12 دسمبر 2017
منشورات عن التفويض عند الحنابلة
1-التفويض
مصادم لمذهب الحنابلة
لما ناقشت المنتسب إلى المذهب الحنبلي، ناقشت عين
مقالته، بدل الحشو الفارغ الذي يكررونه كل حين، مذهب أحمد، ليس فقط لا يصلح معه
التفويض، بل يناقضه تمامًا، بعضهم أراد الحذلقة، فقال لابد أن يكون المرء محققًا
للمذهب، ليعتبر قوله، ويغفل القائل، عن آلية تحقيق المذهب أصلًا، وقد شرح بعضًا
منها ابن حامد الحنبلي في تهذيب الأجوبة، لا يفترض أن يكون هناك أي تخريج يناقض نص
أحمد أصلًا، ومتى تعارض تخريج فرع مع نص لأحمد، فإنه لاغٍ، وما ينسبونه إلى
المذهب، خطأ من صاحبه، وخطأ في النسبة إلى المذهب.
الآن هل يوجد في مقالة العديد من المتأخرين تفويض، نعم هذا صحيح، ولكن هذا ليس المذهب، بل يقال بكل وضوح، التفويض الذي سلكه المتأخرون أجنبي عن مذهب أحمد أصلًا، ويوجد حنابلة انتسبوا إلى المذهب ولهم مقالات تناقض مذهبه، وتحقيق مقالة في المذهب يجب أن تتسق مع أصول المذهب، وأن لا تخالف نصوص الإمام، فتنبه، فلا يقال مذهب الشافعي مثلًا ترك الظاهر، فهذا لا يصح بحال وقد نص على خلافه، بل المذهب يدور حول تحقيق مقالة الإمام المجتهد، ومعرفة أصول كلامه، لإلحاق فرع بالأصل الذي سلكه إمام المذهب.
نأتي لمقالة التفويض، فتحت أي أصل من كل أصول المذهب اعتمدت، لا يوجد لها أي أصل، بل تناقض أصول المذهب، أما أصلها على التحقيق فهو أجنبي عن المذهب تمامًا، وذلك بالتأثر بالمحيط الثقافي الذي حاكى تقسيمات أفلاطون، بجعل الناس طبقات، والعوام لا يقدّر لهم أن يكونوا فلاسفة، وجاء الغزالي ليكحلها، فجعل التفويض مرتبة العوام، أما التأويل فلأهل العلم.
مرتبة العوام هذه ارتضاها بعض من حقق فروعًا في المذهب، وكان فقيهًا، لكنه في الكلام كان يحاكي الأشعرية في كثير من مباحثه، فتحصل أن هذه المقالة أجنبية تمامًا عن المذهب أصلًا، فلا تنسب إليه، بل تنسب إلى قائلها، وهي خطأ منه على المذهب وعلى الشريعة من قبل.
أما التحشيد بأن الشيخ فلان قال بذا ونسبه إلى المذهب، فكل من حشدتم لا يساوون ربع علم تقي الدين، في تحقيق المذهب على وجهه، أصولًا وفروعًا، ومع ذلك فلم أذكره حتى لا يقال استدل بمغالطة السلطة.
الآن هل يوجد في مقالة العديد من المتأخرين تفويض، نعم هذا صحيح، ولكن هذا ليس المذهب، بل يقال بكل وضوح، التفويض الذي سلكه المتأخرون أجنبي عن مذهب أحمد أصلًا، ويوجد حنابلة انتسبوا إلى المذهب ولهم مقالات تناقض مذهبه، وتحقيق مقالة في المذهب يجب أن تتسق مع أصول المذهب، وأن لا تخالف نصوص الإمام، فتنبه، فلا يقال مذهب الشافعي مثلًا ترك الظاهر، فهذا لا يصح بحال وقد نص على خلافه، بل المذهب يدور حول تحقيق مقالة الإمام المجتهد، ومعرفة أصول كلامه، لإلحاق فرع بالأصل الذي سلكه إمام المذهب.
نأتي لمقالة التفويض، فتحت أي أصل من كل أصول المذهب اعتمدت، لا يوجد لها أي أصل، بل تناقض أصول المذهب، أما أصلها على التحقيق فهو أجنبي عن المذهب تمامًا، وذلك بالتأثر بالمحيط الثقافي الذي حاكى تقسيمات أفلاطون، بجعل الناس طبقات، والعوام لا يقدّر لهم أن يكونوا فلاسفة، وجاء الغزالي ليكحلها، فجعل التفويض مرتبة العوام، أما التأويل فلأهل العلم.
مرتبة العوام هذه ارتضاها بعض من حقق فروعًا في المذهب، وكان فقيهًا، لكنه في الكلام كان يحاكي الأشعرية في كثير من مباحثه، فتحصل أن هذه المقالة أجنبية تمامًا عن المذهب أصلًا، فلا تنسب إليه، بل تنسب إلى قائلها، وهي خطأ منه على المذهب وعلى الشريعة من قبل.
أما التحشيد بأن الشيخ فلان قال بذا ونسبه إلى المذهب، فكل من حشدتم لا يساوون ربع علم تقي الدين، في تحقيق المذهب على وجهه، أصولًا وفروعًا، ومع ذلك فلم أذكره حتى لا يقال استدل بمغالطة السلطة.
2-حول
عبارة (بلا تفسير)، ولا كيف ولا لم، وأمروها كما جاءت
هذه العبارات التي نطق بها السلف، لا ينبغي لها أن
تفهم بحال باصطلاح حادث بعدهم، بل تفهم في إطار عرفهم، وإطلاقهم، واصطلاحهم،
فبعضهم تمسك بها ليستدل بها على أنها تعني التفويض، وهذا خطأ محض، وإليك أمثلة
تبين بطلانه، قال الشافعي:
"لم
يكن.... لأحد إدخال (لمَ) ولا (كيف) ولا شيئا من الرأي على الخبر عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم، ولا رده على من يعرف بالصدق في نفسه، وإن كان واحدا ".
(اﻷم،
ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ إدرﻳﺲ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ، ﺗﺤﻘﻴﻖ وﺗﺨﺮﻳﺞ: رﻓﻌﺖ ﻓﻮزي ﻋﺒﺪاﻟﻤﻄﻠﺐ، دار اﻟﻮﻓﺎء -اﻟﻤﻨﺼﻮرة،
اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻷوﻟﻰ: 1422 ﻫ -2001م، ج 10، ص 16.)
فهذا هو الشافعي يرفض الرأي، ولم، وكيف، في كل خبر،
فهل يفيد هذا عند أي عاقل، أنه لا يعلم معنى الأخبار جميعًا، وقد قال فيها هذا؟
وهل يكون إمامًا أصلًا وقد جهل معنى كل الأخبار!
وقال الشافعي أيضًا:
"وقد بين الله عز وجل في هذه الآية، وليست تحتاج إلى تفسير".
(الأم، ج 1، ص 56.)
"وقد بين الله عز وجل في هذه الآية، وليست تحتاج إلى تفسير".
(الأم، ج 1، ص 56.)
فعدم التفسير والاكتفاء بالآية، يكون لقوة بيانها، لا
لأنها غير معلومة المعنى، فمن الأبجدي في أصول الفقه، أن النص متى لم يدل دلالة
واضحة على معناه استدلوا بغيره، وفق مراتب الأدلة، وطلبوا تفسيره، بآية أخرى، أو
حديث، أو إجماع ونحو هذا، فعدم التفسير يكون لعدم الحاجة إليه.
فإن "الاستفسار عند الأصوليين: طلب ذكر معنى اللفظ حين تكون فيه غرابة أو خفاء".
(الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية-الكويت، طباعة: ذات السلاسل -الكويت، الطبعة الثانية: 1406 هـ -1986م، ج 4، ص 59.)
فإن "الاستفسار عند الأصوليين: طلب ذكر معنى اللفظ حين تكون فيه غرابة أو خفاء".
(الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية-الكويت، طباعة: ذات السلاسل -الكويت، الطبعة الثانية: 1406 هـ -1986م، ج 4، ص 59.)
والتفويض حادث متأخر، بعد التأويل الذي رفضه السلف،
وإنما هو موقف الواقفة عينه الذين ذمهم أحمد، وألحقهم بالجهمية، فحقيقة مذهب
المفوضة، أنهم لا يريدون التصريح بعيب مذهب جهم، بل السكوت عنه، أو عيب النطق به
فحسب، لا عيب معناه الباطل، وتحقيق معنى النصوص على وجهها.
فهم يسلمون بعدم المعرفة، والجاهل لا يذم معنى زعم رجل علمه، فقصارى الأمر أنه يخبر عن جهله، ولا يحق له أن يطالب غيره بأن يجهل مثله.
فهم يسلمون بعدم المعرفة، والجاهل لا يذم معنى زعم رجل علمه، فقصارى الأمر أنه يخبر عن جهله، ولا يحق له أن يطالب غيره بأن يجهل مثله.
3-التفويض من أصول النصرانية
إن تفويض العقائد الدينية، عن الفهم ومعرفة معناها،
تقليد قديم فرضته الكنيسة ومنظروها دومًا، متعاملة مع البشر كالأنعام بل أضل
سبيلًا، ولذا كان يرفض البحث في الثالوث، ويعبر عن هذا يوحنا الذهبي الفم، بقوله:
"عندما يوحي الله بحقيقة يجب علينا أن نقبل كلامه قبول إيمان، دون أن نهتم جاسرين بأبحاث متطفلة" (1)
فلا ينبغي أن تفهم، يكفي أن تؤمن فقط، ألم يقل توما الأكويني:
"نقص المعرفة من حقيقة الإيمان"(2).
هذا الأمر حفظ الثالوث من أي نقد، ولذا قال دانتي:
"مجنون من يحسب أن العقل البشري
يقدر على اجتياز المسلك المتناهي
الذي يجمع ثلاثة في أقنوم واحد "(3).
مما جعل كانط ليحفظ الثالوث من النقد، يقول بامتناع البحث العقلي في الإلهيات، فما ثم إلا التسليم بها، ولذا قال في مقدمة كتابه (نقد العقل المحض): " عليّ... أن أضع العلم جانباً لكي أحصل على مكان للإيمان " (4).
مما جعل نيتشه يكشفه قائلًا:
" كانط.. ليس في نهاية الأمر سوى مسيحي مستتر "(5).
ويحكم عليه بتقزز بالغ: "الانحطاط الألماني كفلسفة: هذا هو كانط "(6).
ذلك لموقف نيتشه من النصرانية بشكل عام، تلك التي قال فيها:
"الكحول والمسيحية، هذان المخدران الأوروبيان المشهوران"(7).
وطريقة التفويض في النصرانية، كانت بالغة منتشرة، ولذا انقض عليها كثيرٌ من النقاد، وألحدوا بها، وبما في معناها، يقول فرويد:
"لو اقتصرتم على تأكيد وجود كائن أعلى، ((لا سبيل إلى تحديد صفاته)) ولا معرفة مقاصده، لوضعتم أنفسكم خارج منال العلم، لكنكم لن تعودوا في هذه الحال موضع اهتمام من قبل البشر "(8).
"عندما يوحي الله بحقيقة يجب علينا أن نقبل كلامه قبول إيمان، دون أن نهتم جاسرين بأبحاث متطفلة" (1)
فلا ينبغي أن تفهم، يكفي أن تؤمن فقط، ألم يقل توما الأكويني:
"نقص المعرفة من حقيقة الإيمان"(2).
هذا الأمر حفظ الثالوث من أي نقد، ولذا قال دانتي:
"مجنون من يحسب أن العقل البشري
يقدر على اجتياز المسلك المتناهي
الذي يجمع ثلاثة في أقنوم واحد "(3).
مما جعل كانط ليحفظ الثالوث من النقد، يقول بامتناع البحث العقلي في الإلهيات، فما ثم إلا التسليم بها، ولذا قال في مقدمة كتابه (نقد العقل المحض): " عليّ... أن أضع العلم جانباً لكي أحصل على مكان للإيمان " (4).
مما جعل نيتشه يكشفه قائلًا:
" كانط.. ليس في نهاية الأمر سوى مسيحي مستتر "(5).
ويحكم عليه بتقزز بالغ: "الانحطاط الألماني كفلسفة: هذا هو كانط "(6).
ذلك لموقف نيتشه من النصرانية بشكل عام، تلك التي قال فيها:
"الكحول والمسيحية، هذان المخدران الأوروبيان المشهوران"(7).
وطريقة التفويض في النصرانية، كانت بالغة منتشرة، ولذا انقض عليها كثيرٌ من النقاد، وألحدوا بها، وبما في معناها، يقول فرويد:
"لو اقتصرتم على تأكيد وجود كائن أعلى، ((لا سبيل إلى تحديد صفاته)) ولا معرفة مقاصده، لوضعتم أنفسكم خارج منال العلم، لكنكم لن تعودوا في هذه الحال موضع اهتمام من قبل البشر "(8).
هذا الموقف اللا أدري البائس، لا زال يلقى صدى في
نفوس بعض المسلمين، وصدق من قال: " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة
حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه" فقالوا: اليهود والنصارى، قال: فمن؟!
مودتي.
مودتي.
4-تهافت التفويض فلسفيًا..
المفوضون درجات، أدناها أن يفوض صفة معينة في موضوع
معين، مثل صفة الاستواء، العلو، في الإلهيات.
المفوض بداية لو قلنا له نفس عبارة النص في موضوع مختلف سيسلم بأنه يفهم المعنى ولا يفوضه.
ولكنه متى كان في الإلهيات سيفوضه.
*معنى هذا أن الإشكال ليس في نفس النص، بل في الموضوع عند المفوض.
فهو يقول لا أدري في الإلهيات، في صفة معينة، بخلاف ما لو جاءت نفس الكلمات في موضوع غيرها.
*وهنا موقف (مثالي ذاتي) أي أنه يعكس ما فيه على النص نفسه، فيجعل النص نفسه غير مفهوم، في حين أن إشكاليته قبل النص في الموضوع نفسه.
الآن لو سئل عن غير ذلك من صفات في موضوع الإلهيات كالوجود مثلا، وأثبته يكشف تناقضًا.
إذ الموضوع واحد، واللغة واحدة، هنا يكشف عما يسمّى بالمنظومة الخفية.
*المنظومة الخفية هي نسق معين مكتفٍ بذاته يتحاكم إليها الناظر في نص، ويفهمه بناء عليها دون التصريح بها.
مثال ذلك: أن منظومته تثبت 3، 7، 10 صفات للشيء بشكل سابق على النص، ثم هو يزعم أن ما يثبته هو الواضح من النص، بخلاف غيره، مع أنها لغويًا لها نفس الدلالات.
ومع كل هذه يظل هذا المسلك يحمل تناقضًا صارخًا، فكل نص أثبته يرد عليه نفس اعتراضاته فيما فوضه، إن التفويض بهذه الطريقة ينقض بعضُه بعضَه الآخر.
لكن ماذا لو اتسق المفوض؟
* إن اتساق التفويض يعني بكل وضوح إخراج الموضوع من (إمكان معرفته) بمعنى يضحي الموضوع كله خارج القدرة البشرية عن معرفته.
ولذا اتسق كانط في هذا، فلما فوض الثالوث اتسق وقال كل المباحث الإلهية خارجة عن العقل.
ولذا نفى إمكانية الاستدلال النظري على وجود الله، وقال بإثبات الإله كضرورة (أخلاقية) فحسب تتعلق بسلوك البشر العملي، لا مباحثهم النظرية.
* إن موقف التفويض فلسفيًا لو اتسق لن يتوقف على إخراج موضوع معين من القدرة على المعرفة، بل يهدد القدرة على المعرفة نفسها تمامًا.
ليضحي في نهاية الأمر مسفسط، لا يقدر على الجزم بحقيقة واحدة، حتى ولو كانت وجوده هو.
المفوض بداية لو قلنا له نفس عبارة النص في موضوع مختلف سيسلم بأنه يفهم المعنى ولا يفوضه.
ولكنه متى كان في الإلهيات سيفوضه.
*معنى هذا أن الإشكال ليس في نفس النص، بل في الموضوع عند المفوض.
فهو يقول لا أدري في الإلهيات، في صفة معينة، بخلاف ما لو جاءت نفس الكلمات في موضوع غيرها.
*وهنا موقف (مثالي ذاتي) أي أنه يعكس ما فيه على النص نفسه، فيجعل النص نفسه غير مفهوم، في حين أن إشكاليته قبل النص في الموضوع نفسه.
الآن لو سئل عن غير ذلك من صفات في موضوع الإلهيات كالوجود مثلا، وأثبته يكشف تناقضًا.
إذ الموضوع واحد، واللغة واحدة، هنا يكشف عما يسمّى بالمنظومة الخفية.
*المنظومة الخفية هي نسق معين مكتفٍ بذاته يتحاكم إليها الناظر في نص، ويفهمه بناء عليها دون التصريح بها.
مثال ذلك: أن منظومته تثبت 3، 7، 10 صفات للشيء بشكل سابق على النص، ثم هو يزعم أن ما يثبته هو الواضح من النص، بخلاف غيره، مع أنها لغويًا لها نفس الدلالات.
ومع كل هذه يظل هذا المسلك يحمل تناقضًا صارخًا، فكل نص أثبته يرد عليه نفس اعتراضاته فيما فوضه، إن التفويض بهذه الطريقة ينقض بعضُه بعضَه الآخر.
لكن ماذا لو اتسق المفوض؟
* إن اتساق التفويض يعني بكل وضوح إخراج الموضوع من (إمكان معرفته) بمعنى يضحي الموضوع كله خارج القدرة البشرية عن معرفته.
ولذا اتسق كانط في هذا، فلما فوض الثالوث اتسق وقال كل المباحث الإلهية خارجة عن العقل.
ولذا نفى إمكانية الاستدلال النظري على وجود الله، وقال بإثبات الإله كضرورة (أخلاقية) فحسب تتعلق بسلوك البشر العملي، لا مباحثهم النظرية.
* إن موقف التفويض فلسفيًا لو اتسق لن يتوقف على إخراج موضوع معين من القدرة على المعرفة، بل يهدد القدرة على المعرفة نفسها تمامًا.
ليضحي في نهاية الأمر مسفسط، لا يقدر على الجزم بحقيقة واحدة، حتى ولو كانت وجوده هو.
مودتي.
5-في مذهب الحنابلة
أبى البعض إلا التشغيب على من نفى اعتماد التفويض
مذهبًا للحنابلة، فبدأ يزخرف عباراته، وينتفخ بكلماته، وكأنه اختص من بين العالمين
بتقرير معتمد الحنابلة، بل تبجح بأن المعتمد قد يخالف منصوص أحمد نفسه، على أن
التمذهب بمذهب أحمد، إنما هو "السلوك في طريق الاجتهاد مسلكه دون مسلك
غيره."(1)، وكان بناءُ صرح المذهب يدور حول نصوص إمامه أحمد بداية،
فـ"الأصحاب أخذوا مذهب أحمد من أقواله وأفعاله وأجوبته وغير ذلك" (2).
ثم بدأ يتندر بمن يرجع إلى أقوال أحمد نفسه، ليقول ذا غير معتمد، وإنما المعتمد مثل كتاب أحمد بن حمدان (نهاية المبتدئين) الذي اختصره ابن بلبان، والواقع أنه مجرد جمع لما تناثر في كتب الحنابلة بلا تحقيق، وهذا الرجل كثير النقل، ويقع في نقله ما هو غير محرر. كما قالوا في الرعايتين له، إذ نصوا على أن بعضها غير محرر (3).
ومن الأمثلة على عدم تحريره قوله في الكتاب المذكور:
"تأول أحمد قول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود يمين الله في الأرض" (4)
فهذا الكتاب الذي زعم اعتماده في مذهب أحمد، الواقع أن فيه تخليطًا، فـ"هذه الحكاية كذب على أحمد، لم ينقلها أحدٌ عنه بإسناد، ولا يعرف أحدٌ من أصحابه نقل ذلك عنه"(5).
فيا لها من فرحة باعتماد كتابٍ فيه كذب على أحمد، ويضحي قوله فيه معتمدَ المذهب بزعم من زعم!
وذكر اسم كتاب آخر، وهو (العين والأثر) للمواهبي، وهو كتاب فيه من التخليط العجب، لكنه أعجب البعض وصار بإعجابه معتمدًا، فهو القائل فيه:
"الذي استقر عليه قول الأشعرية وهو موافقتهم الحنابلة في الاعتقاد" (6).
وهذا لا هو تحقيق لقول الأشعرية، ولا مذهب الحنابلة، ولو لم يكن من الخلاف إلا مسألة إثبات الحرف في القرآن غير المخلوق، لكفى به من خلاف، فأين هي الموافقة؟
ولكنه تبجح قائلًا: تريدون أن تحققوا عقائد الحنابلة من كتب ابن تيمية، بل لابد من اعتماد كتاب المواهبي هذا في المعتمد عند الحنابلة، وغفل أن المواهبي، جماع نقال، بلا تحقيق، وتجده ينقل في كتابه (المعتمد) عن ابن تيمية ويعتمد كلامه في نسبة القول بأن جماهير أهل السنة على أن الله يتكلم بصوت (7).
فإن كان هذا الكتاب معتمدًا عندهم، فها هو اعتمد ابن تيمية في تحقيق مقالة جمهور أهل السنة، ليس الحنابلة فحسب!
بل من طرائف هذا الكتاب (المعتمد بزعمهم) أن فيه التالي:
ثم بدأ يتندر بمن يرجع إلى أقوال أحمد نفسه، ليقول ذا غير معتمد، وإنما المعتمد مثل كتاب أحمد بن حمدان (نهاية المبتدئين) الذي اختصره ابن بلبان، والواقع أنه مجرد جمع لما تناثر في كتب الحنابلة بلا تحقيق، وهذا الرجل كثير النقل، ويقع في نقله ما هو غير محرر. كما قالوا في الرعايتين له، إذ نصوا على أن بعضها غير محرر (3).
ومن الأمثلة على عدم تحريره قوله في الكتاب المذكور:
"تأول أحمد قول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود يمين الله في الأرض" (4)
فهذا الكتاب الذي زعم اعتماده في مذهب أحمد، الواقع أن فيه تخليطًا، فـ"هذه الحكاية كذب على أحمد، لم ينقلها أحدٌ عنه بإسناد، ولا يعرف أحدٌ من أصحابه نقل ذلك عنه"(5).
فيا لها من فرحة باعتماد كتابٍ فيه كذب على أحمد، ويضحي قوله فيه معتمدَ المذهب بزعم من زعم!
وذكر اسم كتاب آخر، وهو (العين والأثر) للمواهبي، وهو كتاب فيه من التخليط العجب، لكنه أعجب البعض وصار بإعجابه معتمدًا، فهو القائل فيه:
"الذي استقر عليه قول الأشعرية وهو موافقتهم الحنابلة في الاعتقاد" (6).
وهذا لا هو تحقيق لقول الأشعرية، ولا مذهب الحنابلة، ولو لم يكن من الخلاف إلا مسألة إثبات الحرف في القرآن غير المخلوق، لكفى به من خلاف، فأين هي الموافقة؟
ولكنه تبجح قائلًا: تريدون أن تحققوا عقائد الحنابلة من كتب ابن تيمية، بل لابد من اعتماد كتاب المواهبي هذا في المعتمد عند الحنابلة، وغفل أن المواهبي، جماع نقال، بلا تحقيق، وتجده ينقل في كتابه (المعتمد) عن ابن تيمية ويعتمد كلامه في نسبة القول بأن جماهير أهل السنة على أن الله يتكلم بصوت (7).
فإن كان هذا الكتاب معتمدًا عندهم، فها هو اعتمد ابن تيمية في تحقيق مقالة جمهور أهل السنة، ليس الحنابلة فحسب!
بل من طرائف هذا الكتاب (المعتمد بزعمهم) أن فيه التالي:
"قولهم
إن القديم لا يتجزأ ولا يتعدد غير صحيح "(8).
وفي نفس الكتاب:
"ويجب الجزم بأنه تعالى واحد لا يتجزأ" (9).
"ويجب الجزم بأنه تعالى واحد لا يتجزأ" (9).
فأيهما المعتمد عند الحنابلة؟!
قال، ومن المعتمد لمعة الاعتقاد، فيقال فيه إن ابن قدامة لا يحسب كل حرف منه على المذهب، فها هو وضع مقدمة منطقية في روضة الناظر، تابع فيها الغزالي، مع أنه لم يكن متكلمًا ولا منطقيًّا (10)، فهل يقال بأن منطق أرسطو هو معتمد مذهب أحمد؟ وقد قيل بأن ابن قدامة تراجع عنها، ولذا توجد في نسخ دون أخرى، وكيفما كان فلا يحسب كل كلامه على المذهب، وفي اللمعة تناقض كلامه في أشياء، وفي غير اللمعة كذلك، ولكونه لم يكن متكلمًا، وخاض في مباحث الكلام، وقع في كلامه سقطات عديدة، منها إثبات اللفظ فحسب دون المعنى، وقد كتب ابن حامد كتابه (تهذيب الأجوبة) وهو "من أوائل ما كتب في أصول مذهب الإمام أحمد" (11)
ومما قاله فيه: "المذهب أنه إذا سئل (أي أحمد بن حنبل) عن مسألة فأجاب بتلاوة أنه يقرأها، وينسب إليه ذلك مفسَّرًا."(12)
فهذا هو معتمد المذهب، أنه ينسب إليه ذلك مفسرًا، حتى ولو اقتصر على الآية، لا خيالات من توهم.
مودتي
_________________________________________
1- المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، عبد القادر بن بدران الدمشقي، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت-لبنان، الطبعة الثانية: 1981م، ص111.
2- المدخل إلى مذهب الإمام أحمد، ص 126.
3- المدخل إلى مذهب الإمام أحمد، ص 410.
4- نهاية المبتدئين في أصول الدين، أحمد بن حمدان، تحقيق: ناصر السلامة، مكتبة الرشد-ناشرون، الرياض، الطبعة الأولى: 2004م، ص35
5- مجموع الفتاوى، ج5، ص398.
6- العين والأثر في عقائد أهل الأثر، عصام قلعجي، دار المأمون للتراث، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى: 1987م، ص34.
7- انظر: العين والأثر، ص66.
8- العين والأثر، ص90.
9- العين والأثر، ص 30.
10- المدخل إلى مذهب الإمام أحمد، ص 464.
11- من مقدمة المحقق لكتاب: تهذيب الأجوبة، عبد الله الحسن بن حامد الحنبلي، حققه: صبحي السامرائي، عالم الكتب، بيروت-لبنان، ص13.
12- تهذيب الأجوبة، 19.
قال، ومن المعتمد لمعة الاعتقاد، فيقال فيه إن ابن قدامة لا يحسب كل حرف منه على المذهب، فها هو وضع مقدمة منطقية في روضة الناظر، تابع فيها الغزالي، مع أنه لم يكن متكلمًا ولا منطقيًّا (10)، فهل يقال بأن منطق أرسطو هو معتمد مذهب أحمد؟ وقد قيل بأن ابن قدامة تراجع عنها، ولذا توجد في نسخ دون أخرى، وكيفما كان فلا يحسب كل كلامه على المذهب، وفي اللمعة تناقض كلامه في أشياء، وفي غير اللمعة كذلك، ولكونه لم يكن متكلمًا، وخاض في مباحث الكلام، وقع في كلامه سقطات عديدة، منها إثبات اللفظ فحسب دون المعنى، وقد كتب ابن حامد كتابه (تهذيب الأجوبة) وهو "من أوائل ما كتب في أصول مذهب الإمام أحمد" (11)
ومما قاله فيه: "المذهب أنه إذا سئل (أي أحمد بن حنبل) عن مسألة فأجاب بتلاوة أنه يقرأها، وينسب إليه ذلك مفسَّرًا."(12)
فهذا هو معتمد المذهب، أنه ينسب إليه ذلك مفسرًا، حتى ولو اقتصر على الآية، لا خيالات من توهم.
مودتي
_________________________________________
1- المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، عبد القادر بن بدران الدمشقي، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت-لبنان، الطبعة الثانية: 1981م، ص111.
2- المدخل إلى مذهب الإمام أحمد، ص 126.
3- المدخل إلى مذهب الإمام أحمد، ص 410.
4- نهاية المبتدئين في أصول الدين، أحمد بن حمدان، تحقيق: ناصر السلامة، مكتبة الرشد-ناشرون، الرياض، الطبعة الأولى: 2004م، ص35
5- مجموع الفتاوى، ج5، ص398.
6- العين والأثر في عقائد أهل الأثر، عصام قلعجي، دار المأمون للتراث، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى: 1987م، ص34.
7- انظر: العين والأثر، ص66.
8- العين والأثر، ص90.
9- العين والأثر، ص 30.
10- المدخل إلى مذهب الإمام أحمد، ص 464.
11- من مقدمة المحقق لكتاب: تهذيب الأجوبة، عبد الله الحسن بن حامد الحنبلي، حققه: صبحي السامرائي، عالم الكتب، بيروت-لبنان، ص13.
12- تهذيب الأجوبة، 19.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق