12 أبريل 2017
حول الموقف الرافض للفلسفة
1
بين فترة وأختها يطل
علي سؤال أو استشكال من بعض الإخوة أكون قد تجاوزته بمراحل في كتابتي لمنشور، لا
يعني هذا عدم أهميته بل يعني فحسب أنه تم تجاوز البحث فيه إلى ما بعده.
لكن بحكم الإضافات والمتابعات الجديدة تبرز بعض هذه الأسئلة أو الاستشكالات، ومن بينها: ما الحاجة إلى الفلسفة، وقد نهي عن التنطع، وقد كفيتم، والنهي عن البدعة ونحو هذا في محاولة للتزهيد بالفلسفة - في أقل الأحوال - حتى يصل إلى رفضها تماما بل والصدام معها باعتبارها كفرا ونحو هذا.
يجرنا المنطق الرافض للفلسفة لاستذكار أحد الانتقادات البائسة التي وجهت لأبي حنيفة، فأحدهم قال عن مجلسه: ذلك مجلس لا تسمع فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم، إلماحا لعدم وجود أحاديث في ذلك المجلس.
في عدم تفريق بين مجلس للحديث، وآخر للفقه والاستدلال، ليس الأمر هنا دفاعا عن عين فقه أبي حنيفة، بل عن الفقه بشكل عام.
إن محاولات التزهيد بالفلسفة لو طردت إلى آخر نتائجها لنالت من علوم كثيرة، حتى نصل إلى الفقه نفسه، وقد حصل، فتجد من يزهد بكتب الفقه باعتبار أن العلم بالحديث قد يغني عن غيره، ثم تعجب من سقطات كبرى في الاستدلال عنده لضعف في جانب الأصول وعدم الارتياض بالمسائل الفقهية وتصورها.
لما نتحدث عن الفلسفة فهل نحن نتحدث عن ابتكار طريقة في التعبد حتى يقال عنها بدعة؟ هذا لا يصح تعميمه البتة، ومفهوم البدعة لا ينطبق على الفلسفة من حيث هي نظر عقلي يسعى للحقيقة، أو لنقد السائد، أو تغييره إلى شيء غيره.
إنما على قسم منها، خذ كمثال للتقريب فحسب: الشعر، هل يقال الشعر بحد ذاته بدعة أو سنة، أم يقال أي شعر منه الذي تعنيه لما حواه من كلام.
فالفلسفة ليست شيئا جامدا ولا دينا محددا حتى تقبله كله أو ترفضه كله، ومن عمم الذم لها كان مثل من يذم كل شعر وكل كتاب سوى القرآن والحديث.
لكن بحكم الإضافات والمتابعات الجديدة تبرز بعض هذه الأسئلة أو الاستشكالات، ومن بينها: ما الحاجة إلى الفلسفة، وقد نهي عن التنطع، وقد كفيتم، والنهي عن البدعة ونحو هذا في محاولة للتزهيد بالفلسفة - في أقل الأحوال - حتى يصل إلى رفضها تماما بل والصدام معها باعتبارها كفرا ونحو هذا.
يجرنا المنطق الرافض للفلسفة لاستذكار أحد الانتقادات البائسة التي وجهت لأبي حنيفة، فأحدهم قال عن مجلسه: ذلك مجلس لا تسمع فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم، إلماحا لعدم وجود أحاديث في ذلك المجلس.
في عدم تفريق بين مجلس للحديث، وآخر للفقه والاستدلال، ليس الأمر هنا دفاعا عن عين فقه أبي حنيفة، بل عن الفقه بشكل عام.
إن محاولات التزهيد بالفلسفة لو طردت إلى آخر نتائجها لنالت من علوم كثيرة، حتى نصل إلى الفقه نفسه، وقد حصل، فتجد من يزهد بكتب الفقه باعتبار أن العلم بالحديث قد يغني عن غيره، ثم تعجب من سقطات كبرى في الاستدلال عنده لضعف في جانب الأصول وعدم الارتياض بالمسائل الفقهية وتصورها.
لما نتحدث عن الفلسفة فهل نحن نتحدث عن ابتكار طريقة في التعبد حتى يقال عنها بدعة؟ هذا لا يصح تعميمه البتة، ومفهوم البدعة لا ينطبق على الفلسفة من حيث هي نظر عقلي يسعى للحقيقة، أو لنقد السائد، أو تغييره إلى شيء غيره.
إنما على قسم منها، خذ كمثال للتقريب فحسب: الشعر، هل يقال الشعر بحد ذاته بدعة أو سنة، أم يقال أي شعر منه الذي تعنيه لما حواه من كلام.
فالفلسفة ليست شيئا جامدا ولا دينا محددا حتى تقبله كله أو ترفضه كله، ومن عمم الذم لها كان مثل من يذم كل شعر وكل كتاب سوى القرآن والحديث.
2
إن الصف الرافض للفلسفة
يتجاهل حقيقة تقول بأن الأفكار لا تستأذن أحدا، فكم من متأثر بفكرة وهو لا يدري عن
ذلك، وتراه يفكر ويكتب محتكما إلى أركانها دون وعي منه بأنه خاضع لها، بل العجب إن
كان يصرح بمخالفة أهلها!.
إنه خاضع لفلسفة من حيث لا يدري، على هذا النحو ستجد أقواما من المنتسبين للحديث والمعظمين لأهله قالوا بمقالات تخالف أهل الحديث، لعدم اعتنائهم بهذه الأبواب.
وبما أن الرافض للفلسفة لا يجامل في رفضه، يحسن تقبله لعدم مجاملته أيضا، نأخذ على سبيل المثال ابن قدامة المقدسي وهو من كبار علماء الحنابلة، ولكتبه احترام في الأوساط السلفية عموما، تجده يتناقض ويضطرب في تقرير مسائل عديدة تتعلق بالصفات الإلهية وحتى لا يقال بأن هذا كلام على عواهنه، وأنه دعوى انظر (لمعة الاعتقاد) فتارة تجده يميل إلى الإثبات كما فعل في كتابه (العلو) وأخرى إلى التفويض وإن حاول شارحه العثيمين أن يعتذر عنه إلا أن وقع في أخطاء لا يمكن حملها على التصويب من ذلك ما سطره في كتابه (الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم )، لماذا وقع بهذا وهو المنهمك بنصرة أحمد بن حنبل وما يعتقد أنه الحق والسنة؟
إن الزهد بالفلسفة تاريخيا حمل أقواما على ترديد بعض مقولاتها من حيث لا يشعرون، ولذا كان ابن تيمية بارزا في تركيزه على ضرورة تتبع المقالات الفلسفية وفهمها ومعارضة بعضها ببعض، لتنخيلها نقدا، وفهم آخر نتائجها المنطقية.
إننا نجد اليوم العديد من الأقوام الرافضين للفلسفة كلما احتاجوا لشيء منها عاجلهم الارتجال إلى أجوبة سبقهم بها جهم بن صفوان دون إدراك منهم لمآلات مقالاتهم، كم من مناظر اليوم للملحدين واقع بمقالات المعتزلة مثلا أو حتى ابن سينا ومن قبله أرسطو، الشيء الوحيد الذي يرفع عنه سيف الإلزام جهالة مناظره بالفلسفة، ويغتر بذلك ويحسب أنه بلغ المشارق والمغارب بحجته.
إنه خاضع لفلسفة من حيث لا يدري، على هذا النحو ستجد أقواما من المنتسبين للحديث والمعظمين لأهله قالوا بمقالات تخالف أهل الحديث، لعدم اعتنائهم بهذه الأبواب.
وبما أن الرافض للفلسفة لا يجامل في رفضه، يحسن تقبله لعدم مجاملته أيضا، نأخذ على سبيل المثال ابن قدامة المقدسي وهو من كبار علماء الحنابلة، ولكتبه احترام في الأوساط السلفية عموما، تجده يتناقض ويضطرب في تقرير مسائل عديدة تتعلق بالصفات الإلهية وحتى لا يقال بأن هذا كلام على عواهنه، وأنه دعوى انظر (لمعة الاعتقاد) فتارة تجده يميل إلى الإثبات كما فعل في كتابه (العلو) وأخرى إلى التفويض وإن حاول شارحه العثيمين أن يعتذر عنه إلا أن وقع في أخطاء لا يمكن حملها على التصويب من ذلك ما سطره في كتابه (الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم )، لماذا وقع بهذا وهو المنهمك بنصرة أحمد بن حنبل وما يعتقد أنه الحق والسنة؟
إن الزهد بالفلسفة تاريخيا حمل أقواما على ترديد بعض مقولاتها من حيث لا يشعرون، ولذا كان ابن تيمية بارزا في تركيزه على ضرورة تتبع المقالات الفلسفية وفهمها ومعارضة بعضها ببعض، لتنخيلها نقدا، وفهم آخر نتائجها المنطقية.
إننا نجد اليوم العديد من الأقوام الرافضين للفلسفة كلما احتاجوا لشيء منها عاجلهم الارتجال إلى أجوبة سبقهم بها جهم بن صفوان دون إدراك منهم لمآلات مقالاتهم، كم من مناظر اليوم للملحدين واقع بمقالات المعتزلة مثلا أو حتى ابن سينا ومن قبله أرسطو، الشيء الوحيد الذي يرفع عنه سيف الإلزام جهالة مناظره بالفلسفة، ويغتر بذلك ويحسب أنه بلغ المشارق والمغارب بحجته.
3
وهؤلاء الرافضون للفلسفة تماما، يقيمون حجتهم على عدم
الفصل بين ديني ودنيوي، ثم يختزلون الديني بحكم شرعي، ويتجاهلون ما يتعاملون به
يوميا من علوم تطورت خارج الإطار الديني أي هي دنيوية.
ولك أن تتخيل لو حكمنا منطقهم اليوم مثلا في الطب! ليضحي الطبيب بدل أن يكتب وصفة لدوائه، يكتب مجلدا في الأذكار والأحاديث.
ليس في هذا تهوينا من شأن الاذكار ولكن الذي يدفع الناس إلى تهوين شأنها من يزاحم الطب بعقلية تحتكم إلى طب العرب قديما في وجه كل المنجزات الطبية المعاصرة التي قضت على أوبئة أبادت أمما في زمن مضى، حتى قال بعض الفقهاء عن الطاعون مثلا بأنه لا علاج له! وهذا ليس من شأنهم كفقهاء.
فكيف إن علمنا أن الطب الحديث ولد مع تشريح الإنسان الذي تم خارج المؤسسات الدينية، ثم استقبلته وأساغته لنتائجه الملموسة.
إن الفلسفة لا ولن تتحرك كما يحسب بعضهم في جانب مسكوت عنه شرعا!، فذا لا يعنيها بشيء وليس من الفلسفة في شيء بل إنها الأعم من المعارف، وتبحث في ما لا يطاله العلم التجريبي، وكونك مسلما لك أن تصوب ما وافق الشرع من النظر العقلي لا أن تنقض على العقل لتحيله إلى التقاعد خوفا أن يضل فهذا الخوف يعارض بإمكانية أن يصيب.
ثم إن المسائل ليست كلها أحكام! بل فهمك للواقع بأي منهج هو، فالشرع حكم على الواقع لكن الواقع بأي منهج ستدرسه ولماذا ترجح المنهج الفلاني على غيره، هنا تاتي الفلسفة ودراسة المناهج واستبطان أيها أقدر على فهم الواقع وعكسه كما هو.
ومن أنكر الفلسفة رأسا دون فهم لمجالاتها ومباحثها كان حكمه فيما لا يحسنه، وليس أهلا للحكم عليه.
ولك أن تتخيل لو حكمنا منطقهم اليوم مثلا في الطب! ليضحي الطبيب بدل أن يكتب وصفة لدوائه، يكتب مجلدا في الأذكار والأحاديث.
ليس في هذا تهوينا من شأن الاذكار ولكن الذي يدفع الناس إلى تهوين شأنها من يزاحم الطب بعقلية تحتكم إلى طب العرب قديما في وجه كل المنجزات الطبية المعاصرة التي قضت على أوبئة أبادت أمما في زمن مضى، حتى قال بعض الفقهاء عن الطاعون مثلا بأنه لا علاج له! وهذا ليس من شأنهم كفقهاء.
فكيف إن علمنا أن الطب الحديث ولد مع تشريح الإنسان الذي تم خارج المؤسسات الدينية، ثم استقبلته وأساغته لنتائجه الملموسة.
إن الفلسفة لا ولن تتحرك كما يحسب بعضهم في جانب مسكوت عنه شرعا!، فذا لا يعنيها بشيء وليس من الفلسفة في شيء بل إنها الأعم من المعارف، وتبحث في ما لا يطاله العلم التجريبي، وكونك مسلما لك أن تصوب ما وافق الشرع من النظر العقلي لا أن تنقض على العقل لتحيله إلى التقاعد خوفا أن يضل فهذا الخوف يعارض بإمكانية أن يصيب.
ثم إن المسائل ليست كلها أحكام! بل فهمك للواقع بأي منهج هو، فالشرع حكم على الواقع لكن الواقع بأي منهج ستدرسه ولماذا ترجح المنهج الفلاني على غيره، هنا تاتي الفلسفة ودراسة المناهج واستبطان أيها أقدر على فهم الواقع وعكسه كما هو.
ومن أنكر الفلسفة رأسا دون فهم لمجالاتها ومباحثها كان حكمه فيما لا يحسنه، وليس أهلا للحكم عليه.
مودتي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق