21 أكتوبر 2017
إمام المعارضة أبو حسن الأشعري.
مرة قال محمد حسنين هيكل بأن الإسلاميين لا يصلحون
إلا للمقاومة، وامتعض منه القرضاوي في فلك فحوى الشعارات العامة، بأن الإسلام دين
ودولة.. إلخ.مع أن الحديث عن واقع لا يعارضه الحديث عما يفترض أن يكون، كلام هيكل يندرج تحت إطار أن الإسلاميين الذين يعرفهم هو، لم ير أنهم يصلحون لاستلام دولة، بل للمعارضة، كمقاومة عدو، أو الاعتراض على نظام أو موقف بقطع النظر عن صحة موقفهم المعارض.
في غمرة البحث في جذور موقف المعارضة، يبرز اسم أبي حسن الأشعري، ذلك الرجل الذي كان من المعتزلة، وفي ظرف انحسار تأثير المعتزلة على سلطات الدولة من أيام المتوكل العباسي، وبروز اسم الحنابلة كخط صمد في وجه المعتزلة، وامتحانهم الناس في عقائدهم وصمود أحمد بن حنبل صمودًا كبيرًا في وجههم، في ظرفٍ تلقي هذه الصورة بظلالها عليه، كان الأشعري قد وقف على المنبر وصرح بأنه كان على الكفر حين كان على مذهب المعتزلة، وأنه انتقل إلى أهل السنة.
بدأ أبو حسن بمحاججة المعتزلة لتصفيتهم النظرية، بأدواته المعرفية التي أخذها عنهم، وبالتالي فقد تحرك في إطار منظومتهم، ورغم انتسابه إلى أحمد بن حنبل في العقائد، إلا أنه حاول التوسط بين الحنابلة وما يمثلونه والمعتزلة.
ومن هنا فقد ابتكر عدة مقالات مثل الكلام النفسي، ونفي التحسين والتقبيح العقلي، ودب لاحقًا خلاف بين الأشعرية والماتريدية على ممثل خط (أهل السنة) منهم، ومن صاحب الحقوق الفكرية لبعض المقالات الأشعري أو الماتريدي؟ حتى صار شبه مستقرًا إعذارهم لبعضهم في غمرة مواجة الخصوم، كما قيل:
إن المصائب يجمعن المصابينا
الناظر في تراث الأشعري لا يجد فيه إلا معارضة، بحيث لو سحبت المعتزلة من الوجود لما فهم كثير من مقالاته كونها جاءت تركيبًا عليهم، لا يوجد نظرية في المعرفة مثلا ينطلق من وجود ضروريات مثل المعتزلة دون بحث في أساسها، ويغوص في المماحكات اللفظية البعيدة عن البحث العقلي.
وهو مذهب تفويضي في المقام الأول، بمعنى لا أدري، خذ كمثال الفرق بين من يقول:
1- كلام الله غير مخلوق ولا ندري ما هو =تفويض.
2-مذهب الأشعري: كلام الله لا صوت ولا حرف وهو قديم، ومع ذلك سمعه موسى حقيقة دون حرف أو صوت، كيف؟ نفوض!.
إنها نفس النتيجة مع فارق تطويل مقالات.
أما مماحكاته اللفظية فمن أشهرها تعريفه للعلم: ما يكون به العالم عالمًا !!
وسر ذلك أنه لما أثبت الرؤية، بطريقة لا تختلف عن العلم، لم يحرص على تعريف واحد منهما!
فالرؤية هي إدراك المرئي عنده، العلم لو قال إدراك، لتورط بمعرفة الفرق بينه وبين الرؤية التي أثبتها.
على أي حال كان دخوله في الكلام وكتابته رسالة في استحسانه، جعلت له خطا مختلفا عن علماء الحديث، ومن هنا فقد كان الخلاف معهم يتأجل إلى حين.
عقلية المعارضة ظلت حاضرة في كتابات الأشعرية، فهم اهتموا بالتنغيص على المعتزلة بداية كونهم الوجه المعارض لهم، وظل الجويني يحاول الانتصار للأشعري مثلا في قضايا لفظية مثل اعتباره حد الأشعري للعلم حدًا صحيحًا.
ومع مجيء الغزالي الذي كتب تهافت الفلاسفة، بقي الخط المعارض حاضرًا، وكتب في مقدمته للتهافت بأنه لم يرم تمهيد حق، إنما التكدير على الفلاسفة، ومن هنا فقد جعل كل الطوائف إلبًا عليهم، حتى ولو كان لا يقول بمقالتها.
وهذه عقلية المعارض بامتياز، ومع ذلك فإن انهماكه بالمنطق الأرسطي جعله ينقد الأشعرية في أمور متعددة، كنقده لحد العلم عند الأشعري واعتباره غير صحيح.
ومع الرازي يمكن القول إن علمه كان أوسع من مذهبه، وهو وإن ناضل عن الأشعرية مرارًا كمحاولته اللانتصار للأشعري في حده للعلم بأنه معلوم ضرورة ومن هنا فلا حاجة لحده، إلا أنه في كتاباته المتأخرة كـ(المطالب العالية) يكتب بنفس مستقل أكثر، بعقلية فلسفية أكثر من كونها كلامية ولا يجد حرجًا إن خالف المذهب، بل صار يتعامل مع الأشعري والمعتزلة في خانة واحدة على أنهم متكلمون وحديثه عن البرهنة!.
ومن هنا يمكن القول إن التماهي مع الرازي كان يؤدي إلى تقويض مذهب الأشعري نفسه إلى درجة بعيدة.
ويبقى السؤال إلى أي درجة لا تزال العقلية السياسية محتكمة إلى نفس المعارضة التي رفع لواءها الأشعري؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق