27 يناير 2016
شروط التأثر
هناك أشخاص في بحثهم التاريخي ينطلقون لمجرد مشابهة شيء لآخر أنه مأخوذ منه، هذا ما لمسته عند كثير من الباحثين ولا أتبعه، التأثر لا بد له من شروط منها إثبات أن الفكرة دخلت المكون الثقافي الذي يعيش فيه المفكر، إنه شبيه بقول أهل الحديث بالمعاصرة لكنه هنا مختلف كونه ليس رواية بل تأثيرا، فلا بد أن يكون دخل المكون الثقافي، كذلك بقاء أركان أساسية للفكرة نفسها لا يقال بمجرد المشابهة، مثلا تعاقب ثلاثة تفصيلات في فكرة واحدة يرجح انها مأخوذة من الأصل الذي شابهته وغير ذلك من القرائن التي تكشف بمجموعها الأصل التاريخي للفكرة، وكمثال على هذا:مؤسس حزب التحرير تقي الدين النبهاني أرى أنه تأثر جدا بالماركسيين في كثير من المفاصل، منها أن لينين قال بالطليعة الحزبية للطبقة العاملة، التي تعمل لمصلحة العمال، تناضل بداية لنشر أفكارها، وتحريك العمال في العالم بنمط حتمي، للوصول إلى دولة.
عند النبهاني سنجد أركان هذه الفكرة متكاملة، الحزب هو عامل عن المسلمين لإعادة الخلافة، ويبدأ بنشر الأفكار ويتبع طريقا حتميا للوصول إلى الدولة.
لكن هذا لا يتم دون إثبات دخول أفكار لينين إلى المكون الثقافي للنبهاني، وبالبحث التاريخي وجدت أن من أوائل الترجمات للينين كانت في العشرينيات في مصر، والنبهاني درس في مصر، وترجم وقتها مذكرات لينين وفيها هذا الشرح السابق لنظرته.
ومما أطبق الأمر أن النبهاني في كتابه (التفكير) حاول محاكاة نظرية المعرفة المادية وإن كانت ناقصة لكن الأمر دل على اطلاعه على شيء من الأفكار الماركسية.
هذه بمجموعها تبين أن هناك تأثرا، وأعتقد أن هذه من الضوابط الهامة في تتبع الأفكار تاريخيا أو حفريات المعرفة كما يحب بعضهم أن يسميها على اختلاف مع منهج ميشيل فوكو في المسألة إذ لا أوافقه في كثير من الجوانب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق