26 يوليوز 2017
حتى لا يصير الفقه أضحوكة..
1
في كل مرة يخرج بعض الناس بفتاوى قريبة من طلبة العلم،
بعيدة عن عامة الناس وتندهش أسماع العامة لمثلها، هذه الفتاوى يجري التسويغ لها
بحجج عديدة، ويتحزب حولها عدد من الأشخاص، وينتقل النقاش إلى الاجتهاد والتقليد،
والتمذهب ونحو ذلك، ويضحي الفقه ألعوبة بيد العديد من الناس، ويتندر بهم من تندر..
ومن الأبجديات الأصولية أن رأي الفقيه ليس حجة بنفسه، والمذاهب يحج لها، لا يحتج بها، وأن العلم الشرعي هو ما تقوم به الحجة على المرء، وكلما كان أقدر على معرفة الأدلة والصحيح والراجح من الأقوال كان واجبه الاجتهاد في معرفة ذلك، والتقليد مرهون بالعجز عن المعرفة، والمرء يحتاط لدنياه فكيف بدينه.
ولو أن كل قول قيل به يومًا صار معمولًا به لأضحى الفقه أضحوكة العقلاء، ومن العجب أن بعض كلمات الأئمة تم قلب معناها تمامًا عند كثيرين، فقد تكاثر عنهم ذم تتبع الزلات، ويعنون به النهي عن تتبع الرخص في المذاهب، بتتبع الأقوال الضعيفة وإشهارها والعمل بها، ولا يعنون بهذا تتبع الأخطاء لبيانها والرد عليها.
ولاختلاف الناس صنف الناس في الميزان الذي توزن به الأقوال، فوضعت كتب (أصول الفقه)، لنقاش المنهجيات المتبعة في فهم النصوص الشرعية، ليضحي النقاش في الأصول وصحتها واطرادها، وكشف تناقض بعضها بدل البقاء في فروعها التي لا تكاد تنقضي، ولو بقي كل واحد يقول هذا قولي أتبع به فلانًا من الأئمة، أو حتى من الصحابة، دون آلة تميز الصحيح من الضعيف لم يبق هناك من طريق لترجيح قول على آخر، ولأضحى السيف والسلطان آلة الترجيح فأي إزراء على الفقه أكبر من هذا.
وقد حدث خلاف قديم في النبيذ الذي اشتد (الذي قد يسكر شاربه)، كالمصنوع من الشعير هل هو محرم أم لا، فتجد إمامًا مثل أبي حنيفة قال بأن المحرم هو السكر به، لا عين النبيذ فيكون مباحًا إلا آخر كأس يسكر به!، ولك أن تتخيل عالمًا شرعيًا اليوم يحمل في يده زجاجة (بيرة) ويدور بها، أو يدخل بارًا ويطلب كأسًا ويمسك عن آخر حتى لا يسكر فيقع في المحظور!، وهو يقول حجتي الإمام الأعظم!، وقد تكاثرت الردود على هذا القول، وقال الأئمة دعوا الأسماء في الجدال، وصنفوا في الرد على هذا القول المصنفات، ككتاب (الأشربة) لأحمد بن حنبل، وبينوا أن كل مسكر خمر، وما أسكر كثيره فقليله حرام، وأن الخمر ما خامر العقل، وليس حكرًا على المصنوع من العنب.
ولك في كتب الفقه الكثير من أمثال هذا، فهذا أبو طلحة لا يرى أن الثلج يفطر في رمضان، مع أنه ماء قد تجمد، ووقع الخلاف بين العلماء في مسائل كثيرة، فالإمام الشافعي لا يرى حرمة أن يتزوج الإنسان من ابنته إن كانت من الزنا، فهل يضحي قوله حجة!، ثم إن العلماء اختلفوا كثيرًا في علة ربا الفضل في الأصناف الست، وهل يقاس على الذهب والفضة النقود الورقية أم لا، فلك أن تتخيل لو تم إسقاط الزكاة بها، وإجازة جريان الربا فيها ونحو هذا.
ومن الأبجديات الأصولية أن رأي الفقيه ليس حجة بنفسه، والمذاهب يحج لها، لا يحتج بها، وأن العلم الشرعي هو ما تقوم به الحجة على المرء، وكلما كان أقدر على معرفة الأدلة والصحيح والراجح من الأقوال كان واجبه الاجتهاد في معرفة ذلك، والتقليد مرهون بالعجز عن المعرفة، والمرء يحتاط لدنياه فكيف بدينه.
ولو أن كل قول قيل به يومًا صار معمولًا به لأضحى الفقه أضحوكة العقلاء، ومن العجب أن بعض كلمات الأئمة تم قلب معناها تمامًا عند كثيرين، فقد تكاثر عنهم ذم تتبع الزلات، ويعنون به النهي عن تتبع الرخص في المذاهب، بتتبع الأقوال الضعيفة وإشهارها والعمل بها، ولا يعنون بهذا تتبع الأخطاء لبيانها والرد عليها.
ولاختلاف الناس صنف الناس في الميزان الذي توزن به الأقوال، فوضعت كتب (أصول الفقه)، لنقاش المنهجيات المتبعة في فهم النصوص الشرعية، ليضحي النقاش في الأصول وصحتها واطرادها، وكشف تناقض بعضها بدل البقاء في فروعها التي لا تكاد تنقضي، ولو بقي كل واحد يقول هذا قولي أتبع به فلانًا من الأئمة، أو حتى من الصحابة، دون آلة تميز الصحيح من الضعيف لم يبق هناك من طريق لترجيح قول على آخر، ولأضحى السيف والسلطان آلة الترجيح فأي إزراء على الفقه أكبر من هذا.
وقد حدث خلاف قديم في النبيذ الذي اشتد (الذي قد يسكر شاربه)، كالمصنوع من الشعير هل هو محرم أم لا، فتجد إمامًا مثل أبي حنيفة قال بأن المحرم هو السكر به، لا عين النبيذ فيكون مباحًا إلا آخر كأس يسكر به!، ولك أن تتخيل عالمًا شرعيًا اليوم يحمل في يده زجاجة (بيرة) ويدور بها، أو يدخل بارًا ويطلب كأسًا ويمسك عن آخر حتى لا يسكر فيقع في المحظور!، وهو يقول حجتي الإمام الأعظم!، وقد تكاثرت الردود على هذا القول، وقال الأئمة دعوا الأسماء في الجدال، وصنفوا في الرد على هذا القول المصنفات، ككتاب (الأشربة) لأحمد بن حنبل، وبينوا أن كل مسكر خمر، وما أسكر كثيره فقليله حرام، وأن الخمر ما خامر العقل، وليس حكرًا على المصنوع من العنب.
ولك في كتب الفقه الكثير من أمثال هذا، فهذا أبو طلحة لا يرى أن الثلج يفطر في رمضان، مع أنه ماء قد تجمد، ووقع الخلاف بين العلماء في مسائل كثيرة، فالإمام الشافعي لا يرى حرمة أن يتزوج الإنسان من ابنته إن كانت من الزنا، فهل يضحي قوله حجة!، ثم إن العلماء اختلفوا كثيرًا في علة ربا الفضل في الأصناف الست، وهل يقاس على الذهب والفضة النقود الورقية أم لا، فلك أن تتخيل لو تم إسقاط الزكاة بها، وإجازة جريان الربا فيها ونحو هذا.
2
ومن العقوبات القدرية التي لحقت بصنف من الناس تشددوا
في عددٍ من المسائل، ونبذوا كتب الفقه وراء ظهورهم، أن ينالهم كثير من الأذى بمن
يزري عليهم بأقوال في كتب الفقه، ويتضاحك ملء فمه عليهم، في كل مرة يخرج لهم واحدٌ
بمسألة من هنا وأخرى من هناك، على أن خطأ قوم لا يعفي آخرين من الخطأ، وإن التتبع
لأقوال التساهل في كتب الفقه، لو جاز لجاز تتبع أقوال التشدد أيضًا، ليجد أقوالًا
بتكفير من أهدى بيضة في عيد النيروز، وقولًا بتكفير من صلى عامدًا دون طهور.
وتجد بعضهم يميلون عن أقوال في المذاهب كالتي تجعل علة القتال الكفر لا المحاربة حتى لا يقعوا في حرج سياسي، أو تتشدد في أمثال بيع المعاطاة حتى لا يضيقوا على أنفسهم ولاء أتباعهم من التجار، ثم يطيرون إلى أقوال تحدث جلبة وشهرة، وبعض المنشغلين بهذا وأمثاله، تكاد تلمح أنهم يدورون حول فلك بعينه، كواحد يجمع رخص المذاهب في مواضيع النساء من التجمل، والتعطر، ونحو هذا، فيخيل إليك أنه يعمل في صالة عرضٍ للأزياء ونحو هذا!، وإن تعجب فعجب فعل من يعيب على غيره عدم التمذهب، ثم هو ينسى كلامه كله في المعازف!، فالمذاهب الأربعة حينها عابت التقليد!.
وكم من فقيه في الفروع جاهل في الأصول، فكم من جهمي انتسب إلى مذهب، في وقت كان رفاقه يتشددون على من خالف مذهبهم في مسألة، سرقت بعض المذاهب إلى عقائد لم تخطر على بال أئمتها!، ولا زال الزمان يعيد دورته، فتجد منهم من يتحذلق طويلًا في مسألة فرعية، ويشدد النكير على غيره، وقد يكون كلامه فيها شاذًا مخالفًا للعقل والنقل، وإلى جانبه مبتدع ضال يلين له القول، ويبادله المدائح، كيف لا إذ كان على مذهبه!.
فرفقًا بالفقه إن كنتم حريصين عليه أصلًا، وأمر الفقه شديد، حتى قيل في مجد الدين ابن تيمية: ألين له الفقه كما ألين لداود الحديد، فالفقه ليس محض أقوال تجمعها، فكم من مسألة يتوقف فيها الفقيه ليرى الراجح من الأقوال عارضًا إياها على قوانين الأصول المقررة، ليمر بعدها على قواعد الفقه، ناظرًا حال من يفتيه ما بين قدرة وعجز، ما بين حال ومآل، ما بين استفسار عن حق، وما بين تسويغ لباطل بكلمة حق!.
وقد قال بعض السلف: الدين كالشمع، أشكله كيفما شئت لولا خوف الله، ويعني في نظر العامة، فالعامي إن قيل له فلان أفتى بكذا، قد يحسبه صوابًا بمجرد اسمه، وكم أوسع كثير من الفقهاء الخرق على الراقع، حتى ندب ابن القيم الحال قائلًا:
عجّت فروج الناس ثم حقوقهم *** لله بالبكرات والآصال
كم تستحل بكل حكم باطل *** لا يرتضيه ربنا المتعالي
وتجد بعضهم يميلون عن أقوال في المذاهب كالتي تجعل علة القتال الكفر لا المحاربة حتى لا يقعوا في حرج سياسي، أو تتشدد في أمثال بيع المعاطاة حتى لا يضيقوا على أنفسهم ولاء أتباعهم من التجار، ثم يطيرون إلى أقوال تحدث جلبة وشهرة، وبعض المنشغلين بهذا وأمثاله، تكاد تلمح أنهم يدورون حول فلك بعينه، كواحد يجمع رخص المذاهب في مواضيع النساء من التجمل، والتعطر، ونحو هذا، فيخيل إليك أنه يعمل في صالة عرضٍ للأزياء ونحو هذا!، وإن تعجب فعجب فعل من يعيب على غيره عدم التمذهب، ثم هو ينسى كلامه كله في المعازف!، فالمذاهب الأربعة حينها عابت التقليد!.
وكم من فقيه في الفروع جاهل في الأصول، فكم من جهمي انتسب إلى مذهب، في وقت كان رفاقه يتشددون على من خالف مذهبهم في مسألة، سرقت بعض المذاهب إلى عقائد لم تخطر على بال أئمتها!، ولا زال الزمان يعيد دورته، فتجد منهم من يتحذلق طويلًا في مسألة فرعية، ويشدد النكير على غيره، وقد يكون كلامه فيها شاذًا مخالفًا للعقل والنقل، وإلى جانبه مبتدع ضال يلين له القول، ويبادله المدائح، كيف لا إذ كان على مذهبه!.
فرفقًا بالفقه إن كنتم حريصين عليه أصلًا، وأمر الفقه شديد، حتى قيل في مجد الدين ابن تيمية: ألين له الفقه كما ألين لداود الحديد، فالفقه ليس محض أقوال تجمعها، فكم من مسألة يتوقف فيها الفقيه ليرى الراجح من الأقوال عارضًا إياها على قوانين الأصول المقررة، ليمر بعدها على قواعد الفقه، ناظرًا حال من يفتيه ما بين قدرة وعجز، ما بين حال ومآل، ما بين استفسار عن حق، وما بين تسويغ لباطل بكلمة حق!.
وقد قال بعض السلف: الدين كالشمع، أشكله كيفما شئت لولا خوف الله، ويعني في نظر العامة، فالعامي إن قيل له فلان أفتى بكذا، قد يحسبه صوابًا بمجرد اسمه، وكم أوسع كثير من الفقهاء الخرق على الراقع، حتى ندب ابن القيم الحال قائلًا:
عجّت فروج الناس ثم حقوقهم *** لله بالبكرات والآصال
كم تستحل بكل حكم باطل *** لا يرتضيه ربنا المتعالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق