1.29.2017

حول كتاب "اذان الانعام"

 

3 يونيو 2016

مشاركة في موضوع "ما وراء التأويل" بخصوص كتاب "آذان الأنعام"

 أعتقد الموضوع عنون له بعنوان جيد " وهو ما وراء التأويل " فالتأويل أو التفسير، أو بالاصطلاح الفلسفي اليوم " هرمنيوطيقا" ليس فقط في النصوص، بل يشمل حتى النظرة التفسيرية للوجود، وكثيرا ما يحدث تفسير، لكثير من الظواهر، يكون تفسيرنا يخفي وراءه رغبة معينة أو رهبة معينة، مثال على هذا، ما ذكره ويزلي سالمون، من تفسير شاع في الصين وقتا طويلا في تفسير خسوف القمر، بأن تنينا عظيما يبتلع القمر ويطلقون عليه ألعابا نارية، وبعد هذا يذهب التنين، وفي كل مرة تنجح هذه التجربة!
 
هذا في الواقع يجرنا الى البحث عن ضوابط التفسير، وإلا فلو قيل بأن الذي ابتلع القمر ليس هو التنين، بل تمساح لكانت نفس النتيجة، إلى اي حد يخفي التأويل قناعات، واساطير، وايدلوجيات، وكثير من المصالح، وقد لا نفطن لذا الا بعد فحص دقيق، ومن هنا كان العنوان موفقا ما وراء التأويل.
 
إن التفسير وبحثه، يجرنا إلى كلمة للغزالي في " القسطاس المستقيم" يقول بأن الإنسان عندما يشاهد مثلا حبلا طويلا، قد ينفر منه بسرعة، يظنه أفعى! ما الذي حصل هنا؟ إنه خلط بين المقدمة الكبرى والصغرى، فكل أفعى طويلة، وهو قلب الأمر فصار كل طويل افعى، لماذا هذه المغالطة هنا؟ للخوف! إنه خشي ان تكون أفعى فعمل العقل على التعامل معها على انها افعى، وهنا يبرز السؤال كم من المسائل التي نتعامل معها بهذه الطريقة؟ تسمعون أشعار العشاق في محبوباتهم، تحسبه لبرهة يتكلم عن كائنات غير بشرية إن الرغبة أخفت شيئا تحت الواصف والتفسير، وهذا يبين الضرورة للبحث في التفسير، الذي قد يخفي الكثير تحته، والمباحث الدينية ليست خارج هذا الاطار..
 
إننا لما ننظر للمفسرين نتعامل أساسيا مع بشر، ومع تاريخهم بأنه تاريخ بشري، هؤلاء البشر لهم مصالحهم، لهم أطماعهم، لهم مخاوفهم، وعندما ننظر إلى النص الديني بطريقة شبه ذاتية سوف نعكس عليه رؤيتنا، لا أننا نعكس رؤيته، عندما لا يتم البحث فيه بضوابط موضوعية، سينفتح التفسير على كثير من الاحتمالات الهائلة، مرة ناقشت أحد الشيعة في النص على علي بن أبي طالب، فقلت له هل يوجد نص على الإمام علي في القرآن؟ قال نعم، ما هو!؟ قال " وهو العلي العظيم "، أعتقد أن هذا الذي ذكره يعكس صورة ذكرها كثير من أهل التاريخ عن ادعاء الإلهية في علي!، فالحرص على إفحام المخالف بأن عليا مذكور في القرآن اضطرهم أن يذكروا أن العلي وهو الله، يقصد به علي وهو اسم علم على ابن أبي طالب، فانظر ان التأويل هنا أخفى تحته رغبة سياسية لتؤكد على أحقية إنسان بالإمامة.
 
موضوع التأويل ليس حكرا على المسلمين، ففي تاريخ النصرانية حصل هذا الأمر طويلا، بل يصدق القول بان الدين النصراني بأشكاله التي وصلتنا اليوم عبارة عن تفسيرات مركبة على تفسيرات وهلم جرا، فمن تفسير ما حصل للمسيح بانه عبارة عن تكفير عن باقي البشرية، وهو نفسه ابن الله، ولكن العذاب والموت وقع على قسم انساني! اما الاله او اللاهوت فلم يتعذب! وان الابن والاب والروح القدس كلم واحد! وفي نفس الوقت ثلاثة، ويعبرون عنهم بكلمة مضطربة المعاني لم تذكر في الانجيل بـ الاقانيم!.
 
كيف نضبط معنى النص الأصلي، ولا ينفتح على احتمالات هائلة كثير منها ذاتي وغير موضوعي، هذا موضوع يجب بحثه لأسباب كثيرة، منها أنه يسد الباب على تلك المصالح والسلطات التي تزج داخل النص، وتحاول جعله يتكلم باسمها.
 
في مناظرة بين أحمد ديدات عن المسلمين وأنيس شروش عن النصارى، وهذا الاخير معه دكتوراة في اللاهوت، وهو فلسطيني الأصل قال أنيس أنتم المسلمون تقولون بثلاثة أقانيم في القرآن!، كيف هذا؟ قال تقولون: بسم الله 1، الرحمن 2، الرحيم 3!
هل هذا الذي قاله أنيس صحيح؟ وما معيار هذا التفسير الذي زج بالثالوث في القرآن؟!
 
أهم ضابط موضوعي أن غرض التأويل ليس بحث ما يحتمله النص، أو ما يمكن أن يقال باسم النص، بل ما هو مقصد القائل!، بمعنى هل مقصد القرآن هذا؟ كيف نفهم المقصد؟
 
بالسامعين الأوائل، بالمخاطبين بهذا، هذا ضابط موضوعي ليس فقط بالقران، تخيل سوداني يقول كلمة زول، أظن معناها باللغة العبرية القبيح أو السيء، هل يقال بأن السوداني يسب غيره لما يقول زول؟ أم يقال لم يقصد هذا، كيف نعرف مقصده بعرف السامعين، كيف فهموه، ولذا لا يحمل النص على عرف غير المخاطبين به، وإلا انفتح على احتمالات كثيرة جدا، ليست موضوعية.
 
هذا ضابط يمكننا ان نعممه على النصوص الاخرى، مثلا لينين لما يقول ثورة، يقال ما عرفه، ما الذي قصده قصد وصول طبقة البروليتاريا إلى الحكم، هذا يختلف عن قولنا الثورة الأمريكية، أو الفرنسية، فالأولى كانت ضد الاستعمار البريطاني، والثانية ضد طغيان الملك، لاحظ المعاني تتحدد وفق سياقها، وظرفها، وعرف أهلها، لكن ماذا لو تم فصل هذا جميعه عن النصوص التي يراد تأويلها؟ 
 
سيصير بالإمكان تفسير النص بأي شيء، والنص متى احتمل أي شيء = عمليا انت تقول هو لا يعني أي شيء! لانه صار مثل جهاز المايكروفون، أنت تتكلم عليه، لا أنه بذاته له معان تنصت أنت لها، أو تبحث عنها، بل أي كان يقول ما يريد على المايك!
 
قبل فترة أعد أحد الكاثوليك دراسة عن الاسلام، وبطبيعة الحال لم يتعامل مع السنة بجدية، فما النتيجة التي وصل إليها؟ أن الاسلام بعث في سوريا وكان فرقة نصرانية تم تطويرها فيما بعد..
 
كثيرون لما ننقاشهم اليوم يتعاملون بنفس المنطق، أي مسألة يقول لك على عجل: هل هذا مذكور في القرآن؟ تخيل انت تحلل خطاب الرئيس الامريكي مثلا، فتقول يجب ان يتم تفسيره وفق اللغة الامريكية والعرف الامريكي لا البريطاني، ولا الروسي، فياتيك واحد ويقول هل هذا مذكور في نفس خطاب الرئيس! هذه اولية لدراسة الخطاب موضوعيا.
 
ناتي للقران الذي يقال هل يوجد هذا فيه، واحد قبل فترة كان اي مسالة يقول بها هذا، فسالته هل اسم النبي مذكور في القران؟ قال نعم اسمه احمد، ومحمد، قلت ماذا في هذا، تخيل انا اقول لك هناك رجل اسمه محمد سلم عليك اليوم! تقول لي اي واحد!؟ من هو بالضبط، لا يوجد في القران محمد بن عبد الله، ماذا لو تم استثناء غير القران؟ 
 
اللغة مثلا، القران يقول بانه نزل بلسان عربي، حسن ماذا لو قال قائل لن اتبع قواعد هذا اللسان، وساكتفي بالقران هل يمكن بحق ان يفهم القران؟ ان قيل لكنه يريد ان يفهمه بلسان العرب فيقال وكيف نقل لسان العرب؟ اليس بشواهد الشعر، وكلامهم، وهو شبيه بنقل السنة والظروف والاسباب والاعراف التي نزل بها القران لا لنحصر القران بزمان ومكان معين، بل لنفهمه بطريقة موضوعية.
اليوم تجد من يقول لكننا نريد ان نؤول القران حتى لا يقع مشاكل سياسية، ويأتي بمسائل تناقض بفهمها كافة من سبق، بحجة أنه لا يريد ان يقع في اخطاء اخلاقية وسياسية، ان هذا يسمى في الاصطلاح الفلسفي (اسقاط تاريخي) يعني تاتي لعصر وتسقط اعرافه على عصر اخر مختلف تماما!
 
مثلا اسالك: بأي جامعة تعلمت زوجات النبي صلى الله عليه واله وسلم! أو ما جواز السفر الذي حمله الرسل الذين بعثهم الى الملوك؟ هذا اسقاط تاريخي تام! يخفي داخله عدة مسائل:
1 –
أعراف اليوم هي الصحيحة تماما وهي المحكمة والقديم باطل لمجرد قدمه.
2 –
أن ما هو ممكن اليوم كان ممكنا بالامس.
3 –
ان النص يتسع لكل ما قيل اليوم!
 
هذه كلها مشاكل حقيقية، وفق هذه الطريقة الساذجة في التعامل مع النصوص لا يعجز اي كان عن الاتيان بمثلها باي نص يمكن ان تتخيله.
 
إن التوسع في التأويل بحجة محاربة التطرف، هو أكبر داعم للتطرف بأبشع صوره، فإن كان التأويل يتسع لتقول مثلا إن القتال المذكور في القران يقصد به (السلم وقتال النفس ) يعني هذا انك تفسح المجال لآخر أن يقول: السلم المذكور في القرن هو القتال والعنف!، إن كان الحج يحتمل معنى آخر، فكف الايدي يحتمل معنى آخر، وإن كنت لا ترى غضاضة بأن النبي صلى الله عليه واله وسلم وافق على منجزات عصرية تعتبر معرفتها من الغيب الذي نفاه عن نفسه، فلم تنكر قول من قال: بعث بالسيف رحمة للعالمين!
 
إن التأويل المتوسع كان تاريخيا هو دعامة القتل في أقدس الأماكن، وما خبر ذبح القرامطة للحجاج، وأخذ الحجر الأسود إلا مجرد مثال على هذا، وهؤلاء اسمهم باطنية، أي للنص معان خفية وسرية، لا تؤخذ من ظاهره، بل من طرقهم التي انفردوا بها عن باقي الامة، تخيل ان يكون لكل طريق في التأويل، بمعنى لن يكون الدم المسلم حراما، كشيء مشترك في الفهم، بل قد يفهمه غيرك بطريقة مختلفة ووقتها سيسل سلاحه!
 
من الأمثلة المعاصرة على التأويل المتوسع كتاب اذان الانعام، مثلا، فهو حرص على اثبات التوافق بين داروين والقران الكريم، واحيانا كثيرة استدل بالسنة ويردف ذلك بـ (صححه الألباني)، والواقع ان الكتاب خارج عن الاطارين الداروييني، والقراني متى تعاملنا بطريقة موضوعية، فداروين نفسه لما كتب (أصل الانواع ) ذكر الاعتراضات العنيفة التي يمكن ان تهدد النظرية، لم يستدل باي اية او ديانة، بل جعل الامر خاضعا للبحث والتجربة والتفسير المعرفي ومتى قلت ان مسالة علمية هي دينية اذن انت تقتل البحث الفلسفي التفسيري، والمعرفي التجريبي، فالمسالة دينية يعني محسومة تماما!، ان تجعل الحوار فيها ليس في الصواب والخطا بل كفر وايمان! وهذا داروين نفسه لم يطرحه، ونحن مثلا نناقش اليوم بعض من يقول الارض ثابتة، او غير كروية..
 
فيقول هو المسالة اختلف فيها العلماء التجريبيون ونقول جدلا حسن ولكن خلافهم صح او خطا ليس خلافا دينيا! كما تفعل انت، وهذه مشكلة كبيرة في الكتاب داروين لم يسع اليها ولم يحرص عليها.
 
المسألة الاخرى تطرح مشكلة عويصة وهي ان القران قصد النظرية في معانيه! ولكنه يعبر عن ذلك بطريقة مختلفة! بطريقة نصوص يفهمها اهلها بشكل مختلف عن صاحبي كتاب اذان الانعام، وهذا يعني ان الله يخبر بشيء لقوم على قدر عقولهم، ولكن الحقيقة مختلفة عن ذلك الخطاب، انه يعاملهم كأطفال، او بشكل اصرح (إنه يكذب للمصلحة ) كسياسي فاسد، أو أم تكذب على طفلها كونه جاهل.
 
إن هذا التصور عن الاله خطير جدا، فما الضامن ان لا يكون ما ظهر لك انت ايضا كذب باعتبار ما سيظهر بعد 100 عام! او يزيد، انه لعب على جهل الناس، فكل ما تعلمه تقول ياااه هذا في النص، وكل ما تجهله تقول خاطبني على قدر عقلي، ثم فقدان الامن المعنوي في النص، ما الذي يجعلك تصدق اصلا ان فيه معنى حقيقيا ثابتا ان كان يحتمل كل فترة تفسيرا جديدا، انه تصور يصادم كثيرا من الاسس الدينية التي تقوم اساسا على صدق الاله، على مخالفته لقبح السياسي الفاسد، كذلك تضرب الاسس الموضوعية للتأويل، ولذا لما نقول ما وراء التأويل، عندنا خيارات كثيرة لتحليل ما وراء التأويل، ولكن لما نقول ما هو التأويل الصحيح، فهذا يجب ان يكون له قواعد موضوعية، سعى لتعيدها علماء كثر، كما في اللغة العربية لها قواعدها التي تمنع فهما مغلوطا، كذلك الجانب الشرعي، وان سمي في اللغة نحوا وصرفا، ففي الشرع يسمونها اصول فقه، واصول تفسير، ونحو هذا..

ما المأخذ على كتاب آذان الأنعام؟


المأخذ الاساسي على كتاب اذان الانعام فقدان المنهجية، بمعنى ما هي المنهجية الموضوعية التي اعتمدت في تفسير القران لتصل الى النتائج التي وصلوا اليها، مثلا:
لما نفسر قول رجل يقول: ضربَ محمدٌ خليلاً 
 
ويقول قائل الضرب من محمد وقع على خليل، مقول ما المنهج الذي تم اعتماده؟ نقول النحو وقواعده، هذا امر منهجي حتمي، لكن لو تم تفسير الأمر بالتالي:
محمد المقصود هنا رمز للخير، والضرب هو معناه ضرب المثل، وخليل معناه صاحب الخير!
 
يقال هذا يمكن معارضته باحتمالات اخرى: محمد هنا رمز للكذب كونه اعتدى على خليل، فالمعارضة في كتاب اذان الانعام ممكنة في كل سطر، تفسيره للحج للعرش للملائكة، يمكن ان يفسر بطريقة اخرى، ما المانع؟
 
قوله بان الحج مثلا رمز لمسيرة الانسان، يقال بل رمز لمسيرة غير الانسان، بل ليس رمزا لمسيرة، بل رمز للموت! ما المانع؟
 
اذن فقدان المنهجية هو الاساس الذي ينتقد فيه الكتاب..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق