10 أكتوبر 2017
حتى لا يشوّه صرح ابن تيمية النظري
1
عديدة هي تلك الدراسات التي تنبهت إلى الطرح الفلسفي
الكامن في مؤلفات ابن تيمية، وتعرضت له، وبقطع النظر عن مقصد أصحابها، وجهدهم
العظيم فيها، إلا أنها لم تصور طرحه كما هو، بل زجت فيه بعناصر أجنبية عنه، ومن
ذلك:
1. أنه من المدرسة الاسمية: وهذا الطرح يرى
أن ابن تيمية يمكن مقاربته مع المدرسة الاسمية في الفلسفة، هذه المدرسة تقول بأن
الكليات لا في الذهن ولا خارج الذهن، وإنما هي أسماء تدل على الخارج فحسب، ومن هنا
اكتسبت تسميتها، ومن أوائل من قارن ابن تيمية بالاسمية علي سامي النشار في
كتابه (مناهج البحث) بحجة أن ابن تيمية لا يقول بكليات خارجية، وهذا حيدة عن قولهم
لا كليات في الذهن وهو ما يخالفهم فيه ابن تيمية صراحة.
وتتابعت دراسات على ذلك منها دراسة أبي يعرب المرزوقي (إصلاح العقل) وقد أبعد فيها النجعة، وتكلف فيها الصعب ولم يصب فيما ذهب إليه.
وتتابعت دراسات على ذلك منها دراسة أبي يعرب المرزوقي (إصلاح العقل) وقد أبعد فيها النجعة، وتكلف فيها الصعب ولم يصب فيما ذهب إليه.
2. أن ابن تيمية من المدرسة التصورية: وهذا
القول ضد القول السابق، وممن قال به سلطان العميري في كتابه (الحد الأرسطي) ولم
يصب فيه أيضًا، فالمدرسة التصورية تقول بأن الكليات في الذهن لا في الخارج، إلا
أنها قالت بتصورات قبلية تشكل ضرورة لمعرفة الواقع، ومن ذلك فإنها تقول بأن
المحمول للموضوع لا يوجد إلا في الذهن، وهذا لوحده كافٍ لصدقه، فترد المعرفة إلى
التصور ومن هنا جاء اسمهم، وهو ما يرفضه ابن تيمية فالكلي الذهني عنده لا يكفي
لمعرفة الواقع، ولابد من علم معيّن، كما أنه لا يقول بأي معرفة قبيلة أي تسبق الحس.
2
ومن المقالات التي جانبت الصواب في تصوير أطروحات ابن
تيمية:
3. الاعتقاد بمعارف قبلية (أي تسبق أي حس)
وهذه المعارف من صفتها أنها كلية وضرورية: وممن اشتهر بذا كتاب (منهج ابن تيمية
المعرفي) لعبد الله الدعجاني، والواقع أن وصفه للقبليات بأنها كلية وضرورية هو
مجرد ترديد لكلمات كانط التي قالها في (نقد العقل المحض)، ووقع بخلط بين مقامين:
i.
ما
يسميه ابن تيمية بـ(أسباب الإدراك) وهي مرحلة تشكل الوعي، وهذه عند ابن تيمية
منطلقها الواقع الموضوعي بتوسط الحس الذي ينقل ذلك إلى الدماغ، وبعد تكرار نقل الحس
يبلور الدماغ أفكاره الكلية، فما يعتبرونه قبليًا هو في الواقع نتيجة بعد الحس في
تشكل الإدراك.
ii.
وهو
داخل عملية الإدراك بعد تشكلها يوجد أوليات وضروريات ونظريات عند ابن تيمية، وذلك
في مقام الاستدلال وترتيب الحجة، ويكون هذا في الإدراك لا قبله، والقائلون بنسبته
إلى المعرفة القبلية خلطوا بين الأمرين، وخضعوا لخطابات سبقتهم، مثل نظرية المعرفة
للكردي والذي بدوره سلك مسك الصدر في كتابه فلسفتنا وقال بالقبليات المعرفية.
4. نفي المعقولات عن ابن تيمية: وذلك
لابتدائه بالحس في عملية الإدراك، ومن أشهر القائلين بهذا سعيد فودة، ثم تتابع
بعده من لاك هذه المقالة، وهي مقالة خصومة لا يوجد فيها نسبة من حق أو إنصاف، فابن
تيمية ينازع بوجود غير المحسوس أي القابل للحس في الواقع، لا ينازع في وجود
المعقولات في الذهن، وهذا الاتجاه يتقاطع بشيء ما مع الذين نسبوه إلى الاسمية من
حيث نفي الكليات.
3
ومن المقالات التي جانبت الصواب في تصوير أطروحات ابن
تيمية:
5. اعتبار أنه من رواد التجريبية، وفي هذا
الفلك دارت عدة مقارنات بحجة أنه يبدأ بالحس، ويركز عليه في المعرفة وبعضهم قاربه
ببيكون، وهو وإن التقى مع بيكون في جزئية الانطلاق من الجزئي إلى البناء الكلي
فإنه يخالفه في تزهيد بيكون في مباحث الفلسفة بشكل عام، إلى درجة اعتباره من أجداد
الوضعية العلمية التالية، فابن تيمية يؤكد على أهمية الحس ولا يتوقف عنده، بل هو
مجرد خطوة في إطار المعرفة، وإلا فتتلوها خطوات مختلفة نوعيًا، كالبحث المنطقي
والفلسفي.
6. اعتبار أن ابن تيمية لا يعول على العقل
في إثبات وجود الله، وذلك لما قرأ بعضهم أنه يعتبر أن معرفة الله ضرورية عنده،
وهذا تخليط، فالضروري يأتي في المقام الواضح في العقل الذي لا يحتاج فيه إلى
استدلال عليه، لا أنه نفسه لا دليل عليه (فالأول لا حاجة الثاني لا يمكن)، والضروريات
عند ابن تيمية نسبية بين البشر ومن هنا فقد لا يجد بعضهم إثبات وجود الله ضروريًا
وهذا واجبه أن يستدل، وهكذا كان حكم ابن تيمية في مسألة هل أول واجب النظر أو
الإيمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق