3.16.2017

هل هو التبلد؟

 

13 مارس 2017

هل هو التبلد؟

 عادة ما يتم التسويق لكون المنطقة العربية مثالًا على التبلد والكسل، بخلاف أوروبا مركز الصناعة، والحرفية العالية، انتظام وفناء بالعمل، تتبخر هذه الإشاعة عند أول قضية نقدية تعرضها على إنسان عادي قد تصادفه بأول حوار على أي منشور، ليسألك ما العمل؟ كل الناس تعرف ما هو الخلل، لكن ما العمل، ماذا سنفعل، هل عندك خطة، هل لديك حزب، ماذا سنفعل! أم هل سنظل نتكلم؟!.
هل بحق كلنا نعرف ما الخلل؟ وهل القضية فقط فقدان العمل للإصلاح..
تنتقد حزبًا معينًا، فكرًا معينًا، يسألك على عجل، ماذا قدمت، لا نريد أحلام اليقظة، وفلسفات القصور العاجية، أنت لا تقوم بأي شيء إلا الكلام، والكلام مجرد كلمات فارغة لا تغير أي شيء، أنت لا تقدر على إشعال مصباح بالكلام، فكيف بتغيير الواقع المزري؟ من الكلمات المنتشرة بين جماعة التبليغ في هذا الصعيد (جهد الدين جهد أقدام لا جهد أقلام)، وعند غيرهم (لا يفتي قاعد لمجاهد)، فالتاريخ لا يكتب إلا بالعمل والتضحيات و(الأشلاء) إلخ.
 
هل ستصدق بعدها أننا من منطقة لا تعرف العمل؟ بل الكسل والتبلد،أم ستقول هناك شطط باعتماد العمل دون نظرية!.
 
الكل يريد أن يعمل، فلان قرأ ثلاثة كتب في التنمية البشرية وصار مدربا فيها، فلان سمع بيانًا صار داعية، آخر طار إلى المنطقة الفلانية للكفاح ضد كذا، مجموعة للعمل التطوعي، النشاط الطلابي.. كلهم يعملون!..
 
لكن هنا تبرز الأسئلة ما المناهج النظرية المنتشرة لتحليل الواقع، لموازنة الأمور وضبطها، ما الأفكار النقدية التي يمكن أن يعبر عنها، ما الانفتاح الذهني على الاحتمالات الذي يبرزونه في كل أعمالهم، إن من الأمور الملاحظة أن هناك قوالب ذهنية واحدة تعبر عن منظومة واحدة في التعامل مع المشكلات، وبالتالي تدير حلولا متماثلة والفارق فحسب في الصيغ والخطابات!.
 
وبالتالي لو أعدنا النظر سنجد الفقر المدقع ليس في العمل، بل هناك أعمال تصل إلى حد الجنون!، شباب يستعدون ليشاركوا في حرب لا يعرفون أبعادها، يدخلون معارك لا يفهمون فحواها، يعلنون شعارات ليسوا متصورين لما تتطلبه من بناء نظري لإنجازها! , إذن هناك طفرة في العمل، على حساب تقزم شديد في الفكر!.
 
تجد عشرات يستعدون لمظاهرة، ولا تكاد تجد بينهم من يقدر أن يعبر عن ماذا يريدون منها بكلمات واضحة!، تجد سعارا عاطفيا لقضايا سياسية أو دينية، مع قلة قليلة تلك التي توضح ماذا تريد، وكثيرًا ما يطرح كل ما يريد في أي مشكلة أمامه، يريد من شركته ما يطالب به دولته، بما يطالب به العالم!، لا يفصل بين أمانيه ومطالبه، إذن هناك فقر نظري على صعيد طرق التفكير (الفلسفة) و على صعيد القدرة التحليلية للأوضاع المحلية والعالمية (السياسة) بشكل كبير.
 
إن أوروبا ما وصلت إلى جانب كبير من الانتاج العملي إلا وهي تحتوي على تركة مهولة من الأطر النظرية التي مهدت ورافقت وساندتها، لا يمكن أن تفصل بين الأمرين، وليس ما أقوله فيه تقليل من أهمية العمل، ولكن العمل دون نظرية يكون خبط عشواء، كما أن النظرية دون عمل ستظل حبيسة المكتبات، والأدمغة.
 
يفترض إعادة النظر في موضع (التفكير) بين عشرات الأعمال التي تتنازع أصحابها، لتغرقهم في العمل اليومي بها، مضيعة عليهم فرص التفكير الجاد في تقييمها، ومنهجية هذا التقييم.

........

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق