12.17.2017

ابن تيمية بين المدارس الفلسفية

 28 أكتوبر 2017

ابن تيمية بين المدارس الفلسفية.

1

1- لما جرت مناظرة السمنية لجهم بن صفوان، كان النقاش حول إثبات وجود الله، وقد روى المناظرة أحمد في (الرد على الجهمية)، ومحصلها أن السمنية قالوا لجهم: هل رأيت ربك أو عرفته بحس؟ فقال لهم: أنتم أحياء وفيكم روح أليس كذلك؟ قالوا: نعم، فقال: هل رأيتموها أو عرفتموها بحس؟ قالوا: لا، قال: كذلك الله لا يعرف بحس، لا يرى ولا يسمع مع ذلك هو موجود.
هنا قال ابن تيمية الصواب في الأصل المعرفي مع السمنية لا جهم بن صفوان، فالإله عند جهم:
لا يرى = لذا نفى الرؤية يوم القيامة، ولا يسمع= لذا قال: القرآن مخلوق.
.....
2-
يمكن تغيير صيغة المناظرة لفهم موقف ابن تيمية أكثر.
أفلاطون المثال عنده لا يرى، إنما يعرف بالعقل أو ما يسميها رؤية العقل= ابن تيمية ينفي المثل ويقول الرؤية العقلية ليست رؤية حقيقية.
.......
3-
هيجل الإله عنده فكر الفكر، لا يرى بالعين، ولا يسمع له صوت بأذن وهو المسؤول عن خلق الواقع المادي.
ابن تيمية يقول بل المطلق لا يوجد إلا في الأذهان لا الأعيان، الإنسان يفترضه ذهنيًا وليس ذا بموجود.
ماركس لما رد على هيجل قال له الواقع هو ما يخلق الفكر لا العكس.
......
فمحصل هذا التالي:
السمنية وماركس وابن تيمية في نقيض المثالية وهم كلهم خصوم لـ جهم وأفلاطون وهيجل.
-------
الأساس المعرفي عند ماركس والسمنية وابن تيمية واحد، الآن ما الفرق بين ابن تيمية والسمنية وماركس؟
نبدأ بالهراء الكاذب بأنهم يتفقون على نفي المعقولات (مثل كلام فودة).
وهذا كذب على الجميع فهم ينازعون بوجود المثل في الخارج لا في الذهن وليس منهم أي وضعي.
أين الخلاف؟
ماركس والسمنية مشكلتهم أنهم صدقوا المثاليين بأن اللله يجب أن يكون مثاليا أو مطلقا لا يشار إليه ولا يمكن معرفته بحس.
ومن هنا نفوا هذا الإله، ولما انحصر عندهم الواقع بغير الإله قالوا نؤمن فقط بالواقع هذا ولذا فبقوا منحصرين في (الدنيا) باعتبار الآخرة مثالية.
ابن تيمية يسلم معهم بنفي الإله المثالي، ولكنه يثبت الله على أنه قابل للحس بل ووقع الحس بمعرفته مثل سماع الوحي فقد كلم الله موسى تكليما، والكلام عنده حرف وصوت، وسمعه موسى.
الان لو صح ما قاله عند السمنية وماركس لم ينازعوه فيه، فهو مدرج تحت أصلهم المعرفي الواحد.

2

يسأل بعضهم ما فائدة هذا في الرد على الأشعرية مثلا، فيقال هذا بناء فلسفي يواجه ترسانة جدلية كلامية، ومن هنا كان الأصلب في مواجهتها وغيرها.
نأخذ بعض الفوائد التي حصلها ابن تيمية في هذا الجانب:
1.   معارفنا العقلية أساسها حسي، ومن هنا فهي تتحرك في إطار المحسوس فقط، فإن كان الإله غير قابل للحس، بطل الاستدلال العقلي عليه، كونه خارج أدوات البحث العقلية، (سيعيد هذه الصيغة كانط فيما بعد في نقد الأدلة على الإله غير المحسوس).
ومن هنا لما سلمت الأشعرية بأن الله لا يشار إليه، يقال لهم بأي شيء استدللتم عليه؟ متى قالوا بالعقل، قيل وأصل معارف العقل الحس، فمتى سلموا بهذا سلموا بامتناع إثبات إلإله المذكور بما سبق، أو جرت مناظرتهم في هذا (والمدرسة الأشعرية لا يوجد عندها هنا نظرية موحدة ومتسقة).
2.   لما كتب فودة (حسن المحاججة) استدل لإثبات موجود لا يشار إليه بالوجود الذهني مثلا تقول 2 أو 4 هذه لا يشار إليها، والمثل ذا قديم قدم المثالية، ومن هنا يطالب بالتفريق بين الوجود الذهني والواقعي الخارجي، فمتى قال الحس أبطل دعواه في الإله بأنه لا يشار إليه، وإلا لم يحسن التفريق بين الوجودي(الذهني والخارجي).
__________
ويمتد أثر نظرية ابن تيمية إلى فروع كثيرة، فهو إنشاء فلسفي لا كلامي، وعلى سبيل المثال يمتد إلى فلسفة العلم، فما هو علم بواقع محدد وما هو الافتراض الذهني، وما الفرق بين حقيقة علمية وبين نظرية فيها شيء من الافتراض غير المثبت.
كذلك يمتد إلى علم الاجتماع، وفصله عن الإلهيات ونحو ذلك، حيث يفرق ابن تيمية بين فعل الله ومفعوله، ومن هنا فيمكن فلسفيا دراسة الاجتماع دون تناقض فلسفي مع الإلهيات بالخلط بين فعل الله ومفعوله.

3

مع موقف ابن تيمية الفلسفي ومقاربته لطرحه مع السمنية نجده يقرر استقلال البحث الفلسفي عن الموقف الديني ولا يعني هذا التعارض بينهما، والخلط بين الأمرين عانت منه أطروحات كلامية عديدة، وتوضيح ذلك بالتالي:
1.   الطرح الأشعري يحطم البحث الفلسفي في العديد من المواضيع، ومن أهمها فلسفة الأخلاق، حيث إن الأشعري نفى التحسين والتقبيح العقلي، ومن هنا تمتنع فلسفة أخلاقية مستقلة بخلاف ابن تيمية، حيث يقول بقدرة العقل عليه ومن هنا إمكان وجود عدل مع الكفر.
2.   يوسع ابن تيمية مضمار البحث الفلسفي بالتقارب مع السمنية حيث يلغي بذا ادخال عامل الإيمان في وصف نظرية معينة، فقد يكون المرء مؤمنا ومع ذلك فلسفيا كلامه متهافت والعكس صحيح، وهذا تقريبه يكون بتخيل صنعة مثل النجارة قد يمهر فيها الكافر ويخطئ فيها المؤمن.
3.   تفريقه هذا مهم لتحصيل عدم التكفير بين المسلمين بخلاف فلسفي، بخلاف من يكفر غيره مثلا لإنكاره الجوهر الفرد على سبيل المثال، كما أنه يبطل تصحيح منظومة فلسفية لإيمان صاحبها، أو اعتقاد إيمانه لصواب طرحه الفلسفي.

مودتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق