12.17.2017

نظريات مؤامرة ساهمت وتساهم بالمشكلة لا الحل...

 6 دسمبر 2017

نظريات مؤامرة ساهمت وتساهم بالمشكلة لا الحل...


إن ما يميز عقلية المؤامرة: العمى عن القريب عن المشاهد، إلى التدقيق البالغ في الخفايا والأسرار، التعميم لعالم المؤامرة على العالم المشهود.
إنها المثل الأفلاطونية بصيغتها الجديدة، عالم المثل، هو مرادف عندهم لعالم المؤامرات، إغفال كافة الوقائع المخالفة للنتيجة المحددة سلفًا فيها.
هذه العقلية تتوزع بين أناس يختلفون في مظاهرها، لكن الجوهر فيهم واحد، خذ مثالا على هذا:
نفاة السنة، يعممون الدس في الأحاديث وكأن الوضاعين لم يكونوا مختلفين، بل يجمعهم هيئة واحدة بغرض تحريف السنة، ويتعامون عن جهود مقاومة الوضع، والخلافات السياسية والمصلحية والعقدية بين الوضاعين أنفسهم، يتعامون عن واقع الجهود التي بذلت في الحديث وعلومه ليخرجوا بنتيجة تقول المؤامره الكونية قضت على السنة.
هذه العقلية هي التي سادت في التحليلات السياسية عند كثيرين وابتلعت هذه النزعة عقولا كثيرة في الأوساط الأدبية لربما لإدمانهم قراءة الروايات، وحرصهم على الحبكة القصصية، وعامل التشويق والإثارة، ولكن للأسف فإن الواقع ليس قصة أدبية متسلسلة الأحداث كما يتخيلونها.
لقد غازل هذه المخيلة دان براون في رواياته، بالحديث عن حكومات خفية، محافل سريه، واقتنع بها العقاد وسيد قطب ومن نحا نحوهم، وتشعبت في خطابات الإسلاميين كثيرًا.
كان واحدًا من أهم الأسباب التي دفعت قطاعات من الشباب لجانب الإلحاد، ليس الحرص على المباحث الفلسفية، ولا العمق في إيدلوجيا معينة، بل تراكم الأخطاء في الشق السياسي والاجتماعي من جانب الإسلاميين، التي شكلت نظريات المؤامرة جزءًا أصيلًا منها، بحيث دفع ذاك القطاع، للتعبير عن رفضهم لسلطة الإسلاميين بعموم معنى السلطة ولو أدبيًا على شكل ما عرف بموضة الإلحاد، التي لا يجمعها في المنطقة العربية جامع قدر محاولة الخروج عن هذه السلطة، وهذه الصورة المتطرفة لرفض الأطروحات الإسلامية هي محض طليعة لما يمكن التعبير عنه باللامبالاة الدينية، التي تم رصد انتشارها بإحصاءات اجتماعية مؤخرًا بشكل متوسع كل يوم، وتشكل داعمًا لوجستيًا لانتشار الإلحاد بصوره المختلفة.
إن مجابهة ما يصرح به هؤلاء الشباب بطريقة المحاججة النظرية ثانوية التأثير -ولا يلغي هذا أهميتها- حيث إن الإيدلوجيات الإلحادية بذاتها ليست علة هذا النفور، واللامبالاة، بل عدم تقديم بدائل وحلولٍ للمشكلات بعد ما عرف بـ (الصحوة الإسلامية) من أيام السبعينات.
إن مواجة هذه الظواهر يكون بالعودة لأسبابها وعلى رأسها الأخطاء المتكررة في التيارات الدينية، والتي تتكرر كل حين حتى اليوم.
ففتور الجانب الديني اليوم وتراجعه في المجتمعات العربية، ملاحظ مرصود بعد موجة شكلت العصر الذهبي للتيارات الإسلامية، حيث لم تسجل تغيرًا ملحوظًا للمشاكل الموجودة قبل انتشار تلك التيارات، وساهمت أحيانًا بازديادها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق