12.17.2017

إن لم تخلصوا للشريعة فأخلصوا لداروين

 16 أكتوبر 2017

إن لم تخلصوا للشريعة فأخلصوا لداروين.


في التوراة والإنجيل والقرآن، تم الحديث عن أصل البشر بأن أصلهم من آدم وآدم من تراب، وأنه كرمه الله، وخلقه في أحسن صورة، يأتي البعض ويقول نستثني آدم من نظرية داروين، بسهولة فظيعة، ومن هنا لا تصادم بين النظرية وبين هذه الكتب.
المشكلة يعتبر البعض أن أصل الإنسان أمر جزئي في النظرية، والواقع هو واحد من أهم أجزائها، فقد كتب داروين كتابه:
(أصل الأنواع) في مجلد.
و(أصل الإنسان) في ثلاث مجلدات كبيرة!.
إن ثورة داروين الكوبرنيكية تكمن في هدم مركزية الإنسان، تلك التي تحدثت عنها الأديان، بأنه خلقه لعبادته، وأن العالم مسخر له، وأنه خليفة في الأرض، بكل بساطة هذا يطير من النظرية الداروينية، فالإنسان مجرد نوع تطور عن أنواع أخرى، عبر شجرة يحكمها الانتخاب الطبيعي.
بعض الذين يحبون محاربة الإلحاد، يقولون داروين قال بأن هناك خالق عظيم للكون، فيقال هذا قاله داروين في آخر أصل الأنواع، قاله في معرض تخفيف نظريته على الشعور الديني، ولم يقل ما أقوله لا يتعارض مع قصة الخلق المذكورة من آدم وحواء.
في تلك الفترة كان داروين ربوبيًا، يعني يعترف بخالق، لكنه لا يعترف بصحة ديانة معينة، ثم تطور الأمر، ففي أصل الإنسان تحدث عن الدين، بأنه منتج ذهني في رحلة التطور، بمعنى: إن الإنسان هو من صنع تلك الروايات عن الخلق.
ثم في مذكراته التي أخرجها ابنه، قال بأنه يفضل كموقف شخصي اللا أدرية، كيفما كان، فداروين أدرك استحالة الجمع بين نظرية وبين قصة آدم وحواء ونحو هذا.
الآن محاولات الأسلمة للنظرية هي أسخف من تلك الردود الرافضة للنظرية أوّل صدورها في الكنائس، ففي الأوساط الفلسفية يتندرون بحكاية الراهب الذي أراد تحطيم نظرية داروين بقوله: لو أخذنا دجاجة وغمسناها في الماء فداروين سيقول ستتطور لها زعانف وتصبح سمكة، أما أنا فأقول إنها ستغرق!
هذا وأمثاله لا يصل إلى مدى طرافة أسلمتها أو جعلها نصرانية، بالهجوم على الرواية الدينية التي فهمتها كل الأجيال السابقة على داروين بطريقة مختلفة عن عمليات التأويل الباردة التي تمارس بحقها فيما بعد منهم.
ومن هنا تجد في بعضهم الثقة لأن يطور النظرية وينسب المسخ التلفيقي بعدها إلى نفسه، كما صنع كاتبان في كتاب (آذان الأنعام) حين أخرجا داروين بصورة كأنه من كبار الموحدين، فقالا بأنه كان موحدًا على الفطرة! وشوّها النظرية، مع تأويل النصوص، لتخرج نظرية أخرى تزيد الهراء واحدًا.
وغيرهما صنع نفس الشيء، قبل فترة ابتكر نظرية من رأسه فحسب، وقال بأنها نظرية تجمع بين الدين وداروين، وسماها بالنظرية الأزرقية! نسبة إليه.
إنه امتداد للهراء التأويلي من أيام أرسطو مع النصوص، وكما أدخل بعض الفلاسفة والمتكلمين أرسطو إلى المسجد عنوة، كذلك نصّرته الكنيسة على يد توما الأكويني، تعاد القصة هذه المرة مع داروين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق