1.29.2017

حول حديث " من كنت مولاه فعلي مولاه " وأنه يدل على الإمارة

بسم الله الرحمن الرحيم

حول حديث " من كنت مولاه فعلي مولاه " وأنه يدل على الإمارة

رأيت عدة إشكالات تثار حول عدة أحاديث ، ينفعل كثيرون في التعامل معها ، في محاولة
رد الحجج التي يستعملها الإمامية لنصرة قولهم بأن الخلافة نص الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم فيها لعلي وقضى بالأمر ، فأحببت أن أشارك بشيء في هذا الموضوع ، فالإمامية عمدوا
إلى بعض الأحاديث ليحرروها من ظرفها التاريخي وسياقها فخرجت مطلقة ، وكأنها خارج
الزمان والمكان ، وتضحي مشحونة بمضامين أجنبية عن مراد المتكلم بها ! ، في حين أننا لو
حاولنا البحث عن سياقها وظرفها لاختلف الأمر ، وفي نفس الوقت يحتد كثيرون في التعامل
معها ، فقد يتكلفون في التأويل أو يحرصون على التضعيف ، علما أن تلك الأحاديث متى
صحت فهي ليست في صالح الإمامية البتة .
وربط هذه المباحث بالفقه ضروري ، فليس الحديث منعزلاً عن الفقه ، ولا الفقه عن الحديث
وعلومه ، كذلك باقي العلوم كأصول الفقه ، وكم هي رسالة الشافعي عظيمة في هذا ، فقد ربط
العلوم الشرعية ببعضها ، فتجده يمثل بالفقه ، ويعرج على علوم الحديث ، ونحو ذلك في إطار
من الأصول واللغة .
وكان من بديع ما يذكره تلك الأسباب التي قد تؤدي إلى الاختلاف ، لفوات تتبع باقي النصوص
والأخبار ، والسياق والسبب ، ونحو هذا فيقول :
" ويُسْئَلُ – أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم - عَن الشي ء فَيُجيب على قَدر المَسْألَ ة ، ويُؤَ دِّي
عنه المُخْب رُ عنه الخَبَرَ مُتَقَصًّى ، والخَبَرَ مُخْتَصَرًا ، والخبَر فيأتِ ي بِب عْض معْناه دون بعض ،
ويُحَ دِّثُ عنه الرجلُ الحَ ديثَ قَدْ أدْرَكَ جَوَابَه ولم يُدْرك المسأل ة فيَدُلَّه على حَ قيقَة الجَوَا ب ،
ب مَعْ رفَته السَّبَبَ الذي يَخْرُجُ عليه الجواب .
ويَسُ ن في الشَّيْء سُنَّة وفيما يُخَا لفه أخْرَى، فلا يُ خلِِّصُ ب عْضُ السَّامِعِين بيْ ن اختلاف الحال يْنِ
اللَّتَيْ ن سَنَّ فيهما .
ويسُ ن سنَّة في ن ص معناه، فَيَحْفَظُها حاف ظٌ، ويَسُ ن في مَعْنًى يُخَا لفُه في معنى ويُجَا معُه في
معنى، سنة غيرَها، لاختلاف الحالَيْ ن، فيَحْفَظُ غيرُه ت لْكَ السنةَ، فإذا أدَّى ك ل ما حَ فظَ رآه بعضُ
السامِعِي ن اختلافً ا ، وليس منه شيءٌ مختلفٌ ."
إنه يضع الأقوال والنصوص في سياقها ، داخل ظرفها وزمنها " وليس هذا حصر اً لها في
زمانها ومكانها وإنما لضبط فهمها بتحديد مقصد المتكلم ، وإحكام منهج الاستدلال بها على
حكم " ، وينبه على أن بعض الاختلاف يتخيله بعض السامعين عندما يسمع رجل شيئا دون
سببه ! فقد يعمم خاص ، ويطلق مقيداً .
من تلك الأحاديث ، حديث " من كنت مولاه فعلي مولاه " وقد صححه عدد من أهل العلم ،
وبعضهم ذكره في المتواتر . وهو من الأحاديث التي يطير بها الإمامية كل أفق ، ويحملون
الكلام فيه على كون علي بن أبي طالب وليا بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمسلمين عامة
، والولاية فيه يحملونها على السلطان ، من ولاية بكسر الواو ، ويرد كثير من مخالفيهم بأن
هذا من الولاية بفتح الواو ، أي المحبة والنصرة ، وقد يضعفه بعضهم ، ولكن ماذا لو قيل
إنه بأنه يدل على أن عليا فيه ولي وأمير فهل هذا النص يفيد في الخلافة بعد النبي صلى الله
عليه وآله وسلم ؟!
لنبحث عن سبب هذا الحديث ليتبين معناه ، وفي أي سياق وظرف قيل ؟
يظهر السبب في حديث صححه عدد من المحدثين ، وهو حديث بريدة بن حصيب :
" بعَثَنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سري ة واست ع مل ع لينا عليًّا فلما جئْناه قال: كيف
رأيتُم صاحبَكم ؟ قال: فإما شَكَوتُه وإما شَكاه غيري قال: فرفعتُ رأسي وكنتُ رجلًا مكبابًا فإذا
النب ي صلَّى الله عليه وسلَّم قدِ أح مرَّ وجهُه وهو يقولُ ؟ من كنتُ مولاه فعل ي مولاه"
وفي سياق آخر أوضح وقد ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة :
"إنه مرَّ على مجل س وهم يتناولون من عليِّ فوقف عليهم فقال إنه قد كان في نفسي على عليِّ
شيءٌ وكان خالد بنُ الولي د كذلك فبعثَني رسولُ الله صلَّى الله علي ه وسلَّمَ في سرِيَّ ة عليها عل ي
وأصبْنا سبيًا قال فأخذ عل ي جارية من الخُم س لنف سه فقال خالد بنُ الولي د دونَك قال فلما ق دمْنا
على النبيِّ صلَّى الله علي ه وسلَّمَ جعلتُ أُح دِّثُه بما كان ثمَّ قلتُ إنَّ عليًّا أخذ جارية من الخُمُ س
قال وكنتُ رجلًا مكبابًا قال فرفعتُ رأسي فإذا وجه رسو ل الله صلَّى الله علي ه وسلَّمَ تغيَّر فقال
من كنتُ مولاه فعل ي مولاه " .
وآخر في السلسلة : " خرجتُ مع عليِّ رضيَ الله عنه إلى اليمنِ فرأيتُ منه جفوة ، فق دمتُ
على النبيِّ صلَّى الله علي ه وسلَّمَ ، فذكرتُ عليًّا ، فتنقَّصتُه ، فجعل رسولُ الله صلَّى الله علي ه
وسلَّمَ يتغيَّرُ وجهُه ، فقال : يا بُريدة ! ألستُ أولى بالمؤمنين من أنف سهم ؟ قلتُ : بلى يا رسولَ
الله ، قال : من كنتُ مولاه فعل ي مولاه ".
فبالنظر إلى مجموع هذه الروايات ، يظهر أن عليا أرسله النبي صلى عليه وآله وسلم أميراً
على سرية إلى اليمن ولمس بريدة منه جفوة ، وحصل خلاف بين خالد وعلي ، ورفع بريدة
الأمر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتنقص من علي ، فرد عليه النبي بقوله من كنت
مولاه فعلي مولاه ، لكن ما معنى ذا ؟
إنه فرد من أفراد عموم الحديث المتفق عليه :" من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد
عصى الله ، ومن أطاع أميرِي فقد أطا عنِي ، ومن عصى أميري فقد عصانِي ".
إن علي ا كان أميراً عليهم ينفذ أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في اليمن خاصة ،
فمن خالف علي ا وقتها وهو الأمير )إلا في معصية( فهو مخالف للذي ولاه عليهم واستعمله
عليهم ، وهو نفس معنى حديث النبي في الأمير وهو بشكل عام ، فمتى استعمل عليهم أحداً
وجبت عليهم الطاعة ، فحديث من كنت مولاه ليس خاص ا في علي حتى إن حمل على الإمارة
بل الحكم مثله في كل من أمرِّ ه النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنه حديث البخاري :
"است ع مل النب ي صلَّى الله عليه وسلَّم أُسام ة ، فقالوا فيه ، فقال النب ي صلَّى الله عليه وسلَّم : ) قد
بل غني أنكم قلتُم في أُسامة ، وإنه أ ح ب الناسِ إليَّ ".
فالنبي يثني على ولاته ، ومن يبعثهم بأمره ، وهذا يشمله حديث " من أطاع أميري" ، فحديث
علي ليس خاص ا فيه لما تقرر في الأصول من أن ذكر فرد من أفراد العام ، بما لا يخالف حكم
العام ، ليس تخصيص ا للعام ، وإنما التخصيص أن يكون الفرد يخالف حكم العام ، كقولك :
أكرم الطلاب إلا فلانا ، فذا تخصيص ، أما قولك أكرم الطلاب ، ثم تقول أكرم فلانا وهو
طالب فهذا ليس تخصيص ا ، وإنما قد تذكره لسبب كغفلة من أمرته بذاك ، فلما أمر النبي صلى
الله عليه وآله وسلم عليا على الصحابة في سرية إلى اليمن ، واعترض بعضهم وأنكر عليه ،
قال لهم بأن عليا أميره ومن خالف أميره فقد عصاه هو نفسه .
ومن ذلك الرسل الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ملوك العالم ، ليبلغهم رسالة
الإسلام ، فمن رد ما جاءوا به كفر فإنما رد على من أرسلهم وفي البخاري من رسالته إلى
هرقل : من محم د عبدِ اللِ ورسو له إلى هرَقْلَ عظي م الرو م : سلامٌ على من اتبَعَ الهدَى، أما
بعدُ، فإني أدعوك ب دعايَ ة الإسلا م .
فمن جاء بالرسالة هذه وجب على من سمعه الإيمان بها ، ولا يقال بأن الإيمان واجب بشخص
حامل الرسالة ! حتى بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وهذا يكون لموضع النيابة عن النبي فيما استناب فيه ، ولا يعطي الأمير بنفسه صفة تفيد بأن
مخالفه في كل مسألة يكفر أو يفسق ! ، فالكلام هنا فيما بعثه فيه فحسب كونه تابعا لأمر النبي
، فعلي كان أميراً على بريدة وخالد فوجب عليهما طاعته .
في حين أن فاطمة كان يريبها ويؤذيها أن يتزوج علي بن أبي طالب ابنة بني هشا م بنَ المغيرة
، وكان علي يريد ذا كما في البخاري ، فلم يكن مخالف علي في ذلك مخالف ا للنبي صلى الله
عليه وآله وسلم وهو القائل : " فاطمة بَضعة مني، وإني أكره أن يسو ءها ".
فإن قيل ولكنه دعا على من عاداه بأن يعاديه الله ، فيقال بأن هذا وعيد فيه تفصيل ، فمن عاداه
لما معه من أمر النبي صلى الل عليه وآله وسلم فهو معاد للنبي ، وهذا كفر .
أما من عاداه لهوى في عدم طاعة وتخيل أنه جارَ فهي معصية ، والقول في الوعيد فيها
كالقول بالوعيد في غيرها من المعاصي ، وليس في هذا ما يدل على كفر كل مخالف له ! ،
فبريدة تنقص من علي ، ولم يقل له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا كفر ، كما يحاول أن
يجعله الإمامية .
وفي الحديث فضيلة ظاهرة لعلي بأنه كان مطبقا لحكم الشرع فيما أرسل فيه ، وإلا فلا طاعة
لمخلوق في معصية الخالق ، فلما أوجب طاعته في ذلك ، علم أنه كان أمينا ومتبعا لما أمر به
.
فيظهر أن الحديث يقصد به الإمارة ، لكنها إمارة مخصوصة بما بعث به علي وقتها ، وأن فيه
فضيلة له وليس هو نص ا على أنه خليفة جميع الناس ، والحديث الذي فيه " لقيت عمر بعد ذلك
فقال: هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة " فهو لا يصح كما
قال ابن تيمية ، والبوصيري ، والألباني ... وغيرهم .
وليس في الحديث ما يفيد أنه أمير في كل حين ! ، بل هو كالولاة والرسل في عصر النبي
صلى الله عليه وآله وسلم ، و غير علي من الولاة الذين عينهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم
كانت أيض ا طاعتهم واجبة ، ومعاداتهم غير جائزة .

كتبه : يوسف سمرين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق