وفسادًا باسم العلم.
هذا الذي تقوله خارجٌ عن طور العقل البشري ويجب على البشر أن يعرفوا حدود عقلهم، لا المسارعة في الخوض فيما لا يقدرون عليه، فضلًا عن كونك بهذا تكفر بالرضا بالقدر، كما أنك تنشر الفتنة بين العبيد، سمع العبيد بالنقاش فتحلقوا حوله منصتين.
وهنا صرخ الكاهن: إنكم تسمعون لكافر بكل ما هو طيب يريد نشر الفاحشة، وبدل أن يستركم ظلام البئر يريد كشف عوراتكم بضوء الشمس بزعمه، فكيف إن كان ما يقوله خارج عقل البشر، ولقد تاب عشرات من الفلاسفة الذين سبقوه في فكرته هذه، وأذكر أن الكاهن الرابع في مجتمع البئر منع العبيد حتى من النظر إلى فوهة البئر سدًا لذريعة أملهم في الخروج وأجمع على هذا كل من بعده، فكيف به لو سمع هذه الهرطقة جهارًا، لدك عنقك بلا ريب!.
ولكنني سأكون رحيمًا لصغر سنك سأمنحك فرصة لمراجعة أفكار السوء التي تعتريك فإن تبت فأهلًا بك وإلا فإننا سنمنع عنك مرآتنا، مرآة الشعب! مرآة الخير، مرآة الحق، مرآة السماء! التي لم تعد تعجبك! فأنت من رفضها قبل أن ترفضك!.
تمعّرت وجوه أغلب العبيد ولم يمنعهم من ذبح الكافر إلا مدة الكاهن لتوبته، ولكنّ عددًا قليلًا منهم فحسب قال في نفسه: ليس هناك من حال أشدّ مما نحن فيه وسنصعد جاهدين، وليكن ما يكون، فأن نوسم بالحرية ونحن نكافح لأجلها وإن فشلنا خير من البقاء عبيدًا ها هنا، قال أحدهم: لكنهم سيلعنون كل من تسمى باسمنا، وسيذبح أطفالنا من بعدنا، إن لم يكن بالسكين فبلعنات الكاهن المسمومة، إنها ستجعلهم عبيدًا للعبيد.
-ألسنا مذبوحين ها هنا في مرحلة الشخير، لا تغتر بأصواتنا فنحن هنا صدى أموات من زمن، فلنقم بها وليكن ما يكون.
وبالفعل انتظر الكافر بزعمهم مع عدد من العبيد حلول الليل، حتى نام مجتمع البئر وتسلقوا حائط البئر، وبعد جهد ليس بقليل صعد أولهم ليرى فسحة السماء وكذلك الأرض، بعد أن اعتقد أن الدنيا بئر وسماؤها بحجم الفوهة!.
وتلى بعضهم بعضهًا، لكن أحدهم سقط من أعلى ليرتطم بالقاع موقظًا الجميع!.
صرخ الكاهن: أحضروه!، جاؤوا به والدماء تلونه، ولم يقل سوى أحسنوا إلى أطفالي!، ومات.
قال الكاهن: أين الكافر؟! بحثوا عنه فلم يجدوا شيئًا، وعندها عرف الكاهن أنهم قد صعدوا!
انتشر الجنون بين العبيد، وبدأوا يقفزون ويتصارعون للصعود، يقال بأن بعضهم قتل ابنه لأنه خالف أوامر الكاهن بعدم الصعود، وبعضهم ضرب زوجه!
ولكن مجتمع البئر بدأ يقل، نصفهم تقريبًا صاروا في الأعلى يتنفسون الحرية، وعندها فقط أذن الكاهن بالصعود، ولكن سيكون أولهم، كون القائد دائمًا في المقدمة لتقديم التضحيات، وجعل أنصاره خلفه ليسندوا ظهره مخافة السقوط!
قال وهو يصعد وهم يسندونه بالرؤوس والأكتاف من قال بأن الكهانة مجرد علم، بل هي علم وعمل ولذا إنني أخرج بنفسي دون أن انتظر حبلا من أحد.
وكاد العبيد خلفه يبكون من فرط تواضعه وجده واجتهاده، حتى وصلوا إلى الأرض!
لقد كانت صحراء قاحلة.
وهنا قال الكاهن للكافر به: العلم لا يعارض الكهانة ولكل مجاله ولكن الكهانة هي التي تسير العلم، وتحلق الناس حولهما، فقال المفكر لكنك كنت تحرم الصعود، وكنت تريد إعدامي لمجرد مخالفة أمرك، والناس كلهم شهود.
صرخ الكاهن: يا هذا أنت جاهل عديم النفع هل تحسب أن الكهانة جهلت أن خارج البئر عالم، لقد نص على وجوده الكاهن الخامس للمجتمع القديم في كتابه القيم (ما وراء البئر )، إنما أردت ثنيك عن نشر البلبلة فحسب، واليوم سنكرم الشهيد البطل الذي سقط وهو يصعد عاملًا بأوامري بالصعود.
قال أحدهم صدق الكاهن فقد قال العبد: أحسنوا لأطفالي، وهذا دليل على أنه من أتباع الكاهن!، علا تصفيق الناس للكاهن وبدأوا يحيونه، الذي خطبهم قائلًا: إن طاعتكم للكاهن في البئر هي التي أوصلتكم للخير الذي بعده، لكن لم يكن في المقدور أن آمركم بالصعود قبل هذا الحين فلكل مقام مقال ولكل شيء حكمة وحين، وهذا الذي يزعم نفسه مفكرًا ما هو إلا كافر سرق أفكاره عن الكاهن الخامس ونسبها إلى نفسه، فالكاهن الخامس هو أول من تنبأ بالصعود، ولكن لم أقل لكم هذا خوفًا من الفتنة عليكم ومن استغلال البعض للضوء في كشف العورات وانشغلنا بالأهم عنه وقتها.
فرح الناس بل إن عددًا ممن كانوا مع المفكر بدأوا بالتصفيق للكاهن، وهنا قال المفكر وماذا إن عصيتك هذه المرة؟ ماذا ستفعل بعد أن سقطت قيمة مرآتك!؟
قال الكاهن: لا تنس أن لدي هذه الجموع المؤمنة!، ثم إنني لا زلت على مدتي لتوبتك من الفتنة والتحريض وعدم احترام الكهنة ونشر البلبلة، واستغلال الصبية بل زدنا عليها قتلك لتابعي الشهيد البطل وهو يصعد إذ رفسته برجلك! بقمة الخساسة!
وإلا فنحن في صحراء وسأمنعك الماء الذي يتجمع في البئر!
(نشرت
أول مرة: 2014.)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق