حلقة جديدة من برنامج مراجعات بعنوان:
بؤس الرسمالية
رابط الحلقة على مجموعة "عقلانيون" في الفيس: https://www.facebook.com/groups/347344838778495/permalink/614554948724148/
متابعينا
الاعزاء .. مرحبا بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج مراجعات والتي عنوانها بؤس
الراسمالية ..
نتوجه الى ضيفنا من القدس المحتلة الاستاذ يوسف سمرين .. مرحبا بك في هذه الحلقة
الاستاذ يوسف، يقول جول لوك :
الملكية حق من حقوق الطبيعة وغريزة تنشأ مع نشأة الإنسان .. فليس لأحد أن يعارض هذه الغريزة ..
الرجل يقول الملكية الفردية غريزة ..
فما المشكلة اذن ..اذا كانت الراسمالية تقوم على اساس غريزي في البشر ؟
نتوجه الى ضيفنا من القدس المحتلة الاستاذ يوسف سمرين .. مرحبا بك في هذه الحلقة
الاستاذ يوسف، يقول جول لوك :
الملكية حق من حقوق الطبيعة وغريزة تنشأ مع نشأة الإنسان .. فليس لأحد أن يعارض هذه الغريزة ..
الرجل يقول الملكية الفردية غريزة ..
فما المشكلة اذن ..اذا كانت الراسمالية تقوم على اساس غريزي في البشر ؟
يوسف سمرين
السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته ..
احيكم جميعا ، بداية من الاستاذة رفيدة ، إلى ضيفنا المحاور ، إلى جميع المتابعين الكرام
احيكم جميعا ، بداية من الاستاذة رفيدة ، إلى ضيفنا المحاور ، إلى جميع المتابعين الكرام
السؤال
عن لوك ومبدأ الحق الطبيعي الذي لم يكن فحسب عند لوك بل تكرر مع عدد لا بأس به من
الفلاسفة ككانط وروسو وغيرهم ، كان يدور في فلك الفلسفة البرجوازية ، بمعنى تمهيد
سحب السلطة المطلقة ، إلى خدمة الفلسفة البرجوازية ، واعتبار ما تقوم به حقاً كونه
شيء طبيعي .
يتجاوز مفهوم القانون الطبيعي ، او الحق الطبيعي عدة أمور:
يتجاوز مفهوم القانون الطبيعي ، او الحق الطبيعي عدة أمور:
1
– أن تقييم أفعال الإنسان وأقواله من ناحية أخلاقية = بالرد إلى ما هو طبيعي وغير
طبيعي مشكل جدا ، ويتجاوز مفهوم التطور والتغير في نظرة الإنسان وظروفه ، فما
يعتبر طبيعيا يوما لا يعتبر طبيعيا في غيره ، فليس من الطبيعي في فترة ما من حياة
البشر طبخ اللحم ! وإلى اليوم توجد قبائل تأكل اللحم كما هو ، كما حصلته من
الطبيعة ، فما المعيار ، اليوم نقول من الطبيعي أن نطبخ الطعام ، إذن هناك تطور
وتغير في نظرة الإنسان ، فاعتبار فعل ما طبيعي أزلا وفي كل حين ، يسقط من اعتباره
التطور والتغير الذي يجري على حياة البشر .
وقد كان كثير من الفلاسفة الذين يخدمون البرجوازية يصورون الأمر وكأن الحق الطبيعي ذا شيء ثابت أزلا وسيظل أبدا ، وهنا تكمن المشكلة ، أن مبررات الثورة البرجوازية كانت على السلطة المطلقة ، التي كانت تتبجح بالحق الإلهي وتعتبره شيئا أزليا وسيظل دائما ، ولكن هذا لم يسعفها ، فجاءت الثورة البرجوازية متمثلة في الثورة الفرنسية 1789 ، لتطيح بالنظام الملكي ، وتدحر السلطان الكنسي ، وتبين كذب فلسفات الحكم القديم ، لكنها هي نفسها لما تسلك نفس التبرير بالحق الطبيعي ، هو وجه آخر لما سمي (بالحق الإلهي) في الحكم الذي لم يستمر أبدا ، ولا تسعفه الشواهد التاريخية أنه كان أبدياً مدى العصور .
وقد كان كثير من الفلاسفة الذين يخدمون البرجوازية يصورون الأمر وكأن الحق الطبيعي ذا شيء ثابت أزلا وسيظل أبدا ، وهنا تكمن المشكلة ، أن مبررات الثورة البرجوازية كانت على السلطة المطلقة ، التي كانت تتبجح بالحق الإلهي وتعتبره شيئا أزليا وسيظل دائما ، ولكن هذا لم يسعفها ، فجاءت الثورة البرجوازية متمثلة في الثورة الفرنسية 1789 ، لتطيح بالنظام الملكي ، وتدحر السلطان الكنسي ، وتبين كذب فلسفات الحكم القديم ، لكنها هي نفسها لما تسلك نفس التبرير بالحق الطبيعي ، هو وجه آخر لما سمي (بالحق الإلهي) في الحكم الذي لم يستمر أبدا ، ولا تسعفه الشواهد التاريخية أنه كان أبدياً مدى العصور .
2
– قد يكون الشيء طبيعيا ، ولكنه غير صحيح أخلاقيا ! فمثلا عندما تنكسر يد إنسان ،
ليس من الطبيعي أن نرجع الكسر ! فالوضع الطبيعي أن نبقيه كما هو ، لكننا نغير
الطبيعة لتحصيل الجيد ، وهذا أمر عام في كثير من تصرفاتنا ، يحدث حريق ، أو فيضان
، نسارع بتغيير ما يمكن تغييره مما حصل من الطبيعة ونعتبر أن وقوف إنسان
يتفرج على آخر يغرق بأنه يسلك سلوكا غير أخلاقي مهما تعلل بأن ما يحدث شيء طبيعي
(فطبيعي أن يموت ناس عند ارتفاع المد ، أو عندما يضرب الساحل موجة تسونامي) ! فلا
نريد أن نخلط بين الواجب والواقع ، هذا كله إذا سلمنا الواقع ، وإلا ففي كون
اعتبار التملك حقا طبيعيا محل نقاش ، فنحن نستطيع أن نرى على سبيل المثال البشر
يتشاركون والإنسان كائن اجتماعي بطبعه أيضا ! ، فهل الأصل في القبائل البشرية كان
الاشتراك أم الاستثار ؟ كانوا يشتركون بالصيد ، بالطبخ ، بالدفاع عن المنطقة التي
يسكنونها ، لدرجة أنهم كانوا يشتركون في تربية الأبناء ، فالدفاع عن التملك ليس
دقيقا كما صوره فلاسفة البرجوازية في القرن السابع عشر والثامن عشر .
أختم
في الإجابة على هذا السؤال بالنقطة التالية :
3 – المشكلة الرئيسية التي طرحها ماركس في نقده للرأسمالية ، ليست قضية فرد يمتلك ! ، فكلنا نمتلك ، وماركس كان فردا في المجتمع الرأسمالي وكان يستعين بصديقه فريدريك إنجلز على متاعب الحياة وعلى طباعة كتبه ، السؤال هل حكم الفرد هو حكم الطبقة !؟
نستطيع أن نقدر هذا اليوم بسهولة ، الفرد مهما صنع لن يصنع قنابل ذرية بخلاف الدولة التي تمتلك قدرات هائلة تستطيعها ، فهناك فرق بين المجموع وبين الأفراد .
لما تمتلك الشركات الكبرى أراض واسعة ، وتحتكر المنتجات الطبيعية عن طريق الشركات ، فلا يستطيع الفرد كما في سابق عهده أن يذهب ليحتطب مثلا ، أو ليزرع أرضا فالرأسمالية كلما نضجت كلما كانت قد استولت على كل شيء ، الفرد وقتها سيكون فاقدا لأي شيء ويضطر للعمل كأجير في الشركات ، إذن هنا ليست تملك أفراد ، بل تجريد الأفراد من التملك في الواقع لصالح طبقة تمتلك كل شيء . أعتقد هذا أمر أساسي وجوهري لنعرف أين الإشكالية الحقيقية في الرأسمالية .
ليس الموضوع أن يتملك جارك سيارة ونقول اذهب وخذها ! أبدا هذه فوضوية غاية في السخف ، الموضوع أن الرأسمالية كلما تطورت ، ولا شك هي تتطور وتترقى ، لكن لهذا التطور ضريبة ، وهي تجريد النسبة الأكبر من الناس من أي شيء ، مما يدفعهم للعمل بأجور تحددها الشركات الرأسمالية ، وبالتالي يشكل هذا امتدادا للعبودية السابقة مما قد أشرحه في وقت لاحق .
مودتي
3 – المشكلة الرئيسية التي طرحها ماركس في نقده للرأسمالية ، ليست قضية فرد يمتلك ! ، فكلنا نمتلك ، وماركس كان فردا في المجتمع الرأسمالي وكان يستعين بصديقه فريدريك إنجلز على متاعب الحياة وعلى طباعة كتبه ، السؤال هل حكم الفرد هو حكم الطبقة !؟
نستطيع أن نقدر هذا اليوم بسهولة ، الفرد مهما صنع لن يصنع قنابل ذرية بخلاف الدولة التي تمتلك قدرات هائلة تستطيعها ، فهناك فرق بين المجموع وبين الأفراد .
لما تمتلك الشركات الكبرى أراض واسعة ، وتحتكر المنتجات الطبيعية عن طريق الشركات ، فلا يستطيع الفرد كما في سابق عهده أن يذهب ليحتطب مثلا ، أو ليزرع أرضا فالرأسمالية كلما نضجت كلما كانت قد استولت على كل شيء ، الفرد وقتها سيكون فاقدا لأي شيء ويضطر للعمل كأجير في الشركات ، إذن هنا ليست تملك أفراد ، بل تجريد الأفراد من التملك في الواقع لصالح طبقة تمتلك كل شيء . أعتقد هذا أمر أساسي وجوهري لنعرف أين الإشكالية الحقيقية في الرأسمالية .
ليس الموضوع أن يتملك جارك سيارة ونقول اذهب وخذها ! أبدا هذه فوضوية غاية في السخف ، الموضوع أن الرأسمالية كلما تطورت ، ولا شك هي تتطور وتترقى ، لكن لهذا التطور ضريبة ، وهي تجريد النسبة الأكبر من الناس من أي شيء ، مما يدفعهم للعمل بأجور تحددها الشركات الرأسمالية ، وبالتالي يشكل هذا امتدادا للعبودية السابقة مما قد أشرحه في وقت لاحق .
مودتي
نرحب
بضيفنا الاستاذ قصي من كندا
وسؤالنا له :
احد مساويء النظام الراسمالي انها تركز الثروة في ايدي قليلة من المجتمع ..لكنها ايضا ساهمت في التطور العلمي ودفع عجلة التقدم للامام ..
لولا الراسمالية لما استطعنا ان نتواصل معك في هذه الحلقة .. انت في كندا ونحن في عمان والحضور من شتى بقاع العالم
الا تشفع هذه الايجابيات لنرجح كفة النظام الراسمالي ؟
وسؤالنا له :
احد مساويء النظام الراسمالي انها تركز الثروة في ايدي قليلة من المجتمع ..لكنها ايضا ساهمت في التطور العلمي ودفع عجلة التقدم للامام ..
لولا الراسمالية لما استطعنا ان نتواصل معك في هذه الحلقة .. انت في كندا ونحن في عمان والحضور من شتى بقاع العالم
الا تشفع هذه الايجابيات لنرجح كفة النظام الراسمالي ؟
Gussai Hamror
سلامي
للجميع عامة، وبخاصة لمديري الصفحة وللأخ يوسف سمرين
وشكري لكم على هذه السانحة
وشكري لكم على هذه السانحة
الجواب:
هذه فرصة لمراجعة العلاقة المزعومة بين الرأسمالية من جهة والتكنولوجيا والعلوم
الحديثة من الجهة الأخرى. ذلك الزعم المبني على فرضية أن الرأسمالية - وهي نظام
اقتصادي الصدر بأذرع سياسية واجتماعية - مسؤولة عن ما جادت به القريحة البشرية في
العصر الحديث في التحولات الضخمة الإيجابية التي تم تحقيقها في مجالات العلوم
التجريبية والتكنولوجيا.
هنالك
مسلمّتان مضمنتان في هذا الزعم، يحتاج لتبنيهما كيما يكون ذا مصداقية. هاتان
المسلمّتان هما:
1-
أن النظم الاقتصادية المسيطرة عموما مسؤولة عن ظهور أنماط تكنولوجية واختراقات
علمية تحت كنفها، أي أن هنالك علاقة سببية بين النظام الاقتصادي في مجتمع ما
ومقادير الإنجازات العلمية والتكنولوجية التي تحدث داخل ذلك المجتمع.
2-
أن محتوى ومقدار "التطور العلمي ودفع عجلة التقدم للأمام" كما نراه
اليوم، في عالمنا المعاصر، ما كان ليكون كذلك لولا الرأسمالية، أي أن الرأسمالية
هي النظام الاقتصادي الوحيد الذي يمكننا أن نتخيله قادرا على تحقيق هذه النقلة
المادية للمجتمعات عبر المرحلة التاريخية المعنية. إذا لم تكن هذه المسلّمة صحيحة
فلا معنى لأن نقول، مثلا، إننا لولا الرأسمالية لما استطعنا التواصل اليوم عبر
التقانات العالية للاتصالات والمعلومات.
ما
لديّ لأقوله هنا هو أن المسلّمتان أعلاه لا تصمدان أمام الفحص والتحقق الموضوعي،
وذلك لسببين: الأول أن دراسة التاريخ المادي، بالبراهين والتحليل، تبيّن لنا أن ما
يحصل كثيرا هو أن التحوّلات التي تطرأ في أنماط الإنتاج هي التي تؤدي لتحوّلات في
علاقات الإنتاج وليس العكس. ما يعنيه ذلك في المستوى الاجتماعي الكبير أن
التحوّلات التي تطرأ في تكنولوجيا الإنتاج تؤدي لتحولات في النظام الاقتصادي الذي
يدير علاقات الإنتاج. هذا الأمر واضح بصورة كبيرة في تاريخ الرأسمالية نفسه
وعلاقته بالثورة الصناعية، إذ أن اكتشافات تكنولوجية معيّنة هي التي أفسحت السبيل
لإمكانية قيام النظام الرأسمالي وتضخمه عن طريق الزيادة المستمرة لفائض القيمة،
كما سنبيّن أدناه. أمام السبب الثاني فهو أن الواقع يقول إن هنالك مسافة واضحة بين
الإبداع البشري، العلمي والتكنولوجي، وبين القوانين التي تحدد من الذي يكسب وماذا
يكسب من ذلك الإبداع. ما أعنيه أن النظام الاقتصادي ليس هو الذي يخلق قدرات
الإنتاج الذهني والجسدي البشريّيْن إنما هو الذي يحدد من الذي يكسب، وماذا وكم
يكسب، من ثمار المجهود البشري في تطويع عناصر الطبيعة. بالتالي فليس هناك في
الواقع برهان على أن الاختراقات التكنولوجية والعلمية البشرية المعاصرة ما كانت
لتصل لهذا المستوى ضمن نظام اقتصادي آخر غير الرأسمالية، بل هناك براهين من
التاريخ الحديث على نقيض هذه المسلّمة.
إضافة
للسببين أعلاه، أحاجج بأن المعطى الموضوعي المعاصر يقول لنا إن التقدم التكنولوجي
والعلمي المأمول للبشرية، في المستقبل القريب، سيكون أعلى جودة وأعمق اختراقات إذا
قمنا بسحب معظم عمليات البحث والتطوير التكنولوجي والعلمي من براثن السوق ووضعناها
ضمن مجال التمويل العام (من ميزانية الجماعة أو الدولة) والمحاسبية العامة (أي
الخضوع لأولويات ورقابة الرأي العام بدل أولويات ورقابة الشركات الخاصة) ومجال
الشغف العام للمعرفة والاستكشاف (أي مؤسسات التعليم والبحث الحرة من ضغوط ومصالح
مراكمة الأرباح) في مجتمعات لا يعاني أفرادها من تفاوت مجحف في الامتيازات
الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بل جميعهم لديهم فرص مفتوحة لاستكشاف مواهبهم
وتنمية قدراتهم والسعي للابتكار وسبر أغوار المعرفة الواسعة.
بالنسبة
للسبب الأول: بما أن الرأسمالية بَنَت نفسها عن طريق عملية معروفة، تبدأ بوجود
أثرياء لديهم رأس المال القادر على امتلاك مجموعة من وسائل الإنتاج (مصنع وآلات
وموارد خام) ثم استئجار عمالة آخرين ليس لديهم ملكية لتلك الوسائل وليس عندهم سوى
عمالتهم ليبذلوها مقابل أجور، ثم إنتاج سلع وخدمات يتم بيعها بأرباح تعود لصالح
الأثرياء أصحاب رأس المال. هذه الأرباح تتراكم وتصبح هي نفسها رؤوس أموال لتوسعات
أكبر في سلسلة الإنتاج لتراكم أرباح أكثر، ويستمر هذا التوسع، أفقيا وعموديا (في
كمية وأشكال الإنتاج) إلى أن يصبح لدينا مجتمعا واسعا كاملا مبنيا على علاقات
إنتاج وثقافة استهلاك مستمرة في مراكمة أرباح الطبقات الرأسمالية واستغلال عمالة
الطبقات العاملة واستنزاف الموارد الطبيعية وخلق المزيد والجديد من السلع
والخدمات. اسمحوا لي الآن باقتباسات مطوّلة من كتاب "السلطة الخامسة: من أين
تأتي التكنولوجيا؟" والذي صدر العام الماضي للكاتب:
"من
وجهة نظر مادية تاريخية عامة، فإن التغيّر الذي يطرأ على قوى الإنتاج المادية يورث
بالضرورة تغيّرا في علاقات الإنتاج. عبارة كارل ماركس الشهيرة، في كتابه "بؤس
الفلسفة" (1847) التي تقول "الطاحونة اليدوية تعطينا مجتمعا فيه
الإقطاعي؛ وطاحونة البخار تعطينا مجتمعا فيه الرأسمالي الصناعي" هي عبارة
تختصر مقاربة ماركس لقضية التكنولوجيا والمؤسسات [الاجتماعية] اختصارا طيبا. إضافة
لذلك، نجد أن أنصع مثال على أهمية التحول التكنولوجي ومركزيته في تحليل ماركس التاريخي
هو تحليله لظاهرة المصنع وكيف ظهرت في قصة صناعة النسيج في بريطانيا في القرن
الثامن عشر:
كانت
مشكلة صناعة النسيج البريطانية تكمن في منافستها الصعبة مع صناعة النسيج في الهند،
حيث أن رخص نسيج الهند - لرخص العمالة فيها - مع جودته جعله في المقدمة، ولم تستطع
بريطانيا فعل شيء حيال الأمر سوى حماية سوقها المحلي بمنع شركة الهند الشرقية من
جلب النسيج الهندي لبريطانيا. كانت المشكلة التقانيـّة في موضوع العمالة هي ضعف
التناسق بين عمليتي الغزل والحياكة، حيث كان زمن الغزل طويلا جدا مقارنة بزمن
الحياكة، بيد أن مرحلة الحياكة معتمدة كليا على انتهاء مرحلة الغزل، وقد كانت
عملية الغزل تتم من جانب العمال في بيوتهم (كمية معيـّنة يسلمها العامل أسبوعيا)،
مما أضعف سلسلة الإنتاج وقعد بها عن احتمال التسارع.
عملية
الغزل إذن كانت هي عنق الزجاجة في هذه العملية الإنتاجية. ظهرت في أواخر ذلك القرن
تقانات جديدة سارعت من عمل عجلة الغزل بحيث أصبح بالإمكان غزل أكثر من خيط في وقت
واحد، وأضاف محرك البخار [كاختراع جديد أيضا في ذلك الزمن] سرعة إضافية للعملية
كلها. بيد أن عمل العمال في بيوتهم كان العائق الأكبر الذي لا يمكن معه الاستفادة
من هذه التقانات الجديدة، فكان لا بد من جمعهم تحت سقف واحد لإسراع سلسلة الإنتاج
وتنسيق مراحلها وإدارتها المباشرة تحت أعين أصحاب العمل، وهكذا ظهر نظام المصنع
كمنشأة حديثة استجابة لهذا الوضع الجديد. تم تسريع عملية الحياكة أيضا بمضاعفة عدد
العمال وزيادة ساعات العمل اليومي. كل هذا لم يكن ممكنا لولا ابتداع مؤسسة المصنع،
ومؤسسة المصنع نفسها لم تكن لتخطر على بال أصحاب العمل (الرأسماليين) لولا ظهور
تقانات جديدة أوحت لهم بفكرة المصنع. مثل هذا الفهم التاريخي الذي قدمه ماركس
لظهور ظاهرة المصنع، ومعها نمو ثنائية البرجوازي والبروليتاري، ما كان بمتناول
ماركس لولا إدراكه العميق لدور التكنولوجيا الخطير في النسيج الاجتماعي والتحولات
المؤسسية الاجتماعية."
الخلاصة
هنا هي أن التكنولوجيا الحديثة ليست بالضرورة ثمرة من ثمار الرأسمالية،
فالاختراقات التكنولوجية والعلمية الأولى التي مهّدت السبيل لظهور مؤسسة المصنع لم
تكن بسبب الرأسمالية، وإنما هي التي أعطت الرأسمالية فرصة الانبثاق والنمو كنظام
اقتصادي كامل (بعد أن كان نمطا جانبيا من الاقتصاد الميركانتلي في أوروبا حينها).
أما
السبب الثاني، كما ذكرنا أعلاه، فيتبع أيضا من السبب الأول، لنرى أن عملية الإبداع
العلمي والتكنولوجي عند الكائن البشري ليست نتيجة النظام الاقتصادي وإنما نتيجة
توفر الموارد والقدرات مع وجود الشغف للابتكار والاكتشاف كخاصية بشرية موروثة
وليست كنتيجة للنظام الاقتصادي. صحيح أن النظام الرأسمالي الحالي يوفر ظروفا تجعل
عددا كبيرا من الناس ينتجون أشياء واكتشافات مفيدة للبشرية، وتصل نتائج تلك
الاكتشافات لأناس آخرين عن طريق سوق السلع والخدمات، إلى أنه ليس هنالك أي دليل
على أن ظروف الابتكار والنشر هذه ما كانت لتتوفر بصورة وافية ضمن نظام اقتصادي
مختلف. في الحقيقة، نحن نعلم أن الاتحاد السوفييتي والصين أنتجا ونشرا كمية مهولة
من الاختراقات العلمية والتكنولوجية ضمن شروط محلية ليست رأسمالية. حتى إذا لم
نتفق مع الأنظمة الاقتصادية-السياسية التي حكمت الاتحاد السوفيتي والصين فنحن على
العموم لا نستطيع أن ننكر أنها لم تكن أنظمة رأسمالية (على المستوى القطري وعلى
مستوى الكثير من الاتفاقيات التجارية والتنموية الدولية)، كما لا نستطيع أن ننكر
أنها أنتجت نتاجا ضخما من الترسانة التكنولوجية والاكتشافات العلمية (ولا ننسى أن
أول من تمكن من الخروج للفضاء الخارجي والدوران حول كوكب الأرض هو يوري جاجارين
السوفيتي، باستعمال التقانات والعلوم السوفيتية. والآن الصين أيضا تنتج اختراقات
تكنولوجية وعلمية ضخمة جدا تتجاوز أحيانا بها دول الغرب، برغم أن الصين ليس دولة
رأسمالية في اقتصادها الوطني الداخلي).
أخيرا
أيضا لدينا أدلة كافية على أنه حتى داخل الدول الرأسمالية نفسها فإن كثيرا من الاختراقات التكنولوجية والعلمية الكبيرة لا تحدث عادة بواسطة تمويل الطبقة البرجوازية لعملياتها الإنتاجية من أجل الأرباح، وإنما تحدث في معامل البحث والتطوير، في الجامعات العامة والمعاهد البحثية وورش العمل، بواسطة تمويلات وتفويضات من الدولة، أي بواسطة الميزانية الوطنية من دافعي الضرائب وبواسطة أجندة تم تحديدها عبر مشاريع وطنية جماعية لا مصالح رأسمالية خاصة. الانترنت مثلا، والأتمتة الصناعية، وتطورات صناعة الطيران، كلها من الاختراقات التكنولوجية الكبيرة التي تفتخر بها الولايات المتحدة الأمريكية على أساس أنها بعض هداياها للعالم الحديث، وذلك صحيح من الناحية الموضوعية، لكن كل هذه الاختراقات المذكورة أعلاه ليست نتيجة للعملية الرأسمالية المعتادة، إنما نتيجة تمويل عام من الدولة لبحوث متخصصة ودقيقة ومكلّفة وطويلة المدى. أيضا لا يفوتنا أن نعرف أن وكالة ناسا للأبحاث الفضائية، وكل منجزاتها الحديثة، هي وكالة قطاع عام وليست شركة خاصة، فغرضها ليس مراكمة أرباح وإنما خوض مجاهيل المعرفة وتحسين حيوات الناس بها وبالتكنولوجيا الناتجة عنها. كما نرى فالقطاع العام في الواقع أكثر قدرة على تحقيق تطورات تكنولوجية وعلمية كبيرة من القطاع الخاص، وبذلك تسقط فرضية أن فلسفة الرأسمالية الاقتصادية، وإطارها الفعلي، هي المسؤولة عن التطور العلمي والتكنولوجي الذي لدينا الآن.
أيضا لدينا أدلة كافية على أنه حتى داخل الدول الرأسمالية نفسها فإن كثيرا من الاختراقات التكنولوجية والعلمية الكبيرة لا تحدث عادة بواسطة تمويل الطبقة البرجوازية لعملياتها الإنتاجية من أجل الأرباح، وإنما تحدث في معامل البحث والتطوير، في الجامعات العامة والمعاهد البحثية وورش العمل، بواسطة تمويلات وتفويضات من الدولة، أي بواسطة الميزانية الوطنية من دافعي الضرائب وبواسطة أجندة تم تحديدها عبر مشاريع وطنية جماعية لا مصالح رأسمالية خاصة. الانترنت مثلا، والأتمتة الصناعية، وتطورات صناعة الطيران، كلها من الاختراقات التكنولوجية الكبيرة التي تفتخر بها الولايات المتحدة الأمريكية على أساس أنها بعض هداياها للعالم الحديث، وذلك صحيح من الناحية الموضوعية، لكن كل هذه الاختراقات المذكورة أعلاه ليست نتيجة للعملية الرأسمالية المعتادة، إنما نتيجة تمويل عام من الدولة لبحوث متخصصة ودقيقة ومكلّفة وطويلة المدى. أيضا لا يفوتنا أن نعرف أن وكالة ناسا للأبحاث الفضائية، وكل منجزاتها الحديثة، هي وكالة قطاع عام وليست شركة خاصة، فغرضها ليس مراكمة أرباح وإنما خوض مجاهيل المعرفة وتحسين حيوات الناس بها وبالتكنولوجيا الناتجة عنها. كما نرى فالقطاع العام في الواقع أكثر قدرة على تحقيق تطورات تكنولوجية وعلمية كبيرة من القطاع الخاص، وبذلك تسقط فرضية أن فلسفة الرأسمالية الاقتصادية، وإطارها الفعلي، هي المسؤولة عن التطور العلمي والتكنولوجي الذي لدينا الآن.
مرحبا
بالاستاذ يوسف مرة اخرى :
ما البديل للنظام الراسمالي ؟
الشيوعية ؟
اذا كان مؤسِّس الشيوعية هو كارل ماركس .. يهودي ألْماني، ويَذكُر الباحثون في شخصيته : أنَّه رجل فاشِل مُعقَّد .. يحمل كلَّ خصائص اليهود : مِن الحقد، والكراهية لجميع البشر، إضافةً إلى أنَّه كسول فقير معوز .. لذلك استغلَّ اليهود أوضاعَه النفسية والمادية الصعْبة، وطبلوا له .. حتى أشبعوه بالعظَمة وسدادِ الرأي، وكل ذلك جعَل (ماركس) يُنادي بالنظرية الشيوعية ..
والنظام الشيوعي السوفيتي ارتكب افظع الجرائم بحق البشر ..
الا يجعل هذا الراسمالية هو البديل الافضل المتاح للبشر ؟
ما البديل للنظام الراسمالي ؟
الشيوعية ؟
اذا كان مؤسِّس الشيوعية هو كارل ماركس .. يهودي ألْماني، ويَذكُر الباحثون في شخصيته : أنَّه رجل فاشِل مُعقَّد .. يحمل كلَّ خصائص اليهود : مِن الحقد، والكراهية لجميع البشر، إضافةً إلى أنَّه كسول فقير معوز .. لذلك استغلَّ اليهود أوضاعَه النفسية والمادية الصعْبة، وطبلوا له .. حتى أشبعوه بالعظَمة وسدادِ الرأي، وكل ذلك جعَل (ماركس) يُنادي بالنظرية الشيوعية ..
والنظام الشيوعي السوفيتي ارتكب افظع الجرائم بحق البشر ..
الا يجعل هذا الراسمالية هو البديل الافضل المتاح للبشر ؟
يوسف سمرين
ما
البديل للنظام الرأسمالي ؟ هذا يتفرع على سؤالنا الأول وهو هل الرأسمالية أفضل
متاح الآن ؟
السؤال الثاني يحمل في طياته إجابة ضمنية عليه ، فهو يقول أفضل متاح لوقت لا يعني بالضرورة أن يكون ناجحا غدا ، الرأسمالية كلما تقدمت تبينت فداحة الضرائب التي يمكن أن نجنيها منها ، قد نختلف على الوسائل والتكنيك الذي يمكن أن نتبعه ونحن في طريقنا لإيجاد بديل ، ولكن سنتفق على فداحة ما يصنع الرأسمال وقد توحش ، وتحول إلى عولمة اقتصادية ، نرى آثارها اليوم بشكل أوضح في بلادنا ، التي تشكل منبعا لمواد الخام لتلك الشركات .
بالنسبة لماركس مثله مثل أي باحث ، وكون أصله يهوديا هذه حكاية لا وزن لها في التقييم المعرفي ، فرويد ، اينشتاين ، كارل بوبر وغيرهم أصولهم يهودية ولا يعني هذا بحال بطلان ما جاؤوا به .
بالنسبة لماركس ونظريته فقد كانت دوما نظرة نقدية ، وليست أيدلوجية دوجمائية ، ومن هذا المنطلق كانت مرشدة عمل ، وليست عقيدة جامدة ، بمعنى أن نقدها هو الذي يستلهم ، وليست الحرفية القاتلة التي ينظر إليها البعض .
السؤال الثاني يحمل في طياته إجابة ضمنية عليه ، فهو يقول أفضل متاح لوقت لا يعني بالضرورة أن يكون ناجحا غدا ، الرأسمالية كلما تقدمت تبينت فداحة الضرائب التي يمكن أن نجنيها منها ، قد نختلف على الوسائل والتكنيك الذي يمكن أن نتبعه ونحن في طريقنا لإيجاد بديل ، ولكن سنتفق على فداحة ما يصنع الرأسمال وقد توحش ، وتحول إلى عولمة اقتصادية ، نرى آثارها اليوم بشكل أوضح في بلادنا ، التي تشكل منبعا لمواد الخام لتلك الشركات .
بالنسبة لماركس مثله مثل أي باحث ، وكون أصله يهوديا هذه حكاية لا وزن لها في التقييم المعرفي ، فرويد ، اينشتاين ، كارل بوبر وغيرهم أصولهم يهودية ولا يعني هذا بحال بطلان ما جاؤوا به .
بالنسبة لماركس ونظريته فقد كانت دوما نظرة نقدية ، وليست أيدلوجية دوجمائية ، ومن هذا المنطلق كانت مرشدة عمل ، وليست عقيدة جامدة ، بمعنى أن نقدها هو الذي يستلهم ، وليست الحرفية القاتلة التي ينظر إليها البعض .
أما
كونه يهوديا فهذه أصلا غير دقيقة فماركس ملحد كمعتقد ، وأبواه قد تنصرا ، أما
حكاية المؤامرة اليهودية العالمية التي اتفقت مع ماركس ليقول كلامه ! هذه حكايات
بائسة من ناحية معرفية ، وسياسية ، وكانت تندرج فقط تحت الدعايات القومية أيام
روسيا القيصرية خوف الثورة ، ونشرت وقتها بروتوكولات حكماء صهيون والتي لا
تعدوا أن تكون مجرد دعاية للكنيسة والقيصر في تلك الفترة .
أما بالنسبة للاتحاد السوفييتي ومظالمه فهذه حصلت ولا شك ، وقتل في المقابل ملايين بين الدول الرأسمالية نفسها ، التجربة السوفييتية لا شك هي محل بحث وتجربة نقدية لصياغة البدائل لكن ليس وفق الطريقة القائلة بأن الرأسمالية عفيفة ! فلا ننس أن من استعمل السلاح الذري ضد البشر كان الولايات المتحدة .
صياغة البديل تدفعنا لتجنب كل أخطاء الاتحاد السوفييتي كنفوذ فرد واحد كشخصية ستالين ، وإخضاعه الاتحاد لسلطته .
أما بالنسبة للاتحاد السوفييتي ومظالمه فهذه حصلت ولا شك ، وقتل في المقابل ملايين بين الدول الرأسمالية نفسها ، التجربة السوفييتية لا شك هي محل بحث وتجربة نقدية لصياغة البدائل لكن ليس وفق الطريقة القائلة بأن الرأسمالية عفيفة ! فلا ننس أن من استعمل السلاح الذري ضد البشر كان الولايات المتحدة .
صياغة البديل تدفعنا لتجنب كل أخطاء الاتحاد السوفييتي كنفوذ فرد واحد كشخصية ستالين ، وإخضاعه الاتحاد لسلطته .
كان
هناك كتاب لأحد الشيوعيين اليوغسلافيين وهو ميلوفان دوجلاس (الطبقة الجديدة) انتقد
فيها صعود أو نشوء طبقة كاملة من الثوريين القدامة يتمتعون بكامل الامتيازات التي
كانت للبرجوازيين على حساب الشعب ، هذه لا شك إشكالية ليست فقط في الثورات
الماركسية ، بل هي شاملة للثورات بشكل عام الوطنية ، القومية ، الاسلامية !
والتفكير بتفادي هذه الأخطاء والسعي للبدائل لا يبعثه أخطاء الماضي فحسب ، بل مخاطر المستقبل ، ولما نتحدث عن نقد الرأسمالية ، فنحن نتكلم عن مشاكل موضوعية في ذلك النظام يدفع الكوكب ثمنها حتى من درجة حرارته ، وتلوثه ، بجشعها وحروبها واستغلالها !
هذا يحتم وجود بديل حقيقي مقابل للرأسمالية ، فوجود الخطأ وهو أمر ثابت ، لا يعني البتة التعامي عن مبررات التغيير لإيجاد الصواب .
وتجربة السوفييت تجربة طويلة ، ولا شك هي ثرية للاستفادة منها ، لا لتقليدها حرفيا ، وماركس لما جاءه بعد المتزمتين الفرنسيين من أصحاب النظرة الاقتصادية البحتة ، وقالوا هم ماركسيون ، قال ماركس إذن لست ماركسيا !
بمعنى رفض التقليد للنظرية بحرفية ، بل السعي لإيجاد البدائل والنظر للأخطاء بعين النقد ، حتى يتم تجنبها .
لما سئل كاستروا هذا السؤال أجاب ، هل الحل أن يظل الاستغلال موجودا !
سيظل الأمر مطروقا ما دام هناك استغلال ، ولن ينزل الحل جاهزا علينا ، دون تفكير وسعي للبحث عن حلول تستفيد من التجارب العالمية .
والتفكير بتفادي هذه الأخطاء والسعي للبدائل لا يبعثه أخطاء الماضي فحسب ، بل مخاطر المستقبل ، ولما نتحدث عن نقد الرأسمالية ، فنحن نتكلم عن مشاكل موضوعية في ذلك النظام يدفع الكوكب ثمنها حتى من درجة حرارته ، وتلوثه ، بجشعها وحروبها واستغلالها !
هذا يحتم وجود بديل حقيقي مقابل للرأسمالية ، فوجود الخطأ وهو أمر ثابت ، لا يعني البتة التعامي عن مبررات التغيير لإيجاد الصواب .
وتجربة السوفييت تجربة طويلة ، ولا شك هي ثرية للاستفادة منها ، لا لتقليدها حرفيا ، وماركس لما جاءه بعد المتزمتين الفرنسيين من أصحاب النظرة الاقتصادية البحتة ، وقالوا هم ماركسيون ، قال ماركس إذن لست ماركسيا !
بمعنى رفض التقليد للنظرية بحرفية ، بل السعي لإيجاد البدائل والنظر للأخطاء بعين النقد ، حتى يتم تجنبها .
لما سئل كاستروا هذا السؤال أجاب ، هل الحل أن يظل الاستغلال موجودا !
سيظل الأمر مطروقا ما دام هناك استغلال ، ولن ينزل الحل جاهزا علينا ، دون تفكير وسعي للبحث عن حلول تستفيد من التجارب العالمية .
وأختم
مداخلتي بأننا اليوم نلمس الحيدة عن نقد الرأسمالية بطريقة تستلهم ماركس ، لنرى أي
حال وصلت إليه ثوراتنا العربية لما ارتمت في الطائفية ، والقبيلية ، والشعارات
البعيدة عن أي برنامج مفهوم ـ سوى مغازلة الحس الديني عند الجماهير.
الناس ما دامت هناك رأسمالية ستتذمر وتنتقد وتثور ، فليس الحديث عن الراسمال كأفضل نظام عمليا ، بل الناس ستثور ، لكن ما النظرية التي سيستلهمونها لثورتهم ، ما البرنامج ، هل برنامج الجشع والاستغلال أم ماذا ؟
ما هي النظرية التي تجعلهم يحللون الواقع الذي يعيشون فيه ، هل هي نظرية علمية واقعية ، أم سيظلون يستجدون قصائد عنترة ! هنا السؤال المطروق ، وهذا كله يدفعنا لاستلهام النقد الماركسي ، لكن دون الوقوع في الحرفية ، كذلك الاستفادة من أخطاء التجربة .
مودتي
الناس ما دامت هناك رأسمالية ستتذمر وتنتقد وتثور ، فليس الحديث عن الراسمال كأفضل نظام عمليا ، بل الناس ستثور ، لكن ما النظرية التي سيستلهمونها لثورتهم ، ما البرنامج ، هل برنامج الجشع والاستغلال أم ماذا ؟
ما هي النظرية التي تجعلهم يحللون الواقع الذي يعيشون فيه ، هل هي نظرية علمية واقعية ، أم سيظلون يستجدون قصائد عنترة ! هنا السؤال المطروق ، وهذا كله يدفعنا لاستلهام النقد الماركسي ، لكن دون الوقوع في الحرفية ، كذلك الاستفادة من أخطاء التجربة .
مودتي
مرحبا
بالاستاذ قصي مرة اخرى :
يقول تروتسكي : إن المقدمات الموضوعية للثورة الاشتراكية العالمية ليست ناضجة فحسب .. بل أخذت تتعفن ..
هذا يقودنا الى سؤال التغيير ..
النظام الراسمالي دخل في اكثر من ازمة واستطاع الخروج منها ..
والبديل يقولك تروتسكي بدا يتعفن ..
السؤال هل الراسمالية حقا نهاية التاريخ ومقاومته مستحيلة ؟
يقول تروتسكي : إن المقدمات الموضوعية للثورة الاشتراكية العالمية ليست ناضجة فحسب .. بل أخذت تتعفن ..
هذا يقودنا الى سؤال التغيير ..
النظام الراسمالي دخل في اكثر من ازمة واستطاع الخروج منها ..
والبديل يقولك تروتسكي بدا يتعفن ..
السؤال هل الراسمالية حقا نهاية التاريخ ومقاومته مستحيلة ؟
Gussai Hamror
الجواب:
نبدأ بالقول إن تروتسكي كان مخطئا، عموما، ببساطة. بالتالي فإن قوله إن المقدمات
الموضوعية للثورة الاشتراكية العالمية أخذت تتعفن قول لا يؤخذ به، ولا يحتاج لأن
نفسّره اليوم أو ندافع عنه في إطار دفاعنا عن فلسفة الاشتراكية. ربما السبيل
الوحيد الذي يمكننا من خلاله إيجاد العذر لتروتسكي في قوله هذا – بالإضافة لعدم
إسعاف الخيال له – هو أنه كان يقصد بالثورة الاشتراكية العالمية الثورة الشيوعية
الماركسية العالمية حسب تصور لينين لها (وبمدد من ماركس طبعا). هذه فعلا تعفنت
شروطها، ولعل ذلك من مصلحة الاشتراكية ومن مصلحة البشرية عموما.
لكن،
هذه فاتحة التفاكر حول الإجابة العامة لسؤال: ماهي المقدمات الموضوعية لتحول
اشتراكي عالمي (قد يوصف بثورة أيضا) وكيف نعرف مدى نضوجها؟ والأهم من ذلك السؤال
هو: ما دورنا نحن في عملية "إنضاج" تلك المقدمات الموضوعية، وفي عملية
"استعمالها" لإحقاق التحول الاشتراكي نفسه؟ سؤالان صعبان وضخمان بصراحة
(أو بالنسبة لي على الأقل)، لكن يمكننا التفاكر حولهما.
قبل
يومين قرأت مقالا صدر قبل أسبوع، في مجلة "بيزنس انسايدر" الالكترونية،
وهو عبارة عن حوار تم مع الاقتصادي المعروف، الحائز على جائزة نوبل، والمستشار
الاقتصادي السابق للرئيس الأمريكي كلينتون، وبروفيسور الاقتصاد في جامعة كولومبيا،
ونائب الرئيس السابق والاقتصادي الأول للبنك الدولي، وأحد أعلام النيولبرالية
سابقا، جوزيف ستيقليتز. في ذلك الحوار كرر ستيقليتز ما صار يقوله في السنوات
الأخيرة بنبرة واحدة، وهو أن الوفاق حول النيولبرالية وجدواها قد مات، وأن النيولبرالية
– وهي نفسها رأسمالية اقتصاد السوق بنسختها ما بعد الكينزية – أثبتت أنها مليئة
بالعيوب والتناقضات كما انها فشلت في تحقيق الرخاء الاقتصادي العالمي الذي زعمت
قدرتها عليه وفق اقتصاد السوق العالمي. ستيقليتز أيضا قام مؤخرا بكتابة تصدير طبعة
جديدة لكتاب كارل بولاني "التحول العظيم" وهو أحد أقوى الكتب في نقد
فكرة اقتصاد السوق والتنبؤ بالكوارث التي يمكن أن يجلبها تطبيق تلك الفكرة. كارل
بولاني كاتب اشتراكي معروف كتب كتابه هذا في 1944. يقول لنا ستيقليتز في تصديره
للكتاب إن بولاني كان له بعد نظر كبير في كشفه للإشكال الجوهري في فكرة اقتصاد
السوق وأي هيكل اقتصادي يمكن أن ينبني عليها، وأن قراءة كتاب بولاني هذا مهمة
اليوم مثلما كانت بالأمس وأكثر. أكثر من ذلك قال ستيقليتز إن الدراسات الاقتصادية
المحترمة وذات المصداقية اليوم لا تتساءل حول حقيقة فشل اقتصاد السوق عموما من
نجاحه، بل تتحدث عن إلقاء الضوء على مناطق فشله وعن كيف يمكن علاجها.
"نقوم
بتلخيص أطروحة بولاني هكذا: اقتصاد السوق، كظاهرة جديدة في تاريخنا البشري، كان
مواجها بتحدي كبير لبقائه، وذلك التحدي هو أن عناصر الإنتاج البشري في المجتمع
إنما هي ثلاثة: الأرض والعمل والمال. الأرض إنما هي البيئة الطبيعية؛ هي المورد
الطبيعي للخيرات وهي محل عمل البشر حين يستخرجون ويطوّعون خيراتها ليستفيدوا
منها في بقائهم ورخائهم. والعمل إنما هو نشاط بشري، مربوط رباطا عضويا بكينونة
البشر أنفسهم. أما المال فهو وسيط ابتدعته المجتمعات البشرية منذ قديم الزمن
لتسهيل عملية تبادل المنتجات والخدمات في إطار تقسيم العمل داخل المجتمع والعلاقة
التجارية بينه وبين المجتمعات الأخرى. المال بهذه الصفة ليس سلعة في ذاته، ولا
يجوز أن يكون، لأنه وسيط تبادل للسلع. النقطة المهمة التي يلفت بولاني انتباهنا
لها هي أن هذه العناصر الثلاثة ليست سلعا، ولا يصح منطقيا تسليعها. معنى "التسليع"
هنا هو اعتبارها سلعة معدة للبيع والشراء في السوق. بالنسبة لاقتصاد السوق هذه
مشكلة كبيرة، لأنه كيما يحكم سيطرته على مفاصل المجتمع لن يستطيع ذلك بدون أن تكون
لعناصر الإنتاج الثلاثة هذه قيمة في السوق، فما دامت عناصر الإنتاج خارج إطار
السوق لن يستطيع اقتصاد السوق أن يشمل جميع مناشط المجتمع (وهذا مطلب مهم وعزيز
لاقتصاد السوق، لأنه ليس مؤسسة اقتصادية فحسب، إنما هو أيضا مؤسسة اجتماعية
وسياسية [وأساسه أن الأسواق قادرة على تنظيم نفسها وتنظيم الاقتصاد الكلي بدون
الحاجة لسلطة اجتماعية فوق السوق؛ ويسمى أحيانا "اقتصاد السوق الحر"]).
ما جرى، باختصار، هو أن قوى السوق فعلا تمكنت من فعل ما هو غير منطقي: قامت بتسليع
الأرض والعمل والمال. أصبحت جميع هذه العناصر عرضة للبيع والشراء في السوق كما
بقية السلع الأخرى. هذا الوضع الذي خلقه اقتصاد السوق له عواقب سلبية جدا على المجتمعات
في المدى الطويل، لكن النقطة المهمة لنا الآن هي تسليع الطبيعة. حين تصبح البيئة
الطبيعية، والموارد الطبيعية، عبارة عن سلعة لا تعدو قيمتها الجوهرية قيمة السلع
الأخرى، فتلك هي البداية التي أضاءت الضوء الأخضر للممارسات البشرية الكثيرة التي
أدت لتدهور البيئة الطبيعية، على شتى الأصعدة، لمصلحة ثقافة استهلاكية، استحواذية،
عمّت أرجاء هذا الكوكب." (مصدر التلخيص: كتاب "السلطة الخامسة").
الآن
انتبه المجتمع الدولي، وببينها الدول الرأسمالية الكبرى نفسها، لهذه الورطة التي
تهدد مستقبل الحياة البشرية على كوكب الأرض، وهي ورطة دخلنا فيها عن طريق ممارسات
بشرية بدأت من الثورة الصناعية واستمرت حتى اليوم، حيث أن ثقافة الاستهلاك استنزفت
الموارد الطبيعية بصورة بالغة، والعملية الإنتاجية المستعرة قامت بتلويث الأجواء
ومصادر الحياة المهمة للبشر والحيوانات، والعالم الآن متفق بصورة عامة على أن نمط
الحياة والاستهلاك الذي روّج له اقتصاد السوق – بدون أن يذكرون اسمه – لم يعد ممكن
الاستمرار، كما أنه غير قادر على تكرار نفسه في المناطق النامية إذ ليست هناك
موارد طبيعية تكفي لتكرار القصة هنالك. ظاهرة التغير المناخي والتدهور البيئي من
أهم إشارات أن البشرية الآن تواجه خيار حياة أو موت، وأن المواصلة في الطريق
الرأسمالي هو خيار الموت.
صحيح
أن الرأسمالية نجحت مرات كثيرة في إطالة عمرها بحيل كثيرة، سنتناول بعضها لاحقا،
لكن الصورة الكبيرة بقيت حيث إنها في جوهرها نظام غير قادر على الاستدامة لقرون
مثلا. في اعتقادي أن ما بقي من عمر الرأسمالية اليوم يحدده مدى نضج البديل (أو
البدائل) الذي سيقوم بإزاحتها إما مرة واحدة أو عبر خطوات (وكلا الاحتمالين ثورة).
ما أعني بنضج البديل ليس فقط البديل الاقتصادي السياسي (وهو مهم جدا بالتأكيد، من
حيث التنظير والتخطيط والاستعداد للتطبيق، وهو حاليا موجود بصورة وافية في نظري
وقابلة للنمو باستمرار) إنما أعنى أيضا قدرة قوى التغيير وإرادة التغيير على
الشروع في العمل ومواصلة المشوار حتى نهاياته، أي المزاوجة بين الفكر والعمل (ما
يسمى بالبراكسِسْ).
وآخر
جوابي،
عموما لا أعتقد أن التحولات الكبيرة التي يمكن أن يشهدها عالمنا المعاصر في المستقبل القريب ستأتي من مراكز الرأسمال، من دول العالم الأول، ومن الجيد أن لا تأتي منها. أعتقد أن التحوّلات الكبيرة ستأتي من العالم الثالث، وينبغي لها أن تأتي من العالم الثالث، فذلك كفيل بإحداث الهزة المطلوبة التي تخلخل ثوابت النظام العالمي الحالي، المادية والمعنوية، وتسمح بإبدالها بثوابت أخرى أكثر شمولا وأكثر عدالة وأكثر استدامة. لكن حتى لو جاءت بدايات التحوّل من داخل العالم الأول، من المقاومين من داخل بطن المارد، فإنهم سيحتاجون لبناء جسور وتحالفات قوية جدا، وذات ندّية كاملة، مع شعوب العالم الثالث حتى ينجح ذلك التحوّل.
عموما لا أعتقد أن التحولات الكبيرة التي يمكن أن يشهدها عالمنا المعاصر في المستقبل القريب ستأتي من مراكز الرأسمال، من دول العالم الأول، ومن الجيد أن لا تأتي منها. أعتقد أن التحوّلات الكبيرة ستأتي من العالم الثالث، وينبغي لها أن تأتي من العالم الثالث، فذلك كفيل بإحداث الهزة المطلوبة التي تخلخل ثوابت النظام العالمي الحالي، المادية والمعنوية، وتسمح بإبدالها بثوابت أخرى أكثر شمولا وأكثر عدالة وأكثر استدامة. لكن حتى لو جاءت بدايات التحوّل من داخل العالم الأول، من المقاومين من داخل بطن المارد، فإنهم سيحتاجون لبناء جسور وتحالفات قوية جدا، وذات ندّية كاملة، مع شعوب العالم الثالث حتى ينجح ذلك التحوّل.
السؤال
الاخير للاستاذ يوسف :
ابرز التاثيرات الثقافية للراسمالية على العالم وعلى منطقتنا ماهي في نظرك ؟
ابرز التاثيرات الثقافية للراسمالية على العالم وعلى منطقتنا ماهي في نظرك ؟
يوسف سمرين:
الرأسمالية
ليست مجرد اقتصاد وإن كان الاقتصاد هو الأكثر ثقلا فيها ، فهي أيضا فلسفات وأفكار
، هي تلك الأفكار التي تعزز الفردية ، وأكبر مثال على التأثر الثقافي والفكري
بالرأسمالية ، هو ما يظهر ويبث في قنوات كثيرة ويتصدر للكتابة فيه رموز وطنية
ودينية ، على سبيل المثال عدنان إبراهيم ، كظاهرة تعتبر في فلك التأثر
الرأسمالي ، بتعزيز الفردية ، والتعامل مع النصوص كحالة ذرائعية براجماتية في كثير
من تصوراتها .
الأفكار المثالية التي تعجب بها الساحة اليوم لا شك أنها تأثر وتخدم الرأسمالية ، لدرجة أن كليات كثيرة للفلسفة لا تدرس فيها الفلسفة المادية ، بل لا يسمعون باسم ماركس ! إلا على صعيد تاريخي أو سياسي أو اقتصادي !
تم تحويل نظرية ماركس في كثير من الجامعات إلى الجانب الاقتصادي ، والتاريخي ، أما الفلسفي فيكاد يكون غائباً بشكل تام.
الأفكار المثالية التي تعجب بها الساحة اليوم لا شك أنها تأثر وتخدم الرأسمالية ، لدرجة أن كليات كثيرة للفلسفة لا تدرس فيها الفلسفة المادية ، بل لا يسمعون باسم ماركس ! إلا على صعيد تاريخي أو سياسي أو اقتصادي !
تم تحويل نظرية ماركس في كثير من الجامعات إلى الجانب الاقتصادي ، والتاريخي ، أما الفلسفي فيكاد يكون غائباً بشكل تام.
أوضح الأمثلة على التأثر بالثقافة الرأسمالية انتشار ما يسمى بكتب التنمية البشرية ، على سبيل المثال كتاب (العادات السبع للناس الأكثر فعالية) لستفين كوفي ، طبع على غلافه أنه طبع منه 15 مليون نسخة !
في التقديم له يقولون : كتب هذا الكتاب لتحفيز الموظفين !
نحن نتكلم عن انتشار الأفيون التنموي هذا لجعل الإنسان كماكنة ، يعمل كل شيء ! دون تذمر ، بل يكتفون بالقول له : أخرج كل الطاقة السلبية منك ! ، بدل أن يدرس ويبحث في أي وضع يعيش وما النظرية التي تمكنه من رؤية الواقع كما هو .
يتعاطى جرعة صوفية من تلك الكتابات ، تجعله يصدق أن أطفال إفريقيا الذين يتعرضون للنهب ، ويعانون الجوع والأمية ، لو أخرجوا أفكارهم السلبية سيحلون المشكلة !!
الثقافة الاستهلاكية ، غياب الحس النقدي الفعّال ، البراجماتية ثقافة البزنس فحسب ، هذه كلها صور ، لا يمكن بطبيعة الحال محاربتها إلا ببدائل ثقافية وفلسفية مقابلة ، وهذا لا يتم بيوم وليلة ، ولا يتم أيضا بالنخب الثقافية المتعالية التي تعيش بعيدا عن الناس العاديين ، بل بأولئك الذين يشعرون بالناس، ويرون مشاكلهم ، وبما أنهم نخب ثقافية يبحثون عن البدائل التي تحسن أو تغير جذريا وضع الناس هؤلاء .
فالصور للتأثر كبيرة جدا ، ولا يمكن حصرها ، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي تفرد الرأسمال بالمنطقة كثقافة ، وهذا يدفعنا إلى إعادة النظر مليا في سبل التغيير ، والثقافة التي يجب بثها .
فكما سبق أن قلت الناس سيتذمرون عاجلا أو آجلا وما لم تكن أمامهم نظرية للعمل ، فسيعملون ولو بفوضوية ولو بإرهاب ! وهذا ما سيضر بهم من حيث لا يعلمون ، ويضر بقضية الشعوب التي ينطلقون باسمها .
وسعيد جدا بهذا اللقاء وأشكرك أستاذة رفيدة ، وأشكر أخي الكريم Gussai Hamror ، وكل المتابعين الكرام..
السؤال
الاخير للاستاذ قصي :
الضمان الاجتماعي وتحسين اوضاع العمال والضرائب التي تؤخذ من الشركات وتنفق على المحتاجين في شكل خدمات ..
الا يعتبر هذا تحسنا وتطورا يخفف غلواء الراسمالية ؟
الضمان الاجتماعي وتحسين اوضاع العمال والضرائب التي تؤخذ من الشركات وتنفق على المحتاجين في شكل خدمات ..
الا يعتبر هذا تحسنا وتطورا يخفف غلواء الراسمالية ؟
Gussai Hamror
الجواب: لعل السؤال الذي يجيب على هذا السؤال هو: هل يُعتَبَر كل ما تفعله الدول ذات النظم الرأسمالية عموما جزءً من الرأسمالية أيضا؟ هل إذا تبنّت دولة رأسمالية أي سياسة اقتصادية فيها عدالة أكبر، يمكن تلقائيا أن نقول إن تلك السياسة "رأسمالية" نسبة لنظام تلك الدولة؟ لتقريب ذلك السؤال يمكن أن نقول أيضا: إذا زعمت دولة ما أنها "دولة دينية"، فهل ذلك يعني أن كل قانون أو سياسة تصدرها وتعممها سلطات تلك الدولة هي بالضرورة إذن "قوانين وسياسات دينية"؟
الإجابة طبعا لا. الأنظمة الرأسمالية قامت بتنازلات كثيرة ضد مبادئها النظرية حتى تتمكن من إطالة عمرها؛ وهي فعلا قد نجحت في ذلك لدرجات كبيرة. لكن تلك التنازلات ليست "تخفيفا من غلواء الرأسمالية" بمعنى التنازل عن أساس عملية مراكمة الأرباح بتضخيم وتدوير فائض القيمة. بل بمكره قام رأس المال بتوسيع موارد فائض القيمة لديه، من السوق العالمي، كيما يعطي العمال في البلدان المركزية (العالم الأول) مزيدا من الفوائد والمكاسب المادية التي تجعلهم يتخدرون عن القيام بقلب الأوضاع بالثورة على البرجوازية الحاكمة هناك. هذا التحويل التكتيكي لعملية الاستغلال البشع للعمالة – أي تحويل ذلك الاستغلال نحو عمال العالم الثالث أكثر وتخفيف العبء عن فئات مختارة من عمّال العالم الأول – هو ما سماه كوامي نكروما، الرئيس الأول لغانا والمفكر الاشتراكي الافريقي، بالاستعمار الجديد، وهو مرحلة لاحقة من الإمبريالية، التي بدورها ليست سوى تعبير الرأسمال العالمي عن نفسه في الميدان السياسي الاقتصادي العالمي.
لاستبيان هذا الأمر أكثر علينا النظر لعملية خلق فائض القيمة. واسمحوا لي مرة أخرى بالاقتباس من كتاب "السلطة الخامسة":
"مفهوم فائض القيمة هو أساسا مفهوم ماركسي، وهو من أميز مساهمات ماركس في علم الاقتصاد، لأن به استطاع أن يؤسس لمنهجه الاشتراكي. يعني فائض القيمة أن الرأسمالي يعطي العامل أجره (قيمة عمله) ويحتفظ هو بفائض هذه القيمة - أي ما يزيد عن أجر العامل في سعر بيع السلعة التي أنتجها العامل - تحت مسمى الأرباح وبحجة ملكيته لوسائل الإنتاج التي يعمل بها العامل. هذا الفائض هو الذي به يراكم الرأسمالي ثروته الضخمة المتضخمة، في حين يبقي العامل تحت سطوته بحكم ملكيته - أي الرأسمالي - لوسائل الإنتاج التي لن يستطيع بدونها العامل فعل شيء، ولهذا فإن جوهر الاشتراكية هو تخليص وسائل الإنتاج من ملكية الرأسمالي، وجعلها ملكية جماعية.
بيد أن الكثير من الحركات الاشتراكية المعاصرة، ولوضوح صعوبة تحقيق جوهر الاشتراكية اليوم، تحاول أن تبقى مناضلة من أجل حيازة العمال على المزيد من النصيب في فائض القيمة، وذلك بزيادة الأجور والتأمينات الصحية والتعليمية والسكنية وحقوق المزيد من التنظيم واعتبار الرأي في العملية الإنتاجية، الخ، وقد حققت هذه الحركات بعض المكاسب المتفاوتة في دول العالم الأول، إلا أن دول العالم الثالث ما زالت متأخرة كثيرا في هذا الاتجاه. لكن عموما يبقى الحل الاشتراكي النهائي المتفق عليه بين عموم المدارس الاشتراكية هو الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج."
فما نراه هنا إذن هو أن النظام الرأسمالي لا يستطيع أن يتنازل عن طبيعته الأساسية، وهي مراكمة الأرباح والتوسع في تحصيل فائض القيمة أينما وكيفما أمكن ذلك. لكن بإمكان النظام الرأسمالي أن يقوم بتنازلات تكتيكية عن بعض خيرات فائض القيمة، فيعطي بعض الجهات المستغلـَّة نصيبا زائدا عن المعتاد من الأرباح كيما يحوز على بعض رضاها أو على التقليل من تذمّرها؛ أو يمكن أن نقول على تدجينها. لكنه لا يتنازل عن طبيعته الأساسية فهو حينها لن يكون نظاما رأسماليا أساسا، أي سيحرر شهادة وفاته بنفسه، وذلك ما لن يفعله. لذلك ليس من الحكيم أن نظن أن النظام الرأسمالي "خفف من غلواء الرأسمالية" في جوهرها حين منح عمّال بلدان العالم الأول المزيد من الامتيازات ليستمتعوا بها. واقع الأمر أن كل منافع الاقتصاد والتكنولوجيا الحديثة هي حق القوى العاملة المنتجة والمواظبة على استمرارية نمط الحياة الحديث هذا، أما الرأسماليون/البرجوازيون فهم لا حق لهم في التحكم بفائض القيمة وفي احتكار معظم الأرباح المتراكمة لأنفسهم.
لكن من سيقنع عمّال العالم الأول بذلك؟ أقول بعضهم مقتنعون أساسا، فزيادة استفادتهم من امتيازات الأرباح جعلتهم أيضا يزدادون وعيا بقدراتهم على إدارة عملية الإنتاج كلها بدون الحاجة لأرباب العمل البرجوازيين الذين يأخذون معظم الأرباح لجيوبهم الخاصة رغم أنهم لا يفعلون شيئا ذا قيمة حقيقة في عجلة الإنتاج. هؤلاء العمّال المستيقظين يرون ذلك، ويستطيعون الاستنتاج الحصيف من ذلك الواقع، كما أن عددا غير قليل منهم يحتكون بالأفكار الاشتراكية عن طريق النقابات بصورة تترك أثرها في تفكيرهم ورؤيتهم للأشياء، شاؤوا أم أبوا. أيضا فإن هنالك حركة متنامية ماضية في اتجاه بناء التعاونيات الإنتاجية، في قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات، حيث أن أعدادا من العمّال المنتجين وذوي المهارات العالية والتعليم غير القليل استطاعوا الوصول لخلاصة نظرية، ولتطبيقها، تقول بأنهم قادرون على بناء وإدارة أعمال إنتاجية مجزية لأنفسهم بأنفسهم، فهم العمال وهم أرباب العمل أيضا، وفق ندّية داخلهم وبدون "رئيس" بينهم. وبذلك فهؤلاء العمّال أصبحوا أوعى فعليا، أكثر من غيرهم، بأن إدارة العمّال لوسائل الإنتاج، إدارة ناجحة، ليست مجرد تنظير وأماني بل أمر واقع الآن ويمكن تحقيق المزيد والمزيد منه.
("والتعاونيات حول العالم مشهورة بانتشارها بنسب أكبر في القطاعات الزراعية والأعمال ذات التقانات غير المعقدة، كما تنتشر أكثر أيضا بين الفئات غير الثرية وفي المناطق الريفية، لكن هذه الصورة العامة لا تنفي وجود تعاونيات ناجحة وقوية في القطاعات غير الزراعية البسيطة وذات التقانات الحديثة - صناعية، خدمية، مصرفية، معلوماتية، الخ - كما لها تواجد أيضا بين الفئات متوسطة الدخل وذات التعليم المهني العالي، وفي المراكز الحضرية، في عموم بقاع العالم. ببساطة، التعاونيات اليوم لها تجربة في أي قطاع اقتصادي أو مستوى تقاني معروف. جدير بالذكر هنا أن منظمة الأمم المتحدة كانت قد أعلنت سنة 2012 بكاملها "السنة الدولية للتعاونيات"، ترويجا لها ودعما لنموذجها، حيث قال السكرتير العام للأمم المتحدة، السيد بان كي مون، عنها: "أثبتت التعاونيات، من خلال تركيزها المتميز على القِيَم، أنها نموذج تجاري مرن له مقومات البقاء ويمكنه أن يزدهر حتى في الأوقات الصعبة. وقد ساعد هذا النجاح على حماية العديد من الأسر والمجتمعات المحلية من الانزلاق في هوة الفقر... التعاونيات تذكير للمجتمع الدولي أنه من الممكن السعي لتحقيق الكفاءة الاقتصادية والمسؤولية الاجتماعية معا.") (للمزيد يمكن مراجعة كتاب "السلطة الخامسة").
لكن لعلنا يحق الآن أن نتساءل: وماذا نفعل الآن إذ من الصحيح أن عمال العالم الثالث يتعرضون لاستغلال أبشع من عمّال العالم الأول، ولديهم وسائل وحقوق تنظيم أقل بكثير كما أن سعيهم من أجل البقاء لا يجعلهم يتململون كثيرا كي لا يخسروا إحدى سبل كسب العيش القليلة جدا المتاحة لهم (خصوصا وأنهم إذا اعترضوا كثيرا قد يكون مصيرهم مثل عاملي مناجم منطقة ماريكانا، في جنوب افريقيا، في سبتمبر 2012، الذين قامت قوات الدولة بقتلهم بالسلاح، في مجزرة لم تشهدها تلك البلاد منذ 1960 أيام الأبارتيد، جراء إضرابهم ومقاومتهم لظروف العمل والأجور الجائرة لدرجة تشبه الاستعباد)؟ أيضا ماذا نفعل والرأسمالية العالمية مستمرة في استعمال التكنولوجيا الحديثة والماكينات للاستعاضة عن القوى العاملة الماهرة والمنظمة، الأمر الذي يقلل من خطرها على رأس المال مع الزمن؟
أبادر فأقول إني أرى أن كل هذه الأشياء لن تكون كافية لكي تحافظ الرأسمالية على بقائها يد الدهر، فكثير من التغيرات التي تظن الرأسمالية أنها لصالحها يتضح لاحقا أنها تتراكم وتتفاعل مع عوامل أخرى لتزيد من ورطة الرأسمالية العالمية. لكن هنالك خطر حقيقي فعلا، واحتمال وارد، وهو أن تختار الرأسمالية العالمية خيار الحماقة وإدخال العالم في أزمة عالمية ضخمة جدا (ربما حرب عالمية ثالثة أو كارثة بيئية حادة وواسعة، أو خليط بينهما أو شيء من هذا القبيل) فقط لتستطيع استثمارها لتمديد بقائها في مقعد السلطة العالمية برغم كل الضحايا وكل الخسائر التي ستتكبدها البشرية والتي سيتكبدها رأس المال نفسه. ليست عندي شخصيا ضمانات ضد هذا السيناريو القاتم، لكنه عموما سيناريو لا يغيّر شيئا من قائمة المطلوب عمليا اليوم من القوى المناهضة للرأسمالية: المضي قدما في بناء الجسور التواصلية والتحالفات القوية، والمضي قدما في بناء وفاق حول رؤية لعالم جديد ما بعد الرأسمالية، والمضي قدما في خطوات تنظيمية حقيقية، ثم خطوات تغييرية/ثورية حقيقية متسقة داخليا مع نفسها ومع رؤاها.
وختاما شكرا لكم جميعا على هذه الاستضافة وهذا التفاكر، ولكم وافر المودة والأماني الطيبة
قصي همرور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق