20 فبراير 2017
الحكمة
لغير أهلها!
كان
هناك تقليد متوارث بألا تعطى الحكمة لغير أهلها، حتى إن بعض الكتب في الفلسفة
والمنطق كانت تكتب بلغة صعبة، كخطوة نحو منع المبتدئين من الاستفادة منها، وبعض الكتب
كـ(الإشارات والتنبيهات) لابن سينا، يوصي ألا يتم إطلاع الجميع على فحواها، إلا من
تأهل لذلك، بعضهم سمى كتبه (المضنون بها عن غير أهلها)، وبقطع النظر عن محتواها
إلا أنها كانت خطوة أساسية، لمنع من لم يتأهل من الاطلاع على ما فيها، جاء في
إنجيل (متى) ما يعتبر عن هذا المعنى: " لا تطرحوا درركم قدام الخنازير لئلا
تدوسها بأرجلها".
وخطوة المنع هذه كانت تتحالف مع الظروف التي كانت تنشر بها الكتب، فقد كانت تنتشر عن طريق المخطوطات، من يد ليد، وقد يطالها منع رسمي يعدمها من الوجود، وقد سجل التاريخ العديد من حوادث حرق الكتب، ومع ذلك كانت الكتب الممنوعة أحيانًا كثيرة تتهرب، بل تزيد قيمتها من باب أن كل ممنوع مرغوب.
ثم جاء عصر الطباعة الذي تنبأ فيه نيتشه بانقراض دور المعلّم – على الأقل بصيغته السابقة – بعد أن أضحى الكتاب في متناول الجميع، وارتفعت نسبة القراءة، وكادت الأمية تصبح من مخلفات عجلة التطور، فالتقدم الاقتصادي حتّم ارتفاع خبرة الأيدي العاملة كما يقول ماركس، مما جعل من رفع الأمية ضرورة اقتصادية في المقام الأول، فضلًا عن فوائدها الأخرى على المدى الأبعد للمجتمعات.
ثم جاءت الطفرة في التواصل عن طريق الإنترنت، وتطور أمر الكتب المصورة، بحيث أضحت مسألة منع الكتب أو إتلافها غير ذات جدوى (بعيدًا عن تناولها من الجانب الأخلاقي والقانوني).
فكثيرة هي الكتب التي صنّفت في مجال الممنوعات، وزاد الطلب عليها، ورفعت وصوّرت على الشبكة، من كتب في الإلحاد، إلى آخر الكتب الإباحية.
مما يستدعي إعادة النظر في مسألة التثقيف بصورة جذرية، فتناول الموضوع بصورة جدية وموضوعية، هو أكثر نجاحًا من منعه عن المستمع، إنه بعبارة لينين: رفع مستوى الجماهير، لا النزول بالثقافة إلى مستوى التسطيح.
موضوع تناول المسائل لمن لم يتأهل صار عنوانًا حاضرًا حيًا، وليس الموضوع حكرًا على الفلسفة، حتى يقال قد يستغلها من يسيئ استعمالها ؛ كتلك القصة التي روها جان جاك روسو في (اعترافاته) عمّن قامت بتبنيه، وكان يناديها أمه، كانت كاثوليكية، ثم قابلت فيلسوفًا فظل يحاورها حتى أقنعها بأن الله لا يحاسب على الجسد، بل على الروح، ومن هنا نال غرضه منها!.
فقد يوجد من يفعل هذا ليس فقط بالفلسفة بل أذكر ذلك الشيخ الذي شتم أبا حنيفة، وقال بأنه يتعاطى الحشيش!، فسألته ما بك، ولماذا تقول هذا؟ قال ألم يقل بأن الفاتحة ليست ركنًا في الصلاة، هل يقول هذا عاقل؟!
فحتى المسائل الفقهية انفتح فيها الأمر، ووجد من يغالط فيها، وبالتالي، فيفترض رفع سقف الناس، وزيادة الوعي والتثقيف، بدل التركيز على المنع، وتأجيل القضايا إلى ساعة صدمة السامع، فكم من واحد علم أمس بأن الصحابة اختلفوا ووقعت بينهم فتن، حتى سارع إلى التشيع، دون أن يهضم لا التاريخ ولا التشيع، أو لعله ألحد لأنه اكتشف حديثًا لم يوافق مزاجه في البخاري.
ونحن في زمن تتزاحم فيه الأفكار، فأرى من الضروري الانفتاح على الثقافة، ورفع مستوى السامع إلى مستوى التعامل الجدي مع المعرفة، بربطه بالكتب ومصادر المعرفة، ورفع قدراته التحليلية والنقدية، ومن هنا لا أرى للتخوف من الفلسفة مسوغًا حقيقيًا اليوم، بل بالإمكان تطوير القدرات فيها ودراستها، دون إهمال العلوم الشرعية، والسلاح النظري لا يستخف به، من يدرك الحاجة إليه، في عصر أضحت فيه كثير من الترسانات القديمة في متاحف الفكر، إنه التركيز على رفع القدرات، لا المنع.
وخطوة المنع هذه كانت تتحالف مع الظروف التي كانت تنشر بها الكتب، فقد كانت تنتشر عن طريق المخطوطات، من يد ليد، وقد يطالها منع رسمي يعدمها من الوجود، وقد سجل التاريخ العديد من حوادث حرق الكتب، ومع ذلك كانت الكتب الممنوعة أحيانًا كثيرة تتهرب، بل تزيد قيمتها من باب أن كل ممنوع مرغوب.
ثم جاء عصر الطباعة الذي تنبأ فيه نيتشه بانقراض دور المعلّم – على الأقل بصيغته السابقة – بعد أن أضحى الكتاب في متناول الجميع، وارتفعت نسبة القراءة، وكادت الأمية تصبح من مخلفات عجلة التطور، فالتقدم الاقتصادي حتّم ارتفاع خبرة الأيدي العاملة كما يقول ماركس، مما جعل من رفع الأمية ضرورة اقتصادية في المقام الأول، فضلًا عن فوائدها الأخرى على المدى الأبعد للمجتمعات.
ثم جاءت الطفرة في التواصل عن طريق الإنترنت، وتطور أمر الكتب المصورة، بحيث أضحت مسألة منع الكتب أو إتلافها غير ذات جدوى (بعيدًا عن تناولها من الجانب الأخلاقي والقانوني).
فكثيرة هي الكتب التي صنّفت في مجال الممنوعات، وزاد الطلب عليها، ورفعت وصوّرت على الشبكة، من كتب في الإلحاد، إلى آخر الكتب الإباحية.
مما يستدعي إعادة النظر في مسألة التثقيف بصورة جذرية، فتناول الموضوع بصورة جدية وموضوعية، هو أكثر نجاحًا من منعه عن المستمع، إنه بعبارة لينين: رفع مستوى الجماهير، لا النزول بالثقافة إلى مستوى التسطيح.
موضوع تناول المسائل لمن لم يتأهل صار عنوانًا حاضرًا حيًا، وليس الموضوع حكرًا على الفلسفة، حتى يقال قد يستغلها من يسيئ استعمالها ؛ كتلك القصة التي روها جان جاك روسو في (اعترافاته) عمّن قامت بتبنيه، وكان يناديها أمه، كانت كاثوليكية، ثم قابلت فيلسوفًا فظل يحاورها حتى أقنعها بأن الله لا يحاسب على الجسد، بل على الروح، ومن هنا نال غرضه منها!.
فقد يوجد من يفعل هذا ليس فقط بالفلسفة بل أذكر ذلك الشيخ الذي شتم أبا حنيفة، وقال بأنه يتعاطى الحشيش!، فسألته ما بك، ولماذا تقول هذا؟ قال ألم يقل بأن الفاتحة ليست ركنًا في الصلاة، هل يقول هذا عاقل؟!
فحتى المسائل الفقهية انفتح فيها الأمر، ووجد من يغالط فيها، وبالتالي، فيفترض رفع سقف الناس، وزيادة الوعي والتثقيف، بدل التركيز على المنع، وتأجيل القضايا إلى ساعة صدمة السامع، فكم من واحد علم أمس بأن الصحابة اختلفوا ووقعت بينهم فتن، حتى سارع إلى التشيع، دون أن يهضم لا التاريخ ولا التشيع، أو لعله ألحد لأنه اكتشف حديثًا لم يوافق مزاجه في البخاري.
ونحن في زمن تتزاحم فيه الأفكار، فأرى من الضروري الانفتاح على الثقافة، ورفع مستوى السامع إلى مستوى التعامل الجدي مع المعرفة، بربطه بالكتب ومصادر المعرفة، ورفع قدراته التحليلية والنقدية، ومن هنا لا أرى للتخوف من الفلسفة مسوغًا حقيقيًا اليوم، بل بالإمكان تطوير القدرات فيها ودراستها، دون إهمال العلوم الشرعية، والسلاح النظري لا يستخف به، من يدرك الحاجة إليه، في عصر أضحت فيه كثير من الترسانات القديمة في متاحف الفكر، إنه التركيز على رفع القدرات، لا المنع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق